عرض مشاركة واحدة
قديم 07-27-2010, 01:20 AM   #45
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


أسلوب ادارة الأزمات بين الحكم ومنهج القبيلة ( 3 )

2010/07/26 الساعة 20:43:18 عبد الله سلام الحكيمي

في الحلقة الثانية السابقة لهذه , تناولنا إمكانية وحدوية , وفاعلية قيام شراكة عملية بين القوى الدولية والقبائل فيما يخص مواجهة الإرهاب والقضاء عليه , انطلاقا من قواعد واحكام الأعراف القبلية ذاتها .

وكنا نخطط ان تكون تلك الحلقة خاتمة لدراستنا السريعة هذه , بيد انه عنت لنا وبرزت في تفكيرنا قضية اخرى مرتبطة بموضوع الحرب على الإرهاب ومكملة لها , وهي فيما يبدوا مرشحة للقيام والتزايد , تلك هي ظاهرة تنامي وتوسع ظاهرة اتجاه أعداد متزايد من السياسيين والإعلاميين والمثقفين وذوي الانشغال بقضايا العمل العام في البلاد , الى النزوح من بلدهم وطلب اللجؤ السياسي والإنساني لدى دول الغرب الديمقراطية , خوفاً على حياتهم وهروباً من الاضطهاد والقمع وبحثاً عن اجواء ملائمة تكفل لهم الأمن والأمان والحرية في التعبير عن أرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم حيث تبين الدلائل والمؤشرات الى ان المرحلة القريبة القادمة تشهد اتساع نطاق وتزايد أعداد هؤلاء الباحثين عن الحرية الى مستويات غير مسبوقة من قبل مما يخلق مشكلة معقده لدى الدول المستقبلة لهم , ومشاكل إنسانية واجتماعية وعاطفية لطالبي اللجؤ بفعل اضطرارهم الى ترك أوطانهم وأهلهم وجماهيرهم ومحبيهم , اضافة الى ما سيواجه أبناؤهم في مجتمعات الاستيطان الجديد , من مشاكل صعوبة التكيف والاندماج مع واقع جديد في ثقافاته وعاداته وقيمة ومثله وعلاقاته الاجتماعية .

وبالنظر الى هذه المشاكل المتداخلة والمعقدة وبمعاناتها ومعايشتها , كان التساؤل الملح حول إمكانية اقامة ملاذات او مناطق آمنه في اطار وداخل المناطق القبلية , بفعل شراكة عملية جديدة , او ضمن اطار الشراكة العملية السابقة بين المجتمع الدولي والقبائل اليمنية عموماً , او على الأقل منها الرئيسية والكبرى , يلجأ إليها كل أولئك المضطهدين والمطاردين والملاحقين بسبب التعبير عن آرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم توفر لهم كافة أسباب ومقتضيات الأمن والأمان والحرية الكاملة وهم داخل أوطانهم ومجتمعاتهم المحلية ؟

واستطيع القول من واقع معرفتي وإلمامي المعقولين , بالاعراف والتقاليد القبلية والتاريخ الاجتماعي والسياسي واليمن , وبدون مجازفة او شطط , ان ذلك يمكن الى حد بعيد جداً , وبنتائج كبيرة جداً , وذلك لأن فكرة " الملاذات " اوالمناطق الآمنة ليست غريبة على مجتمعنا وتاريخه الاجتماعي والثقافي , بل كانت على امتداد مراحل تاريخية طويلة والى وقت غير بعيد , قائمة للفعل ومطبقة وناجحة جداً في تحقيق قدر كبير جداً من السلام الداخلي والأمن والأستقرار للبلد والمجتمع من خلال قواعد ومعاهدات ووثائق وضعها رموز المجتمع وقياداته والنظام الحاكم عبر شتى المراحل وحظيت بقدرة الزامية فعالة ومحل احترام ورعاية وحماية الجميع , مجتمعاً ودولة تحت مسمى " الهجرة " و "التهجير " لبعض الفئات الاجتماعية وبعض المناطق والمرافق على امتداد البلاد .

ومعلوم ان مفهوم لفظة " الهجرة" أو " التهجير " تعني عند منحها لأحد الفئات أو الشخصيات الاجتماعية , اما توفير الحماية لها ووضع ضمانات تحقق تلك الحماية وأما " تكبير " او " ترئيس " لشخصية اجتماعية او فئة اجتماعية واحلالها مكاتة مرموقة او مبجلة محترمة , تلك على مستوى الشخصيات والفئات الاجتماعية اما على صعيد " التهجير " للمناطق او المرافق وغيرها فقد كانت تعني جعلها مناطق " محمية " أو بالأصح " محرمة " يحرم على الجميع , مجتمع ودولة , الاتيان او الاقدام على أي فعل او عمل ينتهك به أو من خلال " حرمة " المنطقة والمكان المحدد , مثل الاعتداء او القتل او " السرقة " او " التخريب " او أي من الأفعال " الشائنة " المنافية لأخلاقيات وسلوكيات المجتمع المرعية , ولمزيد من الايضاح فأنه فيما يتعلق بمفهوم " التهجير" من حيث توفير الحماية لبعض الفئات الاجتماعية , كأرباب المهن والحرفيين و"الباعة او التجار " و" الصناع " او " الجزارين " أما مايتعلق بــ"التكبير" او " الترئيس " فأنه يتم عندما تمنح القبيلة صفة " الهجرة " بهذا المفهوم لشخصية اجتماعية , عادة ما تكون من خارج مكونات القبيلة , وتجعله زعيماً او قائداً لها وتوفر له ضمانات بالغة الصرامة تكفل عدم الإعتداء او التأثير أو الضغط عليه او ترهيبة من قبل أي مكون من مكوناتها تحت عقوبات بالغة القوة والصرامة كأن تكون " مربع " او " محد عشر " او " محد عشر محدومن" أي العقوبة المقادة مضروبة بأربعة او باحد عشر او باحد عشر في احد عشر أي بواقع 121 ضعف !

اما فيما يخص اعطاء مكانة اجتماعية رفيعه ومرموقة ومحترمة لفئات اجتماعية معينة مثل " القضاة " , و" السادة " .. وفيما يتعلق بـ" تهجير " المناطق والمرافق , أي جعلها ارصد " حرام " إحداث أي فعل فيها , فقد كانت عاصمة البلاد "مهجرة " وكذا دور العبادة ودور العلم ومقرات الحكم وممتلكات الدولة عموماً , والطرق العامة وأماكن الاجتماعات العامة لكل قبيلة " المراخ " والأسواق العامة في ا لبلاد كلها , ودور ممتلكات الشخصيات والفئات الاجتماعية " المهجرة " تحت طائلة مثل تلك العقوبات اضعافاً مضاعفه , وفقاً لما أشرنا إليه أنفاً .

ويتبين المدقق الفاحص والدارس مدى اهمية وابداع " العبقرية الوطنية " التي ضاعت مثل هذا المبدأ او العرف او القانون , المجمع عليه لما يسمى بــ" الهجرة " و" التهجير" بمفاهيمها المتعددة , من حيث ادائها لوظيفة اجتماعية بالغة الايجابية لسلام وأمن واما بدون استقرار المجتمع والدولة وتطورة وتقدمة المستمر دون عوائق , فتوفير وضمان الحماية للفئات الاجتماعية المشار إليها آنفاً ووضع الضمانات الكاملة لها ,يضمن استمرار ومواصلة توفير الخدمات والحاجات الأساسية والعامة للمجتمع تنهمن باعبائها وتؤديها فئات ارباب المهن والحرف والصناعات والتجار .. الخ ,دون أن تتعطل او تتأثر أو تتضرر بفعل الاضطرابات والحروب والمنازعات التي قد تنشب داخل القبيلة او بينها وبين غيرها من القبائل ، وايضا "تهجير" شخصية اجتماعية لا تنتمي أي من مكونات وفروع وبطون القبيلة وترئسه عليها لكافة الضمانات الحامية , انما كان حلا مبتكرا لمشكلة استحالة "ترئيس" شخصية تنتمي الى احد مكوناتها وفروعها وبطونها ومخاذها , او حتى اللا أي قبيلة اخرى غيرها وجعله " زعيما "او قائدا عليها مطلقا لنظرتها الى اجراء كهذا على انه "اهانة" لها و"انتقاصا" من شرفها وكرمها ولهذا نجد ان الأغلبية الساحقة لمشائخ الفبائل الكبار كانوا من سالف الدهر هجرة لا ينتمون الى مكونات القبائل الذين أصبحوا "شيوخاً "لها , وفي ذات الأتجاه , فقد كان قيام القبائل اليمنية التي ضلت في صراعات وحروب طويلة فيما بينها بأستقدام علماء من بيت "آل النبي " صلى الله عليه وعلى آله وسلم الى اليمن , و"تهجيرهم " وتوليتهم الحكم عليهم حلاً للصراعات القبلية التي دامت لعقود طويلة , حيث شكلوا حلاً وطنياً لمشكلة الحكم في بلد قبلي عشائري يستحيل فيه القبول بحاكم للبلاد من بين تلك القبائل وابتكر مصطلح " الفرع الصافي " في اعراف القبائل بكونه المحايد وغير المنحاز بحكم عددم انتمائه الى أي من قبائل البلاد .

وبالمثل فقدابتكرت تلك العبقرية الوطنية فكرة " تهجير " عاصمة البلاد ومقرات الحكم والممتلكات العامة والطرق ودور العبادة والعلم , لضمان خلق كل الشروط والمناخات والضمانات لاداء الدولة او الحكم لوظائفها ومهامها ومسؤولياتها في اوضاع وظروف ملائمة ومناسبة وايجابية لكي لا تصاب البلاد والمجتمع بالاضطرابات والفتن والفوضى والتفكك وسفك الدماء وبث الرعب والفزع والقلق العام في البلاد ,والواقع ان هذا " التهجير " للمناطق والمرافق بما في ذلك العاصمة ومقرات الحكم والطرق والأسواق .. الخ , ظل نظاماً قائماً يحرص كل فرد من افراد المجتمع وكل فئاته وحكامه ومحكوميه على الحفاظ عليه واستمراره واحترامه بشكل عميق وصارم منذ قرون عديدة خلت حتى 1980م تقريباً.

حينما خرقته الدولة او الحكم نفسه بتصفية بعض خصومها او سماح بذلك داخل العاصمة نفسها أو انهار ولم يعد له أي اثر , فلقد كان بمقدور أي مواطن في أرجاء البلاد يشعر بالتهديد لحياته من القتل بسبب الثأرات أن يلجأ الى العاصمة أو حتى الأماكن " المهجرة " ليأمن على حياته ويعيش مطمئناً تماماً فيها .

ان فكرة اقامة مناطق او "ملاذات "آمنة داخل البلاد وفي المناطق القبلية يجد جذوره وأصوله ضاربة في عمق تاريخنا الوطني الطويل ولا تزال تربته الطبيعية قائمة .

فكيف يمكن اعادة تحقيقه على أي أسس ومقومات تحقق له المعاصرة ؟ .

ذلك ما سنتناوله في الحلقة القادمة أن شاء الله .
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس