عرض مشاركة واحدة
قديم 06-25-2012, 01:05 AM   #1
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

المناخ الذي صنع المأساة " الشهيد عبدالله بن صالح الجابري (1938م – 1976م)


المناخ الذي صنع المأساة
الشهيد عبدالله بن صالح الجابري (1938م – 1976م)


6/24/2012 المكلا اليوم /كتب: محمد بن ماضي

في الفترة الواقعة بين عام 1964 م وعام 1965 م طُفت معظم أنحاء حضرموت واتصلت بكل أو معظم شيوخ القبائل النافذين وأبلغتهم أن المستقبل يدخر لحضرموت الكثير من المتاعب إذا لم يسارعوا من الآن إلى تنظيم أنفسهم وتحديد موقفهم من التطورات السياسية المحمومة التي ستعم المنطقة . ومن سوء طالع حضرموت أن حدود الإدراك عند أهل الحل والعقد فيها وقتذاك لم تكن تختلف عن حدود الإدراك عند الشاعر المحلي الذي قال :

يا الله يا رباه يا خالق حبيبي عمر
يا خالق الأكوان من دوعن لمّا قبر هود

هذا الشاعر كان يعتقد أن الأكوان كلها تقع في المسافة الواقعة بين دوعن وقبر هود .. وان المعجزة الإضافية التي خلقها الله هي ( الحبيب عمر ) .. وهو رجل من العلويين .. وكان يشغل منصب وزير الصحة والعدل في حضرموت حتى بعد مائة سنة من وفاته .. إذ يهرع إلى قبره آلاف المرضى كل عام بأمل الشفاء لقاء النذور التي يغدقونها عليه .. ويتولى الحبيب عمر بالإضافة إلى ذلك إنزال العقوبات المناسبة بالمخادعين والكاذبين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ..!!

وفي هذا المناخ الاجتماعي .. أو في بقايا هذا المناخ ( إذا كانت موجة التحرر من الوهم والخرافة قد أخذت تشق طريقها عبر الوجدان الحضرمي ) كُنت والقلائل من شباب حضرموت نحاول الاتصال بالقبائل وتعبئتها لمقاومة التيار الشيوعي الهدام الذي شرع يتمركز في المدن الرئيسية , تحميه السلطات المحلية التي كانت تعتقد أن وجود هذا الصخب السياسي العقيم في الشارع يقيم الدليل على الأهلية للحكم وعلى الاعتبار الدولي !! إذ كانت الشعوب المتخلفة .. كثيرا ما تعتبر الفوضى العلامة الوحيدة الدالة على الحياة !

لم نحرز إلا القليل من النجاح .. ذلك أن قبائل حضرموت مذعورة من عودة الحروب القبلية ومن تصور أن السلطات المحلية قد لا تكون في وضع يسمح لها بفرض الطاعة واحترام القانون على القبائل التي لا زالت تحن إلى القصاص لدم أبنائها الذين أهدر قبل الصلح العام الذي فرضه ( انجرامس ) على حضرموت قبل أكثر من ثلاثين عاما .

كنا نطالب القبائل بالعمل كقوة ( سياسية متماسكة ) للحد من الاندفاع في هاوية التيار الشيوعي .. وكانت القبائل تطالبنا بالتوسط فيما بينها البين لعقد أحلاف بعدم الاعتداء بعد تصفية الوجود البريطاني عسكريا , وسياسيا في المنطقة .

وكان رجال القبائل لا يأبهون كثيرا لما يدور في المدن باعتبار أن ردود الأفعال الناجمة عن هذا الصخب السياسي لن تتجاوز بأي حال حدود الشحر والمكلا وسيئون وتريم وشبام .. وان الثوار أو ( عيال السوق ) كما كان يسميهم المجتمع لا يستطيعون الحصول على مواقع في ارض القبائل , حيث ( يوجد الموت الحمر ) .. وحيث لا توجد شرطة مهذبة تحمي المتظاهرين بدلا من أن تؤدبهم .

دعوني أوضح عبارة ( الموت الحمر المحلية ) فالأمر قد يلتبس على القارئ غير الحضرمي .. يطلق اسم ( الموت الحمر ) في حضرموت على الموت الذي ينجم عن القتال أثناء الاشتباكات العسكرية .. أو ذات الطبيعة العسكرية كالحروب القبلية وعمليات الاعتداء الفردية .. الخ . وقد اشتقت التسمية من الدم الذي ينزف عادة من المصاب بطعنة أو طلقة أو شظية قذيفة ..

وزعتُ ذات مرة منشورا في حضرموت الداخل , وأعلنت فيه ( أن دول للسقل والسفل ستقام , وان فتنة ستعم حضرموت من أقصاها إلى أقصاها .. وان نصيب القاعد عن هذه الفتنة سيكون أوفى من نصيب القائم فيها ) .

بعد توزيع هذا المنشور اجتمعت بواحد من مشايخ القبائل ودار حوار طويل حول مخاوفي من المستقبل التي كان يضن الشيخ انه ليس لها ما يبررها وان قبائل حضرموت ستظل قوية كما كانت لأنها حسب تعبيره ( العملة الصعبة التي تحتاج إليها الدول في السلم والحرب على السواء ) ..!!


