08-14-2012, 09:02 AM
|
#15
|
مشرف سقيفة الحوار السياسي
|
مشاهدات حضرمية في الديار الفرنسية (4-4)
8/14/2012 المكلا اليوم
/ كتب: م. عبدالرحمن بن محمد باهرمز
4- ماري حفيدة باعبود تسأل عن حضرموت
انتظرت دعوة السيد جاك رينيه للعشاء لأحظى بلقاء ليليان باعبود وزوجها الجزائري الأصل محمد بلحاج، لكن السيد جاك أخبرني بأنهما سيتأخران أسبوعين لسفرهما إلى الجزائر في مهمة إنسانية، وأعطاني إيميلها لأتواصل معها بعد أن أخبرها عني، فرحبت بكل سرور كما قال لي.
كنت أتمنى أن أقنعها بزيارة خاصة لحضرموت وأن أسألها ما إذا كان أوصى الحاج مبارك بأن يدفن عند الوفاة في فرنسا أو ينقل إلى حضرموت ؟
لم يبق لي في باريس سوى أيام معدودات، فطلبت إلى السيد جاك أن يرتب لي لقاءً مع الشابة ماري محمد بلحاج حفيدة الحاج مبارك - بعد أن تعذر عليّ مقابلة الحاج مبارك لحالته الصحية وإصابته بالألزهايمر - فأخبرني بأن برنامجها اليومي ليس فيه فراغات كافية، لكنه سينسق الأمر معها في عطلة نهاية الأسبوع.
رتب السيد جاك رحلة لعائلته على شرفي، ودعا إليها ماري وصديقها، كان كل شيء حولي فرنسياً 100%، الأكلات، اللهو والمرح، الموضوعات، لولا اللحظات التي اختلستها للحديث مع ماري وصديقها، وساعدني أن لديها فضولاً معرفياً للتعرف على بلد جدها مبارك الذي تحبه كثيراً، وتعبر عن إعجابها بشخصيته مرة بعد أخرى.
من الأسئلة التي حرصت على طرحها عليها: هل للحاج مبارك رأي في صداقتها لأوليفر ؟ ضحكت حتى كادت تستلقي على ظهرها ثم قالت ضاحكة: جدّو مُوباراك مُوش مُأقّد (ليس معقّداً). ثم أضافت: هُوَا يُوحِبُو أوليفر جِيْ دَان (تقصد: أن جدها يحب أوليفر جداً). ثم سألتني:
- هل لديك بنات ؟
- نعم عندي ابنتان.
- وهل لهما أصدقاء ؟
- لا.
- لماذا ؟ هل هما طفلتان ؟
- لا.
- هل لديك اعتراض ؟
- لست ضد التعارف.. ولكن تقاليد المجتمع لا تسمح.
وهنا باغتتني بسؤال: هل تضعان النقاب على وجهيهما ؟
- نعم
- وتمشيان في الشارع بالنقاب ؟
- نعم.
- أوه.. كيف إذن سأمشي في الشارع إذا زرت حضرموت ؟
- أنت أجنبية، ولا مانع من أن تمشي بلا نقاب هناك.
- لن أتعرض لمضايقات ؟
- أبداً.. اطمئني.
- يعني لا توجد امرأة واحدة بلا نقاب في شوارع حضرموت ؟
- نعم.
- أوه ! معقوووووول؟ ! هذا صعب.. صعب جداً.
- نعم.
- لم يحدثني جدي عن هذا.. كان يحكي لي قصصاً عن حضرموت والنساء العاملات مع الرجال في الحقول والمراعي، وحرية الفتيات في اللعب مع الفتيان عندما كان صغيراً.
- أها، صحيح كان الوضع كذلك، لكنه تلاشى الآن.
- وكيف تتقبل البنات والنساء هذا الوضع ؟ ألا يتضايقن منه ؟
هززتُ رأسي، علامة الإيجاب، فقالت:
- ألا توجد حركات مناهضة للتضييق على المرأة ؟
- ربما بعضها هناك.
- ولكن لماذا ؟ هل هو تابو ؟
- أصبح كذلك.
- وفي الجامعة تجلس الطالبات على المدرج منقبات ؟
- نعم.
- كلهن ؟
- نعم.
- أوووه هذا صعب جداً جداً.
- وكيف هو الوضع في المطاعم والاستراحات العامة المختلطة ؟
- ليست مختلطة.. لدينا أقسام خاصة للعوائل.
