عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2011, 01:51 AM   #2
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


ثالثاً... أهم المحطات التاريخية المؤثرة في التفاعل بين الهوية الحضرمية والهوية الجنوبية الهوية الحضرمية مكوناتها وأثرها على الهوية الجنوبية لمحات ومحطات (3-3)

8/3/2011 المكلا اليوم / كتب: الدكتور/ عبدالله سعيد باحاج

مع أنه من الصعب – إن لم يكن من المستحيل – حصر هذه المحطات التاريخية والإحاطة بها كاملةً إلا أنه يمكن القول أن الموقع الجغرافي المتوسط لحضرموت في جنوب الجزيرة العربية بين إقليمي عُمان واليمن وإطلالتها على جزء مهم من السواحل الشمالية للمحيط الهندي أي على بحر العرب ومع ما تمثله جزيرة سقطرى من موقع متقدم لحضرموت إلى جنوب بحر العرب والمياه الدولية للمحيط الهندي، كل ذلك وغيره قد ساهم في اقتراب الحضارمة من شواطئ القرن الإفريقي وإفريقيا الشرقية بوجه عام وكذلك من سواحل شبه القارة الهندية، وهذا مما أعطى للحضارمة قدرة أفضل وبفضل الله عز وجل على إيصال تأثيرهم الحضاري إلى هذه المناطق بل وإلى أبعد منها شرقاً وغرباً وشمالاً. كما أن الحضارمة بلا شك قد استفادوا فعلياً من الخير الذي لدى سكان تلك المناطق الإفريقية والآسيوية المطلة على المحيط الهندي.

وبما أننا بصدد التركيز على أثر الهوية الحضرمية على الهوية الجنوبية أي على أخوتنا من سكان ما يعرف سابقاً بالجنوب العربي ومن خلال متابعة للمسيرة التاريخية لذلك الأثر أو التأثير، أي من خلال المحطات البارزة في تلك المسيرة فإننا سنختصر تناولنا لتلك المحطات التاريخية على النحو التالي:

1) في العصور القديمة أي قبل ظهور الإسلام وحيث كانت حدود مملكة حضرموت – كما قلنا – تصل إلى شرقي بيحان وشرقي أبين غرباً، وفي هذا كانت أراضي العوالق في نصاب والصعيد وغيرها وكذلك أراضي الواحدي في ميفعة وغيرها جزءاً من حضرموت.

وهذا يعني أن للحضارمة اتصالاً حضارياً بسكان بيحان وأبين وعدن ولحج والضالع ويافع وغيرها من أراضي الجنوب العربي، بل أنه يمكن القول أن بعض أجزاء من يافع تعد فعلياً البوابات الغربية لحضرموت التاريخية، ولذلك يمكن اعتبار سكان يافع بمثابة حراس للبوابات الغربية هذه لحضرموت القديمة. وربما لهذا السبب اندمج سكان يافع الذين قدموا إلى حضرموت قبل حوالي ستة قرون في نسيج المجتمع الحضرمي ولم يشكلوا عبئاً عليه، بل كانوا إضافة إيجابية لمجتمعنا الحضرمي وبما ساهموا به من دفاع عن أراضي حضرموت ضد الغزاة والطامعين من الجيران ومن غيرهم، وكذلك بما ساهموا به من إنشاء سلطنات وإمارات كان لها الدور الريادي في النهضة والتحديث في حضرموت إلى وقت قريب. ولا شك أن ليافع وبحكم كونها منطقة اتصال بين حضرموت وبقية المناطق الغربية في الجنوب العربي أثر في نقل سمات ومزايا الهوية الحضرمية إلى تلك المناطق الغربية، وبما فيها أبين وعدن ولحج والضالع وغيرها، خصوصاً وأن خطوط التجارة الحضرمية الناقلة لمنتجات حضرموت في العصور القديمة من البخور واللبان كانت تمر بأراضي وموانئ المناطق الغربية هذه وخاصة ميناء عدن.

2) خلال المرحلة الإسلامية والتي لا تزال سارية إلى اليوم نجد الكثير من الملامح لأثر الهوية الحضرمية في الهوية الجنوبية، ويمكننا متابعة ذلك بشكل متدرج. ونظراً لطول هذه المرحلة الإسلامية فإننا سنتناولها عبر خمس محطات على النحو التالي:
‌أ) المحطة الأولى وهي من عام 631م إلى عام 750م أي منذ اعتناق أهل حضرموت الإسلام طواعية في عام 631م وانتهاء بسقوط الدولة الأموية في عام 750م. وخلال هذه المرحلة كان للحضارمة الدور الملحوظ في حركة الجهاد الإسلامي والفتوحات الإسلامية، والتي انطلقت من أراضي وموانئ حضرموت وأهمها ميناء الشحر، وكذلك من أراضي وموانئ الجنوب العربي وخصوصاً ميناء عدن، حيث نقل الحضارمة بعض سماتهم الحضارية إلى أرض الجنوب. وذلك إلى جانب الدور المستمر للحضارمة في النشاط التجاري والذي عرفوا به طوال تاريخهم منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام والمنطلق من أراضيهم وموانئهم ومستخدمين في ذلك أراضي الجنوب العربي وموانئه كنقاط انطلاق أو عبور ومن ثم اتصال مع الخارج بحراً أو براً.

والمعروف أنه في السنوات الأخيرة للدولة الأموية ظهرت الحركة الأباضية في حضرموت بزعامة طالب الحق عبد الله بن يحيى الكندي والذي أمتد حكمه من حضرموت إلى عدن إلى صنعاء ثم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وذلك من عام 746م إلى عام 747م.
‌ب) المحطة الثانية وتمتد من عام 750م إلى عام 1521م أي مع بداية العهد العباسي وتنتهي بوصول القوات العثمانية إلى حضرموت لمساندة السلطان بدر بو طويرق ضد الغزاة البرتغاليين على الشحر. وخلال هذه المرحلة كانت حضرموت جزءاً من الدولة العباسية ثم جزءاً من الدولة الفاطمية ثم جزءاً من الدولة الأيوبية. وكل هذه الدول جعلت من حضرموت جزءاً من ولاية كبرى في جنوب الجزيرة العربية مقرها صنعاء ويأتمرون بأمر الخليفة العباسي في بغداد أو الفاطمي أو الأيوبي في القاهرة، وأن حدثت حركات تمرد في هذه الولاية بجنوب الجزيرة العربية والمسماة مجازاً (ولاية اليمن)، وهي أشبه ما تكون بمحافظة في الدولة المركزية في بغداد أو القاهرة، وكما حدث في عهد الوالي العباسي محمد بن زياد في عام 819م ومن أتى بعده والذين استقلوا بحكم هذه الولاية، وكذلك ما حدث مع الصليحيين الذين كانوا نواباً عن الفاطميين في حكم صنعاء في عام 1047م والذين جعلوا من بني معن ثم من بني زريع حكاماً في عدن والجنوب وحضرموت، ثم مع الرسولين الذين كانوا نواباً عن الأيوبيين في حكم اليمن منذ عام 1171م، وهم الذين جعلوا من بني طاهر حكاماً على عدن وحضرموت.

وهذا يعني أن الحكم في صنعاء خلال هذه العهود الثلاثة أي العباسي والفاطمي والأيوبي لم يكن مستقلاً وإنما كان حكام صنعاء ولاة تابعين لدولة مركزية في بغداد أو القاهرة. وكان هؤلاء الولاة من زياديين أو صليحيين أو رسوليين يعينون حكاماً لإدارة شؤون الأقاليم في الجنوب وعدن وحضرموت، وهم أشبه ما يكونوا بمدراء عموم لمديريات ونواباً عن محافظين. ومن هؤلاء كما أشرنا بنو معن وبنو زريع نواباً عن الصليحيين وبنو طاهر نواباً عن الرسوليين.

والمهم أنه خلال هذه المرحلة أو المحطة اتصل سكان حضرموت مع سكان اليمن وعدن والجنوب العربي عامة. وعرف سكان هذه المناطق الكثير من السمات والصفات الإيجابية للحضارمة فاستفادوا منها، وبهذا انتقلت سمات من الهوية الحضرمية إلى هؤلاء. وبالمقابل استفاد الحضارمة من الصفات الإيجابية لدى هؤلاء.

