تعمل اللغة في الشعر على هدم العلاقات الدلاليّة ، والعلاقات المنطقيّة الرابطة بين الأشياء ، إنّها من صنع الخيال ، بعيدا عن منطق المرجع ومنظومته ، ولا دخل للعقل فيها ، كقول الشاعرة سعاد الشايب " مثلما روحي على الندى عبرت / مثلما غيم على التلّ غفا " فتسند أفعالا بشرية لأشياء لا يسعفنا العقل بميكانيزماته تصّورها ، كما الغفوة التي تصيب الغيم ، أو أن يكون الشاعر كما جاء على لسان مبروك السياري سليل النمل ، من رحمه قدّ ، ومن نايه يبعث شعرا / حيّا ، إنّها لحظة يمتدّ فيها جسر التواصل بين باثّ / حالم ، ومتقبّل / متذوّق ، إنّه حديث الداخل إلى الداخل ، تكوّنه علاقات رمزيّة ، مشحونة بالإيحاء ، ومرجعهما ( الباث / المتقبّل ) أرض تبسط امتدادها في الأحلام ، فالخروج عن دائرة التقرير ، والقدرة على تركيب علاقة متميّزة بين الدال والمدلول هما اللذان يخلقان الإيحاء ، وهذا راجع إلى نوع التجربة التي تعتمد أساسا في النصّ الشعريّ على النفاذ إلى دواخل الشاعر ومحاورتها ( 5) كما جاء على لسان محمد علي اليوسفي في قصيدته " حافة الأرض " :
أقول ( قُبَّرَةٌ !) ولا أراها؛
تطير( بينما ريشُها عندي ) إلى بلدي البعيدة.
أقول ( أرضي إذن...) ولا أراها؛
تميلُ الأرضُ ( تغفو على زندي ) فتنكتب القصيدة.
فعالم الشعر عالم عجائبيّ ، غرائبيّ ، تختزل فيه رؤية الشاعر عوالمها في كلمات تبثّها أحلامها ورؤاها واوجاعها ، إنّها النحت في صخرة اللغة ، فلا صدى للواقع فيما يكتب ، ولا قرائن تدلّ على ارتباط العالم الشعري بالمرجع ، إنّه فعل قول يصغي لصوت الوجود في الذات الجوانيّة ، ويؤسّس له علاقات دلالية خاصة لا يفقه كنهها إلاّ من ركب مخاطر الإبحار في فضاء اللغة التي توائم بين الأضداد ، وتجمع ما لا يجمع
..............................
الهوامش :
- فوزي الديماسي:أريج قرطاج نشر جمعية آل البيت الجزائر - ص8 - الجزائر 2007-
أدونيس : ديوان الشعر العربي - المجلّد الأوّل - دار الفكر - 1986
- 3- مطاع صفدي فجاءة الفلسفة العالم - مجلة الفكر العربي المعاصر عدد 158-159
-4- عبد القاهر الجرجاني : أسرار البلاغة - تحقيق محمودمحمد شاكر -دار المدني بجدّة - ط1- 1981 ص 342-343
عن الغموض في الشعر : جميلة السعيدي - مجلة الحياة الثقافية عدد237 جانفي 2013