>> اراء تغييرية
إصلاح مسار الدولة .. الحل الأنسب
سمير محمد الأحد 2009/11/01 الساعة 07:08:46
في ظل الاوضاع الراهنة التي تشهدها بلادنا أصبح الوطن هو الجدار القصير الذي تعلق عليه مكنونات السخط وثورات الغضب ، ولا شك بأن الساخطين قد اختاروا الحل الأسهل في التعبير عن غضبهم متصورين بأن الوطن و الوحدة هما السبب في كل ما يحيق بهم من أوضاع متردية وفسادٍ مستشرٍ , ولا شك بأن للساخطين كل الحق في التعبير عن غضبهم طالما و أن الدولة قد اختارت بدورها الحل الأسهل وهو الصمت إزاء مايحل بالمواطن اليمني منذ أكثر من عمر الوحدة .
و لا لوم على المواطنين - الذين لا يملكون إلا قلوبًا كوتها الحكومات المتعاقبة بجرعات الفساد و أرتال المصائب التي بدات و ما انتهت في التعبير عن غضبهم طالما و الدولة مخلة بالقيام بواجباتها ومسوؤلي الدولة يتبجحون بأموال الشعب علنا بشراء الأراضي والسيارات والبسط على ممتلكات الدولة و التفاخر بوضع أحجار الاساس لمشاريع وهمية لم تنفذ أو نفذت بجزء بسيط من الموازنات المعتمدة .
وقد يكـون أكثر الشعارات ترديدا منذ فترة ما بعد حرب صيف 1994 م هو ( إصلاح مسار الوحدة ) و المثير حقا بأن أغلب الذين رفعوا هذا الشعار وابتكروه هم الذين يطالبون اليوم بالإنفصال علنًا اليوم و تقويض الأساس الذي قامت عليه الجمهورية اليمنية ، بالاضافة الى فوضى الحوثيين التي يقال بأنها تهدف للقضاء على النظام الجمهوري الذي تأسس إثر قيام الثورة اليمنية فى سبتمبر عام 1962 م ، وتعزز أكثر بعد قيام الثورة اليمنية الثانية فى 14 اكتوبر 1963 م , فعلينا أن نعي أن الوحدة ليست خطأ حتى يتم إصلاحها بل إن الوحدة هي الشئ الجميل الذي حدث لنا كيمنيين في الوقت الراهن وهي الإنجاز الوحيد ومبعث الفخر الاعز في ظل غياب الإنجازات وسيطرة الخيبات المتتالية التي تمر أمام أعيننا .
و لوضع حلول جذرية للمشكلة الأهم التي تواجه مسيرة الدولة اليمنية يجب الاعتراف بأن دعوات الانفصال و ازدياد حدة التمردات لم تعد مطالب نخبوية سياسية بل إنها قد خرجت من الوضع (الرأسي) و أصبحت تتوسع ( أفقيا ) على مستوى البسطاء من الناس ، في الوقت الذي عجزت الدولة بالقيام بواجباتها عبر مؤسساتها التي أصبح الحديث عنا ليس إلا ترويجًا للإستهلاك العالمي أكثر منه محليًا ، وما وجود تلك مؤسسات الدولة إلا ديكورًا حداثيًا و مناصب شكلية يتم تعيين الموالين والذين يُخاف جانبهم بها ، و إسناد المسؤولية لأناس لايملكون أي مؤهلات أو كفاءات إلا تميزهم بصفة الأقرب فالأقرب ، و قد أثبتت الأيام خطأ هذه السياسات و ما يمر به البلد اليوم من منعطفات خطيرة هذا إنما هو نتيجة التصرفات الخاطئة المتراكمة و غير المدروسة التي تقوم بها الدولة ممثلة بأعلى مستوياتها بصفتها الدستورية المسؤولة عن سير مجريات عمل الدولة .
