عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2009, 03:23 PM   #3
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


الخوف من الأطراف.. معضلة الصدام اليمني ـ اليمني!

18/10/2009
د. أمين ساعاتي، الاقتصادية:

يقول علماء السياسة إن أخطر ما يتهدد استقرار أي بلد.. هو التوتر المقبل من الأطراف، ومنذ استقلال اليمن الجنوبي عن بريطانيا العظمى في 1966 والأوضاع في اليمن تتأرجح بين الصدام المسلح والتوتر، وطبعاً تربطنا مع الأشقاء في اليمن حدود دولية تتجاوز 1500 ميل جنوب وجنوبي غرب شبه الجزيرة، بمعنى أن أي توتر في داخل اليمن سيؤدي إلى توترات في أطرافنا الجنوبية والجنوبية الغربية . وأذكر أنني كنت أحد ثلاثة خبراء انتدبتهم جامعة الدول العربية في عام 1990 للذهاب إلى اليمنين الشمالي والجنوبي لإجراء حوارات باسم الأمين العام السابق الدكتور أحمد عصمت عبد المجيد مع الرئيس علي عبد الله صالح والرئيس سالم البيض بهدف تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة في اليمن الشمالي واليمن الجنوبي لنزع فتيل الانفجار بين الطرفين.

والواقع أننا نجحنا في إرساء مبادئ للتهدئة والحوار بين جميع الأطراف، ولكن في النهاية استطاع اليمن الشمالي أن يجتاح اليمن الجنوبي ويفرض وحدة اليمنين.

ورغم أن الخلاف بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي انتهى لصالح الوحدة اليمنية في عام 1990م وقيام جمهورية اليمن الموحدة برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح، إلاّ أن الأكَمَة كانت تخفي خلفها الكثير من الدمامل التي انفجرت في السنتين الأخيرتين حتى أصبحت حرباً مسلحة ذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء من الطرفين.

ومنذ بداية انفجار الخلاف بين حكومة الرئيس علي عبد الله صالح والحوثيين كانت المملكة تطلب من جميع الأطراف التحلي بروح الأخوة والمسؤولية وإيقاف لغة السلاح والاحتكام إلى منطق الحوار والجلوس إلى مائدة المفاوضات، ولكن يبدو أن هذه اللغة لم تجد أذناً صاغية من كلا الطرفين حتى وصل النزاع المسلح إلى خطر حقيقي على الاستقرار في اليمن وعلى الاستقرار في الأطراف الجنوبية للسعودية.

وطالما أن الصدام المسلح بلغ هذا المستوى الخطير وهو مرشح إلى مزيد من الخسائر البشرية والمادية في الجانبين، فإنه ليس أمام المملكة إلاّ أن تطرح مبادرة سلام وتطلب من جميع الأطراف إيقاف لغة السلاح والتوجه إلى المملكة لمناقشة وضع صيغة للتفاهم والتوقيع على اتفاق يتم بموجبه تسوية جميع الخلافات العالقة من أجل ترسيخ الأمن والسلم في ربوع اليمن السعيد، ولا توجد دولة تستطيع القيام بهذا الدور إلاّ السعودية، لأن لها معزة ومكانة لدى جميع القبائل والأطراف اليمنية.

إن الدبلوماسية السعودية, بخبرتها الثرية, كانت تدرك بأن اليمن تتجاذبه نوازع كثيرة وخطيرة، وإن المصالح العليا للمملكة تقتضي ضرورة بناء حائط عريض من العلاقات الأخوية، وكان الملك عبد العزيز - يرحمه الله - حريص على إقامة علاقات سعودية ـ يمنية على أسس راسخة من مبادئ حسن الجوار وتحقيق المصالح المشتركة للحكومتين والشعبين الشقيقين. ولذلك دفع الملك عبد العزيز العلاقات بين البلدين الجارتين إلى توقيع معاهدة الطائف في عام 1933 التي لم تكن فقط - كما يظن الكثيرون - لتحديد الحدود الدولية بين البلدين، وإنما كانت أيضاً معاهدة لبناء علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية ترقى إلى مستوى الوحدة الكونفدرالية، أكثر من هذا فقد نصت المعاهدة على أن أي اعتداء على أي منهما هو اعتداء على الدولتين واجب الدفاع، كما اعتبرت المعاهدة أن أمن الدولتين هو أمن واحد مشترك، كما نصت المعاهدة على تحرير التجارة بين البلدين وإعطاء حق حرية انتقال العمالة والرساميل لجميع مواطني الدولتين الشقيقتين.

وكانت المملكة في كل مراحل العلاقات مع اليمن حريصة على تجديد هذه العلاقات حتى يسود الاستقرار بين الدولتين بشكل دائم، وفي عهد الملك فيصل - يرحمه الله - اتفق البلدان على تشكيل لجنة التنسيق التي كان وما زال يرأسها من الجانب السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز - أمده الله بالصحة والعافية.

والشيء الذي يبعث على التفاؤل أن السعودية وجمهورية اليمن تحتفظان بسجل رائع في مجال نجاح المفاوضات السلمية ومنع الاحتقان أو الاحتكام إلى السلاح، وكانت معاهدة الطائف تتويجاً لعلاقات تاريخية عززت علاقات حسن الجوار ودعمت الاستقرار على حدود الدولتين لأكثر من 70 عاما.

والحقيقة أن تركيبة المجتمع اليمني وخصائصه النخبوية تدعو إلى القلق لا سيما في ظل الأوضاع التي وصل إليها المجتمع اليمنى حالياً، فهناك قنبلة القبلية والعرقية، وهناك قنبلة المذهبية والدين، وهناك قنبلة المصالح الشخصية.

ويجب أن نتفهم أن تاريخ الصراع في اليمن يعود إلى أسباب عرقية وقبلية ومذهبية في الدرجة الأولى، أمّا الأسباب السياسية، فإنها أسباب تأتي فوق سطح التناحر القبلي والمذهبي.

ونذكر جميعاً أن اليمن الجنوبي قبل الاستقلال تبني المذهب الشيوعي، ولكن المذهب الشيوعي لم يكن صفة أصيلة في الخلاف بين اليمنين، ولذلك سرعان ما تلاشى المد الشيوعي وذهب إلى غير رجعة.

ولذلك فإن الخلاف الحالي بين الرئيس علي عبد الله صالح والحوثيين ليس خلافاً في السياسة لا يلبث أن يتلاشى وتعود المياه إلى مجاريها، وإنما هو خلاف عرقي ومذهبي، ومع الأسف يحمل معه تدخلات مذهبية من خارج اليمن.وإذا كان الوضع في اليمن قد وصل حالياً إلى هذا المستوى من التعقيد، فإنه فعلاً يثير القلق والخوف، ولذلك إذا ترك الصراع على حاله فإنه مرشح لاندلاع سلسلة من الحروب الأهلية بين القبائل يصعب التكهن - لا سمح الله - بنتائجها المريرة. وهنا تكمن الخطورة ويتعاظم دور السعودية، لأن السعودية توجد في عقول وعروق القبائل في المنطقة كلها، بل إن جزءاً كبيراً من القبائل اليمنية تعيش فوق أراضي السعودية وتحمل الهوية السعودية، ولذلك فإن دور المملكة لإنهاء هذا الصدام المسلح دور مهم للغاية، كما أنه دور مفيد للدولة السعودية والدولة اليمنية، بل دور مفيد للأمن والاستقرار في هذه المنطقة التي تعيش حالياً على صفيح ساخن وصدامات مسلحة قد تجر إلى ما لا تحمد عقباه، بمعنى أن استمرار هذا الاختصام المسلح ربما يقود إلى تدخل دول أخرى من خارج شبه الجزيرة العربية، وعندئذ يصعب إيجاد حل عاجل للمشكلة، ولذلك أؤكد على ضرورة أن تقوم الدبلوماسية السعودية بمسؤولياتها لحل الخلاف بين الرئيس على صالح والحوثيين، لأن حل هذا الخلاف هو حماية لأطرافنا من تدخلات خارجية بدأنا نتحسس وجودها في سعير المعارك الملتهبة في صعدة وما حولها.

التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس