عرض مشاركة واحدة
قديم 02-13-2010, 10:24 PM   #3
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


حرب صعده بين تسييس التنوع ومحاكاة الخارج

2010/02/13 الساعة 16:38:34 د. محمد الظاهري

التغيير – خاص :

بادئ ذي بدء يمكن القول إن الحياة السياسية اليمنية تشهد سلوكاً وأفعالاً بعضها فارغة المضمون والمحتوى فالممارس السياسي اليمني برع في تضليل كثير من الباحثين والمحللين والمهتمين بالشئون السياسية ؛ حيث تراه يسلك سلوكاً سياسياً, سواء كان سلوكاً لفظياً أو فعلاً سياسياً .

إذا توقفت عند هذا السلوك اللفظي, ربما تستنتج أنه سلوك رشيد ومنطقي, لكن حين إعمال العقل وتتبع أثار هذا السلوك عقب حدوثه بفترة زمنية مقبولة تكتشف أنه كان سلوكاً فارغ المحتوى بل ومضللاً ؛ لأن صاحبه يفتقر للمصداقية وهو أقرب إلى الخداع والكذب السياسي .

ولذا نجد أن هذه القرارات السياسية, والتحالفات والمبادرات, والتعديلات غالباً لا تثمر, بل تولد أزمات, وفي أحسن الأحوال هي أقرب إلى المهدآت , والمسكنات منه إلى تشخيص الداء والوصول إلى الدواء
!

أولاً : المقولة الرئيسة :

تسعى هذه الورقة البحثية إلى اختبار المقولة التالية : تعاني اليمن , دولة ومجتمعاً, من معضلة تسييس تنوعها المجتمعي, وكراهية حكامها للمؤسسية الحديثة , والسعي للحكم عبر التوازن النزاعي, وحربنة الحياة السياسية والمجتمعية اليمنية , ومحاكاة الخارج والتأثر به بل والانفعال به . وما أزمة صعده وحروبها الحالية إلا أحد شواهد هذا الاستنتاج !

ثانياً : مشهد يماني مأزوم : ثلاثية تفصح عن إخفاق ثلاثية !

فحرب صعده تومئ إلى فشل الثورة اليمنية وأهدافها ! حيث يلاحظ أن كثيراً من الأهداف السبتمبرية الستة لم تر النور بعد,وما ترديد الخطاب الرسمي وتحذيره من عودة ( الملكية والكهنوتية والإمامة ) إلا دليل على هذا الاستنتاج . كما أن الاحتجاجات ( الحراك الجنوبي ) في محافظاتنا الجنوبية ورفع شعارات غير وحدوية, كالمناداة ب( فك الارتباط ) و ( الجنوب الحر ) و ( دولة الجنوب ) و التبرؤ من "يمنية" شطرنا ومحافظاتنا الجنوبية تشير إلى "احتضار" دولة الوحدة ! كما أن حصار المعارضة السياسية السلمية وإضعافها والسعي لنفيها أو دفعها إلى مربع العنف, وكذا استمرار الأزمات والحروب, والعجز عن الانتقال من حوار البنادق إلى حوار البرامج ؛ يفصح عن غياب التعددية السياسية والحزبية !



ثالثاً : تنوع يماني مُسيّس ومستقطب يولد حروباً وأزمات :

على الرغم من تعدد الإطار المجتمعي اليمني وتنوعه, إلاّ أن هذا التنوع, غالباً ما يختزل في" ثنائيات مُسيَّسة " ومُستقطبه إذ يشير التاريخ السياسي اليمني إلى سعي بعض السلطات الحاكمة المتعاقبة إلى تسييس هذا التنوع وتوظيفه بشكل نزاعي ومن الشواهد والآليات التي استخدمتها هذه السلطات الحاكمة في صرعنه هذا التنوع والتوازن المجتمعي ( القبلي تحديداً ), وتحويله إلى " ثنائيات متنازعة " ما يلي:

- تشجيع بناء تجمعات مذهبية وأحلاف قبلية متوازنة, والسعي لاستقطابها وتوظيفها لخدمة الحاكم السياسي, سواء كان هذا الحاكم يمنياً أو أجنبياً .