‌ج) المحطة الثالثة وتبدأ من عام 1522م حيث نزلت القوات العثمانية البحرية شواطئ حضرموت لمساندة القوات الكثيرية في صد العدوان البرتغالي البحري على الشحر، وتنتهي في عام 1888م بتوقيع اتفاقية الحماية البريطانية مع السلطان عوض بن عمر القعيطي. وأهم ما في هذه المحطة التاريخية أنها أعادت للحضارمة الفرصة والإمكانية في إقامة الدولة المستقلة في أرض حضرموت، تماماً كما كان الحال في العصور الخوالي، أي قبل ظهور الإسلام، ومع استثناء الفترة التي كانت في حضرموت جزءاً من دولة الرسول  وخلفائه الراشدين، أي من عام 631م إلى عام 660م، وحيث كانت إدارتها تتم مباشرة من المدينة المنورة مركز الدولة الإسلامية آنذاك.

والمهم أنه خلال هذه المحطة التاريخية الثالثة أي من عام 1522م إلى عام 1888م قد استطاع الحضارمة – كما أشرنا – تأسيس دولة ممتدة الأرجاء مهابة في القدر والاحترام فهي تمتد من ظفار شرقاً إلى شرقي بيحان وشرقي أبين غرباً، وهو ما عرف بدولة أبي طويرق الكثيري، وفيها استطاع الحضارمة نقل الكثير من سماتهم الإيجابية وخصائص هويتهم إلى معظم أجزاء الجنوب العربي، بما في ذلك أبين وعدن ولحج والضالع وغيرها، وحيث كانت مساحة دولة حضرموت آنذاك تمثل حوالي (85%) من مساحة ما عرف بالجنوب العربي الممتد من باب المندب إلى شرقي المهرة.

‌د) المحطة الرابعة وهي مختصة بزمن الحماية البريطانية والتي بدأت من عام 1888م وانتهت بالاستقلال في عام 1967م.
ولعل هذه المحطة التاريخية الرابعة من أزهى المحطات التاريخية التي استطاع فيها الحضارمة نقل صفاتهم الإيجابية لهويتهم الحضارية ليس إلى بقية أراضي الجنوب العربي فقط وإنما كذلك إلى مناطق أخرى أبعد وأوسع في شبه الجزيرة العربية وإلى أراضي أبعد في بلاد الرافدين والشام ووادي النيل وكذلك إلى السواحل الإفريقية والآسيوية المطلة على المحيط الهندي وآفاق أخرى بعيدة.

وفيما يتعلق بأثر الحضارمة في سكان عدن والجنوب العربي وما نتج عن ذلك من نقل للصفات الإيجابية للهوية الحضرمية على هؤلاء السكان يمكن أن نشير بعجالة إلى أن الحضارمة خلال هذه الفترة والممتدة لحوالي ثمانية عقود من الزمن قد أسسوا جالية حضرمية نشطة وفاعلة في أهم المراكز الحضرية في الجنوب العربي وخاصة في عدن وكذلك في كل من أبين ولحج. وقد كان لأبناء حضرموت في عدن خصوصاً دوراً إيجابياً وريادياً في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والوطنية بوجه عام. وظهر من ذلك أسماء معروفة وبيوتات تجارية واقتصادية يشار إليها بالبنان.

ورغم أنه أطلق على أفراد هذه الجالية الحضرمية مصطلح (شحارية) ومفردها (شحاري) نسبة إلى القادمين من الشحر، إلا أن المعني والمراد بذلك هو كل حضرمي يسكن في عدن حتى لو لم يأت من الشحر، حيث أن الكثير من الحضارمة في عدن قد قدموا من مدن وادي حضرموت ومنها سيئون وتريم وشبام والقطن وغيرها وكذلك قدم بعضهم من مدن الساحل ومنها المكلا والشحر وغيل باوزير والحامي والديس الشرقية وغيرها.

ولا شك أن وجود هذه الجالية الحضرمية النشطة والفاعلة في عدن وفي بقية أجزاء الجنوب العربي كان عاملاً مهماً في صبغ عدن وهذا الجنوب العربي بصبغة حضرمية مميزة وبسمات ملموسة من الصفات الإيجابية من مكونات الهوية الحضرمية والضاربة بجذورها في عمق التاريخ، مما يعزز القول بالامتداد الحضاري لحضرموت وبآثارها الإيجابية إلى هذه المناطق الجنوبية وهي التي لم تكن في يوم من الأيام محسوبة ضمن دولة حضرموت التاريخية.

