![]() |
#1 |
مشرف سقيفة الحوار السياسي
![]() ![]()
|
![]() الكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما (1)
عبده النقيب الذهاب لصفحة الكاتب مقالات أخرى للكاتبالكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما (3) الكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما( 2 ) لجان الدفاع عن الثورة مهمتنا العاجلة موسم القتل في الجنوب قبل ان نحمل البندقية معركتنا المقدسة جنوب واحد وآراء متعددة "عرب بلا جنوب" الوداع يا "مودع" فلا إكراه في الوحدة تفكيك منظومة الاحتلال اليمني: خيار الجنوب الأقوى السبت 15 يونيو 2013 04:53 مساءً قبل ادلف في الموضوع حول الكهانة ومفهومها وتجلياته في الممارسة اود ان اشير الى اني لم اقصد من بحثي المتواضع هذا التعمق في ظاهرة الكهنوتية بل اني اريد ان اظهر الضرر الذي سببته لمجتمعاتنا المعاصرة وتطابق ممارسات الكهنوت الديني مع الكهنة الماركسيين المتعصبين المدافعين عن عقيدة ماركس ولينين وافردت جزءا من هذا البحث للنموذج الكهنوتي للماركسيين في الجنوب العربي الذين قدموا اسوأ تجربة ثورية اضاعت بلد بكل ما فيه وكيف ومازالت ثقافة الكهنوت الاشتراكي المعشعشة في عقول بعض الجنوبيين اليوم تشكل خطرا على الثورة التحررية في الجنوب العربي المحتل تعيق تقدمها وتشكل وبال على شعب الجنوب يجب كشفها وتعريتها والتخلص منها قبل ان تعود وتسود من جديد. الكهانة تعني التنبؤ بالغيب. وهي في تعريف المعجم العربي المعاصر: " 1 - مصدر كهُنَ وكهَنَ لـ. 2 -حِرْفة الكاهن ، ادّعاء معرفة الأسرار أو أحوال الغيب “مارس الكَهانة ". 3 - ) علوم الاجتماع) عمليَّة اجتماعيّة يتمّ فيها استخدام فعاليَّة التكهُّن لتحديد مناط اللّوم واقتراح سبل العلاج من المرض أو النكبات الأخرى.” هي سلطة دينية تمنح لشخص او لأشخاص للقيام بدور الوسيط بين الرب والعباد كما هو في المسيحية واليهودية حيث يؤدي الكاهن المراسيم الدينية المقدسة التي يحضرها الناس بكل خنوع ورهبه. وهي قد وجدت قبل ظهور الديانات التوحدية عرفها الإنسان البدائي عبر ايجاد ممثل للإله كوسيط صاحب سلطة مقدسة تعد مخالفتها عصيان للرب تعرض صاحبها للكفر والويل. وترتبط وظيفة الكهانة بالحاجة الروحية للإنسان نتيجة الرهبة والخوف من غضب الطبيعة حين كان الإنسان البدائي يتخذ من البرق والشمس وغيرها آلهة وهكذا تبدو الحاجة عند المسيحي او اليهودي في التقرب الى الرب وطلب الغفران. يصنع الإنسان الكهان ليسكن إليهم في بث الطمأنينة لديه واشباع حاجته للإجابة على تساؤلاته ثم يتحول هذا الكاهن الى سلطة وقيد على الإنسان نفسه. يقال ان لا كهانة في الاسلام وهي من حيث المبدأ تعتبر أمر محرّم. يقول الحديث النبي الشريف: "عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عن، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم». أخرجه أحمد والأربعة، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب." هي وظيفة دينية في المسيحة واليهودية والسؤال الذي يطرح نفسه هل هي فعلا موجودة في الإسلام !! اظن ان صفات الكهنوت تدفعنا للبحث عما إذا كانت تنطبق على بعض المسلمين. لا شك ان هناك من يمارس نفس الوظيفة في الإسلام بشكل او بآخر. برز في الإسلام رجال امتهنوا الدين وفسروا القرآن بطريقتهم لكنهم أنكروا صحة فهم من يخالفهم وصارت فتاويهم مقدسة لها اتباع يعتبرون نهجهم وتفسيرهم للقرآن والسنة هو الإسلام وما عداه كفر يوجب مجاهدته. من المعروف ان هناك خلاف فقهي كبير بين المسلمين حول اقامة الدولة الدينية ومع هذا يصر