عرض مشاركة واحدة
قديم 11-15-2009, 12:53 PM   #1
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

صيانة القانون بصحراء حضرموت " حكايات من أرض الرمال


صيانة القانون بصحراء حضرموت

السبت , 14 نوفمبر 2009 م

حكايات من أرض الرمال

بقلم : جيم أليس

ترجمة / محمد سالم قطن

في ديسمبر عام 1951 م جرى تعييني مساعدا عسكريا للمستشار البريطاني المقيم بمحمية عدن الشرقية. جانب من عملي كان هو الاضطلاع بواجب صيانة القانون والنظام بمناطق الصحراء الشمالية لحضرموت، التي يحدها من الغرب المملكة المتوكلية اليمنية ومن الشمال رمال الربع الخالي. وتسكنها قبائل الرعاة من البدو الرحّل . كانت قوة حفظ السلام لهذه المنطقة الشاسعة ترتكز أساساً على دوريات الجيش البدوي الحضرمي الذي تقع قاعدته في مدينة المكلا .

الضابط عبد الهادي حماد، وهو من أصل عراقي ، جرى انتدابه للعمل في حضرموت من قبل الجيش العربي الأردني . كان هو القائد المكلف بإدارة هذه القوه ، كما كان أيضا هو الرجل الثاني في قيادة الجيش البدوي الحضرمي. كانت القبائل التي تعيش بتلك المنطقة هي :ــ الصيعر، الكرب، نهد ، العوامر، المناهيل ، المهرة. والتي كانت تعيش ضمن علاقات تعاهدية مع سلاطين المنطقة المتعددين. كما كانت لنا أيضا،بعض التعاملات والصفقات من وقت لآخر مع قبائل دهم وعبيدة من المملكة اليمنية. ومع قبيلة يام من العربية السعودية ومع قبيلة الرواشد التي ليس لها أرتباط خاص بأي من السلطنات والدول القائمة بالمنطقة وقتها. كما كان لنا علاقاتنا مع بيت كثير في سلطنة عمان. فيما بعد ظهرت أمامنا بعض التعقيدات في الجزء الشرقي من هذا الإقليم؛ حيث يعيش بعض قبائل المهرة ( أساسا بيت خوار) داخل سلطنة عمان ،فيما يعيش بعض آل كثير بين قبائل المهرة. وعندما جرى فتح طريق" الحج "الصحراوي عبر " العبر" و" نجران" شاهدنا الكثير من " الدواسر" السعوديين الذين كانوا يملكون ويقودون أغلب الشاحنات التي تمر في ذلك الطريق.

كان هناك ماض من تاريخ الغارات والصراعات المتبادلة بين هذه القبائل ، وبينها أيضا مع قبائل أخرى بعيدة عن المنطقة. وأسوأ ذلك الماضي ،كان فيما حدث بين قبيلة " دهم" وبين قبائل المشقاص( المناهيل، المهرة، وسكان المناطق الشرقية). وكانت القطاعات البدوية من قبائل" الصيعر"هي الأسوأ سمعة بحيث كان كل جيرانها ينظرون اليها كخطر ماثل أمام أعينهم.

لقد جرى احتلال القوات القعيطية ل" العبر" منذ عام 1939 م، لكن هذا لم يكن كافيا لكبح جماح" الصيعر" والآخرين عن الغارات المتبادلة وإراقة الدماء. ولهذا تم في عام 1950م تأسيس حصون وقلاع الجيش البدوي الحضرمي فوق آبار " زمخ" و " منوخ". الشيء الذي أوقف غارات " الصيعر". لكن " المناهيل" و" المهرة" مازالوا يضمرون أفكار الثأر والانتقام ضد قبائل " دهم" التي كانت كثيرا ما طرقت مثاويهم و غارت عليهم دون رحمة في الماضي. كما كانت لديهم العديد من المنازعات مع قبائل " يام" وعبيدة" لم تسوى بعد. على الرغم من أنها ( أي المنازعات) كانت ناتجة عن أخطائهم هم بأكثر من أن تكون من أخطاء خصومهم.

ففي نوفمبر عام 1951م، شرع المناهيل والمهرة في تنظيم حملة غزو مشتركة فيما بينهم، انطلقت من " ثمود" مستفيدة من المياه التي توفرت لديهم من الأمطار والسيول التي تدفقت على منطقتهم مؤخرا. وبذلك تفادوا المرور بالآبار المحروسة بالحاميات . وتحركت الحملة الى "الريان " بديار دهم. واستولت على بئر" الماشيناكا" والتي منها أغاروا ، لا على" دهم "فقط، بل على " يام" و عبيده"أيضاً. ثم عادوا أدراجهم شرقاً . لكن "عبدا لهادي" تلقى خبر هذه الغزوة في الوقت المناسب وشرع في مطاردة الغزاة . ولهذا فاجأ الغزاة في بئر" شقهم" بوادي ماخية، ونجح في استرداد بعض الإبل المنهوبة كما قتل أحد الغزاة وأصاب آخر إصابة شديدة.

وتحسباً من غارات مضادة كرد فعل لماحدث، قمنا بتسيير دوريات منتظمة بالسيارات على امتداد المنطقة الواقعة مابين " جبل الثنية" والرمال الشمالية ل "خشم الجبل" . وفي بعض الأحيان كانت دورياتنا هذه تزور "وادي الوديعة" و"تلة الشرورة" اللتين تقعان في نطاق ديار الصيعر،ووقتها لم يكن السعوديون يبدون حول هاتين المنطقتين أي اهتمام ورغبة. كذلك لم تبدي قبيلة "يام" علامة اعتراض على تسيير دورياتنا. حقيقةً، كان هناك قطاع من هذه القبيلة يقوم برعي مواشيه باتجاه الجنوب الشرقي . وكنا نحن والصيعر نسمح لهم بذلك ، وهؤلاء "الياميون" كانوا في ذلك الزمن يتزودون بالمياه من العبر،كما كانوا يزورون حضرموت و يتسوقون في أسواقها.

في يوم من أيام يناير عام 1954 م ، كنت أنا وعبد الهادي على رأس دورية من دوريات جيش البادية الحضرمي نجوب تلك المنطقة. أكتشفنا وجود فرقة جيولوجية تابعه لشركة أرامكو الى الشمال قليلا من "الشرورة" . فأشعرت المسئولين عن تلك الفرقة ، بأن من الضروري عليهم التراجع والانسحاب الى داخل حدودهم . وهذا مافعلوه .
بعدها بفترة، أخبرني المستشار البريطاني المقيم بالمكلا، بأنه لا يجب عليّ اعتبار " الشرورة" أنها داخل حدودنا على الرغم من كونها في ديار الصيعر، وذلك لأنها تقع خلف " الخط البنفسجي ".

و" الخط البنفسجي" المذكور هو الخط الذي أتفق كل من البريطانيين والأتراك في عام 1913 م على اعتباره الحد الفاصل بين منطقتي نفوذ كل منهما. وذلك لتجنب أية إشكالات أو اشتباكات قد تحصل بينهما في المستقبل. كان هذا الخط مرسوما بمسطرة على الخريطة بمداد بنفسجي اللون.ويبدأ من جبل " البلق" شمال حريب ن ويمتد بزاوية 45 درجة بعرض الجزيرة العربية لينتهي في مكان ما بالقرب من قطر.

وفي عام 1926م،بدأت المملكة العربية السعودية تأخذ شكلها الحديث،كما استوعبت قبيلة " مرة" التي نجح الملك عبد العزيز في إقامة أقوى العلاقات الشخصية معها. ومراعي هذه القبيلة كانت تقع إلى الجنوب من الجانب الشرقي لهذا الخط البنفسجي. ولقد انعقدت بمدينة الرياض بعد ذلك سلسلة من المفاوضات بين البريطانيين والسعوديين ،نتج عنها إحداث تعديلات للخط البنفسجي ،وهي ماأسماها البريطانيون ب:ــ " خط الرياض"،على الرغم من أن السعوديين لم يبدو أية إشارة على قبولهم بها. ولقد تلقيت التعليمات أثناء عملي هناك على أن اعتبر هذا الخط المعدل بمثابة خط الحدود، إلا في حالات مطاردة الدخلاء.

وفي أواخر سبتمبر عام 1955م، أشعرتنا قبيلة الصيعربوجود فريق ضخم من" أرامكو" مزود بآلات يجري أعمالاً في ديرتهم ، وبالتحديد شمال عيوة الصيعر السفلى. لهذا قمت مصطحبا معي الرئيس سالم عمر الجوهي ،الذي حل محل عبد الهادي، باستطلاع المنطقة المذكورة . وبالفعل وجدنا آلة حفر تقوم بالعمل في هذه المنطقة التي تقع جنوب خط الرياض، وفيما بعد أسمينا هذه المنطقة بالمخيم A . ولما كان هذا الفريق العامل يبدو كبيرا، فقبل أن أتصل به قمت بطلب تعزيزات عسكرية حتى لا تطرأ أية مناقشات بعد بدئي في مواجهة الحادث.

وبالفعل طارت تلك التعزيزات من الريان إلى زمخ مصحوبة بضابط ارتباط من سلاح الجو تحسبا لإمكانية احتياجنا لدعم جوي. وفي 5 أكتوبر تحركنا إلى المخيم A ، الذي وجدناه يضم فريق حفر تابع لأرامكو مع مرافقين وحرس سعوديين. وفي البداية تحدثنا مع رئيس الحرس والمرافقين السعوديين ،وطلبنا منهم أن يغادروا هذه المنطقة. ثم اقتربنا من فريق ارامكو،الذي كان في تلك اللحظة يجري اتصالات بالراديو مع الظهران. أخبرتهم بان التعليمات التي لديّ تقول بانّ على الحرس والمرافقين السعوديين مغادرة هذه المنطقة هذا اليوم. وبعد مغادرتهم سوف أجري اتفاقاً مع رئيس فريق أرامكو على مهلة زمنية معقولة تتيح لهم سحب ونقل آلاتهم وأجهزتهم من هنا إلى داخل المناطق السعودية. أحال رئيس فريق ارامكو ما قلته له إلى رؤسائه في مقر ارامكو بالظهران عبر اتصال الراديو. وكان الرد منهم عبارة عن رسالة تتهم نحن بنقض واختراق القانون الدولي وبجرائم أخرى.

كررت توجيهاتي مرة أخرى، كما أن رئيس فريق ارامكو كرر محادثته مع الظهران. أحد الأمريكيين قال لي :ــ أنت لن تطلق النار على مثل هؤلاء الزملاء المساكين ، أليس كذلك ؟ أجبته :ــ أرجو أنني لا أضطر بأن يصبح ذلك ضروريا بالنسبة لي. أجابت الظهران أخيراً ؛ بأنه إذا توجب مغادرة المرافقين والحرس السعوديين ،فأن على فريق ارامكو أن يغادر كذلك. أكدت لهم بأن هذا جيد . مضيفا، بأننا سندخل إلى مخيمهم صباح الغد. وأية آلة أو جهاز سيتركونه ،سوف يبقى سليماً طالما بقي الماء الذي يحتفظون به داخل صهريج كبير من قماش القنب . وأننا غير قادرين على حماية الآلات والأجهزة بعد نفاذ هذا المخزون من الماء. غادروا بعد ظهر اليوم التالي تاركين خلفهم كل مالم يتمكنوا من حمله معهم.

عندما دخلنا المخيم A صباح اليوم التالي، رأينا آثار مسارات عربات باتجاه الشرق البعيد ،فتتبعنا الأثر.وبعد بضع أميال وجدنا "بلدوزرD8" على قمة احد الكثبان الرملية. والذي جرى استخدامه لرفع الآليات الثقيلة من فوق الرمال الناعمة.ولمسافة أبعد قليلا رأينا آلة حفر كبيرة أخرى على حافة سلسلة الكثبان القريبة من كومة الأشجار المنتصبة كعلامة لبداية مجرى سيل وادي "خضراء" ،جاهزة للاستخدام لكنها لم تعمل بعد، وعندما تحققنا من انقطاع الأثر بعد ذلك، اتفقنا على تسمية هذه ب" المخيم B " .

وعندما أخذنا المخيم A، تركنا وراءنا بتلك البقعة دورية ثابتة برئاسة الملازم سعيد عمرو الغرابي.، على الكثبان الواقعة غربي " خشم الجبل" لاعتراض أية هجمات محتملة. وفي 8 أكتوبر نقل إلينا الملازم سعيد عمرو خبر عودة الحرس السعودي . فلقد تغيرت الأمور في السعودية، وسعود بن عبد العزيز أصبح الآن ملكاً، ولهذا أعتقد أولئك الحرس أنه من الأسلم لهم أن يستسلموا لقواتنا بدلا عن مواصلة طريقهم نحو "نجران.". ففي وقت سابق على هذا التاريخ تلقى الأمير ألأسبق لنجران " ابن مهدي" غضب الملك سعود وجرى نقله مقيدا بالحديد إلى الرياض.

قمنا بنزع سلاح أولئك السعوديين المستسلمين لنا، وقمنا بتوفير الغذاء لهم وأرسلناهم تحت الحراسة إلى سيئون. وقضى هؤلاء عدة أشهر بين سيئون والريان وعدن.، قبل أن يتم إعادتهم إلى" جده" في وقت لاحق عندما صار ذلك مناسباً.

جرى تحصين " ثمود" عام 1953م، و"سناو" عام 1954 م , و " حبروت عام 1956م. وفي أعوام 1957م و1958م جرت بعض الاختراقات من الجهة الشمالية الشرقية بمناطق الكثبان والسهول القاحلة بين وادي خضراء ووادي شويط، لكنها في هذه المرات كانت من قبل هواة الصيد البري وأغلبهم من قطر.
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس