بسم الله الرحمن الرحيم
النية محلها القلب لا ينطق بها إطلاقاً ،
لأن تتعبد لمن { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ****** ،
لست تعمل لإنسان حتى تقول : عملت هذا لك ،
تعمل لله عز وجل ،
ولهذا لم ينطق النبي صلى الله عليه وسلم بالنية أبداً ،
والنطق بها بدعة ينهى عنه ، لا سراً ولا جهراً ،
خلافاً لمن قال من أهل العلم : إنه ينطق بها جهراً ،
وبعضهم قال : ينطق بها سراًّ ،
وعللوا ذلك بأن يطابق اللسان القلب ،
نقول : يا سبحان الله ، أين رسول الله عن هذا ؟
لو كان هذا من شرع الرسول لفعله هو وبينه للناس ،
ويذكر أن عامياً من أهل نجد كان في المسجد الحرام وإلى جانبه رجل لا يعرف إلا الجهر بالنية ، الرجل النجدي هذا عامي ما يعرف شيء لما أقيمت صلاة الظهر قال الرجل الذي كان ينطق بالنية قال : اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات لله خلف إمام المسجد الحرام ، فعندما أراد أن يكبر قال العامي : اصبر يا رجل باقي عليك ، قال : وماذا تبقى ؟ قال : قال باقي عليك التاريخ ما اليوم وما الشهر وما السنة ، ما حاجة تعلم ،
إذا قال قائل : قول الملبي : لبيك اللهم عمرةً ولبيك اللهم حجاًّ ولبيك الله عمرةً وحجاًّ ، أليس هذا نطقاً بالنية ؟
فالجواب : لا ، هذا إظهاراً للشعيرة ،
ولهذا قال بعض العلماء : إن التلبية في النسك كتكبيرة الإحرام في الصلاة ،
يعني إذا لم تلبِّ ما انعقد إحرامك كما أن تكبيرة الإحرام لو لم تكبر ما انعقدت صلاتك ،
إذن قول الملبي : لبيك عمرةً أو حجاًّ أو عمرةً وحجاًّ ، ليس إلا لإظهار هذه الشعيرة فقط ،
ولهذا ليس من السنة أن نقول ما قاله الفقهاء رحمهم الله : اللهم إني أريد نسك العمرة فيسرها لي وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني ،
لا تقل هكذا ،
لأن هذا ذكر يحتاج إلى دليل ولا دليل ،
إذن النية لغةً : القصد ،
واصطلاحاً : نية العمل ،
ومحلها القلب ، والنطق بها بدعة ،
إذن أُنْكِرُ على من نطق بها أم لا ؟
أنكر عليه ، ولكن بهدوء ،
أقول : يا أخي هذه ما قالها الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه فدعها ،
فإذا قال : قالها فلان في كتابه الفلاني ،
قل : القول ما قاله الله ورسوله ،
( وإنما لكل امرئٍ ما نوى ) هذه الأخيرة وهي نية المعمول له ،
هي التي يتفاوت فيها الناس تفاوتاً عظيماً ،
نعم ، يتفاوت فيها الناس تفاوتاً عظيماً ،
تجد رجلان يصليان بينهما كما بين المشرق والمغرب في الثواب لأن أحدهما مخلص والثاني غير مخلص ، هذه يتفاوت فيها الناس تفاوتاً عظيماً ،
تجد شخصين يطلبان العلم التوحيد أو الفقه أو التفسير أو الحديث ، أحدهما بعيد عن الجنة والثاني قريب منها وهما يقرءان في كتاب واحد وعلى مدرس واحد ،
فالناس في الجملة الأخير ة يتفاوتون تفاوتاً عظيماً أبعد مما بين المشرق والمغرب أو مما بين السماء والأرض ،
( وإنما لكل امرئٍ ما نوى ) هذا رجل طلب الفقه ، لماذا يا أخي طلبت الفقه ؟
قال : لكي أكون قاضياً ، والقاضي له راتب رفيع ومرتبة رفيعة ،
والثاني قيل له : لم طلبت الفقه ؟
قال : لأكون عالماً معلماً لأمة محمد ، بينهما فرق عظيم ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من طلب علماً مما يُبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا لم يَرَحْ رائحة الجنة ) أعوذ بالله ،
أخلص النية ،
صار الناس يختلفون في هذه الجملة : ( وإنما لكل امرئٍ ما نوى ) اختلافاً عظيماً ويتباعدون تباعداً عظيماً
العلامة ابن عثيمين رحمه الله
شرح الأربعين نوويه