البعض على العنف في ملاحقة المخالفين لهم وتكفيرهم. يقول محمد عبدالسلام فرج زعيم تنظيم الجماعة الإسلامية الذي اعدم في عهد الرئيس المصري السادات في كتابه الشهير " الفريضة الغائبة" "فحكام هذا العصر في ردة عن الإسلام، تربوا على موائد الاستعمار .. سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية، فهم لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء وإن صلى وصام وادعى أنه مسلم، ويقول ابن تيمية في الفتاوى 28/534: وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة منها: أن المرتد يقتل بكل حال، ولا يضرب عليه الجزية، ولا تعقد له ذمة، بخلاف الكافر الأصلي. ومنها أن المرتد يقتل وإن كان عاجزاً عن القتال" ويؤكد على وجوب قيام دولة الخلافة بالقوة المسلحة كفرض ديني :" هو فرض أنكره بعض المسلمين وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضيّة قيام الدولة واضح بَيّن في كتاب الله تبارك وتعالى فإن الله سبحانه وتعالى يقول: } وأن احكم بينهم بما أنزل الله .. {المائدة: 49، ويقول} ... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون {المائدة: 44 ويقول جل وعلا في سورة النور عن فرضيّة أحكام الإسلام: } سورة أنزلناها وفرضناها... {النور: 1 ومنه فإن حكم إقامة حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين، وتكون أحكام الله فرضاً على المسلمين وبالتالي قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين، لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأيضاً إذا كانت الدولة لن تقوم إلا بقتال فواجب علينا القتال، ولقد أجمع المسلمون على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية وإعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهي الدولة الإسلامية.) ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية ( رواه مسلم. يقول المحامي الراحل خليل عبدالكريم في كتابه الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية " فالدولة الدينية يختار راسها الله جلا جلاله بينما الدولة السياسية ينتخب الشعب او الحزب رئيسها- اهل الحل والعقد بلغة السلف-" يصر محمد عبدالسلام على ان المسلمين اجمعوا على اقامة الخلافة او ما يعتقد بانه الدولة الدينية وهو أمر منافي للحقيقة بشكل لا يقبل الجدل. وفي معرض دحضة لصحة هذه الدعاوي يقول شيخ الازهر الشهير على عبدالرزاق في كتابة " الإسلام واصول الحكم" " لم نجد فيما مر بنا من مباحث العلماء الذين زعموا أن إقامة الإمام فرض من حاول ان يقيم الدليل على فرضيته بأية من كتاب الله الكريم ولعمري لو كان في الكتاب دليل واحد لما تردد العلماء في التنويه والإشادة به او لو كان في الكتاب ما يشبه ان يكون دليلا على وجوب الإمامة لوجد ان انصار الخلافة المتكلفين وأنهم لكثير من يحاول ان يتخذ ن شبه الدليل دليلا ولكن المنصفين من العلماء والمتكلفين منهم اعجزهم أن يجدوا في كتاب الله تعالي حجة لرأيهم فانصرفوا عنه إلى ما رأيت من دعوى الإجماع تارة ومن الالتجاء الى أقيسة المنطق وإحكام العقل تارة أخرى". إذا كان الراي والاجتهاد امر غير ملزم للغير يصبح مقبولا مهما ضعفت حجته لكن الخطر يكمن في ان البعض يتصدون للفتوى ويتبعونها بموقفهم المصر على انها صحيحة وماعداها خطأ وكفر يجب إزالته ثم يأتي من ينفذ هذه الفتوى بشتى الطرق بما في ذلك العنف في تصفية الخصوم .. هنا تصبح الفتاوي مقدسة .. إذن هي الكهانة فهؤلاء فعليا يمارسون دور الوصاية وتمثيل الرب على الأرض. وهنا يبرز السؤال هل الإنسان