هل النسيان رحمة؟
لا أحسد إلا اثنان ، أحدهما البار في أمّه والآخر القوي الذّاكرة ، أحسد الأول لأنه رأى أمه فابتسمت له مداعبة وضحك لها حبا واستئناسا وحدّثها وحدثته ، والعبد لله لم يحظ بهذا الشرف العظيم ذلك أن أمّه ذهبت معرفتها بالدنيا وهو رضيع ، وإن سألتني عن ذاكرتي فسبحان الذي يغير ولا يتغير ، فلم تعد بذاك المستوى لأسباب عدّة ، أهمّها:
أوّلا: عامل السّن . ثانيا: الإنشغال بأشكال وألوان الإستعمار ، وعند هذه ـ ياعزيزي أود أن تتبعني فيما أكتب لتعلم عن ضيم وقهر وذلّ وإحباط . نعم حبّبوا إلينا مقاومة الإستعمار ، وكانوا يقولون من على المنابر:[.... الإستعمار البغيض بكافة أشكاله وألوانه ] ، وذلك في الستينيات من القرن الماضي ، وفي حينها كان شكل من أشكال الإستعمار منظور أمامنا: مندوب سامي ـ إستخباراتي في صورة خبير زراعي ـ جنود إنجليز في عدن ، إلا أننا نجهل بقية الأشكال لحداثة سننا وقصور وعينا , و[ اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ] . سألت زميلنا في المتوسطة الذي كان أكثرنا ثرثرة في السياسة يقول كلاما لا نفقهه : [ الإمبريالية] [ الإنتهازية] [ السفسطائية] ، وكان يتقدمنا في المسيرات ويملي علينا الشعارات . سألته: ما معنى أشكال وألوان الإستعمار ، وجاء جوابه سريعا ولكن يطابق تماما قول الشاعر:
وكأننا والماء من حولنا ===== قوم جلوس حولهم ماءُ
حتّى جاء زمن الضيم والقهر والذّلّ والإحباط ، وبدأنا في قراءة الوجه الجديد للإستعمار .