عرض مشاركة واحدة
قديم 05-12-2013, 01:14 AM   #105
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي

-
(الوتر السادس)

صلة الجنوبي بمكانه


بقلم: د. عبدالقادر علي باعيسى

وضعية الإنسان الجنوبي في صلته بمكانه المفرغ من ثرواته (المكان المجدب) وثورته فيه يقدم واحدة من صور التفاعل بين الإنسان والمكان وعمق الصلة بينهما بوصف أنه إذا سلب المكان سلب الإنسان ذاته، فواقع المكان المجدب المسلوب منه خيره يؤدي إلى ظهور نماذج فكرية وبشرية منتفضة، بوصف الإجداب أو تفريغ المكان من غناه حادثة زمنية ووجودية عميقة (نفسيا واجتماعيا) توغل بالناس في الثورة والغضب.

وانطلاقا من هذا -وغيره من الأسباب ليس هنا مجال الإشارة إليها- بدأت القضية الجنوبية بمسيرات سلمية متفرقة هنا وهناك لا يتجاوز أعدادها المئات، وانتهت بتشكيل صوت صارم يقدم واقع تجربة تفرض نفسها يؤديها ملايين المقهورين بصدق، وفي هذه الحالة يغدو الهدف الذي يسعى إليه هؤلاء قوة صلبة شاملة، فاستقلال الجنوب التي كان مطروحا قبل عشرة أعوام كاحتمالية بعيدة نسبيا غدا ظاهرة بارزة في واقع التجربة الجنوبية منذ العام 2007م لأن مأساة المكان المفرغ من ثروته تستنبت مبادئ حياتية على درجة كبيرة من الصلابة بعيدا عن أي دعاوى سياسية وتاريخية لا تجد مصداقيتها على أرض الواقع، وليست مقولة الجنوب التي صارت تطرح منفصلة عن الشمال اليمني سوى واحدة من أبرز هذه الأفكار التي استنبتها الواقع المرير إذ عمل الناس على تبنيها وصقلها ومن ثم انتقاءها كفكرة نموذجية يتم حملها والاستماتة في سبيلها إلى درجة أن صارت العلاقة بين البعدين الجنوب واليمن في نظر الكثيرين المحتشدين في الساحات وغيرهم علاقة تنافر بسبب وصول الانتهاكات في المكان، ومن ثم الإنسان، إلى منطقة عميقة من الذات والوجود، بل تزداد إيغالا من جراء استمرار التعنت وازدياد إفقار المكان، وقمع الإنسان.

إن ما صار يعرف سياسيا بالقضية الجنوبية أتى جوهرها -ضمن ما أتى- من هذا البعد الوجودي العميق والمتفاعل بين الإنسان ومكانه الذي كان لا بد له أن يظهر بدافع الضرورة الحياتية الإنسانية قبل السياسية، غير أن تنفيذ هذا البعد وتحقيقه يتم بإجراءات السياسة، وهنا سيحدث حتما شيء من الاضطراب في تمثيل هذا الجوهر إذ يرفع لواء القضية الجنوبية عدد من الاتجاهات السياسية بأشكال مختلفة حسب المصالح الذاتية والحزبية إلا أن الهدف المتمثل في استعادة المكان (الأرض) يظل هو المحمول الرئيس المتناغم مع الجوهر والذي تفصح عنه المسيرات الجماهيرية الدالة على توتر حياتي لا بد من حله بحيث يحس الإنسان بخير المكان وسيادته فيه.

إن مفردات مكانية كالبحر وحقول النفط والأراضي الواسعة التي يكرر الناس قصصها يوميا في تعرضها للانتهاك والسلب كشيء مألوف تفعل في الوجدان الشعبي العميق بقوة وتعمل على إلهابه، فمرارات المكان وجراحاته هي جراحات الإنسان نفسه انطلاقا من اللحمة الوجودية الجامعة بينهما غير القابلة للفصل، وقد عملت دعاوى (إلحاق الفرع بالأصل) و (ابتلاع الجنوب) على زيادة شراهة انتهاكات المتنفذين وفضاضتها، ومن ثم على تعميق الوجود المتلاحم بين الجنوبيين ومكانهم (أرضهم) وإيمانهم باستقلاليته بصورة غير مألوفة في التاريخ المعاصر.
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس