الموضوع
:
منهج الدعوة إلى الله في مدرسة حضرموت الحبيب عمر بن محمد بن سالم بن حفيظ
عرض مشاركة واحدة
04-30-2011, 09:02 AM
#
3
من السادة
مشرف سقيفة المناسبات
رقم العضوية :
19724
تاريخ التسجيل :
Apr 2010
المشاركات :
3,465
لوني المفضل :
Tomato
التقييم :
575
مستوى التقيم :
إذا علمنا ذلك فإنا نُشرف على حقيقةٍ من الحقائق قبل أن نأخذ في تفصيل المنهج، وهي معنى الاتحاد والوحدة في دعوات الرسل، مع اختلاف شرائعهم، بل الشريعة الواحدة يأتي فيها حكمٌ ثم يُنسخ لحِكمة، وقد يتكرر النسخ حتى يستقر الأمر على ما أراد الله أن ترسخ عليه تلك الشريعة وذلك المنهاج لتلك الأمة. وتميَّز من بين الكل منهاج نبينا أنه المنهاج الذي جاء للجميع، لا لقومٍ مخصوصين ولا لزمنٍ مخصوص، ( وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الخلق كافة)، ولا يعكر صفوَ الفهم في وحدة الأنبياء أن هذا يبيح ما حرم هذا، وهذا يحرم ما أباح هذا، فلا يحكم أحد منهم بهواه، بل كلهم من عند الله بأمر الله تبارك وتعالى في علاه، فشريعة سيدنا موسى التي أباحت زواج الرجل ممن شاء من النساء، ثم شريعة عيسى التي حرمت الزيادة على الواحدة من النساء، ثم الشريعة الخاتمة الكاملة لمحمد صلى الله عليه وسلم التي أباحت الأربع وحرمت ما زاد على ذلك، وجعلت في ذلك واجبات ومهمات تتعلق بالعدل أو بالإحسان أو بإقامة الحقوق أو باستقامة الأمر على ما ينبغي، كل هذه الشرائع واحدة، وكلها من منبع واحدٍ ومعدن واحد، وبهذه النظرة نعرف معنى قول الرسل كما حكى القرآن عنهم ﴿ ونحنُ له مُسلمون ﴾ فالكل منهم مسلم من عهد آدم إلى أن بُعث النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، رزقنا الله حقيقة الإسلام.
أسس منهج الدعوة إلى الله
بهذه النظرة تأتي مناهج الدعوة إلى الله تبارك وتعالى في هذه الأمة الواحدة ﴿ وأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾، قامت الدعوة في الأمة الواحدة على أسس، فمنها ما يلزم الكل ويجتمع عليه الكل من الضروريات المعلومة، ومنها ما يتعلق بمدرسة حضرموت وما كان فيها التركيز عليه والاعتناء به قد يكون أظهر من كثير من الأساليب غيرها في الدعوة إلى الله، فلنبدأ بذكر أسس هذا المنهج الذي تقوم عليه الدعوة إلى الله تبارك وتعالى:
الأول: إيمان عميق بأحقِّية ما يدعو الداعي إليه
أساس هذا المنهج إيمان عميق بأحقِّية ما يدعو الداعي إليه وبعظمته وبأنه الحق الواضح الصريح، ومن غير شك أنه إذا لم يتعمق هذا الإيمان في القلب فلن تقوى النتائج للداعي مهما دعا، ولن تأتي الثمرات المطلوبة؛ هذه هي القاعدة الغالبة، وإن كان من عجائب هذه الدعوة أن يحصل التأثير أحياناً في نصرتها أو إحيائها على يدِ من لم يكن متحققاً بالإيمان، (وإن الله ليؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاقَ لهم)، هذا يبين مواقفَ معينة نادرة في أحوال مخصصة يكون فيها انتشار النور وحصول التأثر الإيجابي الحسن بسببيَّة من لم يكن متحقِّقاً بحقائق الإيمان واليقين؛ لكن القاعدة الغالبة والسنة المطَّردة في هذا الكون إنما يكون تأثير الدعوة إذا قامت على أساس إيمان عميق وثقة تامة ويقين صادق لا ينتابه شكٌّ ولا ريب، فبذلك تحسن معالجات المواقف المختلفة، ويحصل الثبات، وتحسن التأثيرات قريباً أو بعيداً إلى حدود غريبة جداً، فقد تصل أحياناً إلى التأثير على من سيأتي من قِبل داعٍ يخاطب حاضراً عنده، يبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عند رجعته من الطائف وقد ردَّ عليه القوم ردَّا قبيحاً ورموه بالحجارة، فجاءه جبريل ومعه ملك الجبال ، فقال له جبريل: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي. ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال. وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك. فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابِهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا ) فتأثير دعوته خرقَ الحجب إلى الأصلاب فتأثَّر الذين في أصلابهم من دعوة هذا الصادق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كذلك مهما نبعَت الدعوة من أعماق هذا الإنسان موقناً مصدِّقاً فأثرُها الطيب محتوم، سواء برز في الحاضر أو سيبرز مستقبلاً .. إذن لهذه الدعوة عجائب حينما تنبثق من الإيمان العميق، من التصديق القوي، من اليقين الذي يملأ جوانح القلب.
الأساس الثاني: العلم والاعتدال فيه
عند ذلك يتبعه الأساس المتصل به، وهو أساس العلم بهذا الإيمان، نجد في هذه المدرسة التي نحن بصدد الحديث عنها مقابلة المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى لمن يحمل في ذهنه وعقله أفكاراً خرجت عن مسلك السواد الأعظم من الأمة ومسلك أهل السنة والجماعة، فكانت لهم نظرات حول الصحابة، وحول قضايا من أصول هذا الدين، فجاء وأنصاره قلة قليلة جدا من أهل الوادي، ففي ذلك العصر الذي جاء فيه المهاجر في الوادي أهل السنة موجودون بلا شك غير منقطعين ، لكن الشوكة والغلبة فيه كانت لطائفة من غير أهل السنة؛ بالإيمان العميق لم يقلق ولم يتزعزع وخرج من محل الإمداد بالأموال وكثرة الخراج، إلى محل الاستهلاك للمال، ولم يتزعزع، وفي فترة قصيرة تحولت وِجهة الناس وأفكارهم واجتمع أهل السنة، وأثَّروا على من حواليهم، واقتنع المقتنعون، ووقف الذين غلبت عليهم الأهواء، فما استطاعوا أن يقولوا شيئاً أمام إيمانٍ عميقٍ أفاض حجةً قوية، في ثقة عظيمة، وأدب وافر، وهذا من أندر ما يكون في التاريخ، أن تكون شوكة وغلبة لمنهجٍ في الفهم والاعتقاد سائداً في منطقة، فيتحول بهمَّة فردٍ يأتي إلى المنطقة ويتغير الأمر كله، وهو مع ندرته في التاريخ ، إلا أن له أمثله ونماذج متعددة، وكان الرسل صلوات الله عليهم إنما يأتون إلى مجتمعات كلها ضد ما يقولون وعلى خلاف ما يدعون، وبهم يحوِّل الله الأحوال، وفي هذا المسلك جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لعمه: (يا عمي والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلِك دونه) وفي الإيمان العميق والأدب الجم قال صلى الله عليه سلم: (حتى يظهره الله) ولم يعبر بقوله: حتى أظهره وحتى أنصره وحتى أنشره وحتى أُقيمه ولكن قال: (حتى يظهره الله) جل جلاله وتعالى في علاه، فما يعدُّ نفسه في جهاده الطويل العريض إلا عبداً لله تعالى متسبِّباً في الهداية؛ والإظهار والهداية من الله لبراياه ولخلقه، كان هذا المسلك في الإيمان العميق في الإمام مقروناً بأخذ النصيب من العلم على نظرة اعتدال.