- زرع ثقافة الخصام بين مكونات البناء الاجتماعي اليمني الواحد والعمل على تشجيع هذه الثقافة وشيوعها, ورعايتها ؛ بهدف تهميش القوى الاجتماعية الفاعلة وتحييد دورها السياسي .

والخشية في هذا السياق, أن التاريخ يعيد نفسه فيتم توليد الحروب والأزمات عبر تسييس المذهب وتسييس الثأر, واستزراع ثقافة الخصام بين مكونات المجتمع, والركون إلى الحكم عبر تسييس التنوع وتأزيم المؤزّم, ويكون الحصاد مُراً وعلقماً يتجرعه كل اليمنيين واليمنيات .



رابعاً: أزمة صعده بين مخاطر استمرار قتل القريب وشعار الموت للغريب.

1- أزمة صعده "الأزمة النموذج"

تعد أزمة صعده بمثابة الأزمة النموذج أو " الأزمة المفتاحية " التي توضح أزمات اليمن المتعددة ؛ فأحداث صعده وحروبها وأزماتها بمثابة أزمة كاشفة و"عينة ممثلة" لحال اليمن وضعفها مجتمعاً ودولة ونظام سياسي بمكوناته المختلفة .

فثمة إشكاليات عديدة منها:

- إشكالية تسييس التنوع وتحويله إلى ثنائيات صراعية (تنوع مذهبي مستقطب ونزاعي).

- إشكالية فقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية وبمؤسسات المجتمع المدني واللجوء إلى العنف في تحقيق المطالب .

- إشكالية غياب الحياد السياسي للمؤسسة العسكرية وبالتالي عسكرة السياسة وتسييس العسكره ! (الزج بالمؤسسة العسكرية في الحروب الأهلية)

- إشكالية تدني القدرة على التغلغل للنظام السياسي في شتى محافظات الدولة اليمنية الواحدة !

- إشكالية تدني القدرة الرمزية للنظام السياسي, رغم حشده لكثير من الرموز مثل ( الوطن – الثورة – الجمهورية – الوحدة...الخ ) حيث يلاحظ حضور مفاهيم مناقضة لهذه الرموز مثل الحديث عن ( الإمامة – حكم البطنين – حكم الكهنوت ...الخ ) .



2- أزمة صعده محاولة توصيفيه :

إن لمدينة صعده اليمنية أهمية تاريخية وسياسية ومذهبية ؛ حيث انطلقت محاولة تأسيس الدولة الزيدية من "صعده" فقد وصل إليها الإمام الهادي يحي بن الحسين المؤسس الأول للإمامة الزيدية في اليمن بدعوة من بعض القبائل اليمنية المتنازعة في أواخر القرن الثالث الهجري , أواخر القرن التاسع الميلادي . حيث بويع إماماً وحاكماً لليمن منطلقاً من صعده . كما يرتبط اسم صعده ببداية الوجود الشيعي "الزيدي" في اليمن .

وبالرغم من مضي أكثر من 47 عاماً على قيام الثورة اليمنية إلا أننا ما نزال نتابع الخطاب الرسمي اليمني يتحدث عن الأهداف الحوثية المتمثلة بمحاولة إعادة اليمن إلى الحكم "الكهنوتي ألإمامي البائد" كما أن الحديث عن "حكم البطنين" ما يزال معاشاً ومصاحباً لأحداث صعده . وهذا يعد أحد مؤشرات فشل اليمنيين في تحقيق أهداف الثورة السبتمبرية اليمنية !

وفي هذا السياق, أود التوضيح أنه إذا أردنا فهم ما يحدث في محافظة صعده اليمنية علينا ألا نلهث وراء الوقائع الجزئية من قبيل سماع عبارات " قتلى وجرحى في تجدد المواجهات في اليمن بين الحكومة والحوثيين " أو" هدنة عسكرية بين الطرفين..." أو " تجدد الاشتباكات " هذه أعراض ونتاج لأزمة عميقة تعاني منها اليمن .

في الحقيقة : إن الحديث عن ما يجري من اقتتال بين اليمنيين في محافظة صعده هو في جوهره حديث عن طبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة في اليمن . حيث تعاني اليمن من أزمات متكاثرةٍ فثمة خللٌ في بناء الدولة اليمنية . مثل شخصانية السلطة وكراهية المؤسسية, وتدني القدرة التوزيعية والاستجابة للنظام السياسي ، فهذه الحرب السادسة الآن في صعده ، مؤشر على تدني كفاءة أداء النظام السياسي اليمني ، وتدني أداء الحكومة اليمنية تحديدا ً .

3- ورطة تسييس العسكرة وعسكرة السياسة :

في هذا الصدد, أخشى أن أتحدث عن ما يمكن تسميته بـ "ورطة الزج بالمؤسسة العسكرية" في صراع مسيّس ، وحرب أهلية .

صحيح أنه لايجوز لأي جماعة أن تمتلك السلاح واستخدامه ، ماعدا الدولة التي هي وحدها التي لها حق امتلاك القوة واحتكارها واستخدامها في إطار الدستور والقانون .

لكن سمعة المؤسسة العسكرية اليمنية قد أضيرت في الصراع مع الحوثيين ، ونحن كيمنيين نعتز بمؤسستنا العسكرية ووطنيتها .

والإشكالية هنا . أن ثمة توريط للجيش في صراع سياسي ومذهبي ، ومحاربة جماعة تتبع أسلوب حرب العصابات وتحتمي بتضاريس وعرة، وجبال مرتفعة .

كما أننا نحذر من قبل من يسعون إلى تسييس العسكرة وعسكرة السياسة ، حيث إن تاريخنا السياسي اليمني يحدثنا بأن الحكام كثيراً ما استقووا بالمؤسسة العسكرية . فالآلية الحربية من أهم آليات تولي السلطة وإسنادها في النظام السياسي اليمني ، حيث يركن إليها غالبية الحكام اليمنيين، ويكفي أن نشير هنا إلى أن البنادق والمدافع اليمنية قد أدمنت التوجه نحو صدور اليمنيين، كما أن المؤسسة العسكرية اليمنية قريبة أكثر مما ينبغي في الصراعات اليمنية – اليمنية. ومن شواهد هذا الاستنتاج أنه منذ الحرب اليمنية–السعودية في ثلاثينيات القرن العشرين كانت أخر الحروب الخارجية بينما يلاحظ أن المؤسسة العسكرية متورطة في الصراعات اليمنية – اليمنية وأخرها الحرب " السادسة " الحالية في صعده .

للأسف الشديد، الخشية في هذا السياق, أن من ضمن أسباب عدم حسم الصراع في صعده وجود صراع بين القوى في إطار النخبة الحاكمة المسيطرة وسعي الحاكم إلى جدع أنوف بعض عصبيته .

وفي هذا السياق, أحذر الحوثيين وأنبههم إلى أنهم يخوضون صراعا بدون أفق سياسي ، وحذاري من محاولة الإمعان في السعي جرح سمعة المؤسسة العسكرية !

كما أقول للحكومة اليمنية وللمعنيين ، إن اللجوء إلى إزاحة المسؤولية عن الذات وإتباع أسلوب المسكنات والمهدئات للمشاكل والأزمات لم يعد مجدياً ، بل غدا مكلفاً سياسياً واجتماعياً واقتصاديا وعسكرياً أيضا .



خامساً : مخاطر استمرار الأزمة الصعدية :

يمكن رصد مخاطر الأزمة كالتالي :

1- مخاطر استمرار الأزمة على مستوى الدولة اليمنية :

إن استمرار أزمة صعده وحروبها يهدد كيان الجمهورية اليمنية من حيث :

- اهتزاز هيبة الدولة ومفهومها وضعف الالتزام السياسي .

- النيل من سيادة الدولة اليمنية واستقلالها( النزاع السعودي - الحوثي ) حيث أعلن السعوديون أن قصفهم ضد الحوثيين سيستمر حتى يتراجع الحوثيون "عشرات الكيلو مترات " داخل الأراضي اليمنية !

