عرض مشاركة واحدة
قديم 09-22-2009, 01:20 AM   #4
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


تسوق مغمض العينين لتجاوز مشاهد الألم..
العيد في الحديدة .. فرح يسرقه الفقر ومشاهد بؤس تضج بها الأرصفة وركود في مبيعات متطلبات العيد



21/09/2009 الصحوة نت – عبد الحفيظ الحطامي:

للعيد في الحديدة أكثر من صورة .. وأكثر من مشهد ورائحة ونكهة، تتداخل أشواق الناس بأوجاعهم، تختلط فيها روائح العطر بالفل وبذكريات عابقة اغتالها واقع سيئ ينتزع من قلوب الناس الأفراح ويكدر حياتهم .. أحلام الصبية بفرحة العيد التي ألفها المواطنون في السهل التهامي يسرقها تدهور المعيشة من شفاههم بصورة مؤسفة وكارثية .. " أنا أبي اشترى لي بدلة من الحراج لكنه وعدني إذا استلم الإكرامية بيشتري لي ولإخواني الأربعة بدلات مثل حق طارق" .. لا أعرف طارق لكنني تعرفت على أيمن ابن 11 ربيعا مع والده في سوق باب مشرف .. أيمن يبدوا غير راضي عن بدلته وبدلات إخوانه، والأب كذلك يحاول أن يبتلع مرارات أطفاله بابتسامة عن "العيد عيد العافية" ويقسم بالله انه لن يشتري له ولأم أيمن بدلات ذا العام فالظروف صعبة بالنسبة لدية رغم أنه موظف ..

إذا أردت أن تقترب من أشواق الناس وأوجاعهم فأسواق الحديدة قبيل دخول العيد بأيام تكشف لك عن المعاناة والمأساة التي تؤرق المواطنين في محافظة منهوبة .. يقف الأطفال "فاطمة وخالد ووليد" إلى جوار أمهم التي تحاول أن تكسوهم بما لديها من ريالات قليلة.. تقف الأم سعيدة مرتبكة محرجة حائرة بين أطفالها الثلاثة .. تحاول أن ترغمهم على الشراء من الثياب المستخدمة التي تباع ويحرج بها في سوق باب مشرف بينما خالد ابن الثامنة يبكي بين يدي والدته ويريد بدلة مثل زملائه في الحاره "بسيم ، واحمد ، وعبد الرحمن" .. كنت بالقرب من هذا المشهد الدامي لأسرة عفيفة ، تقول أن عائلها مقعد ومريض في المنزل وان احد أبنائهم غادر البلاد إلى السعودية ولم يعد منذ 4 سنوات ، وهي تحاول ان تعول أسرة لكنها لا تود إن ترى أطفالها يتسولون احد.

"سعيدة" في العقد الخمسين من عمرها ، تحاول عبثا أن تبتلع مرارات أطفالها وتلبي ولو بعض من حاجاتهم، مشهدا أوجع قلبي وأنا أزور بائعي الثياب الجاهزة وممن يبيعون ملابس مستخدمة، كان علي الاتصال بأحد الميسورين لينقذ هذه الأسرة الفقيرة التي ترفض التسول في مواجهة الفقر وتحاول قسرا التأقلم مع واقعها الجديد وظروفها القاسية، طلب احدهم بعدم الإفصاح عن اسمه وطلب مني أن لا أنشر صور أطفالها .. أتمنى أن يكون أطفالها الثلاثة قد ابتسموا البارحة فرحة بقدوم عيد هو بالنسبة لدى الأم عيد العافية.


ثمة ارتفاع في أسعار الملابس واختلاف في أسعارها بين من يبيعون في الحال التجارية وبين من يبيعونها في البسطات .. ثمة ازدحام سنوي في أهم أسواق بيع الملابس بالحديدة في باب مشرف والمطراق وشارع صنعاء والتحرير والقرابية وغيرها من الأسواق والشوارع الغاصة بالمواطنين صغار وكبار ا.. هنا تباع الملابس الجاهزة وهنا حلويات العيد وهنا أصوات بمكبرات أصوات تنادي على زبائنها تبيع قطع القماش والفوط والملابس وألعاب الأطفال والخردوات وأشياء كثيرة هنا تباع رخيصة الثمن وغالية على الفقراء .. تختلط مشاهد وأصوات الباعة المتجولين والمتسولين والمشترين .. تتداخل بشكل مأساوي وحين يدفع بك الفضول الصحفي الاقتراب من هؤلاء تجد ثمة شكوى مريرة وقلة من يقسم عليك بالله اتركنا وشأننا قادحنا ضابحين خلي الصحافة للمسؤولين أشتي أبيع البضاعة التي معي هكذا يصرخ مفيد الوصابي .. الجميع هنا يبحث عن حاجاته من البائع إلى المتسول إلى المشتري إلى المحرج تتداخل أصوات مكبرات الصوت فلا تجد تميز ما لذي تريده هؤلاء الأفواه التي تغيب إلى جانب هدير المولدات الليلية التي أصبحت في كل دكان ومحل تجاري بالحديدة في محاولة للهروب من أزمة الكهرباء وانطفاءاتها المتكررة .. بعضا من الفرح يكتسي بعض طفولة تخرج من سيارات فارهة تدفع لكل ما ترغب من أشياء ومتطلبات العيد ليتأكد لك أن
العدالة الاجتماعية مستحيلة.

ياسين إلى جوار والده يخرج بثياب والعاب وحلوى مبتسما وفي المقابل صمت مشهد آخر دامي ثلاثة أطفال يتسابقون على مسح سيارة والده وحين سألت والد الطفل قال لي نعم مشهد مؤلم إنه الفقر الكافر ولا تصدق نحن نعيش في ذات الهم والغم، البلاد تتجه نحو المجهول إذا ما استمرت الأوضاع على هذا الحال والله يستر.

في شارع صنعاء شريط من البؤس والألم يتكوم أمام أعين الزائرين والمتجولين وبالقرب من محلات بيع الأقمشة ومتطلبات العيد في مفارقة تبدو غير طبيعية، لكن هذا المشهد السنوي الماثل بمأساويته طوال العام ولو بمشهد أقل، أصبح أمر عادي و تأقلم الناس مع هكذا وضع.

ثمة تطبيع قسري لأبناء الحديدة والزائرين لها مع هكذا مفارقات مؤلمة تدعو للضحك والبكاء معا .. لا زلت في شارع صنعاء قبل أن ادخل إلى إحدى المحلات التجارية أسأل احدهم عن الملابس هذا العام فيقول لك إنها غالية وتأخذ علينا نحن أصحاب الدخل المحدود كل شيء لكننا نحاول أن نظهر أمام أطفالنا وأننا قادرين على رعايتهم وتحقيق الفرحة لهم ويمضي طاهر عبد الله، لقد استنت مبلغ مالي على ذمة إكرامية الرئيس السنوية وعلى الله ولا زلت غير مصدق مما يشاع من أن الدولة غير قادرة على دفعها.

أما خالد عبد المعين سيف وهو صاحب محل أقمشة فيرى أن الفقر وتدهور المعيشة أثر بشكل مباشر علينا والمواطنين يبحثون عن كل ما هو رخيص وأنت ترى البضائع الصينية والآسيوية تملأ الأسواق وبشكل جنوني ونحن نزلنا ملابس غالية لكن المواطن يبحث عن الرخيص ليفرح أطفاله بأي شيء بعيد ا أنه يبحث عن الجميل والأنيق، ويؤكد زميله مشتاق الدبعي هذا العام غير العام الماضي يبدوا أن حالة الناس ازدادت سوى وإكرامية رمضان إذا صرفت أكيد سيزداد الزبائن.

رهان الموظفين ودوي الدخل المحدود على إكرامية سنوية يرونها تأخرت ويتخوفون من عدم صرفها، تبدو لدى البعض مستحيل صرفها بحسب أنور على وعادل الشميري وفؤاد العزي، لأن وقتها راح وذهب وهؤلاء المسؤولين يصرفون أموال الدولة متى يريدون ومتى يروق لهم حينما تكون الظروف لصالحهم وحين يكون المواطن بحاجة إليها لا يجدها للأسف .. خالد يوسف واحمد البذجي وعبد الخالق سعد بائعي حلويات العيد يشكون من ركود كبير في المبيعات أسوأ من العام الماضي.. المواطنون يكتفون بشراء الحلويات العادية الرخيصة وهناك تخوف من التجار من تكدس البضائع في المخازن إذا لم تصرف، ويؤكد عبد الجبار أن العام الماضي "الحلويات التي بعنا منها في عيد الفطر بعنا منها في عيد الأضحى" والسبب بحسب قوله "الناس يبحثون عن القوت الضروري قليل من يشتري هذه الحلويات والعصائير ويكتفون ببعض العصائر المهربة الرخيصة وهو بودر غير مرخص لها وتؤثر على المسالك البولية - بحسب قوله.


أما فاطمة العنزة، موظفة في القطاع الخاص فتقول إن هذا العيد كثير من الأسر في محافظة الحديدة ستحرم من كثير من المتطلبات والتي عادة تشتريها الأسر في الريف والمدينة والسبب هو الغلاء الفاحش وتدني مستوى دخل الفرد والأسرة .. في أسواق الحديدة وأرصفتها وشوارعها ثمة نزيف للآدمية التي تتعدد حاجاتها مرضى ومعاقون ومختلون عقليا أطفالا ونساء ورجال فتية وفتيات يتسولون بكل شيء بعاهاتهم وفواتير العلاج وبأطفالهم وعجزهم وشيخوختهم توسلات مؤلمة ومشاهد تكاد لا تفارق كل الساحات الجميع يفترش طقع الكرتون والأسمال البالية ويرتمي إلى الرصيف .. أفتش عبثا عن العيد في أعين هؤلاء بل وفي عيون فقراء يتسوقون بحثا عما هو رخيص الثمن في محاولة لستر الحال .. أجدني غاصا باللوعة والحزن ماذا سيقول لي صالح ونبيل وعافية أطفال يقفون مع المئات من الأطفال في الجولات والأسواق .. قلت لهم إيش يعني لكم العيد كيف تعيدوا ما هو العيد هل انتم فارحون بالعيد حاولت أن أبسط سؤالي لهؤلاء الأطفال ربما أجد بعضا من أمل أن ثمة فرحة عالقة في براءتهم ..

ارتد إلى الجواب طاعن في الألم شعرت بقسوته في الخاصرة والقلب تقول عافي وهي طفلة شبه معاقة في العيد نحصل على فلوس كثيرة من أهل الخير ونشتري بها طحين وخبز وغدا لي ولأخواني ، أما صالح فيكتفي بالقول إن العيد تمام بس أنا ما أقدر اشتري بدلة ولما قدنا كبير إن شاء الله با شتري لي بدلة عيد عرفه إن والد صالح مريض، أما نبيل ابن العاشرة فمرق من أمامي وهو يلوح بكراتين الفاين مناديل مناديل .. تجبرك أسواق الحديدة كزائر أن تتسوق وتتعمد إغماض عينيك لأكثر من ألف مرة في محاولة للهروب من النظر إلى مشاهد وصور تدمي القلب، عبد الله الوصابي يقول انه يتسوق وهو أشبه بالأعمى يحاول جاهدا تجاوز مشاهد البؤس التي تزداد بشكل خطير في هذه المدينة ترى أصحاب العاهات والجروح والكسور والهياكل والأمهات اللواتي يرضعن أطفالهن والأطفال النائمين على الورق وأشياء أخرى تبكي القلب قبل العين .
  رد مع اقتباس