وفي 2 يوليو/تموز، قبل خمسة أيام من احتجاج 7 يوليو/تموز، اعتقلت السلطات اثنين من قيادات الحراك الجنوبي، قاسم الضعيري وعلي محمد السعدي، العضو في مجلس قيادة الثورة السلمية، والظاهر أن القصد وراء الاعتقال كان منع الاحتجاجات.[118]
الاحتجاز طويل الأجل دون نسب اتهامات
رغم أن السلطات اليمنية أفرجت عن الأغلبية العظمى ممن احتجزتهم على ذمة الاحتجاجات على وجه السرعة، إلا أن المئات من المؤيدين والزعامات المشتبهين بالحراك الجنوبي احتجزوا لفترات أطول من ستة أشهر، وفي الأغلب دون مراجعة قضائية لاحتجازهم أو اتصالهم بمحاميهم. ولم يُسمح بالاتصال بالأسرة أو المحامين إلا بعد عدة أيام من الاحتجاز. وفي زيارة غير مُعلنة إلى المُكلا يوم 14 يوليو/تموز 2009، قابل باحثو هيومن رايتس ووتش في يوم واحد أهالي 24 شخصاً في ذلك الحين كانوا خاضعين للاحتجاز طويل الأجل دون اتهامات، وأشار الأهالي إلى وجود المزيد من المحتجزين الآخرين. ويُقدر أحد أعضاء حزب سياسي مُعارض أن المحتجزين منذ مايو/أيار 2009 يتراوح عددهم حول 200 شخص ما زالوا متهمين دون نسب اتهامات. وفي 27 أبريل/نيسان اتخذ احتجاج في المُكلا طابع العنف، وكان سجن الشرطة والسجن المركزي ومقر الأمن السياسي في المُكلا جميعاً مزدحمة بالمحتجزين الذين تم القبض عليهم أثناء الحملة التي تلت الاحتجاج العنيف. ومن بين المحتجزين أطفال (انظر أدناه) وكذلك مسنين: سليم عبادي، أحد من ظلوا رهن الاحتجاز حتى كتابة هذه السطور للاشتباه بتطوره في الحراك الجنوبي، يبلغ من العمر 81 عامأ.[119] وقد فر المئات الآخرون من المُكلا إلى مناطق جبلية للفرار من الاعتقال والاحتجاز التعسفيين.
اعتقالات المُكلا إثر عنف 27 أبريل/نيسان يبدو أنها كانت معممة وتعسفية. على سبيل المثال، في 28 أبريل/نيسان داهم رجال الأمن المركزي فندقاً في المُكلا، واعتقلوا منه 15 رجلاً كانوا يمضغون القات في ذلك التوقيت، والكثير منهم حضروا احتجاج اليوم السابق.[120] ومن المُحتجزين السعيد بافراج، في الثلاثينات، وابن أخته، نصر عبد الله بامثقال، 25 عاماً، وكلاهما حضر احتجاج 27 أبريل/نيسان. وتعرض الرجال للضرب المبرح حتى إن نصر عبد الله بامثقال نُقل إلى المستشفى (في ظل حراسة الشرطة) بعد ذلك. وفي وقت زيارة هيومن رايتس ووتش أواسط يوليو/تموز، كان الاثنان رهن الاحتجاز في السجن المركزي للمُكلا، للاشتباه في "المساس بالوحدة الوطنية"، لكن لم يمثلا للمحاكمة، مثل الكثير من المحتجزين في المُكلا.[121]
وتستمر قوات الأمن في البحث عن شقيقي نصر عبد الله بامثقال، ياسر عبد الله بامثقال، 33 عاماً، ومحمد عبد الله بامثقال، 40 عاماً، وقد فرا إلى الجبال التماساً لحماية قبيلتهما، كما فعل الكثير من المطلوبين من ناشطي الحراك الجنوبي. ولمّا لم يتمكن الأمن من الوصول إلى الرجلين، احتجزت أحد أصهارهما في 27 يونيو/حزيران، واستجوبته لمدة ساعة عن مكانهما. كما تكرر احتجاز قوات الأمن لشقيق آخر للرجلين المطلوبين، وهو جمال عبد الله بامثقال، وهو مُعاق ذهنياً، واحتجزته "رهينة" لإجبار الشقيقين على التسليم.[122]
