النظام السياسي اليمني بين السقوط والانتشال
عماد بشير الواعي
1
تثار هذه الأيام أسئلة كثيرة حول الواقع اليمني والنظام السياسي بشكل خاص ؛ وعن مدى قدرته على الصمود والبقاء في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها اليمن سواء الحرب في الشمال أو الحراك في الجنوب والوسط ، وهل باستطاعة الأنظمة الأقليمية والدولية الداعمة المحافظة على صورة النظام وشكله من التلاشي والاندثار ؟ أم أن الأمور فعلا لا زالت تحت السيطرة كما يقول الرئيس اليمني وحكومته ؟
المتأمل في بناء الدول والحضارات ومن ثم سقوطها وذبولها وتلاشيها ، يجد أن هناك سننا تسير وفقها وتستمد منها مصادر قوتها أو ضعفها وتلاشيها . فأي نظام يتمخض مثله مثل الجنين تماما كما ألمح ابن خلدون في مقدمته ، يولد أي نظام وتولد معه أسباب فنائه وعوامل موته ، لكن تسريع عملية الموت من عدمها يختلف باختلاف بناء الأنظمة والأسس التي بنيت عليها وكيف بنيت ، ثم كيف تعامل النظام مع أسباب الضعف والأدواء التي تصيبه أو تنمو معه وهذا يعتمد على قدرته في التعاطي مع واقعه وبيئته والمراجعة المستمرة لماضيه وقراءة الخطوات السابقة التي قطعها من عمره ، ومدى قدرته على سماع ما قاله المناؤون والخصوم عنه والتعاطي بإيجابية بالغة لمعرفة أوجه القصور وكيفية تلافيها ليضع بعد ذلك رؤيته المستقبلية بموضوعية وعناية، ففي هذه الحالة قد تضمن بقاء أي نظام في الوجود واستمراره وتأخير فنائه واندثاره .
وقد يصاب النظام بغرور القوة وجنون العظمة فلا يلتفت إلى ماضيه ولا يسمع مخالفيه ومعارضيه ، بل يترنم لكلمات المديح ويطرب لسماع الثناء المبالغ فيه والإيهام بصنع المعجزات التي لم يأت بها أحد ، فيبدأ يوزع على مخالفيه تهم الكيد والمكر والعمالة والخيانة وتجريدهم من كل صفات الوطنية لا لشيء إلا لأنهم لم يوافقوا هواه ولم يترنمو باسمه كما يترنم بقية القوم ، وهذا في حد ذاته داء عضال اذا أصيب به أي نظام فقرأ عليه الفاتحة والسلام .
يرتكز أي نظام على ثلاثة أسس أساسية ينطلق من خلالها وينمو بها ويستمر بمقدار محافظته عليها فإذا انحرف عن واحدة منها تلاشى واندثر تتمثل هذه الأسس في الآتي:
القيم والتصورات التي ينطلق منها ويدعو الناس إليها .
التأييد الشعبي الواعي لها .
القيادات التي تدعو الناس إليها وتحملهم بها .
فإذا اسقطنا ما سبق على النظام السياسي الحاكم في اليمن فما هي القيم والمبادئ التي ينطلق منها ويدعو إليها هل هي مبادئ الثورة أو الأسس التي قامت عليها الوحدة أو ما احتواه الدستور من مواد وانبثقت من خلاله القوانين المكتوبة على الأوراق ، كل ما سبق يدعيه النظام ويتغنى به لكن الإدعاء ما لم يقام عليه دليل هو نوع من الثرثرة فالدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء .
فالتحرر من مخلفات الإمامة وإزالة الفوارق بين الطبقات ، كُرس بصورة أخرى فبدل من عمامة الإمام نابت عنها بدلة الفندم ، فالتوريث قائم على أشده ابتداء من توريث المواقع العسكرية إلى رئاسة الجمهورية فما الذي يميز حكام اليمن الجدد عن السابقين من آل حميد الدين إلا الزي والهيئة واختلاف القرن ليس إلا .
أين صور الرقي والحياة الإجتماعية الآمنة التي يُحَلم بها الشعب من قبل النظام القائم وهو يرى الموت يأتيه إلى سرير نومه من رصاصة طائشة بسبب قتال على جبل أوتل في أمانة العاصمة ناهيك عن غيرها .
الشعب اليمني في الحقيقة ليس لديه دولة بالمعني العصري عند بقية أمم الأرض فهوالذي يدير نفسه بنفسه فهو في الحقيقة يعالج مريضه في مستشفى خاص وإن عجز سلم لله قضائه وقدره على أن يذهب إلى مستشفى حكومي ليموت هو قبل مريضه مئة موته في اليوم نتيجة لسوء الخدمات وانعدام الرعاية وتوغل المحسوبية و،ويدرس ابنه في مدرسة خاصه فإن عجز أخرجه ليتهرب إلى السعودية أو يشترى له فيزة مزيفه أو ربما يلقى حتفه على يد حرس الحدود في محاولته للتسلل. وإن حدث شجار بين الجارين فالتحكيم القبلي أولى فلا نظام ولا قانون واذا سمعت كلمة نظام وقانون فربط معها ، البحث عن وساطة ، أو تقديم دبات العسل وملفات القات هبات وهديا لولاة الأمور..
أما الخدمات الأساسية الأخرى التي يتغنى بها النظام ويزعم أنها تميزه عن حكم من سبق فحدث ولا حرج فالكهرباء معدومه عن أكثر من 40% من مناطق اليمن والبقية كهرباء تنطفئ في اليمن مرات ، ناهيك عن الحديث عن الصرف الصحي أو توفير مياه الشرب .