الحال أكثر سوداوية مما يتم كتابته و حتى رؤيته و أشد تعقيدًا و هو نتاج سياسة طويلة صبغت الحياة السياسية و العامة على حد سواء بعشوائيتها من خلال تغليب المصلحة الخاصة على العامة حتى أصبح مصطلح (من حق الدولة حلال) شائعًا في أوساط الشعب و أصبح غير مستهجنًا ـ علنًا ـ رؤية بيوت المسؤولين الفارهة من باب (الله يفتح علينا كما فتح عليهم ) كناية عن رغبة الجميع في أن يصبحوا مسؤولين في الدولة ، و لو تأملنا فعلا لوجدنا أن عدد الموظفين في الدولة أكثر من اللازم في ظل توظيف عشوائي و وجود أكثر من وظيفة لدى البعض بالرغم من نظام المسح الوظيفي .
( إصلاح مسار الدولة ) أكثر واقعية مما سواه من الشعارات التي ابتليت بها بلادنا منذ سنوات طويلة ، و أنا أعي أن عملية الاصلاح ليست سهلة وربما تؤدي أي خطوة جدية لهذا الإصلاح إلى زعزعة النظام في ظل وجود قوى متنفذة و مسيطرة من مصلحتها بقاء الوضع كما هو عليه. و هناك شائعات تتداول في اليمن مفادها أن تلك القوى المستفيدة هو وراء رجوع رئيس الجمهورية عن إستقالته الشهيرة قبل الإنتخابات الرئاسية عبر الضغط و ربما التهديد و شائعات كثيرة أخرى وكلها تفيد بوجود سيطرة قوية من قبل تلك القوى على مقاليد البلاد والعباد في بلادنا . لذا فإن المواطن اليمني أصبح يائسًا أكثر من أي فترة ماضية بوجود إصلاح حقيقي في عمل الدولة وردم الهوة بين المواطن و الدولة وهذا يتضح جليًا فيما يجري من مظاهرات المفترض أن تكون سلمية في المحافظات الجنوبية و تمردات صعدة العبثية .
في الواقع فان هنالك فترات كثيرة كرت كانت فيها الفرصة كبيرة لإصلاح مسار الدولة وفرض هيبة الدولة من قبل رئيس الجمهورية لكنها ضاعت كلها للأسف الشديد. بعد الوحدة المباركة في عام 1990 م كانت أولى الفرص قد ضاعت لإصلاح الوضع لكن المكايدات السياسية و تغير المناخ السياسي وإنشغال النخبة السياسية في الصراع الديمقراطي أدى لتكريس بؤر النفوذ والسيطرة ، وفيما بعد حرب 1994 م أتت ثاني الفرص حيث كان المناخ السياسي مهيئًا لفرض هيبة الدولة و لكن توزيع المنح السياسية و التوزيع الجديد لمراكز القوى و النفوذ أضاع هذه الفرصة. وقد أثبتت أزمة جزر حنيش في عام 1996 م ورجوعها للسيادة اليمنية حنكة السيد الرئيس وترسخت قناعة كبيرة لدى الشعب بمدى مايمكن أن يفعله لإصلاح الأوضاع , لكن الوضع استمر على ماهو عليه دون أي إصلاح .
وتوالت فيما بعد ذلك الفرص الضائعة من قبل السلطة في إصلاح الأوضاع بعد الإنتخابات الرئاسية الأولى في عام 1999 م ثم بعد اتفاقية جدة بين الجمهورية اليمنية و المملكة العربية السعودية ثم أتت مشكلة الحوثي وكانت الفرصة سانحة بفرض نظام الدولة بدلا من نظام الفوضى المعمول به في الحياة السياسية اليمنية لكن مع كل فرصة تضيع يصبح تكريس الواقع الصعب هو الحل الأسهل .
لا أدري إن كان في الأفق المزيد من الفرص التي ستأتي من أجل فرض النظام و إصلاح مسار الدولة و جعلها تسير في خط مستقيم , لكن الذي أعرفه هو أن الماضي لن يعود و أن أي إصلاح سيكون صعبا إن تأخرت عملية القيام به .
و أن القيام بالخطوات الأولى لعملية اصلاح مسار الدولة و تلمس الشعب لجديتها كاف لإنهاء كل الإحتقانات و المشاكل فما يطلبه الناس هو دولة حقيقية تنظر للناس بمبدأ المواطنة الكاملة .