- عفواً وكيف تأكل المرأة وهي منقبة (قالتها وهي تضحك).. أوووه صعب جداً !.
- هناك صعوبة أكيدة.
- ولماذا النقاب والأقنعة والتضييق في الملبس والحركة ؟
- العادات الاجتماعية وبعض الآراء الدينية السائدة الآن.
- في الجزائر الوضع مختلف وفي شمال أفريقيا.
(علّق أوليفر بعد أن ترجمت له ماري خلاصة حديثنا: أوه ...أنا في غاية الشوق لرؤية نساء يمشين في الشوارع بأقنعة سوداء أووووه.. شيء لا يصدّق.. فانتازيا)، ولأنني أحسست بأن النقاش سيزهد ماري في زيارة حضرموت، وسيجد أوليفر فرصة للتندر على مجتمعنا، سارعت إلى تغيير الموضوع:
- ماذا تدرسين يا ماري ؟
- العلاقات الدولية.
- وأوليفر ؟
- الآثار
- جميل.. هل لك أن تحدثيني عن جدك مبارك ؟
ابتسمت ابتسامة صافية ثم قالت:
- جدي إنسان رائع جداً وكان يحكي لي حكايات مدهشة قال إن جدته كانت تحكيها له، كنت أنام طائرة على خياله الجميل.. عوالم تلك الحكايات خرافية ممتعة، وكنت أفتعل الأسباب لكي أحظى بحكاية كل ليلة، وهو حكّاء رائع، لديه قدرة على التشويق، والمفاجأة، وكانت أنفاسي تعلو وتهبط على إيقاع صوته واللحظات المتأزمة والمنفرجة، واااااااااااااو، يا للعجب !.
ألح عليّ سؤال اختيار المكان الذي يرغب الحاج مبارك أن يُدفن فيه بعد وفاته، فسألتها:
- هل حدثكم عن رغبته في ذلك ؟
قالت بحزن: لا أتخيل موته، لكنه كتب رسالة وضعها في خزانته وأوصى بفتحها بعد موته.. لا أدري !.
احترمت حزنها، فتمنيت له طول العمر، ثم اعتذرت لها عن أسئلتي التطفلية، فقالت: كلا، الحديث معك جميل ومفيد.
كانت الرحلة التي رتبها السيد جاك ممتعة، وختمتها بدعوتهم لزيارة حضرموت على أن نرتب أمرها عبر التواصل القادم، فعبروا - السيد جاك وماري وأوليفر - عن سعادتهم بالدعوة واللهفة لزيارة بلد الحاج مبارك باعبود.
غادرت باريس وفي نفسي رغبتان لم تتحققا هما: لقاء الحاج مبارك لأنه يعاني من الألزهايمر، ولا يستقبل أحداً، وابنته السيدة ليليان مبارك عضو البرلمان الفرنسي عن الحزب الاشتراكي، لسفرها خارج فرنسا، لكنني في الزيارة القادمة سأكمل ما لم استطعه في هذه المرة.
كلمة أخيرة:
كل المحبة لموقع المكلا اليوم وللسيد الناشر رئيس التحرير الأستاذ سند بايعشوت وللقراء الكرام في حضرموت والمهجر المتفاعلين بالتعليقات الجميلة أو بالرسائل الخاصة التي ازدحم بها إيميلي، وأخص بالذكر منهم العزيز المخرج أحمد بن يحيى، الذي أعده بإنجاز المهمة وإعدادها لتلبي رغبته العزيزة، وأقدّم الاعتذار لمن لم أشبع فضوله لمعرفة المزيد، فزيارتي لم تكن لغرض صحفي استطلاعي، ولكن صدفة التعرف على مطعم الحاج باعبود دفعتني لاقتطاع جزء من وقتي لاكتشاف حضرموت في الديار الفرنسية.. وأعدكم بتكرار الزيارة قريباً والكتابة عن سيرة هذا الرجل العصامي، بالتفاصيل الموثقة والصور، وسأستعين ببعض الأصدقاء لإتمام المهمة، وتقديمها باللغتين العربية والفرنسية بإذن الله.
مشاهدات حضرمية في الديار الفرنسية (1-4)
مشاهدات حضرمية في الديار الفرنسية (2-4)
مشاهدات حضرمية في الديار الفرنسية (3-4)
[email protected]
|
|
|
|
|