وبقدر ما أفاد الحضارمة أخوتهم في عدن والجنوب العربي من السمات الإيجابية لديهم وما تختزنه الهوية الحضرمية من خير بقدر ما استفاد الحضارمة كذلك مما كان لدى هؤلاء من خير وإيجابيات فأضافوه إليهم، مما عزز الهوية الحضرمية وجعل سماتها أكثر انفتاحاً وأكثر صلابة وصلاحية لما يخدم الإنسان في يومه وغده وكافة ضروب معيشته.

‌ه) المحطة الخامسة والأخيرة وهي التي تبدأ من 30 نوفمبر 1967م أي من تاريخ الاستقلال والذي جعل من حضرموت مجرد محافظة باليمن الجنوبي وتمتد إلى يومنا هذا وبفترة تصل إلى ما يقرب من نصف قرن، أي 44 سنة.

ورغم أن هذه المرحلة قد سلبت من حضرموت هويتها السياسية وجعلت منها جزءاً من هوية سياسية فرضت عليها وهي الهوية السياسية اليمنية، حيث لم يكن لسكان حضرموت آنذاك أي خيار فيما فرض عليهم حينها، إلا أن حضرموت لا تزال – وستبقى بأمر الله عز وجل – تحتفظ بهويتها الحضارية والثقافية والاجتماعية التي عرفت بها منذ حوالي خمسة آلاف عام ولم تطمس بعد رغم كل المحاولات التي بذلت وتبذل بين حين وآخر في هذا السبيل.

وقد أوجد الحضارمة شكلاً راقياً من التعامل العقلاني والحكيم والمتزن وكوسيلة دفاعية للحفاظ عن هويتهم الثقافية والاجتماعية والحضارية هذه التي غيبت عنهم وبين ما فرض عليهم من هوية سياسية لا تمت إليهم بصلة وهي الهوية السياسية اليمنية فأصبحوا يشيرون إلى أنفسهم بأنهم حضارمة يحملون بطاقات هوية رسمية يمنية أو جوازات سفر رسمية يمنية، أي أنهم حضارمة مواطنون باليمن الديمقراطية (سابقاً)، أو حضارمة مواطنون بالجمهورية اليمنية (حالياً)، وحيث أنه لا يعنيهم كثيراً اسم الدولة التي تحكمهم بقدر ما يعنيهم وضعهم الفعلي فيها ومن ذلك إحساسهم الداخلي بأنهم بالفعل حضارمة لا يمنيين.

ورغم هذا الوضع غير المريح لغالبية الحضارمة إن لم يكن لجميعهم فإن دورهم في نقل الصفات الإيجابية لهويتهم ودورهم الفاعل في تنمية أوضاعهم لم يتوقف، فقد ساهموا بكل جد وإخلاص في بناء اليمن الديمقراطية خلال الفترة من عام 1967م إلى 1990م، وكذلك ساهموا في بناء دولة الجمهورية اليمنية منذ عام 1990م. ورغم ما تعرضوا له من تهميش وإقصاء بل واستغلال غير مبرر من عام 1994م وإلى اليوم، إلا أنهم لا يزالون يبذلون ما يستطيعون من جهد ومن طاقة للحفاظ على هويتهم الحضارية والتي كرمها الله عز وجل بأن جعلها محفوظة هذا العمر الطويل والذي يربو على خمسة آلاف سنة.

وكرمها كذلك بأن جعلها لا تقوم على الدم أو العرق أو نقاء العنصر أو المكونات الجينية وإنما جعلها هوية حضرمية تقوم في الأساس على القيم الأخلاقية والحضارية والإنسانية التي أتى بها ديننا الإسلامي الحنيف وأكدت عليها أحاديث وسيرة سيدنا محمد  ولما ينفع ويصلح حال الإنسان في كل زمان ومكان.

أولا: ماذا تعني الهوية ؟ وما هي محدداتها ومكوناتها ؟

الهوية الحضرمية: مكوناتها وأثرها على الهوية الجنوبية لمحات ومحطات (1-3)
ثانياً... لمحات عن المحددات والمكونات الأساسية لهوية حضرموت بشرياً ومادياً
الهوية الحضرمية: مكوناتها وأثرها على الهوية الجنوبية لمحات ومحطات (2-3) - سقيفة الشبامي

التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح

التعديل الأخير تم بواسطة حد من الوادي ; 08-04-2011 الساعة 02:21 AM
  رد مع اقتباس