بغيت صبر !!
2009/10/7 المكلا اليوم / محمد باجنيد
قليل من أحفاد وأبناء المهاجرين الحضارمة من يستغل إجازته السنوية أو العارضة ويأتي المكلا لإطفاء جذوة شوق او بحثا عن ثقافة قديمة وعادات ظنوا أنها ما تزال موجودة في كبرى مدن حضرموت ومشاهدة مايردده الحضارمة الأوائل عن موطنهم الأصلي في مهجرهم كل يوم, ويتغنون به أسمارهم مثل أغنية تقول بعضا من كلماتها:
ليت المكلا قريبه
كل من نوى .. يضوي إليها
ياعمر قدها فضيلة
ربنا .. با يصلح الشأن
وهو شأن لم يتمكن المفسرون من معرفته هل هو شأن الحضارمة في المهجر أم في موطنهم الحضرمي؟
إلا أن الواضح أن هذا الشأن الذي تمنى الحضارمة الأوائل له الصلاح لم ( ينصلح ) حاله بعد, فالجيل الجديد من أبناءهم يحملون شوقا كبيرا إلى بلد يعتقدون أنها تنافس في (عصريتها) البلدان التي (تمدنوا وتحضروا) فوق ترابها وتعلموا في مدارسها وجامعاتها وتنفسوا هواء نظيفا في شوارع مدنها وأثرى آباؤهم من اقتصادها, وجدوا حينما وصلوا إلى المكلا المدينة الحلم في أذهانهم وجدوا (المكلا غير) مدينة ابرز ملامحها الفقر والتخلف والعشوائية.
مدينة بغت صبر !!
مدينة يلاقيك فيها الموظف الحكومي بابتسامة عريضة دون أن ينظر إلى وجهك بالقول: أيه بغيتنا أسوي !! حتى يتركك تتساءل هل يبتسم لك كمراجع او يضحك عليك ولذلك لم يكلف نفسه النظر إليك.
وموظف آخر حينما تستعجله في طلب معلومات في أمر ما يبادرك بالقول: أن الأمور بغت صبر.
ولا .. احد يعلم من يصبر على من وعلى ما يصبر الناس.
وآخر لا يرى خجلا في الطلب من مراجعيه دفع مبالغ أكثر من التكلفة الرسمية للمعاملة وحينما تسأله لماذا ؟
فانه لا يرى غضاضة في القول: بغيت ولا بكيفك !! اللافت في الموضوع انه يرد على مراجعيه بصوت مرتفع كي يفهم من لا يفهم انه لا يخاف المحاسبة لأنه يدرك بان أحدا لن يحاسبه, غير المراجع الذي حوله وقوته في المبلغ الذي سيدفعه لهذا الموظف الشجاع بن الشجاع.
وإذا خرج حفيد الحضرمي الأول والقادم من بلاد بعيده, او من بلاد قريبه إلى المولد بحثا عن منظر لشارع جميل يلتقط فيه صورة للذكرى يتفاخر بها في بلاد المهجر ليقول هذا المنظر من بلاد الأجداد الأوائل فانه لا يجد أمامه غير شوارع كان يغطيها شيئاً لونه يميل إلى السواد وطرقا أخرى ينتعش التراب فيها باللعب مع الأطفال والشبان .. وهو تراب (قليل حياء) لأنه يحب ملامسه أطراف عباأت البنات وللنساء.
وفي المكلا باعه على ارصفه الشوارع يعرضون (آكلاتهم) المكشوفة لعملائهم من الغبار والديزل والذباب والناس أيضا دونما رقابة من الجهات الصحية, او من هيئة حماية البيئة ذات النفوذ والقوى في التصدي للمشاريع الاستثمارية بحجج ضررها للبيئة, بينما لا ترى ضررا في مأكولات الشوارع الـ ( TAKE AWAY)
وفي مدينة المكلا مطاعم اقرب ما تكون إلى سكن لعمال المناجم أكثر من كونها مطاعم للمأكولات الشعبية إذ أنها خالية من ابسط مواصفات المطاعم وهي نظافة العاملين فيها.
ويذهب الحضرمي الجديد.. يتجول في المكلا.. (موال الأجداد).. بحثا عن حلوى السيد والصياديه والبنقله والسوق ومطاريق (أزقه) مثل مطراق صلى على النبي او مطراق الشرف.. وداخل السدة وقصر السلطان القعيطي وبرحة زيرن وبئر الشيبه.
فيجد أن حلوى من بلد شقيق قد ازدادت شهرة وارتفعت قيمتها المالية أما المكلا فلم تعد فيا حلوى او حلاوة, وتبدلت الصيادية بالمخبازه والسوق صار مثل الحراج فيه (من كل شي .. شي) ملابس ومواد بناء ومواد غذائية وتجار تجزئه وجملة ومفترسين للأراضي.
أما منطقة المكلا التاريخية فهي مأهولة بالبشر والغنم والدجاج وقد صدق مسئولا في الحكم المحلي وعده حينما أعلن قبل أشهر انه لن يترك غنمه واحده او دجاجه واحده او كلبا ضالا يسير في شوارع المكلا فبدلا من الغنمة أغناما والدجاجة دجاجا وهكذا فالشوارع ملك لكل ذي كبد ومخلفاته, فمثل هذه الحيوانات كما قال المسئول المحلي (الله يحفظه) تضر بوجه المدينة الحضاري !! والحق أن وجه المكلا الحضاري لا زال محتشماً يغطيه بخار البحر والغبار وأحزان الفقراء والقمامات.
وفي السدة وهو المسمى القديم لباب المكلا وللمنطقة الفاصلة بين وسط المدينة وخارجها في القرن الماضي
وفي ذلك الموقع الذي يعيد للذاكرة بعضا من تاريخ المكلا التائه بين البحر والطين يوجد حاليا مراكز للمطافي, كان ذلك الموقع مكانا لوزن حمولة السيارات المغادرة للمدينة ومنع السيارات من تحميل أكثر من طاقتها حماية للمواطنين وللمركبات وللطرق أيضاً, أما في الوقت الحاضر فان السيارات (البيك اب) الونيتات او القلابات تحمل على ظهرها من البشر وبضائع ما تعجز عن حملة بواخر اوناسيس اليونانيه وجاكلين الامريكية, وما يفشل ميناء المكلا في استيعابه من اسمنت ومواشي مجتمعه
ويبقى الخور آخر محطات المكلا السياحية فالخور لم يعد خوراً بل بدأ يعلن عن نيته في العودة إلى (عيقه) حنينا إلى ماضيه القديم .
ولا يجد سكان المكلا حرجا في التندر على أحوال الخور بالقول انه أصبح مصب نفط يقصدون بذلك أن مياه مجاري بعض مناطق المدينة تصب فيه فتلون مياه البحر ويتنكر الهواء لرائحته النقية
وسيظل القلق دائما على الخور في أن يحقق أهدافه ويعود (عيقة) كما كان لان احد لا يريد أن يتحمل مسؤولية ما يحدث للخور وكل جهة ترى أن الجهة الأخرى: بغت صبر
المضحك المبكي أن زائر مكلا 2009 يقول أنها بلدة الزيارة الواحدة... وأنها المدينة التي بغت صبر يفوق صبر المجنون على ليلاه.
ولكي تصبح المكلا مدينة الأحلام فإنها تحتاج إلى صبر, وصبر على مسئولي الحكم المحلي الذين تكاثر في عهدهم الذباب والناموس والحيوانات الضالة وتنافست قمامات الشوارع في الحجم والطول.