ولكني قلت له وقتذاك إن هذا التبجح الطويل العريض سيتلاشى كسحابة صيف .. فقد استطاعت قوة منظمة من عمال ( سان بطرسبرج ) عام 1917 م من أن تلحق الهزيمة بثلاثة ملايين جندي قيصري مدججين بالسلاح بينهم مئات الجنرالات الذين تلقوا تربية إسبارطية عالية , وقاوموا غليوم الثاني 4 سنوات في ( غاليسيا ) .. ولكنهم لم يكونوا يملكون إلا القليل من الخبرة في مواجهة حرب التثبيط أو التوهين النفسي أو مقاومة سلاح الشائعات التي تصوغها مصادر الدعاية النفسية التابعة للتنظيمات الهدامة وغيرها من بيانات أو نشرات مكذوبة يصوغها بعض طلبة المدارس الصغار عقولا وطموحا ووعيا بحقيقة ما يصنعون .

وكي يختصر هذا الشيخ ذلك الطراز الممل من النقاش مع مثلي .. قال بحزم :
شف يا ولدي ..
عندي هنا في الغيلة ( الغيلة : غرفة صغيرة في المنزل ) ثلاثة بلاجيك ( يقصد ثلاثة بنادق صنع بلجيكي )
ان سارت الأمور سوا في حضرموت , ياخير وزين ..
وان تعوجت ..

بندقي با يخطي حدود نخلي وذبري ( الذبر : الأرض الزراعية ) ..
وقد سكن أهلي في حضرموت قبل ما يسكن هارون الرشيد بغداد ..
وزال الرشيد وما زلنا ..

ولا بنا هزة من قحطان ولا من غيره ( يقصد قحطان الشعبي ) ..
وان معه خير نبا قسمنا فيه ..
وان معه شر با يقع في كوره ..
ولا تفزعنا بالروس ولا بالشينه ( الصين ) ذولا

بن سعود مني ونجد ..
وعبدالناصر مني وقبله با يكالفونهم ..

شف فزعي كل من أهل الدار ذيك ..!! ( أشار إلى قرية قريبة )
با تجيب لي صلح لمدة خمس سنين من فلان ؟؟ ( فلان: شيخ القبيلة المجاورة ) ..
وكلامك هذا كله مالي صالح فيه ..

ما با تجي حكومة با تشل تمري ولا زيري ..
أو طعامي من وصري ..
أو مالي من تحت داري ..
وان خليتها تشله أنا حمار أنهق ..!!

65 م .... 66 م ... 67 م ... 68 م .. بعد أربع سنوات من هذا الحوار كانت الجبهة القومية قد استولت على حضرموت تماما .. وكان واحد من ( البلاجيك الثلاثة ) التي كانت في غيلة شيخ القبيلة الحضرمية التي سكنت حضرموت قبل أن يسكن هارون الرشيد بغداد على كتف ( فيصل النعيري ) وآخر على كتف ( سالم توما ) ولد طبّاخ آل الكاف .. والثالث لا ادري من ( تسلبه ) من أفراد العصابة .. والغيلة المنيعة أضحت مأوى للجرذان ..

وقبل ثلاثة أشهر من كتابة مقالي هذا سمعت أن السلطات الشيوعية صادرت أراضي هذا الشيخ وحددت إقامته .. وقد ذاق قبل ذلك ألوانا من الذل .. على أيدي الشيوعيين يعتبر ( الموت الحمر ) أحفظ للكرامة وأحب منها إلى النفس من الهوان الذي لاقاه ..

هذا الشيخ والعشرات والمئات من أمثاله لا يفتقرون إلى الشجاعة .. ولكنهم ( لم يستعدوا للفسل أهبة جيدة ) حسب نصيحة أجدادهم .. ولو فعلوا لما سقطت حضرموت ضحية ( للحكم الحمر ) .. وقد كانت قبائلها تفاخر باختراعها ( الموت الحمر ) ..!!

عندما يريد الإنسان أن يموت ( بقرحة المعدة ) أو بأي شيء آخر .. يريد أن يتأكد على الأقل أن الظروف التعيسة التي عاشها .. لن تتكرر في حياة أبنائه وحياة وطنه .
إن هذه الروافد الصغيرة من الحكايات المتفرقة تؤلف في نهاية الأمر نهرا عظيما من العبر تستمد منها الشعوب كل خبراتها .

وهذا هو السبب الذي يجعل ( وصيت الميت ) مذكرة رسمية للأحياء باحترام التقاليد الصحيحة للحياة والدفاع حتى الموت عن الجانب الكريم في قيم الأمم الحية ومقدساتها !!
وطالما حضرموت لا زالت تطمح في ربح معركة الحرية التي خسرت جولتها الأولى عام 1967 م فإن هذا النوع من القصص لا يمكنه أن يكون بلا فائدة .
جريدة نداء الجنوب 30/7/1391 هـ


مقال بعنوان: وقفة روائية عند المناخ الذي صنع المأساة .
انتهى المقال ..!

فهل نستفيد من العِبر ؟؟!!!
عصبة القوى الحضرمية

-----------------------------------
عذرا لكم بحذف المقال المزورواستبدالة بالنسخة الاصلية لذالك تم التعديل
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح

التعديل الأخير تم بواسطة حد من الوادي ; 06-25-2012 الساعة 01:37 AM
  رد مع اقتباس