وفي قضية نموذجية أخرى على أعمال الأمن، احتجز الأمن السياسي ناصر محفوظ باقزقوز، 32 عامأ، وهو مُعلم جغرافيا يرأس فرع المُكلا لحزب التجمع الوحدوي، بعد يومين من إلقاءه كلمة في مسيرة 27 أبريل/نيسان. وتم احتجازه 45 يوماً، وأُفرج عنه لمدة أربعة أيام ثم عاودوا القبض عليه. وكان رهن الاحتجاز في السجن المركزي بالمُكلا في التوقيت الذي زارت فيه هيومن رايتس ووتش المدينة أواسط يوليو/تموز.[123]
ورغم صعوبة مراقبة الاعتقالات والاحتجاز التعسفيين المعممين في ريف جنوب اليمن، فيبدو أن مثل هذه الأعمال وقعت في عدة مناطق ريفية جنوبي اليمن. فطبقاً لعبد الله سليم جمبين، رئيس الحزب الاشتراكي اليمني في بلدة الشحر، الواقعة نحو 30 كيلومتراً شرقي المُكلا، فإن 83 شخصاً كانوا رهن الاحتجاز (وقت زيارة هيومن رايتس ووتش أواسط يوليو/تموز) بعد اعتقالهم بين 28 و30 مايو/أيار. وفي 7 يوليو/تموز، كان 20 شخصاً آخرين محتجزين في الشحر، منهم سبعة قُصّر. أربعة من الأشخاص المحتجزين يوم 7 يوليو/تموز تعرضوا للضرب المبرح من قبل قوات الأمن، ومنهم اثنين نُقلوا للمستشفى جراء الإصابات.[124]
الإحالة إلى الاستخبارات العسكرية والأمن السياسي
منذ بدء الاحتجاجات في عام 2007، فإن بعض المحتجزين في الجنوب، خاصة من يُعتقد أن لهم دور قيادي في حركة الاحتجاجات، أحيلوا إلى الاستخبارات العسكرية والأمن السياسي في صنعاء للمزيد من التحقيق والاستجواب. وفي قضايا نادرة، تحركت السلطات لمحاكمة قيادات من الحراك الجنوبي بناء على اتهامات منها المساس بالوحدة، لكن لم تنتهي أي من هذه المحاكمات حتى الآن إلى صدور أحكام.
ومن بين أول من تعرضوا للاعتقال العميد المتقاعد ناصر النوبة، رئيس جمعية العسكريين المُسرحين، وهي منظمة ظهرت مبكراً للاحتجاجات والاعتصامات من قبل العسكريين المتقاعدين قسراً. النوبة تعرض للاحتجاز من بيته في عدن في 2 سبتمبر/أيلول 2007، وبصفته ضابط عسكري، فقد أحيل إلى الاستخبارات العسكرية في 8 سبتمبر/أيلول 2007، وبعد ذلك نسبت إليه محكمة عسكرية الاتهام بالخيانة لطعنه في وحدة اليمن باعتبارها غير قانونية. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، تم الإفراج عنه قبل أن تصل المحكمة إلى حُكم، بموجب عفو رئاسي.[125]
محتجزون آخرون في الأمن السياسي بصنعاء لم يُنسب إليهم الاتهام قط أو هم مثلوا أمام المحكمة، كما يتطلب القانون اليمني. فقد احتجزت قوات الأمن اثنين من الحرس الشخصي لنائب البرلمان ناصر الخبجي في 13 مايو/أيار 2008، في اعتصام للضباط العسكريين المسرحين في الحبيلين، وفيه تحدث الخبجي، ونقلوهما إلى الأمن السياسي في صنعاء بعد خمسة أيام. وأحد الحارسين، نصر محمد صالح، 24 عاماً، تحدث عن معاملته في الأمن السياسي في صنعاء:
وضعونا في الحبس الانفرادي [لمدة 17 يوماً] وفي الاحتجاز لمدة 3 أشهر و14 يوماً في صنعاء. كانوا يقومون باستجوابنا في الليل بدءاً من اليوم الأول. كانوا يعصبون أعيننا ويوثقون رباط أيدينا، ويستجوبونا في قبو تحت المبنى، بعد أن يوقظونا ليلاً. كان يستجوبنا اثنان، ويسألون عن علاقتنا بالنائب ناصر الخبجي، وأين يختبئ، ومن هم زعامات الحراك. تعاونت مع أسئلتهم، وقلت لهم ما يريدون معرفته. ولم أتعرض للضرب أو التعذيب، فقط سوء المعاملة نفسياً، لاستيقاظي ليلاً، لكن كنت أسمع آخرين [من المحتجزين] يصرخون من الألم.
