منذ منتصف القرن الماضي بداء في سماء الطرب اليمني نغــم جديد .. وروح جديدة تشق طريقها الى آذان مستمع الغناء اليمني ... تحمل هذة الروح خفة في الكلمات وبساطة في المعنى والموضوع وايقاعا مخالفا للرتابة والتكرار التى كانت تعيش فيها نمطية الاهازيج في عـــدن .
كان ذلك بالضبط عام 1948م عندما شكل الاستاذ الكبير الفنان خليل محمد خليل ومعه مجموعة من مثقفي وادباء عـدن فرقة موسيقية اسموها ( ندوة الموسيقى العدنية ) واتخذوا لها مقرا في احدى العمارات المجاوره لسجن عدن المركزي السابق في مدينة كريتر الذي صار حاليا اثر بعد عيـن ... ومن هذا المقر وهذة الندوة ولدت اولى الاغاني العدنيـة الحديثة .. ( حياتي) ( حرام عليك تقفل الشباك) ( احبك ياغالي ) ( يااهل الهوى ) ... الخ . وقد انفجرت هذة الاغاني بالالحان الجديدة المتأثرة قليلا وخاصة في مرحلة البداية / باللون المصري انفجرت في محيط النمطية التى كانت تسيطر على اسلوب الغناء في عــــدن . فهب لفيف كبير من اباطرة ذلك الاسلوب القديم ومتذوقية الى الهجوم بشراسة على هذا الاتجاه الجديد في الغناء العدنـي وكثرت الانتقادات في الصحف والمبارز الاجتماعية تتهم اولئك الشباب القادمين بالاتهم الموسيقية الجديده وطريقة غنائهم وبساطة كلماتهم بانهم مجرد مقلدين للاغاني المصرية والهندية التى يسمعونها في الافلام السينمائية واحيانا يتهمونهم بسرقة هذة الاغاني ونسبها الى انفسهم .. ولكن رغم هذة الزوبعة استمر اولئك الشباب على اسلوبهم الغنائي الجديد والتف حولهم قطاع من الناس المتذوقين لفنهم وهو القطاع الذي اخذ يتكاثر مع كل اغنية جديدة للندوة تثبت فيها عمليا خطاء تلك الانتقادات والتهم التى كانت توجه الى هذا الاسلوب الجديد في الغناء ..
ثم وعلى نفس طريق واسلوب الندوة العدنية في كريتر ولدت في الشيخ عثمان مؤسسة ابداعية جديدة اسماها مؤسسوها ( رابطة الموسيقى العدنيـة ) اسسها الاستاذ الكبير / المرحوم محمد عبده غانم مع الفنان سالم بامدهف والفنان عبدالرحمن باجنيد واخرين وكان ذلك في مطلع الخمسينيات وقد شكلت ولادة هذة الرابطة دفعة قويـة للاغنية العدنيــة الجديدة التى بدأت تترسخ وتصبح حقيقة وابداعا جديدا يتهافت علية الناس باعجاب رغم استمرار الجناح التنافس بينه وبين الاسلوب الجديد الذي تمثلة ( الندوة) و ( الرابطة ) عامل تحفيز للشباب الجدد في الفرقتين لمزيد من التقدم والخلق والابداع اضافة الى ماتولد من تنافس على تقديم الجديد بين ( الندوة ) وبين ( الرابطه) .
ومنذ النصف الثاني من خمسينيات هذا القرن الماضي بداءت وجوه جديدة مبشرة تدخل ساحة الفعل الابداعي الغنائي في عــدن واتحتل اهتماما في وجدان المتذوقين للاغنية العدنيـة الذين لم يقتصر وجودهم داخل عدن فقط بل امتد الى معظم الولايات والسلطنات الجنوبية حينها والى خارج اليمن ايضا اذ بدأت اسماء الفنانين الشباب / احمد قاسم ومحمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله وحسين جاوي تتداول على الالسن وبدأت اغانيها تنتشر في الساحة حاملة معها نفسا جديدا يتقدم على النتاجات السابقة لها ويتناسب مع تطور الذوق العدني الذي اصبح يتفق مع الاغنية العدنية الحديثة .
ولم تكد مرحلة الستينات تبداء الا وقد اصبحت عدن لاتردد الا اغنياتها العدنيـة ذات الموسيقى الحديثة واللون اللحني الجديد والكلمات العادية المبني العميقة المعنى والقوية التركيب..
واجمع مطربوا الاغنية العدنية الكبار مثل احمد قاسم ومحمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله وسالم بامدهف ثم فرسان خليفة وابوبكر سالم بلفقية ومحمد عبده زيدي وهم انفسهم فنانوا اليمن الكبار والاغنية العدنية لم تعد اسلوب غناء جديد ومحارب بل اصبحت تقريبا المسيطرة على ساحة الغناء في اليمن . ومعروفة في الخارج اكثر من غيرها من الاوان الغناء اليمني ..
اكتفي بهذا القدر البحثي الذي اضع بين ايديكم وسوف اواصل معكم هذا البحث في لدن الاغنية ومراحل تطورها في الحلقة رقم ( 2 )