عرض مشاركة واحدة
قديم 02-22-2013, 11:18 AM   #3
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 3 ـــ

يسعى النص هنا إلى أن يبقي الجماعة على تماسكها الخلقي من خلال هذا الانتقاد، رغم أن مثل هذا السلوك متكرر في طيات التاريخ كما قال الشاعر، وهو لا يمارس وظيفته الانتقادية لشعبان حسب، ولكنه يمنع الآخرين من السقوط عبر تفعيل عواطفهم النابذة لمثل هذا التصرف، ويمنح المجتمع تأييده التلقائي لهذه المعاني، وذلك هو سر التفاعل بين هذا الشعر والمجتمع، أو بين الكلمة والناس التي يعمل الشعراء العاميون على تأجيجها باستمرار، وهو ما يقدم بشكل أو بآخر صورة من صور الثقافة أو وعي الناس، فالشعر والمجتمع والثقافة أبعاد متداخلة هنا حيث يظل للشعر سحره، ولكن في الوقت نفسه حكمته المسموعة وتوجيهاته الاجتماعية من جراء ذلك التفاعل، الشعر هنا يمكن تعريفه بأنه وجود فني في نسغ الحياة الاجتماعية يسعد كل فرد كما يوخزه، ويتسلل إليه بمن في ذلك (شعبان الطبال) الذي رمزت القصيدة إلى اسمه مستخدمة كلمات بسيطة يمكن لأي شخص مهما دنت ثقافته أن يفهمها.

بهذا يدعو الشاعر الجميع للانشراح والسعادة على بساط كلماته بما تخبئه من حب ووجد، ونقد أيضا، بوصف ذلك طالعا من صميم حياته إذ يقدم صوته من خلال المعيوش واليومي، ومن خلال ذلك نبصر المجتمع والشاعر معا، هو شعر يتفتح على الجميع، أو باقة ورد ترسل أريجها على الجميع وقد طرق فيه الشاعر عدة موضوعات انطلاقا من الإحساس بذاته وقد اعتمرت بالمجتمع في كثير من تفاعلاته. ويأخذك كصديق في جولة متنوعة في ديوانه، لا يكاد يستقر على شيء واحد، وإنما يقدم لك باقة ورده ويمتعك كأن المجتمع وشؤون حياته تمر من خلال عتبة ديوانه أو كأن الديوان عتبة إلى الحياة، وكلما توغل في قضايا الناس اقترب إليك الشاعر بألفته، لذلك أظن الشاعر سعيدا بتلك القصائد أكثر مما هو فخور بها ، بوصف السعادة تشمل الشاعر والمجتمع الذي أحبه، أما الفخر فخاص به وحده.

وفي أثناء ذلك يمارس صالح سالم عمير حريته في تشكيل كلماته ويسعى بسماحة لامتلاك خيار صوته من بين كل البدائل التي كان بإمكانه محاكاتها وتقليدها، إذ آمن –كما يبدو- بإمكانيته في قول صوته الخاص ولو كان بسيطا، ويقف خلف ذلك لا شك معاناة ما شكلت في المحصلة الأخيرة طاقة كلماته، ولعلني على ثقة من أن تجربة صالح جزء من تجربة عامة تنوعت على يد عدد من الشعراء العاميين الشباب في حضرموت أسهمت في تلبية رغبة جيل كامل أو أجيال في سماع صوت مختلف وخاص في الشعر العامي أخذ يخرج إلى النور.

لغة صالح سالم عمير ليس لها ذلك التأثير العنيف المزلزل للنفس والخيال لكنها جارية في ضمن تفاعلات الذات والمجتمع فمحتواها ذاته هو وسيلة توصيلها، ترسل دوالها مباشرة إلى ما يمتع الذات والمجتمع العام، ويمكن تقبلها من خلال مجموعة هذه التفاعلات. الشاعر هنا يقدم خصوصيته ملتبسة بالاجتماعي من حيث كونه يتحد بأشياء المجتمع من خلال لغته التي يعمل على ترتيبها وتنسيقها بفنية عملية كما لو كانت شيئا اجتماعيا منظورا إليه بعناية بالغة، وينطلق من نص إلى نص أو من وردة إلى وردة مأخوذا بفتنة الالتقاط منفتحا في كل مرة على إحساس مختلف، ومع أن ما يلامسه موجود في إطار المجتمع لكن في انفعال الشاعر به ما يدعو للإحساس به بشكل ودي، وفي هذه الحالة لن تنجو اللغة من مس الشاعر ولن ينجو المجتمع، إنه يمنح إحساساته لأشياء تبدو في غاية الاعتيادية والألفة، فيبحث عن فنيتها من خلال تقديم نقاط منسية مغفلة من وجودها الواقعي، كأن الواقع في بعض جزئياته مثل خيالي، كما نرى في قصيدته (شجن) عن آلة العود الوترية:


يا عود أنسني وسليني وواسيني

وحاصر الحزن الذي كالجمر يشويني

يا مزهري يا أروع الأصحاب والأحباب

.... .... .... ....

يا عود وشوشني إذا ما الجو شابه غيم

خليك في حضني إذا طال الشقاء والضيم

يا صادق البوح المموسق في زمن كذاب

.... .... .... ....

الله ما أحلاه، مذهل، همس أوتارك

وما أحيلى كل أخبارك وأســرارك

صوتك ندى بين الجوانح ينسكب.. ينساب

.... .... .... ....

هيا ابتهج.. ما لك تولول، تذرف الدمعة؟

واللحن محبط، منكسر، في غاية اللوعة؟

والأفق محزون الملامح، أسود الجلباب؟

.... .... .... ....

هلا عزفنا يا صديقي أغنية أحلى

هلا تجاوزنا النشاز المكتنز هلا

هلا رحلنا صوب عالم مختلف جذاب! (ص17-18)
التوقيع :
  رد مع اقتباس