نُقلت إلى المحكمة أثناء هذه الشهور الثلاثة، ولم يُسمح لي بإجراء مكالمات هاتفية، ولم أر أي من أقاربي أو محامين... وفي سبتمبر تم التوصل إلى قرار بالإفراج عني [والحارس الشخصي الآخر].[126]
تم اعتقال 12 قيادياً آخر من الحراك الجنوبي ونقلوا إلى صنعاء في أبريل/نيسان 2008، ومنهم حسن باعوم ويحيى غالب شعيبي.[127] أمضوا ستة أشهر في سجن الأمن السياسي في زنازين تحت الأرض، ثم نُسب إليهم الاتهام فيما بعد بالمساس بوحدة اليمن. الرئيس صالح أفرج عن القيادات الاثني عشرة في قرار عفو صدر في سبتمبر/أيلول. وفر باعوم إلى خارج البلاد بعد الخروج، والشعيبي مختبئ في منطقة ريفية خشية التعرض للاعتقال مجدداً إذا عاد للمدينة.[128] وأغلب قيادات الحراك الجنوبي مختبئون في الجبال فراراً من الاحتجاز التعسفي والاتهامات السياسية.[129]
وفي عام 2009 استمرت السلطات في الاعتماد على اتهامات سياسية مريبة ضد زعامات الحراك الجنوبي. في أبريل/نيسان اعتقلت السلطات قاسم عسكر جبران، السفير السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية إلى موريتانيا، واتهمته بـ "المساس بالوحدة والتحريض على قتال السلطات".[130] وتم نقل جبران إلى سجن الأمن السياسي في صنعاء وقُدم للمحاكمة، وتم تجميد المحاكمة بعد جلستين دون إبداء أسباب. وأفادت صحيفة يمن تايمز أن أثناء جلسة 3 يونيو/حزيران، أدخلت النيابة ضمن الأدلة "خطب ووثائق ومنشور بعنوان: مشروع عن رؤية النضال السلمي لقضية الجنوب ومستقبل شعب جنوب اليمن، ووثيقة تفيد بالانتماء إلى المجلس الوطني الأعلى للتحرير واستعادة دولة اليمن الجنوبي".[131] وهو ما زال رهن الاحتجاز.
احتجاز الأطفال
اتفاقية حقوق الطفل تُعرف الطفل بأنه " كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه".[132]
كما تحدد اتفاقية حقوق الطفل عدة معايير لاحتجاز الأطفال، وتنص على أن الاعتقال والاحتجاز والحبس للأطفال "لا يُستخدم إلا كحل أخير ولأقصر فترة زمنية ممكنة".[133] ويجب مراعاة المصلحة الفضلى للطفل أثناء النظر في قرار الاحتجاز.[134] المبادئ الدولية لاحتجاز الأحداث تطالب أيضاً بإخطار ولي الأمر أو الوصي فور القبض على الطفل.[135]
ومن المتطلبات الأساسية في القانون الدولي، فصل الأطفال عن البالغين أثناء الاحتجاز.[136] كما تتطلب المعايير الدولية فصل الأطفال الذين لم يُحاكموا بعد عن الأطفال المُدانين بجرائم.[137]
وكان الأطفال من بين من تعرضوا للاحتجاز في المظاهرات. وفيما تم الإفراج عن بعضهم بعد ساعات قليلة، إلا أن هيومن رايتس ووتش وثقت ثلاث حالات لأطفال تحت سن 18 عاماً تعرضوا للاحتجاز لأيام وأسابيع دون نسب اتهامات إليهم، وبعضهم فاتته اختبارات المدرسة بسبب احتجازهم. وأثناء مراجعة قائمة بـ 69 محتجزاً من حضرموت نُشرت على موقع Adenpress.com ، أشار ناشط من الحراك الجنوبي من الشحر إلى أن أربعة أطفال محتجزين يبلغ عمرهم 14 و14 و15 و16 عاماً، هم من مدينته.[138] وفي جميع الحالات الموثقة من قبل هيومن رايتس ووتش، تم احتجاز الأطفال برفقة البالغين. وتحتجز السلطات الأطفال مع البالغين في بلدات ومدن الجنوب الأخرى: طبقاً للحزب الاشتراكي اليمني في الشحر، فإن سبعة أطفال تعرضوا للاحتجاز هناك يوم 7 يوليو/تموز 2009، وظلوا رهن الاحتجاز حتى بعد 10 أيام من ذلك التاريخ.[139]