- انتهاك حرمة الأراضي اليمنية (في حالة استمرار التدخل السعودي)

- استمرار الهروب من مشاكل الداخل وأزماته إلى الخارج والقوى الأجنبية, بحيث تولى القوى اليمنية المتصارعة والمتنازعة وجهها باتجاه الخارج ؛ فيتم إعادة أنتاج"العقدة اليزنية" وما قبلها, ولكن ليست الاستعانة بالأجنبي لطرد الأجنبي, وإنما دعوة الأجنبي للتدخل في شؤون اليمنيين وأزماتهم, فيتم ركون بعض اليمنيين إليه, فتغدو اليمن"مضيفة للخارج" بعد أن عُرفت تاريخياً بأنها "مقبرة للغزاة" !



2- مخاطر استمرار الأزمة على مستوى المجتمع :

- العبث بمكونات المجتمع اليمني الواحد, واستقطابه على أساس عرقي – سلالي (قحطاني وعدناني)؛ حيث كشفت الأزمة عن شكوى البعض من " تعرض الهاشميين للاضطهاد ! " باعتبار أن الحوثيين جزءٌ من الهاشميين من نسل الرسول(ص) من أل البيت (وتوظيف مقوله أحقية البطنين في الحكم) .

فتنتشر حرب المفاهيم "صراع بين البطنين و النهدين" !

تعميق بعض المشاكل الاجتماعية, وفي مقدمتها مشكلة الثأر القبلي بين بعض القبائل, وبالتالي الزج بالقبيلة اليمنية (بل القبائل اليمنية) في أتون الصراع والحرب ! عبر قيام النخبة الحاكمة بتشكيل ما سُمي ب" الجيش الشعبي " وإيجاد " جيش قبلي موازي " للمؤسسة العسكرية اليمنية ! وكأن ليس من أهداف الثورة اليمنية - الهدف الثاني من أهداف الثورة الستة - " بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها "

3- المخاطر على المستوى المؤسسي (المدني والعسكري):

- اهتزاز الثقة بل ربما انعدامها, بالمؤسسات السياسية, سواء كانت مؤسسات رسمية (كالمؤسسات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ) أو مؤسسات غير رسمية كمؤسسات المجتمع المدني ؛ حيث سيتم تعزيز التعبير عن المطالب غبر العنف وخارج إطار الدستور والقانون !

- جرح سمعة المؤسسة العسكرية والنيل من هيبتها وكفاءاتها, كمؤسسة وطنية, خاصة في ظل استمرار القتال لفترة طويلة, والدخول في مرحلة ما يمكن تسميته ب" ورطة عدم الحسم " رغم أننا نتضرع للمولى عز وجل أن تُحقن دماء اليمنيين الزكية !

- عسكره الحياة السياسية المدنية و حربنتها ؛ فيتم عسكره السياسة وتسييس العسكره, ويتم القضاء على أمل " الحياد النسبي " للمؤسسة العسكرية والأمنية في الدولة اليمنية, فتظهر " جماعات حربية " تعبر عن مطالبها عبر العنف والبندقية, وتغدو القوه الحربية مشاعاً بين القوى والجماعات في المجتمع اليمني .

وتُسلب الدولة من أهم صفه لها والمتمثلة في "حق احتكار القوة واستخدامها " .

4- المخاطر على المستوى الثقافي :

- تعزيز ثقافة العنف, وعدم التسامح في العمل السياسي اليمني ؛ حيث يغدو لسان حال القوى السياسية والاجتماعية في اليمن ما قاله الشاعر العربي

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدمْ

ومن لا يظلمُ الناسَ يظلمِ .

- تهديد الهوية الوطنية اليمنية العامة, عبر ظهور هويات ضيقة أدنى من الدولة وأدنى من الوطن, ويتم تهديد الولاء الوطني والتكامل الوطني, فتتعانق ثلاثية " المناطقية والمذهبية والسلالية " .

وبالتالي تنتعش هويات ما قبل الدولة وما قبل الأمة فتتضخم " الهوية الصعدية والضالعية والحضرمية والتعزية والصنعانية, وتتوارى الهوية اليمنية " ويقوم البعض بالتبرؤ منها !

فيتم رفع شعارات تتجاوزها, ويتم الهروب مما هو أدنى منها وأضيق !



5- المخاطر على المستوى الديني ( المذهبي ):

- تعزيز التخندق المذهبي وتسييسه ؛ بحيث يحل الولاء للمذهب قبل الولاء للدين بمعناه الواسع, ويظهر ما يمكن تسميته ب" هوية المذهب " على حساب الهوية السياسية والهوية الوطنية العامة !