فما هي القيم والتصورات التي ينطلق منها النظام الحالي ويدعو الناس إليها ، هل قيم الإسلام التي يتغني بها أحيانا ، فهو يقاتل الحوثيين في الشمال دفاعا عن الصحابة وذبا عن السنة وحماية للجمهورية التي ملكها في الحقيقة لأسرة ، ويضرب الحراك في الجنوب بحجة الدفاع عن الوحدة وحمايتها من دعاة الفرقة والإنفصال
ويستهدف حزب الإصلاح حفاظا على الديمقراطية ومحاربة للإرهاب والتطرف ، وهكذا دواليك ؟
النظام القائم جمع كل مصلحي نفعي إما منتفع من البداية أو حزبي ترك حزبه سواء كان إسلاميا أو يساريا وانطلق لينال حظه من تركة الباب المفتوح.
هل القيم والتصورات التي ينطلق منها النظام هي فن إجادة الرقص على رؤس الأفاعي؛التي لم يستطع الرئيس بعبقريته تحويلها إلى أرانب لمدة ثلاثين عاما بل قواها وأمدها بأنواع السموم المختلفه ، فأحيا الثارات المنتهية وغذا العصبية القبلية وأعاد للأذهان الملكية التي يلعنها ليلا ونهارا بسعيه نحو التوريث ابتداء من توريث المناصب العسكرية لأبنائه وأبناء أخيه.
لا توجد أي قيم أو تصورات ينطلق النظام منها فكم من لجان شكلها للقضاء على الفاسدين وكم من المنح والقروض التي أخذت تحت مسميات عدة!! وكم من الصدقات بذلت من قبل الجيران والأصدقاء فلم يستفد منها غير العاملين عليها فآتت أكلها من بناء القصور وشراء عشرات الهكتارات في الشمال والجنوب، والبقية أعيد إلى البنوك في الخارج لوقت الشدائد .
قبل عامين وقف الرئيس في مهرجانه الانتخابي يعد الناس ويمنيهم بالقضاء على الفقر والبطالة في خلال سنتين ، ووعد أن تنار البلاد بالطاقة النووية فخشي اليمنيون حينها من الدخول في مشاكل عالمية مع وكالة الطاقة الذرية فحولت على لسان وزير الكهرباء إلى توليد الكهرباء بالريح ثم حُولت إلى توليد الكهرباء بالغاز ثم انتهت إلى توليد الكهرباء بالشمع الصيني .
تعهد الرئيس أمام مؤيديه ببتر أيد الفاسدين والعابثين بمصالح البلاد ، وبعد ثلاث سنوات إذا بالبلاد تبتر والأرض تقطع وتوزع لكسب الولاءات وشراء الوجاهات .
أما حال الشعب فزدادت نسب الجهل والخروج من التعليم مبكرا ، وأصبحت المنح الدراسية حكرا على أبناء المسؤلين ، ولذا لا قيمة لابداع المبدع إن كان فقيرا معدما من أسرة عادية.
المتتبع لسير النظام اليمني يجده متخبط في أغلب تصرفاته متناقض مع نفسه فهو في الوقت الذي يزعم أنه فتح باب الحرية والتعددية السياسية فهو كذلك يسعى لتشظي الأحزاب وكسب الولاءات ، وبناء نظام قائم على الكسب الشخصي واستغلال الفرص لنهب ما يمكن نهبه وسلبه .
لم يعد للنظام اليمني من وظائف الدولة التي يقوم بها إلا مايلي :
جمع الضرائب والجمارك والصدقات والهبات وموار النفط والغاز وسائر الثروات .ثم توزيعها على مستحقيها من العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم. ولا عجب من قدرة النظام على تحويل أغلب مشايخ القبائل وكثير من أساتذة الجامعات ووجاهات البلاد إلى متسولين في باب الرئاسة ينتظرون صرف الحوالات، ومزيد من الأعطيات .
منح صكوك الوطنية ووسامات النضال والدفاع عن الوحده والديمقراطية لكل موالي ومتزلف ، وبالمقابل توزيع صكوك الخيانة والعمالة والرجعية والإرهاب لكل مخالف ومنتقد ومتضجر من الوضع وداعي إلى التغيير والإصلاح.
قمع المظاهرات والاعتصامات بالقتل والإعتقال والتهديد سواء بالاتصالات بالأشخاص أو بالخطف .
توزيع المناصب واسكات الناس بها وإن كان بعضها شكلي من باب المدارة ليس أكثر فمجلس الشورى محطة من محطات التهميش أو التقاعد الأولى ، والتعيينات بدون صلاحيات بمعنى كوز مركوز وسيلة للإسكات والإكتساب المالي ليس إلا ؛ فتخيل في محافظة واحدة أكثر من خمسة عشر وكيلا للمحافظة فماذا بقي لمدراء العموم ناهيك عن التعيينات لغير الكفاءات اذا أن الكفاءة لا معيار لها ابتداء .
انعدام القيم والتصورات في منظور النظام اليمني أفقده القدره على السيطرة على الوضع ، مما جعله يتخبط في البحث عن الحل دون أن يعترف ابتداء بأنه يغرق بل يصر في كل لحظة بأنه المنقذ؛لقد وصل النظام إلى ذروته في الغرور السياسي وهو الان ينحدر نحو القاع وتلك سنة الله في الدول والأمم والشعوب . .............يتبع
*باحث في الفكر الإسلامي
مقيم في ماليزيا - كولالمبور
خاص بالمصدر أونلاين