معصوم؟. تحت هذا الفهم والتفسير للقرآن من قبل الخوارج والجهادين يعد صاحب الفتوى معصوما لأنهم لا يجيزوا مخالفتهم في الراي من قبل الغير وهو ما يوجب الجهاد. يشير الباحث سيد القمني في بحثه المعنون ب" الكهنوت الإسلامي يسرق الدين" منذ برز الغزالي ( ابو حامد – حجة الإسلام) وألجم العوام عن علم الكلام (حسب عنوان كتابة الأشهر) تمت فلسفة استعباد المسلمين عن التحدث في شئون الدين وتم قصر الإفتاء على المؤهلين له, ليفتوا للملجمين في الارض في كل حركة او إشارة او سكنة " ويضيف " امتنا الوحيدة في العالم الذي اكتشف فيها رجل ( الزنداني اليمني) علاجا نهائيا لأمراض البشرية المستعصية الثلاثة " السرطان وفيروس سي والإيدز" وربما يسعى الى اكتشاف دعاء يسقط صواريخ وطائرات الأعداء قياسا على اسقاط المطر بالصلاة" و لا أدري هل سمع باحثنا القدير بالوصفة الجديدة للزبداني التي قال انها الحل السحري للقضاء على الفقر.. ما يقوم به الزنداني من دجل يظلل به البسطاء الذي يعتبرون ما يقول به هو الدين عينه. هؤلاء الأتباع لا يرون افعال الزنداني وسرقته الكبيرة لأموال المساهمين في شركة الأسماك التي نصب بها على عدد كبير من الناس وبمبالغ خيالية هذا الذي يصدر الفتاوي حسب الطلب يراه البعض معصوم ولا يرون افعاله وسلوكه الشخصي الغير سوي. لقد ظلت الكهانة وظيفة رسمية لازمة للسلطة يضفي على أصحابها هالة من التقديس مما عزز لدى الكثيرين بان ما يقال عبر الكهنة هو قول الرب ومشيئته. وعندما تتعلق المسألة بعقيدة او ايديولجية فإن الإيمان والاعتقاد بما يظنوا انها حقيقة تصبح ايضا مقدسة ومعها يصبح المخالفون لها آثمون وكفرة واعداء خطرون يستوجب ملاحقتهم ومعاقبتهم. هكذا تحول التكفير الى سلاح بيد السلطان يستخدم لملاحقة الخصوم ويتم تحوير النصوص وتكييفها عبر الكهان في خدمة السلطان في كل زمان ومكان كما يحدثنا التاريخ. ففي المسيحية هناك نماذج صارخة عن دور |
![]() |
![]() |
#2 |
مشرف سقيفة الحوار السياسي
![]() ![]()
|
![]() الكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما( 2 ) عبده النقيب الذهاب لصفحة الكاتب مقالات أخرى للكاتبالكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما (3) الكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما (1) لجان الدفاع عن الثورة مهمتنا العاجلة موسم القتل في الجنوب قبل ان نحمل البندقية معركتنا المقدسة جنوب واحد وآراء متعددة "عرب بلا جنوب" الوداع يا "مودع" فلا إكراه في الوحدة تفكيك منظومة الاحتلال اليمني: خيار الجنوب الأقوى الخميس 20 يونيو 2013 04:52 مساءً كنت قد تعرضت في الجزء الأول من هذا البحث الى المفاهيم المجردة للكهانة وحاولت استخلاص المعنى من خلال استعراض بعض الأمثلة التي توضح اكثر عما يمارسه الكاهن دون الخوض في تفاصيل تلك النماذج من الممارسات والتي هي موضع جدل مستمر أفرزت مواقف مختلفة حيالها. محاولة توصيل الفكرة بطريقة مجردة فيها صعوبة شديدة لي في توضيح ما اريد ان اصل إليه وفي نفس الوقت في تقديم صورة تبين فكرتي للقارئ بشكل يمكن فهمها ولذا لابد من توصيل الفكرة عبر الخوض في تفاصيل لنماذج لها علاقة بالممارسات الكهنوتية فتبرز صعوبة تناول هذه التفاصيل التي فيها جدل وتقديم رأي مستقل حولها. تلك مسألة بحثية لها شروطها واهمها الاطلاع الواسع على كل ما يتعلق بهذا النموذج. موضع بحثي هو محاولة للوصول الى تقديم الصور المختلفة للكهانة الدينية والأيديولوجية واستخلاص القواسم المشتركة والتشابه الوظيفي والضرر التي تسببه هذا النماذج المختلفة في المجتمعات التي وجدت فيها. محاولة الاستخلاص دون التوهان في دهاليز تلك الظواهر او النماذج امر عسير لان من يستطيع ان يستخلص راي حول ظاهرة متشعبه لابد ان يلم بها من مختلف جوانبها. هو إشكال حاولت تجاوزه بقدر ما استطيع من خلال الوقوف على الحياد من أي رأي.. واعتمدت على كل ما أطلعت عليه ومن مشاهداتي وقراءاتي وتجربتي الشخصية. فعلى سبيل المثال من يقرأ عن الدعوة الوهابية سيتوه بين الكتب وسيل الكتابات التي تقف على النقيض بين من يشيد وينتقد بشده. لم اهتم كثيرا بما كتبه الداعية محمد ابن عبدالوهاب فهو لم يبدع ولم يأت بجديد بل قرأ الدين الإسلامي بطريقته الحنبلية الموغلة في الغلو والتطرف فقط لكن ما يهمني هي الممارسات التي افرزتها الدعوة والتي تحولت الى حركة سياسية اجتماعية تلبس ثوب الدين اكثر منها دعوية وسخرت الدين بشكل واضح لتعزيز سلطات دنيوية وسياسية تتعارض مع جوهر وروح الدين الإسلامي نفسه. إذن عند قراءاتنا لمؤلفات الدعوة الوهابية نلمس وجود انحياز واختيار لقراءة وتفسير وفهم تيار إسلامي دون غيره وهو المذهب الحنبلي المعروف بتشدده واتباعه بالتسلسل من ابن تيمية ابن القيم والغزالي وابن حزم ثم يتواصل الانحدار العمودي لما بعد محمد ابن عبدالوهاب نحو ابو العلاء المودودي وسيد قطب هذا التيار الفكري الحالك السواد انتج لنا اليوم فقه جديد يدعو لتحريم شراء الخيار وستر عورة الشاة ومنع تقديم الزهور للمريض وبالتالي تحريم زرع وبيع وشراء الزهور . كل هذا الفقه الغريب على المسلمين صاحبته موجه عنف تحاول فرض هذه النسخة البدوية المتخلفة للإسلام ممثلة بتيارات التكفير والجهاد والقاعدة وغيرهم من اتباع "الفرقة الناجية" الذي يسيرون بنا فكريا وحضاريا نحو الهاوية فانتقلنا من فكر السجون الغاضب على كل شيء لسيد قطب " معالم في الطريق" إلى فكر الكهوف للدكتور ايمن الظواهري في كتابة فرسان تحت راية النبي الذي كتبه في كهوف تورا بوار قبل اربعة عشر عاما تقريبا والأخير والأخطر كما تصفه المخابرات الأمريكية وهو كتاب "إدارة التوحش ( اخطر مرحلة ستمر بها الامة )" ل أبوبكر ناجي الذي يعد الدليل النظري لتنظيم للقاعدة . ما يهمني عند تعرضي للدعوة الوهابية كنموذجا للكهانة في الإسلام هو تقديم بعض جوانب الظاهرة من وجهة نظر غير متعصبة والتي اعتمدت فيها على كتابات رصد ت الظاهرة بكل موضوعية لإظهار كيفية توظيف النص في مقارعة الخصوم والفرق بين حقيقة النص والممارسة عبر الفهم المختلف للنص لأذهب وصولا لاستخلاص القواسم المشتركة بين كهنوتية الوهابيين مع ماسبقتها من ديانات مسيحة ويهودية اللتان تعتبرانها جزء من المكون العقيدي لهما ثم الكهنوت الأيديولوجي من يسار قومي او ماركسي او يمين نازي او فاشي يؤدون جميعا نفس الوظيفة في تقديس النص والتعصب لقراءة كل منهم فقط وانتهاج العنف وسيلة اولى وأخيرة. عند قيام الدولة السعودية الاولى عام 1754م وعاصمتها الدرعية وعندما انتقل مؤسس الدعوة الوهابية محمد إبن عبد الوهاب الى الدرعية وبدأ هو بنشر دعوته والتأصيل الديني للغنائم بعد الغزوات والإغارة على القبائل التي تقطن المناطق المجاورة من قبل المقاتلين من اتباع الدولة السعودية الاولى يساندهم في القتال والفتاوي الداعية محمد ابن عبدالوهاب وشيعته حتى بدأت تترسخ المكانة الدينية لتلك الدعوة التي كانت تبحث عن سلطة تحميها وفي نفس الوقت كان آل سعود في امس الحاجة أيضا للتبرير الديني لدعم نشاطاتهم التوسعية عبر الشحن والتأصيل الدينيين. وهنا نشأ التحالف بين الوهابيين وآل سعود واتفقا على التقسيم بينهما على ان تبقى السلطات الدينية من اختصاص اتباع محمد بن عبدالوهاب واما السلطات السياسية فهي من اختصاص آل سعود.. إن جوهر الدعوة الوهابية يكمن في تفسير القران او الدين الإسلامي بشكل مختلف عبر الادعاء بالعودة للسلف.. العودة للأصول وهي القرآن والسنة ولا يعتد بما يقول غير ذلك. الدعوة الوهابية تعد نموذجا حيا للتطرف وكحاضنة نشأت بداخلها وتنهل منها الفرق المتطرفة والغلاة المعاصرون وهي الوريث الحقيقي لتيار الخوارج الذي كفروا كل من لا يؤمن بفتاويهم وقد رأينا كيف ان الوهابيين يعتبرون الشيعة والمتصوفين وكل من لايتبع مذهبهم مشركين يوجب قتالهم ورفضوا اراء من لا يعجبهم من السلف المشهود لهم بالعلم كابي حنيفة النعمان والشافعي ومالك واكتفوا بالتمسك بمذهب احمد ابن حنبل المتشدد وساروا على نهج المتعصبين مثل ابن تيميه والغزالي بل ان اتباعهم ايضا هم من الغلاة والمتعصبين الذين يكفرون كل من يخالفهم كأبي علي المودودي وشكل التزاوج بين التعصب السلفي مع الفكر الإخوانجي المعاصر مصدر خطر حقيقي على المجتمعات الإسلامية بسبب الفكر الظلامي الحالك السواد الذي ينزع العقول ويؤجج الحقد والعنف والوحشية . لقد مثل فكر سيد قطب المنظر المعاصر للفكر السياسي المتأسلم ذروة هذا التعصب حيث يقول " إنْ العالم يعيش اليوم كله في "جاهلية" من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها . جاهلية لا تخفف منها شيئًا هذه التيسيرات المادية الهائلة ، وهذا الإبداع المادي الفائق ! هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية . . وهي الحاكمية . . إنها تسند الحاكمية إلى البشر ، فتجعل بعضهم لبعض أربابا " "معالم في الطريق" سيد قطب . ترى لو قدر لسيد قطب ان يعيش ليرى النموذج الذي دعى له وقد تحقق على ايدي طالبان او الشباب المؤمن في الصومال هل سيظل على رأيه. انها ليست صدفه ان تنتشر الوهابية في المجتمعات البدوية المتخلفة في صحاري جزيرة العرب وفي افغانستان المجتمع العشائري التي تعيش في اقبية القرون الوسطى او بلد اللادولة في الصومال.. لم تنتشر في العرق والشام ومصر البلدان الأكثر تحضرا رغم كل وسائل التعليم والنهضة العلمية والثقافية .. إنها ليست صدفة بكل تأكيد. واجه التعصب الوهابين وحملاتهم الوحشية مقاومة من عرب البادية في الجزيرة العربية وكل ما حولها وما نشاهده اليوم في مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال وتونس والجزائر وافغانستان يعد شاهد حي على رفض الفكر المتعصب وعلى مقاومة الفتنة التي زرعها الفكر الديني البدوي. ويقودنا هذا التعصب في تكفير الشيعة وتقسيم المسلمين الى سنة وشيعة ناهيك عن الانقسام الحاد في اطار المجتمعات السنية إلى كارثة لن تبق ولن تذر وسـتفعل بأمة الإسلام ما عجزت عنه الحملات الصليبية والاستعمارية الاوربية مجتمعة طوال الألف عام تقريبا.. ترى هل هذا هو التجديد في الدين والدعوة الحسنة!!؟. الم يكتمل الدين والوحي بوفاة الرسالة " قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3] الم يقل المولى جلىّ وعلى " لا إكراه في الدين". لم تعد المسالة محصورة في الدعوة الحسنة والوعظ ونشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وهو ما نحن احوج إليه بل انه الفكر الوهابي السلفي الأعمى يريدون من خلاله إكراه جميع من يخالفونهم دون اعتراف بان الخلاف ليس حول الإسلام والقرآن نفسه بل هو حول قراءة وتفسير القران وفهم الإسلام وهو امر موضوعي عرفه الإسلام طوال تاريخه منذ وفاة الرسول: "إنه من المؤكد أنه ليس هناك فهم واحد للإسلام، وإنما عشرات الأشكال والأنواع. فهناك من يرفض معظم الأحاديث النبوية ولا يقبل منها إلاَّ عشرات (مثل أبي حنيفة النعمان) وهناك من يقبل في كتابه "المسند" عشرات الآلاف (أحمد بن حنبل). وهناك من يعتمد مصادرَ للفقه غير مصادر غيره (الاستحسان عند الحنفية والمصالح المرسلة عند المالكية .. إلخ). وهناك من يتجاوز الآفاق الضيقة للتفسير ويفتح بوابات العقل على ما يسميه "التأويل" (ابن رشد). وهناك من يسمي عقوبة شرب الخمر (حد الشرب) مثل معظم الفقهاء. بينما هناك من يسميه (حد السكر) مثل أَبي حنيفة القائل عن الخمر (لو أَلقوني في النار ما شربتها .. ولو أَلقوني في النار ما قلت إنها حرام)." سجون العقل العربي ..طارق حجي. لقد ساعدت ظروف الطفرة النفطية في جزيرة العرب على انتشار الإسلام البدوي الوهابي الذي صار في حالة تضاد وحرب ليس مع أعداء الإسلام بل مع المسلمين انفسهم .. لقد اسسوا مذهبا يعتمد على اراء أحمد أبن حنبل الذي اصّل له الفقيه الحنبلي الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية والذي تولى القضاء في بغداد وتوفى سنة 450 للهجرة فتحولت تلك الأحكام إلى دين جديد وصارت مراجع للجماعات المتطرفة المعاصرة. إن الدعوة الوهابية ليست فكرا جديد او تجديدا كما يدعي اصحابها بقدر ماهي تفسير مختلف للدين الإسلامي وترتكز على معنى التوحيد وتكفر كل من يزور القبور او يبني الأضرحة او يلبس القلادة او الأسورة بل وانهم كفروا الأمير السعودي لأنه ركب السيارة واستخدم التليفون والإذاعة التي تعتبر من صنع الكفار وتشبّه بهم فلم تجد هذه الدعوة قبولا عند ظهورها لأسباب كثيرة هي في مغالاتهم وتكفير مخالفينهم واعتماد العنف وسيلة لفرض آرائهم وسحق من يختلف معهم. لا اظن ان هناك معضلة فكرية تواجه المسلمين تستحق كل هذا العنف والتكفير, فجميع الفقهاء السنيين منهم والشيعة والمتصوفين يدعون الى وحدانية الرب دون سواه, لكن التعصب الوهابي السلفي الحنبلي في تفسير ممارسات المسلمين مثلا عند زيارة القبور والأضرحة او بناء القباب او دفن الاولياء في المساجد التي يرى الحنابلة انها شرك بالله وان اصحابها خارجون عن ملة الإسلام وشنوا حملات ابادة للمسلين وتدمير للعتبات الدنية واضرحة الصحابة والمساجد التاريخية.. لا اظن ان من يزور القبر يجعل من القبر شريك لله او من يصلي في مسجد فيه قبر ولي صالح انه يعبد الولي او يجعل من القبة صنما يعبدها.. إنه أمر يصعب الوقوف عنده إذا اعتمدنا هذا التفكير كمنهج للقياس وماذا سيكون الموقف من الكعبة المشرفة والحجر الاسود التي يطوف حولها الحجاج وهي في نظري لا تختلف عن أي مسجد سوى في قيمتها التاريخية ورمزيتها والدور الإيجابي التي تؤديه في جمع وتوحيد المسلمين لأن المساجد كلها بيوت الله. ولا اظن ان احد يستطيع الادعاء أن الله يتواجد في الكعبة المشرفة التي يطلق عليها بيت الله الحرام بل ان لا احد ايضا يستطيع ان يدعي ان الله يتواجد في المساجد التي يطلق عليها جميعا مجازا بيوت الله. وماذا بخصوص البدوي الذي يعبد الله في الصحراء ويصلي امام الخيمة او تحت النخلة او خلف الجمل حتى نقول انه يتخذ من كل هذه الأشياء اصناما يشرك بالله. الم يكن ديننا الإسلامي دين العقل والمنطق والإيمان في القلوب وليس بظواهر الممارسة. " كان الوهابيون يعتبرون جميع المسلمين المعاصرين لهم والذين لا يؤمنون بتعاليمهم أكثر شركا من الجاهليين في الجزيرة العربية. وكان سليمان شقيق محمد بن عبد الوهاب قد تزعم لأمد طويل الحركات المناوئة للوهابية في العديد من واحات نجد. وقد أشار إلى أن التعصب من السمات