عرض مشاركة واحدة
قديم 08-20-2010, 01:50 AM   #13
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

من نصوص الرواية ص 61 ، 62:

" وأقبلَ طائرٌ صغير من الطيور المُغرّدة، قادماً من الشمال، وحلّقَ على مقربةٍ من سطح الماء، فأدركُ العجوزُ انّ الطائرَ قد بلغَ آيةَ العناء.
واستراحَ الطائرُ على صدرِ الزورق، مستقرّاً عليه. ثم لم يلبث أن طار مطوفاً حول رأس العجوز.
ثمّ راقَ لهُ أن يقفَ على الحبل. وسألهُ العجوز:
ما عمرك ؟.. أو هذه رحلتك الأولى ؟
وظلّ الطائرُ يتطلّعُ لهُ اذ هو يتكلّم، ثمّ راحَ يقبض بقدميه الرقيقتين على الحبل، فقالَ لهُ العجوز:
انّه ثابتٌ كلّ الثبات. وما كان لك أيّها العزيز ان تتجشّم كلّ هذا العناء في ليلةٍ كهذه، بلا ريح.. ولكن حدّثني.. لماذا تأتي الطيورُ الى هُنا ؟
وحدّث العجوزُ نفسه:
ان الصقور تفدُ الى البحر لتلتقي بمثل هذا الطائر.
ولكنّه لم يقُل هذا الطائرُ شيئاً، لأنّ الطائر لا يفهمُ لغته، و لا بدّ ان يعرف قصة الصقور يوماً ما.
ثم قالَ للطائر:
خذ نصيبك من الرّاحة أيّها الطائر الصغير. ثمّ اذهب الى موعدك مع القدَر، كأيّ انسان، او أيّ طائر، أو أيّة سمَكة.
وراقَ للعجوز أن يثرثر، لأنّ ظهره كانَ قد تصلّب و اشتد به الألم اثناء الليل.
وعادَ يقولُ للطائر:
أغرب عن مأواي إذا شئت. و يؤسفني انني لا استطيع نشر الشراع لآخذك فيه مع هذه النسمة الخفيفة التي بدأت تهفو. على انّي أحسّ الآن أن معي صديقاً.."
كان الظلامُ قد ارخى سدله. إذ أنّ الظلامُ يهبطُ سريعاً بعد الغروب في شهر سبتمبر. و مالَ العجوزُ الى الأمام فاستلقى على لوحةِ حنيّة الزورق قدرَ ما استطاع. وطلعت النجومُ الأولى في السماء.
ولمحَ العجوزُ بينها نجماً لا يعرفُ اسمه، و ان كان يعرفُ من امره ما يُشير الى انّ هذه الوحدة تقتربُ من نهايتها، ولن يلبثَ ان يجدَ نفسه بين أصحابهِ النائمين.
وقال العجوز:
هذه السمكة صاحبتي هي الأخرى. انني لم أرَ أو أسمع بمثلها في حياتي.. ولكن، لا بدّ لي من قتلها.
من حُسْن الحظ اننا لا نحاولُ قتلَ النجوم. و جعلَ يُفكّرُ محدّثاً نفسه:
تصوّر.. لو حاولَ الناسُ كلَّ يوم ان يقتلوا القمر ! انّ القمرَ يستطيعُ أن يهربَ و يلوذُ بالنجاة و لكن.. تصوّر، لو بذلَ انسانٌ جهدَ يومه ليقتلَ الشمس.. من حُسن الطالع أنّنا ولدنا هكذا.
ثمّ عاودهُ الرثاءُ للسمكةِ التي لم تُطعم شيئاً. على أنّ رثائه لم يُخفّف من حدّة شوقه الى قتلها.
وهمْهمَ قائلاً:
كم من أفواه النّاس سيأكلُ من لحم هذه السمَكة ؟ و لكن، أهذهِ الأفواه أهل لأكلها ؟.. لا. طبعاً لا..
انّ هذهِ السَمَكة بعظمَتها و براعة تصرّفها لا تجدُ من هو أهل لأكلها.. انّني لا أحسنُ فهمَ هذه الأمور. ولكن من حسن الطالع أن لا ينبغي لنا أن نحاولَ قتل الشمس و القمر و النجوم. حسبُنا أن نعيشَ على الماءِ و نقتل أخوَتنا الصادقين في الودّ "
.
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 08-20-2010 الساعة 01:56 AM
  رد مع اقتباس