فتنشأ صراعات مذهبية على شكل " صراعات حربية " ترفع شعار الدفاع عن الدين عبر الدفاع عن المذهب فتنشر ثقافة "صراع المذاهب على حساب صراع البرامج".

سادساً : أزمة صعده ومحنة محاكاة اليمنيين للخارج والانكشاف تجاهه !

إن اليمنيين كثيراً ما يحاكون الخارج, ويتأثرون به , ويحتكمون إليه, إلا أن الإشكالية هنا , أن كثيراً من اليمنيين يحاكون الخارج بشكل سلبي , بحيث يتأثرون, وينفعلون به ( وما ترديد الحوثيين لشعار : الموت لأمريكا والموت لإسرائيل...), إلا دليل على محاكاة بعض اليمنيين للخارج . فهم منكشفيين تجاهه لا فاعلون فيه . إنهم يهربون من مشكلاتهم وصراعاتهم إلى الخارج . إنها محاكاة الضعيف, غير المستقر تجاه القوي ( الخارجي ) الطامع, غالباً !

إن اليمنيين, وفي مقدمتهم النخبة الحاكمة, يهربون من صراعاتهم, وصعوباتهم الداخلية ليتلقفهم الخارجي, الذي مصالحه وأهدافه تختلف عن مصالح اليمنيين وطموحاتهم. بل إن اليمني كثيراً ما يستنجد بالخارجي (الأجنبي) ويستأسد به ضد أخيه اليمني, إنها إشكالية انعدام ثقة اليمني بأخيه اليمني! إننا كيمنيين يتعين علينا أن نحاكم أنفسنا لماذا ضيعنا "حكمتنا" ؟!

وعلينا ألا نولّي وجوهنا تجاه الخارج. فالخارج له أجندته ومصالحه، بل ومطامعه وهي بالضرورة لا تتفق ومصلحتنا كيمنيين.



سابعاً: آفاق الأزمة ومآلها (محاولة استشرافية) :

ابتداءً يمكن التنويه إلى أمر كاد يمثل بديهية في الحياة السياسية اليمنية وربما العربية , يتمثل في صعوبة التنبؤ بمآل السلوك السياسي ومسار القرار السياسي اليمني , لأن اليمن كبقية النظم السياسية العربية , من يصنع القرار ويتخذه هو شخص أو قلة متقلبة المزاج وغامضة التحركات ؛ بحيث تزداد الصعوبات أمام الباحثين فلا يستطيع الكثير منهم التنبؤ بسلوك هذا الحاكم وبطانته بسبب شخصانية السلطة وغياب المؤسسية أو كراهية الممارسين السياسيين لها !



يمكن تشوف أزمة صعده في إطار النظام السياسي اليمني , عبر المشاهد الأربعة التالية :



المشهد الأول : الحكم عبر" الثعبنة " و " الحربنة " ( مشهد غير مرغوب فيه )

بمعنى أن الحكم المشخصن (استمرار الوضع الراهن) مشهد غير مرغوب فيه حيث تستمرأ النخبة الحاكمة استمرار الوضع الراهن بما فيه من أزمات وحروب , وتغدو الحياة السياسية اليمنية , أسيرة لمقولات :

الحكم في اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين !

إن كرسي الحكم من نار !

إن الجالس على كرسي الحكم في اليمن كالجالس على الجمر !

كما يتم حكم اليمن عبر آلية " حربنة الحياة اليمنية " حيث إن من المحزن أن تغدو اليمن بمثابة مقبرة لأبنائها بعد أن كانت تُعرف في بعض الفترات التاريخية بمقبرة الغزاة !

فالحروب اليمانية – اليمانية ما انفكت تلازم اليمنيين ؛ فهذه الحروب - للأسف – من صنعهم , وهم مشعلوها ووقودها في آن معاً !

وما استمرار الحرب السادسة في صعده إلا دليل على هذا الاستنتاج !



المشهد الثاني : مشهد التحايل السياسي (المشهد المتعايش معه)

حيث يتم تهدئة الأزمة, وتسكينها دون السعي الجاد لحلها . فيتم القبول بشروط اتفاقية الدوحة (أو النقاط الست) المعدلة المعلن عنها من قبل الحكومة , فيتم إيقاف الحرب, ويسعى الحوثيون في ( أطار الهدنة ) إلى ترتيب أمورهم (استراحة محارب) , وبالمقابل تسعى النخبة الحاكمة إلى تهدئة أحداث صعده , وتحويلها إلى " أزمة نائمة " واستمرار تفعيل تكتيك تقوية الجزء لإضعاف الكل أو تقوية الضعيف؛ لإضعاف القوي , ومن ثم إضعاف المتصارعين كليهما !

- السعي الحثيث والتحضير لفكرة "التوريث" عبر "جدع أنوف أهل العصبية" وجدع أنوف المعارضة السلمية معاً.

- حضور مبادرات واتفاقات وحوارات لا تأتي أكلها , وخطاب سياسي رسمي بمنأى عن الفعل السياسي .

- حضور متخلف القديم وسيء الحديث .

- الانفعال بالخارج والتأثر به في مقابل غياب إرادة الفعل والتأثير تجاهه.



المشهد الثالث : مشهد المصداقية السياسية (المشهد المنقذ والمرغوب فيه)

بحيث يتم عودة الرشد والتوازن السياسي والمجتمعي, وحضور إرادة سياسية فاعلة تتفلت من قيودها واحتباسها ,وتستعين بأهل السيف والقلم معاً , بحيث يتم الاعتراف بالأزمات والتوقف عن السعي الرسمي لاستثمارها أو تصديرها للخارج ؛ لاستعطاف دول مانحه ( خائفة من الإرهاب ). بمعنى التوقف عن" شيطنة اليمن " كما يتم السعي بمصداقية إيجاد مؤسسات حديثة المبنى والمعنى والفعل , ويُعترف ب(المعارضة) وبالآخر السياسي, والتسامح تجاهه وحقه في المشاركة في صنع القرار السياسي . فيتم تعزيز فعالية النظام السياسي اليمني وكفاءته وقدراته , ويتم التخلص من أزمات النظام السياسي , وتعزيز قدراته . وتسييج دولة الوحدة بالعدل , والمواطنة المتساوية , فينتشر رضاء المحكوم تجاه الحاكم وتسترد الحكمة اليمانية عافيتها, ويغدو اليمن سعيداً , وبالتالي يستقيم الحال والأمر من كل جانب ويتم تفعيل وتطبيق القاعدة الفقهية " درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة " .



المشهد الرابع : مشهد " الحزن اليماني " المشهد الكارثة :

حيث يتم "هدم السد" أو هدم المعبد على رؤوس أصحابه ؛ فيتم تفتيت اليمن دولة ووطنا ومجتمعا, فتُسرق "السعادة اليمانية" وتأفل الحكمة اليمانية , وينتشر عدم الاستقرار السياسي , وتحضر السلطة بأدوات قهرها , وتتكاثر الأزمات والحروب وتدخل اليمن مرحلة حرب الجميع ضد الجميع أو حرب الكل ضد الكل . يتحول الحراك السلمي إلى حراك مسلح والمعارضة السلمية إلى معارضة مسلحة وتظهر هويات متصارعة فرعيه ضيقة , وتنتشر الحروب اليمانية متجاوزة صعده, ويتدخل الخارجي وتظهر " القابلية للاستعمار " التي تحدث عنها المفكر "مالك بن نبي" وتغدو اليمن بمثابة أفغانستان جديدة أو صومال جديدة .

والخوف كل الخوف أن يغدو الوطن اليمني أسيرا ومتنقلا بين المشهدين الأول الحكم عبر" الثعبنة " و " الحربنة " والرابع" الحزن اليماني " المشهد الكارثة

ختاماً:

يمكن القول إنه للخروج من الأزمات التي تكالبت على الوطن اليمني الواحد يتعين :

- تشخيص الواقع ووصفة قبل محاولة تغييره .

- رد الاعتبار للعلم ولوظيفته في حل المشاكل والأزمات عبر تطبيق خطواته ومقوماته .

- إعادة الاعتبار للمفاهيم الديمقراطية وتسييج مكونات النظام السياسي بها والتوقف عن التحايل السياسي والنقل الشكلي والتزيني للمؤسسات .

- استحضار الفريضة الغائبة في الحياة السياسية اليمنية متمثلة في " الحوار السلمي " .

- الانتقال من دولة الجباية والواجبات وفرضها على الضعفاء من المحكومين إلى دولة نيل الحقوق والحريات والواجبات معاً .

- الانتقال من التحايل السياسي إلى الثقة والمصداقية السياسية .

- الانتقال من الوعظ السياسي إلى المحاسبة السياسية, ومن نحت النصوص إلى محاسبة اللصوص .



- الأخذ باللامركزية ( الفاعلة ) سواء حاكت وثيقة العهد والاتفاق أو الحكم المحلي كامل الصلاحيات أو مفهوم الفيدرالية.

- السعي السياسي والمجتمعي لتحقيق " التوازن " المثمر, غير الصراعي وغير النزاعي عبر المعارضة السياسية " الحزبية " و المجتمعية السلمية وقادة الرأي من ( المثقفين – الأكاديميين – الصحفيين – رجال الدين – القوى المجتمعية الأخرى ) .

- يتعين على المعارضة اليمنية السياسية والمجتمعية الإدراك أنها كانت صيداً سهلاً لتكتيكات النخبة الحاكمة المتمثلة في حشر المعارضة السياسية في زاوية " درء المفسدة " واستمرأ الحاكم وتشبثه بثقافة إزاحة المسؤولية عن كاهله, والهروب إلى تبرير السيئ بالأسوأ وبالتالي يتعين على المعارضة السعي لإجبار الحاكم على درء المفسدة, وجلب المصلحة معاً .



لقد كنت من الممانعين لقبول مقولة " إن التاريخ يُعيد نفسه " ولكني الآن أوشكت على الاقتناع بصحة هذه المقولة. فالملاحظ أن التاريخ في اليمن يُعيد نفسه ولكن المحزن أنه يعيد أسوأ ما فيه من ( حروب , أزمات , فقر , تخلف.... الخ )

بينما يلاحظ أن الحكمة اليمانية أوشكت على الأفول, واخشي أن أقول أنها أفلت بالفعل...!

فما يحدث الآن في اليمن, للأسف, يومئ إلى هذا الاستنتاج والخشية أن الوضع في اليمن يفصح عن ما أسميناه بهدم المعبد أو " هدم السد " ( فيحدثنا التاريخ اليمني عن قصة انتصار الفأر على سد مأرب وتهديمه من جديد ! ) فيتحقق المشهد الكارثة .

نعم نعترف بأن أزماتنا كبيرة بحجم منجزاتنا... نصنع الحدث الهام وبدلاً من رعايته وجني ثماره, نحاكي به الخارج, فيغدو مصدراً لأزماتنا ! نعم تحضر الحكمة اليمانية هنيهة وتغيب دهراً ! نعم نحن مولعون بدخول التاريخ, ولكننا, أيضاً, زاهدون في ترك بصماتنا عليه والمشاركة في صنع الحضارة الإنسانية وبدلاً من ذلك نسعى بخطى حثيثة للعيش خارجه !

لقد صرخت منذ سنوات, وما زلتُ أصرخ :

إن على اليمنيين تحكيم العقل بدلاً من تحكيم البندقية, وعلى الحاكم السياسي السعي لدخول التاريخ بحفاظه على الوحدة اليمنية, وتفعيل إرادته في إيجاد مؤسسات سياسية حديثة تبني اليمن مجتمعاً ودولة . وتسعى لحل الأزمات في الوطن اليمن الواحد, سواءً كانت هذه الأزمات في المحافظات الشمالية كصعده أو في المحافظات الجنوبية والغربية والوسطى .

إن اليمنيين أحوج ما يكونوا إلى تفعيل " ثقافة أهل القلم " بدلاً عن " ثقافة أهل السيف " ومحاسبة الفاسدين لا وعظهم, وإيجاد دولة الحق والعدل والقانون .

ألا هل بلغت اللهم فشهد .

الأمين العام لنقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء



*يرجى عدم إعادة النشر إلا بالإشارة إلى المصدر وهو ( التغيير نت )

التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس