عرض مشاركة واحدة
قديم 02-09-2022, 02:54 PM   #2
أبو صلاح
مشرف قسم تاريخ وتراث
 
الصورة الرمزية أبو صلاح

افتراضي قراءة في كتاب (حضرموت بين الأباضية والمعتزلة)

📚🌹✍️ في تاريخ حضرموت
منشورات الباحث في تاريخ وجغرافية حضرموت
أبي صلاح
#أبوصلاح_باحث_في_تاريخ_وجغرافية_حضرموت

قراءة في كتاب (حضرموت بين الأباضية والمعتزلة)
د .عبد الله الجعيدي
صدر مؤخرا عن دار حضرموت للدراسات والنشر كتابا مهما بعنوان: (حضرموت بين القرنين الرابع والحادي عشر للهجرة العاشر والسابع عشر للميلاد بين الأباضية والمعتزلة- مشروع رؤية-) تأليف الأستاذ سالم فرج مفلح. وضّح فيه المؤلف رؤيته العامة للكتاب بأنه يحاول تقديم مشروع رؤية تعالج بعضًا من العيوب الكثيرة التي يعانيها المكتوب عن تاريخ حضرموت الوسيط، وخلاصة ما أراد أن يقوله المؤلف هو أن الأوضاع المذهبية والعقائدية والسياسية في حضرموت في العصر الوسيط لم تكن سنية بل كانت بين الأباضية والاعتزال، وظلت كذلك حتى العصر الحديث عندما ظهر على مسرح الأحداث السلطان بدر بن عبدالله الكثيري (بو طويرق).
ولأن المؤلف قدم رؤية مغايرة عما هو معروف ومكتوب ومتداول عن تاريخ حضرموت السياسي والمذهبي فقد أثرى هذا الطرح الكثير من الجدل والنقاش في الأوساط الثقافية المهتمة بتاريخ حضرموت، وتعددت الآراء والمواقف حوله، بين التعاطي المرن، والإعجاب المفرط، والرفض المطلق.
وما سأسجله هنا يدخل في باب التعاطي المرن مع هذا الكتاب المثير عن طريق ملاحظات عامة وعابرة دونتها في أثناء القراءة للكتاب حاولت آن تكون بعيدة عن لغة الذم، والمدح، أو اقتناص الأخطاء،
لقد انطلق المؤلف من منهجية واضحة وهو الشك تارة، والرفض والتحييد تارة أخرى لأغلب ما وصلنا من الموروث الثقافي لفترة الدراسة المتناولة والتي تتعارض في أطروحتها مع الفرضيات المسبقة للمؤلف، ولكنه يعود إلى نصوص محددة لصالح مشروع بحثه، وقد وجد ضالته في نصوص أدبية يرى أنها أفلتت من يد الاغتيال، وواقع الحال أن المؤلف معذورا بعض الشيء عندما لجأ إلى بعض النصوص الأدبية واجتهد في قراءتها وحاول استنطاقها لاستجلاء جانب من الحقيقة التاريخية الغائبة والمغيبة. وفي اعتقادي أن الاستخلاصات التي خرج بها المؤلف لا تتحمل البناء المعرفي الكبير والجديد الذي حاول أن يبرزه في مشروع الرؤية.
إن القراءة المجدية لأحداث التاريخ لابد أن تكون متجددة ومتأنية لأن حقيقة الماضي لا تنكشف دفعة واحدة بل بدرجات ومراحل متتابعة وبوجوه جديدة، ولكن يشترط عند القراءة المتجددة للتاريخ ومصادره الابتعاد قدر الإمكان عن هيمنة الفرضيات المسبقة، ومنطق اقتناص السقطات.
والكتاب جمع بين محاولة تأكيد رؤية خاصة عند المؤلف ومشروع الرؤية، وكان في ظني قبل قراءتي للكتاب بأنني سوف أغرق في بحر من التساؤلات أو سأمتد مع خطوط عامة عبر قرون عديدة من تاريخ حضرموت الوسيط والحديث، وإذا بنا نوجه من البداية وعن دراية إلى ما أراد أن يؤكده المؤلف، واضعًا أمامنا مقدماته ودافعا لنا بلطف إلى نتائجه، وفي اعتقادي إن المؤلف وعن وعي منه ترك للباحثين والمهتمين فضاءً واسعًا لاختيار تساؤلاتهم، ورمي حجارته في المياه الراكدة حتى تتسع دوائر المعرفة وتحتوي التساؤلات.
ولا شك إن المؤلف كباحث موضوعي يتمنى ظهور الحقيقة التاريخية أو ما قرب إليها وإن بدت على عكس ما يرى، وان كنت مع من تشكك في أكثر أطروحات المؤلف فإن هذا الشك أو الرفض يستجوب طرح الدليل العلمي المغاير وهذا كما يبدو هدف معلن للمؤلف لاستدراج (الناس) نحو أعادة قراءة التاريخ، وإن أمكن إعادة كتابته.
ومن الأمور التي لفتت النظر في الكتاب ذلك البعد المذهبي الطاغي للأحداث السياسية التي شهدتها حضرموت في فترة الدراسة، وقد صرح المؤلف في أكثر من موضع أن صراع القوى المتنافسة في حضرموت هو صراع مذهبي بغطاء سياسي وليس العكس، وهذا الطرح الصارم يجرد الأحداث التاريخية من كونها حركة بشرية تتأرجح فيها أولويات الصراع البشري وفقًا لمتغيرات المصالح، وتنوع المؤثرات، وتغير موازين القوى.
ومما يلفت النظر أيضًا في هذا الكتاب إن المؤلف رفض الرواية السائدة على وجود التصوف في حضرموت قبل القرن العاشر الهجري، وميّز بين الزهد الذي كان سائدًا في حضرموت والتصوف ، وإذا كان تاريخ حضرموت إلى القرن الثامن الهجري يكتنفه الكثير من الغموض حسب اتفاق معظم المؤرخين فإن الفترة اللاحقة تمثل حالة انفراج نسبي إذ يستطيع الباحث الصبور في انتزاع مادته التاريخية من مصادر الموروث الديني والاجتماعي الحضرمي هذا فضلًا عن المصادر اليمنية الأخرى التي تناولت أحداث اليمن بشكل عام، وهذا من شأنه تصحيح بعض الآراء التي وردت في مشروع الرؤية . وعلى سبيل المثال يظهر ذلك واضحا عند الانقسام الداخلي المذهبي المسيس بين أمراء السلطنة الكثيرية في بداية القرن الحادي عشر الهجري وتدخل الدولة القاسمية الزيدية فيه. فبالعودة إلى المصادر القاسمية مثل (تحفة الأسماع والأبصار) للجرموزي (وطبق الحلوى) لابن الوزير، (وتاريخ اليمن) لحسام الدين الملقب ابو طالب لا نجد النفس المذهبي عند تناولهم للعلاقات القاسمية الكثيرية
ونستنتج من هذه المصادر أن الصراع كان سياسيًا بأهداف متنوعة.
إن الهزة الفكرية التي تعمدها الأستاذ سالم فرج مفلح جديرة بالتأمل وإمعان الفكر، وهي رؤية قد نختلف أو نتفق معها، لكنها في جوهرها دعوة صادقة تبحث عن حقائق التاريخ، وتستفز الهمم، والكتاب (المشروع) كلل المشاريع يحتاج إلى العمل المؤسسي والجهود المشركة التكاملية المخلصة التي ترجع دائما إلى التراث تسبر غوره، وتمتص رحيقه ليعاد إنشاؤه نورًا يضيء الطريق .
------------------
عبدالله سعيد بن جسار الجعيدي
نشر في مجلة حضرموت الصادرة عن دار حضرموت للدراسات والتوزيع والنشر،العدد1، 2008م
ورحم الله المؤرخ سالم مفلح واسكنه فسيح جناته.
  رد مع اقتباس