عرض مشاركة واحدة
قديم 02-22-2013, 11:21 AM   #4
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 4 ـــ

العود صامت لكن الشاعر يحاول أن ينطقه ليعبر من همومه إلى فضاءات النغم، فثمة رحلة معاناة تمتد من الحياة إلى النغم الجميل، وكلما رقت نغمات العود كشفت عن مقدار التعب في هذا العالم وفي استهلاك الحياة اليومية لجماليات الروح، وهو ما يمثل ازدواج الشاعر بين الحياة الاجتماعية وفضائها الفني أو تخارجه بين الواقع المباشر والواقع الفني للمجتمع، وكان بإمكان الشاعر أن يلامس حقائق أشياء كثيرة يومية لو أزاح الغشاوة عن سطحها قليلا، كما فعل في قصيدة شجن، إنه يتخلى وقتيا عن آلامه ليذهب إلى فضائها الفني، فلمثل هذا النص علاقته برغبة الإنسان العادي في سماع وشوشات العود حيث تسكن أطياف أحلامه وعشقه في تلك النغمات الطالعة من صميم وجدانه والتي هي جزء من الخيال الجاري في أنساغ المجتمع وذلك ما يدعو لاستمرار الحياة والإحساس بمتعتها.

إن الشاعر غير قادر على الانفصال عن عوده كما هو غير قادر على الانفصال عن مجتمعه، وهو ما يستدعي تجاوب الكلمات في شعره بين الخاص والعام، فما يقوله الشاعر عن عوده أو ما يغازله به هو ما يقوله كل فرد من أفراد المجتمع، أو كثير من أفراد المجتمع، مما يعطينا إشارة إلى أن هذه اللغة وإن بدت ذاتية فهي لغة ذاتية –جمعية ترسم لأفق مطابق فيما بين الشاعر وأفراد مجتمعه فحلمه ورغبته هو حلم كل واحد فيهم، ومن هذا المنطلق فالشعر مرحب به مادام ينفعل به شعور وجداني عام، وينتشي بأثره الجميع ويستمتعون به، فللكلمة الملاصقة لحقائق الأشياء لاسيما تلك التي يعاني منها الناس تأثير حسي وروحي معا ينتج عنه متعة خاصة عند سماعهم نغمات الموسيقى.

هذا الشعر من أي اتجاه جئته هو صوت إنساني متحالف مع شؤون الناس ومعني بجزئيات وقائعهم الاجتماعية، لذلك تبدو لغته أقرب إلى لغة النثر، وتلك مغامرة من الشاعر تجعله أمام خيار صعب: شعره أو مجتمعه، وقد اختار الثاني فأعطى مجتمعه اهتماما أكبر، وبناء على ذلك قدم شعره خاليا من كثير من اللبوس المجازية، فهل نحن بذلك أمام وعي يتبناه الشاعر يوجه صياغة شعره على تلك الشاكلة؟ ربما كان في المقاربات العامة لطريقته في الكتابة ما يرجح ذلك، إنه يهتم بالتفاصيل الصغيرة التي يأبى أن يتعاطاها كثير من الشعراء، وهذا ما يجعلنا نحترم في عمير إيمانه بمحليته واجتماعيته حتى تمتلئ كتابته باللحظة الانطباعية أكثر من الروح التأملية التي ربما كان يهرب منها عامدا، لأنه بتلك الطريقة غير الاجتماعية لو سلكها سيطوح بنفسه بعيدا خارج اهتمامات المجتمع وخارج اهتماماته على حد سواء، الشعر لديه ممارسة اجتماعية تروق له فيه الطزاجة في وصف الأحوال وتقديمها مباشرة قبل أن يجف ماؤها.

الكتابة هنا حاجة اجتماعية ضرورية بالنسبة للشاعر مادامت تستجلي هموم الناس حيث موضوعات نصوصه قادمة من المجتمع وقضاياه، لا من النصوص إلا نادرا، كما في قوله متفاعلا مع قصيدة الشاعر الكبير حسين بن أبي بكر المحضار (منذ ربع قرن) :
أين الذهب والجواهر ذي في الخن؟

يا شاعر الأغنية في أي خانة؟

هل يا ترى لم يزل يا رائد الفن

في الحفظ والصون مفتاح الخزانة؟

أو من عبر هاش ما استخفى وما عن؟

والكل ينهب ويكنز في ثبانه

يا سيد البوح والحرف الملحن

يا خالد الذكر يا عالي المكانة

الحال مايل وعاده ما تحسن

وشارع الصبر ما بانت حسانه (الديوان ص44)
التوقيع :
  رد مع اقتباس