عمرو حباني، 13 عاماً، تعرض للاحتجاز التعسفي في 8 يوليو/تموز، وكان رهن الاحتجاز منذ سبعة أيام عندما قابلت هيومن رايتس ووتش أمه. وكانت قد أخذته إلى مديرية الشرطة في المُكلا في شأن آخر، وهناك، حسب قولها "أخذ المقدم عمرو من يده وقال إنه يجب اعتقاله".[140] وفي اليوم السابق، احترق متجر لرجل من الشمال أثناء احتجاج في المُكلا، وظن الشرطي أن عمرو مشتبه بالفعلة. وقالت أمه إن الأسرة تعيش إلى جوار المتجر المحترق، لكن عمرو كان نائماً إلى جوارها عندما احترق المتجر. وتمكنت أم عمرو من زيارته لأول مرة في 14 يوليو/تموز، في مكتب النيابة.[141]
وفي قضية متصلة، سألت شرطة المُكلا في 9 يوليو/تموز 2009 والد لصبيين في سن المراهقة، هما عمر بانبوع، 19 عاماً، وعماد بانبوع، 16 عاماً، أن يُحضر ابنيه إلى مركز الشرطة. وفي مركز الشرطة اعتقلت الصبيين، وأرسلت الوالد إلى بيته. والفتيان، وبينهما عماد، الطفل، كانا ما زالا رهن الاحتجاز في 14 يوليو/تموز عندما قابلت هيومن رايتس ووتش أقاربهما. وقال الأب لـ هيومن رايتس ووتش إن الصبيين كانا في زنزانة مزدحمة برفقة مشتبهين بالغين. وقال: "اشتكى الطفلان من أن الزنزانة مزدحمة للغاية، وأن الكبار يدخنون كثيراً".[142] وطلب ضابط شرطة رشوة بمبلغ 11 ألف ريال يمني (55 دولاراً) وحصل عليها، للإفراج عن الصبيين في 9 يوليو/تموز، لكن حتى 14 يوليو/تموز، كانا ما زالا رهن الاحتجاز.[143]
وفي 21 يونيو/حزيران، احتجزت قوات الأمن محمد حسين السقاف، 16 عاماً، وأحد زملائه في المدرسة، يبلغ من العمر 16 عاماً، عندما حاولا الذهاب لزيارة صديق بالغ أثناء احتجازه في مركز شرطة باداود في المُكلا. وتم الإفراج عن الصديق في الليلة نفسها، لكن الشرطة قالت لأبي محمد أنها تلقت أوامر من الأ/ن السياسي بالتحفظ على محمد رهن الاحتجاز. وبعد أسبوع على احتجازه، حضر عشرون رجل أمن لتفتيش منزله. وكان محمد ما زال رهن الاحتجاز وقت زيارة هيومن رايتس ووتش أواسط يوليو/تموز، وطبقاً لأبيه، فإنه كان محتجزاً طرف الأمن المركزي في زنزانة جماعية، برفقة بعض الأطفال الآخرين ونحو 50 بالغاً.[144]
9- الرقابة على الصحافة والخروقات بحق الصحفيين والصُحف
داهمت حكومة صنعاء التغطية الإعلامية المستقلة والجنوبية الحزبية لأحداث الجنوب. فالتعبير الحر في اليمن يعتبر تحت الحصار.
في 4 مايو/أيار 2009، أوقفت وزارة الإعلام عن النشر ثماني صحف يومية وأسبوعية مستقلة جراء تغطيتها لأحداث الجنوب.[145] وطبقاً لمحامين يمنيين كان هذا إجراء غير مسبوق وغير قانوني.[146] ثم سُمح للصحف الأسبوعية بمعاودة النشر في أواخر يونيو/حزيران.
وفي 11 مايو/أيار 2009، أنشأت الحكومة محكمة جديدة لمحاكمة الصحفيين. وبحلول يوليو/تموز بدأت المحكمة تنظر في بعض القضايا.[147] وتوجد نيابة منفصلة لقضايا الصحافة والمطبوعات، وفي الماضي أحالت تلك النيابة الصحفيين والمشتغلين بالإعلام إلى المحكمة جراء انتهاكات مزعومة لقانون العقوبات وقانون الصحافة والمطبوعات.