فأقل العلمِ: العلمُ بالأمور المجمَع عليها والواجبات الواضحة والأمر المتفق عليه من كريم الأخلاق فهذا أساسي وضروري لكل داعي، ولكن نظرة الاعتدال ألا تقيَّد الدعوة إلى الله بالمتَّسع في العلم، ولكن للمتَّسِع في العلم مجال الإفتاء ومجال المرجعية في بيان الأحكام الشرعية، فلا حق لداعية لم يبلغ هذه الرتبة وهذه المنزلة أن يتجاسر ولا أن يتجرأ عليها، ففرقٌ كبير بين نشر الدعوة إلى الله وبين الفتوى في أحكام الله، ومساحة الدعوة إلى الله بالمجمَع عليه قاسم مشترك بين فئات المسلمين، وعند النزول إلى الأحكام يجب الرجوع إلى أهل التخصص وإلى مَن يوكل إليه الأمر، وإلا صارت الدعوة فوضى وعبث وعرَّضت الناس لمشاكل كثيرة، لهذا نجد أن بعض جماعات الدعوة إلى الله من غير أهل هذه المدرسة يقررون أننا ندعو إلى الفضائل ولا نقرر المسائل، وأن المسائل لها أهلها، ونجد جماعات أيضاً مسلمة قامت بتجاسر في خلط الدعوة بمسائل الأحكام والفتوى، فيأتي فيهم من يتدارك ويقول دعاة لا قضاة، ونجد من يتدارك من مفكِّرِيهم بعد صدور كتب بستين سنة ليقول لا يجوز أخذُ الحكم من كتبنا هذه وكتب قادتنا، فقد كتبوها في ظروف معينة.. والكاتب ليس المتخصص في إصدار الحكم، وخصوصاً في قضية هامة تتعلق بتكفير المجتمعات وتكفير الدول وتكفير العامة من المسلمين، اضطروا إلى هذا لأنهم عند انطلاقهم في الدعوة أولاً غابت عنهم أهمية العلم بالأحكام وظنوا أنه يمكن بمجرد إعمال العقل واستعمال الوسائل الاستغناء عن فهم كثير من تفاريع الأحكام الشرعية، وما علموا الميزةَ في هذه الأحكام والعظمة والجلالة التي أضفتها عليها إرادة الله، إذ هي المتفرعة من نصوصه ومن نصوص رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فكان من الضروري الاعتناء بهذه المسألة وأن يُجعل العلم في مكانته، وأن تُرَدَّ المسائل إلى المتخصصين فيها وأن لا يُمنع المسلمون بكل مستوياتهم في العلم أن يدعوا إلى الله تبارك وتعالى لكن بضوابط أن لا يتجرَّؤوا على الحكم في المسائل، وبضوابط أن لا يقولوا ما لا يعلمون، وبضوابط أن يقولوا ما تيقنوه ويلزموا حدَّهم ويعلموا أن المتخصص في هذا الجانب يحتاج أن يتوقف في مسائل كثيرة فكيف من لم يتخصص، وأن الباذل عمره في هذا التخصص يقول في مسائل كثيرة تُعرض عليه: (الله أعلم)، حتى شوهد إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس عليه رضوان الله في مجلس واحد يُسأل عن اثنتين وثلاثين مسألة فيجيب عن اثنتين ويقول في باقي الثلاثين الله أعلم لا أدري، فإمام دار الهجرة لم يستنكف أن يقول أمام الملأ من الناس: لا أعلم، لا أعلم هذه المسألة، فمن الخطأ الفاحش أن يُتَجرَّأ في مسألة الدعوة إلى الله على إصدار الأحكام، وهو مكانٌ معظم له قدره في الشريعة، والاستهانة به استهانة بالشريعة نفسها، حتى أصبح الكثير من الناس يحترم التخصص في جميع ما يتعلق بالجسد والمادة من هندسة الأجهزة إلى طبِّ الأبدان، إلى الإدارة في المؤسسات وأماكن الأعمال والشركات فعندهم احترام قوي للتخصص وإرجاع الأمور إلى أهلها، حتى إذا جاء إلى عند دين الله أباحه لكل متطاول ولكل متحدث وربما نصبَ الواحد نفسَه مفتياً بعد أن يتعلق بالدين بشهرين أو بثلاثة أشهر، في الوقت الذي يكون فيه من أجهل الناس بتفاريع أحكام عماد الدين الذي هو الصلاة أو الطهارة أو ما يتعلق بها، وكل ذلك من تضييع العلم المسند، فإذا أُضيع العلم المسند حلَّ محله التجري وأحد أمرين: القول بغير علم أو التحديث بلسان الجهل المركب الذي هو إدعاء العلم بغير علم ، وهذا الذي وقع في الأمة وعانت منه كثيراً .
التوقيع :
كلما تعلقت بغير الله أذاقك الله الذل على يديه لا ليعذبك ولا ليحرمك __بل رحمة منه لتعود إليه__
أخيكم المحب في الله
من السادة
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن المشاركات التي كتبها من السادة