الانتهاكات بحق الصحفيين والمحررين والمدونين وكُتاب الرأي الموثقة أدناه، بينما هي فريدة من نوعها لما تحمل من حدة، فهي ليست بالظاهرة الجديدة في اليمن. في عام 2008 انتهت بحوث هيومن رايتس ووتش في انتهاكات حقوق الإنسان المُرتكبة في سياق النزاع المسلح بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية شمالي اليمن، إلى وجود إجراءات تضييق مشددة على حرية التعبير، وحملة واسعة النطاق من التهديدات والمضايقات، والاعتقالات التعسفية، والاتهامات المُختلقة بحق الصحفيين وغيرهم من قادة الرأي.[148]
المعايير القانونية الخاصة بحرية التعبير
المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تكفل الحق في حرية التعبير:
لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.[149]
ويسمح القانون الدولي بتقييد حرية التعبير "لحماية الأمن القومي"، لكن هذا التقييد لا يشمل التعبير السلمي عن مطالب الانفصال، كما ورد في مبادئ جوهانزبرغ عن الأمن القومي وحرية التعبير والحصول على المعلومات.[150]
قانون الصحافة والمطبوعات اليمني لعام 1990، الذي حدد صلاحيات وزارة الإعلام وينظم حرية الصحافة، يُعتبر على الورق أحد أكثر قوانين الصحافة حرية في الشرق الأوسط. فقد وردت فيه جملة من الحريات للصحفيين، وحقوق المواطنين في حرية الصحافة:
حرية المعرفة والفكر والصحافة والتعبير والاتصال والحصول على المعلومات حق من حقوق المواطنين لضمان الإعراب عن فكرهم... الصحافة المستقلة تمارس رسالتها بحرية... الصحافة حرة فيما تنشره وحرة في استقاء الأنباء والمعلومات من مصادرها... حماية حقوق الصحفيين والمبدعين وتوفير الضمانات القانونية اللازمة لممارسة المهنة وحقهم في التعبير دون تعرضهم لأي مسألة غير قانونية يكفلها القانون، مالم تكن بالمخالفة.[151]
إلا أنه رغم التأكيد على أن "الصحافة مستقلة"، فإن الديباجة نفسها تضع عبئاً ثقيلاً على الصحافة: "تمارس رسالتها بحرية في خدمة المجتمع وتكوين الرأي العام والتعبير عن اتجاهها بمختلف وسائل التعبير في إطار العقيدة الإسلامية والأسس الدستورية للمجتمع والدولة وأهداف الثورة اليمنية وتعميق الوحدة".[152]
ويفرض القانون محاذير مبهمة فضفاضة على أنواع الأنباء التي يمكن نشرها. فالسلطات اليمنية استخدمت المادة 103 للرقابة على الصحافة المستقلة. وهي تحظر انتقاد رئيس الدولة وكذلك نشر أية موضوعات "تبث روح الشقاق والتفرقة بين أفراد المجتمع" أو "تؤدي إلى ترويج الأفكار المعادية لأهداف ومبادئ الثورة اليمنية أو المساس بالوحدة الوطنية أو تشويه التراث والحضارة اليمنية والعربية والإسلامية".[153]
عقوبات انتهاك هذه المحظورات، إذا ثبتت في المحكمة، تشمل إغلاق المطبوعات ومنع الصحفيين من مزاولة مهنة الصحافة، وغرامة بحد أقصى 10 آلاف ريال يمني (50 دولاراً) والسجن لمدة عام، رغم أن صحفيين قد حُكم عليهم بفترات أطول من السجن جراء مقالات حساسة.[154] كما يحق لوزارة الإعلام مصادرة أية مطبوعة أو صحيفة "إذا تم الطبع أو الإصدار والتداول خلافاً" لقانون الصحافة والمطبوعات، لكن "يُعرض الأمر على القضاء للنظر في مصادرة الأشياء المحجوزة عليها"، ولأصحاب الشأن في الصحيفة الحق في "اللجوء إلى القضاء للطعن بقرار الحجز والمطالبة بتعويض ".[155]
"الخطوط الحمراء": الرقابة الذاتية التي فرضتها الحكومة
انتهاكات حقوق الإعلام في اليمن لا تتوقف فقط على مصادرة الصحف واعتقال الصحفيين وغيرها من أشكال الاضطهاد الشبيهة، بل هنالك أيضاً جهود مبذولة لضمان ممارسة الإعلام لرقابة ذاتية وعدم تخطي "الخطوط الحمراء" وهي القضايا المحظور تداولها في الإعلام والتي قد تؤدي إلى مصادرة أعداد الصحف، أو حتى الاعتقال والمقاضاة للصحفيين أو رؤساء التحرير. هذه "الخطوط الحمراء"، ليست مكتوبة في كل الحالات، وهي معروفة من قبل الصحفيين ورؤساء التحرير ولا تقتصر على أحداث جنوب اليمن. وروى أحد المحررين لـ هيومن رايتس ووتش كيف كتب مسؤولون من الأمن القومي للصحفيين والمحررين في 2004 يأمرونهم بالامتناع عن انتقاد الرئيس أو أفراد أسرته (والكثير منهم يشغلون مناصب حكومية واقتصادية هامة)، والامتناع عن الحديث عن إساءة استخدام المسؤولين للسلطة، ومسألة من سيخلف الرئيس علي عبد الله صالح.[156]
ومنذ اشتداد الاحتجاجات في جنوب اليمن عام 2009، واجه الصحفيون والمحررون تضييقاً متصاعداً على الكتابة عن الجنوب. وقال صحفيون ومحررون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم سيتخطون "الخط الأحمر" إذا نشروا مقابلات مع رجال سياسة جنوبيين في المنفى أو قيادات للحراك الجنوبي، أو إذا نشروا صوراً للعنف من قبل الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين، أو حتى ذكروا الأسماء الرسمية للجهات المنظمة للاحتجاجات.
كما تستخدم الحكومة اليمنية أسلوب الرشوة لإسكات منتقديها. فطبقاً لمصدر موثوق، فإن مكتب الرئاسة عرض على رؤساء تحرير الصحف "تمويلاً للدعم" يبلغ آلاف أو حتى عشرات آلاف الدولارات شهرياً، كي تسلك الصحف خطاً حكومياً فيما تنشره. وأوضح رئيس تحرير إحدى الصحف المستقلة لـ هيومن رايتس ووتش أنه رغم استمراره في رفض مثل هذه الرشاوى، فإن المسؤولين في مكتب الرئيس مستمرين في الاتصال به وتذكيره بالمبالغ النقدية الهائلة "المتراكمة" لصالحه.[157]
إغلاق صحيفة الأيام
صحيفة الأيام – ومقرها عدن – هي أقدم وأشهر الصحف اليومية اليمنية، ويتراوح معدل توزيعها اليومي حول 70 ألف نسخة. كما أنها الصحيفة المستقلة اليمنية الوحيدة التي لديها مطابعها الخاصة، فجميع الصحف الأخرى تطبع في مطابع الحكومة، مما ييسر تدخل السلطات في النشر والتوزيع (انظر أدناه).
المشكلات القائمة التي تواجه الأيام تأثرت بحادث في فبراير/شباط 2009، يشمل خلافاً على ممتلكات وليس محتوى الصحيفة، عندما حاول مسؤول شمالي السيطرة على مقر الأيام في صنعاء.[158] وعندما اشتدت وطأة الاحتجاجات والمصادمات في جنوب اليمن في أبريل/نيسان 2009، "غطت الأيام الأحداث بشكل موسع، وكانت صور الدماء والإصابات تعلو غلاف الصحيفة لأيام"، حسبما قال هشام بشراحيل، المدير العام للأيام، لـ هيومن رايتس ووتش.[159] وبدأ الرئيس علي عبد الله صالح في إرسال الوفود إلى الصحيفة، مطالباً إياهم بتخفيف وطأة تغطيتهم. وبدءاً من مطلع أبريل/نيسان، طبقاً لبشراحيل، طلب ياسر اليمني – نائب محافظ لحج ووسيط موثوق للرئيس – طلب من رؤساء التحرير الكف عن استخدام صور المصابين ونزيف الدماء، قائلاً إن الرئيس قلق من استخدام الصور كأدلة ضده في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وفي 9 أبريل/نيسان حسب قول بشراحيل، اتصل الرئيس صالح بمالك صحيفة الأيام لحمله على أن ينشر تحت اسمه افتتاحية مؤيدة للحكومة عن الوضع في الجنوب. وفي المقابل، وعد بأن قضية فبراير/شباط 2008 في صنعاء ضد مُلاك الأيام سيتم إسقاطها. والتزم هشام بشراحيل وطبع الافتتاحية المُرسلة إليه بالفاكس من مكتب الرئيس، لكن الصحيفة استمرت في التغطية الانتقادية للاحتجاجات والرد الحكومي العنيف. ثم تلقى العاملون بالصحيفة تهديدات شخصية، وقال هشام بشراحيل: عثر مُصمم بالصحيفة على ورقة على بابه عليها تهديد بـ "قطع رقبته" إذا استمر في العمل بالأيام.
وفي 1 مايو/أيار، أوقف مسلحون شاحنة توصيل أعداد الأيام في منطقة ملح في لحج (انظر أعلاه). وطبقاً لبشراحيل، فإن المهاجمين ينتمون إلى لجنة حماية الوحدة المؤيدة للحكومة المُشكلة حديثاً.
وليلة 2 مايو/أيار، صادر الجنود في نقطتي تفتيش عسكريتين بالقرب من عدن أكثر من 50 ألف نسخة من الأيام، أي كامل النسخ المخصصة للتوزيع في اليمن خارج عدن. ووقعت الشرطة والاستخبارات ووزارة الإعلام على إيصال استلام بنسخ الأيام المُصادرة. وبحلول 4 مايو/أيار حاصرت قوات الأمن مقر الأيام في عدن وفتشت جميع السيارات الخارجة من المقر، لمنع توزيع 70 ألف عدد هي إجمالي النسخ المطبوعة ذلك اليوم.[160] وعلى ضوء حصار مقر الصحيفة، قرر المُلاك في 4 مايو/أيار التوقف عن النشر، وكانت صحيفة اليمن المستقلة الأكبر ما زالت غير قادرة على النشر وقت زيارة هيومن رايتس ووتش بعد أكثر من شهرين، في 12 يوليو/تموز 2009.
وإثر الإغلاق الجبري للأيام في 4 مايو/أيار، بدأت السلطات في إحياء النقاش حول قضية الملكية المتنازع عليها المُثارة في فبراير/شباط 2008، وتعتقد عائلة بشراحيل أن من أحيوا الجدل من جديد هم من بين القوة التي أطلقت النار على مجمع الأسرة في صنعاء وبدرت محاولات لاستدعاء أفراد من الأسرة للشهادة في المحكمة (ترفض الأسرة حضور الجلسات بالمحاكم خشية على سلامتهم). وعلى خلفية تنفيذ أوامر الاستدعاء، شنت قوات الأمن في 12 مايو/أيار هجوماً على مقر الأيام في عدن، وانخرطت في تبادل لإطلاق النار استمر لمدة ساعة مع حُرّاس المقر، مما أسفر عن مقتل شخص وإلحاق إصابات خطيرة بآخر، لكن قوات الأمن لم تتمكن من إحكام السيطرة على المقر. ومنذ تبادل إطلاق النار وأفراد عائلة بشراحيل يلجأون إلى مقر الصحيفة، ولا يمكنهم الخروج منه خوفاً من الاعتقال أو ما هو أسوأ. وقد زار وزراء حكوميون الأسرة التماساً للتوسط لإنهاء المواجهة، دون نتائج ملموسة حتى الآن.
إغلاق الصحف: مايو/أيار – يونيو/حزيران 2009
أعلن وزير الإعلام اليمني، حسن أحمد اللوزي، في 4 مايو/أيار، عن حظر على توزيع وتداول ثماني صحف هي أبرز الصحف اليمنية اليومية والأسبوعية المستقلة، وشمل الحظر الذي بدأ على الأيام بالفعل صُحف خاصة هي المصدر والوطني والديار والمستقلة والنداء والشارع والأهالي.[161] وفي 6 مايو/أيار أعلن الوزير أن الصحف انتهكت قانون الصحافة والمطبوعات اليمني فيما يخص "الوحدة والمصلحة العليا للبلاد" واتهم الصحف بـ "التحريض على انتهاك القوانين والنظام، وبث الكراهية والعداوة بين شعب اليمن الواحد".[162] وطبقاً لرؤساء تحرير الصحف المتأثرة بالقرار، فلم تكن هذه هي المرة الأولى منذ توحيد اليمن عام 1990 التي تُفرض فيها مثل هذه الإجراءات التقييدية على الصحف المستقلة.
وأيد الرئيس صالح الحظر المفروض على الصحف اليمنية المستقلة في كلمته بتاريخ 6 مايو/أيار أمام البرلمان:
إذا كان هناك مجال للحديث في الصحافة فيجب أن يكون عن الخير والحب والأخوة. إذا وقعت أخطاء على مسار التنمية أو الأمن أو القضاء، فلن يُواجه انتقاد هذه الأخطاء بالاعتراض، فهناك مساحة لهذا. لكن الوحدة والحرية والديمقراطية والثورة والجمهورية والدستور ثوابت وطنية لا يمكنها تخطيها.[163]
وطبقاً لرؤساء التحرير المتأثرين، فإن قرار إغلاق الصحف تم اتخاذه بعد نشرهم لمقابلات مع قيادات الحراك الجنوبي وتفصيل الصحف الدقيق في بعض الأحيان بالموضوعات الصحفية والصور الفوتوغرافية العنف الذي تنتهجه قوات الأمن في الاحتجاجات.[164]
وفي 18 مايو/أيار، استدعت نيابة الصحافة والمطبوعات سامي غالب، رئيس تحرير صحيفة النداء، وثلاثة من زملائه لإخطارهم بأن وزارة الإعلام نسبت إليهم اتهامات هي "التحريض على العصيان المسلح، والتحريض ضد الوحدة، وبث روح الطائفية".[165] وطبقاً للجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة مراقبة دولية، فإن التحقيقات امتدت أيضاً لتشمل رؤساء تحرير وصحفيي الشارع والمصدر والديار والوطني.[166]
وفي 11 مايو/أيار، أعلن مجلس القضاء العالي، أعلى سلطة قضائية في اليمن، عن إنشاء محكمة الصحافة المتخصصة لمحاكمة الصحفيين، وهو تطور يبدو أنه يعكس إنشاء محكمة جزائية متخصصة حاكمت قيادة الحراك الجنوبي (انظر أدناه). ويخشى الصحفيون أن إنشاء محكمة متخصصة للصحافة قد يؤدي إلى المزيد من الاضطهاد للصحفيين، ويرون أن إنشاء أية محكمة متخصصة يخرق الدستور اليمني.
وفي 11 يوليو/تموز، عقدت محكمة الصحافة المتخصصة أولى جلساتها، ونظرت فيها في اتهامات سابقة (ديسمبر/كانون الأول 2006) ضد رئيس التحرير سامي غالب، عن نشر صحيفته لتحقيق عن الفساد في وزارة الأوقاف. ووجهت الوزارة اتهام "السب والتشهير" لغالب، الذي طالب محاموه بتوضيح للسند القانوني لهذه الاتهامات في الجلسة الأولى.[167] وفي 2 أغسطس/آب، قضت محكمة الصحافة المتخصصة بإغلاق القضية، لأن تغطية الصحيفة لم تشمل مواد تشهيرية أو تنطوي على الذم أو القذف ومن ثم فما نشرته يدخل في نطاق ما يُسمح قانوناً بنشره في اليمن.[168]
ورفع وزير الإعلام التجميد عن بعض الصحف في أواخر يونيو/حزيران، لكنه استمر في حظر نشر الأيام والوطني. وتناقلت التقارير إصداره تعليمات تقييدية على رؤساء تحرير وصحفيي الصحف المسموح لها بالعودة للنشر، من جديد، بالامتناع عن تغطية احتجاجات الجنوب وحملة الحكومة القمعية، وأية مقابلات مع قيادات الحراك الجنوبي.[169] إلا أن عندما حاولت الصحف الطبع، رفضت مطبعة صحيفة الثورة التي تملكها الدولة أن تطبع لها، وقالت بأن لديها توجيهات من وزارة الإعلام بهذا. وعلق سامي غالب رئيس تحرير صحيفة النداء، أحد رؤساء التحرير المتأثرين بالقرار قائلاً: "هكذا يلاعبونك".[170]
بعض الصحف لجأت إلى مطابع صغيرة مملوكة لأفراد أعلى تكلفة، لكن عملها ما زال مقيداً وعليه رقابة مشددة. وأخيراً سُمح لصحيفة الوطني بنشر عدد في أواسط يوليو/تموز، لكن قوات الأمن صادرت جميع الأعداد المُرسلة إلى عدن.[171] وفي 4 أغسطس/آب، صادرت السلطات نسخاً من صحيفة الديار من باعة الصحف في صنعاء بسبب موضوعات منشورة في العدد على صلة باحتجاجات الجنوب.[172] وفي 10 أغسطس/آب، أمرت وزارة الإعلام بمصادرة جميع نسخ العدد رقم 105 من صحيفة الأهالي، من مطبعة صحيفة الثورة، حيث كان يتم طبع الأهالي، بسبب تغطية العدد لاحتجاجات الجنوب.[173]
اعتقال الصحفيين
يتبع