الملازمة للوهابية. وكتب المؤرخ الحجازي ابن زيني دحلان "وقال له أخوه سليمان يوما كم أركان الإسلام يا محمد بن عبد الوهاب فقال خمسة فقال بل أنت جعلتها ستة السادس من لم يتبعك فليس بمسلم هذا ركن سادس عندك للإسلام." تاريخ العربية السعودية.. اليكسي فاسيلييف. كل الفتاوي المريبة التي نسمع عنها اليوم هي نتاج لهذه القراءة المتطرفة للدين من يطلع على مؤلفات محمد عبد الوهاب " التوحيد" يدرك المعالم الأساسية لقراءة وتفسير الشيخ للدين الإسلامي. ليس المهم فيما يقوله الشيخ في دعوته لكن المهم فيما ممارسه هو واتباعه. لا اظن ان المسلمين يدعون للشرك بالله او يرفضون الاستماع للداعية في توجيههم بما هو شرك اصغر او شرك أكبر. ليس مبررا كل تلك الحملات الوحشية والنهب والسلب الذي تعرضت له القبائل البدوية في نجد والجاز والإحساء والعراق والشام فهذا ليس من الدين في شيء فقد أمرنا الله والرسول بالموعظة والدعوة الحسنة. الم يسمعوا عما فعلوا الدعاة الحضارم اتباع مدرسة تريم الشافعية المعتدلة في نشر الدين في أصقاع الارض في ماليزيا وإندونيسيا وافريقيا دون ان يقتلوا او يسبوا احد. . وهل البدوي الذي لا يعرف من الدنيا سوى الخيمة والجمل والنخلة نقتله ونسلب امواله ونسبي زوجته وامه وبناته لأنه ليس عالما بالدين او فقيها حنبليا لا يعرف الدين وفقا لقراءة محمد بن عبدالوهاب. "كانت حملات الوهابيين تحت راية تجديد الدين تستهدف تحقيق مهمات دنيوية بحتة تتلخص في زيادة ثروات حكام الدرعية ووجهاء الجزيرة المرتبطين بها (وجهاء نجد بالدرجة الأولى) وكذلك الجند المساهمين في الغزوات. ويدل ما كتبه مؤرخو الجزيرة والرحالة الأوروبيون على أن الغزو ظل الطريق الرئيسي لحصول الوجهاء على الثروة. وكتب المؤرخ الوهابي أبن بشر يقول، بعد أن عدد الضرائب التي وردت إلى الدرعية: "وما ينقل أليها من الأخماس والغنائم أضعاف ذلك"( ١. ويعتقد بوركهاردت كذلك ( أن الأخماس تحتل المرتبة . الأولى بين عائدات حاكم الدرعية( ٢.كانت غزوات الوهابيين الأولى تنتهي بالاستيلاء على بضع عشرات من الإبل والأغنام ونهب الحقول أو بساتين النخيل، أما في سنوات أوج قوتهم، فقد كانت غنائمهم تبلغ عشرات الآلاف من رؤوس الماشية المنهوبة. وفي عام ١٧٩٦ بعد دحر قوات شريف مكة، وقع في أيدي الوهابيين ٣٠ ألفا من الإبل و ٢٠٠ ألف من الأغنام والماعز( ٣)، إذا لم تكن في ذلك مبالغة. ١٧٩١ دحر قبائل مطير وشمر حصل الوهابيون على "غنائم كثيرة _ ويقول أبن بشر أنه عندما جرى في عام ١٧٩٠. من الإبل والغنم والأثاث والأمتعة". وسرعان ما تعرض سائر البدو لمثل هذا المصير. فقد كان الوهابيون يطاردونهم يومين أو ثلاثة "ويأخذون منهم الأموال ويقتلون الرجال"( ٤). إن المصنفات التاريخية العربية غاصة بوقائع من هذا النوع. وكتب المؤرخ الوهابي أبن بشر عن هذا الحادث يقول: "سار سعود بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك وقصد أرض كربلاء… فحشد عليها المسلمون وتسوروا جدرانها ودخلوا عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت. وهدموا القبة الموضوعة (بزعم من أعتقد فيها) على قبر الحسين. وأخذوا ما في القبة وما حولها كما أخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر، وأخذوا أيضًا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب .( الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها قريب ألفي رجل" . تاريخ العربية السعودية .. إليكسي فاسيليف. ويضيف المستشرق الروسي نفسه قائلا: " وترك محمد بن عبد الوهاب لورثته أرضًا فيها نخيل وأشجار فاكهة وحقول تبلغ عائداتها ٥٠ ألف درهم ذهبي سنويًا". ويقول فاسيلييف في نفس المرجع ايضا عن المضمون الاجتماعي للوهابية : " تتضمن مؤلفات مؤسس الوهابية أحكاما لا لبس فيها وهي تجسد مصالح الوجهاء ضد الفقراء. وتهدف إلى تأمين الاستقرار الاجتماعي. فالعامة يجب أن تخضع لاصحاب السلطة( ٦١ )، كما يؤكد طبقا لأصول الإسلام. وان عذاب الجحيم من نصيب كل متمرد على الأمراء( ٦٢. واعتبرت الوهابية دفع الزكاة واجبا وليس مطلبا طوعيا، وبذلك جعلت عائدات السلطة من جميع الفئات للسكان، بمن .فيهم البدو، مبدأ دينيا لا مناص منه( "٦٣. يعد المستشرق الروسي إليكسي فاسيليف اهم من كتب عن الحركة الوهابية في كتابة المذكور والذي اعتمد في تأليفه على وثائق كثيرة ومهمة ناهيك عن الجهد الجبار الذي قام به في دراسة وقراءة وتمحيص المعلومات داخلها بكفاءة وموضوعية نادرين. هذه المراجع شملت كم هائل من الوثائق البريطانية الرسمية والمراسلات والوثائق الاستخبارية لفرنسا وبريطانيا وروسيا ومؤلفات الوهابيين ومخطوطاتهم النادرة في المتاحف الأوروبية وغيرها من كتابات المستشرقين والجواسيس. الكتاب حديث صدر في بداية التسعينيات من القرن الماضي ويبدو انه لم يعتمد على كتابات خصوم الوهابيين من أمثال الإصلاحي السعودي ناصر السعيد في كتابة المثير للجدل "تاريخ آل سعود" والذي دفع حياته ثمنا له حيث اختطفته المخابرات السعودية عام 1979م بالتعاون مع ياسر عرفات من بيروت وتم ترحيله الى السعودية مخدرا وهناك عذب وتم رميه حيا من طائرة مروحية في رمال الصحراء لتأكله الجوارح. |
![]() |
![]() |
#3 |
مشرف سقيفة الحوار السياسي
![]() ![]()
|
![]() الكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما (3) عبده النقيب الذهاب لصفحة الكاتب مقالات أخرى للكاتبالكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما( 2 ) الكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما (1) لجان الدفاع عن الثورة مهمتنا العاجلة موسم القتل في الجنوب قبل ان نحمل البندقية معركتنا المقدسة جنوب واحد وآراء متعددة "عرب بلا جنوب" الوداع يا "مودع" فلا إكراه في الوحدة تفكيك منظومة الاحتلال اليمني: خيار الجنوب الأقوى السبت 22 يونيو 2013 10:40 صباحاً كنت قد تطرقت في الحلقة الثانية الى طبيعة الدعوة الوهابية وتعرضت للخلفية المذهبية والعقائدية لهذه الدعوة .. تاريخ نشوئها وممارساتها التي تتناقض مع خطابها ومبادئها المعلنة. في الحلقة الثالثة اواصل توضيح بعض الجوانب الفكرية والشرعية مع محاولة البحث عن صلاتها بحركات التطرف الأخرى فكريا وتنظيميا والأهم من هذا كله صلاتها المشبوهة بالدوائر الاستعمارية الغربية وتأثير ذلك عليها. هنا تبدو الحقيقة جلية للعيان عند وجود مجاميع معينة منحت نفسها حق ممارسة السلطة الدينية (الكهنوت) تتخصص في شئون الدين والفتاوي ترتبط بشكل مباشر بالسلطة المدنية لآل سعود وهي تؤدي وظيفة التبرير الديني للأفعال السياسية للدولة السعودية في تناقض صارخ مع محتويات دعوتهم ومع قيم الإسلام الذين يغالون في حرصهم على خدمته. إنهم الوهابيين. هكذا ومن خلال التحالف والترابط في المصالح والمصير تصبح السلطة الدينية للوهابيين او كما عرفوا بآل الشيخ وسيلة لدعم السلطة المدنية ولن تقف بوجه السلطة المدنية مهما كان الأمر وهو ما أكدته سيرة الدعوة الوهابية على مدار قرنين ونصف تقريبا حيث مارس رجال الدين الذين تخصصوا من خلال وجود مؤسساتهم في امتهان إصدار الفتاوي وتنصيب انفسهم خلفاء لله على الأرض معنيون في رعاية الإسلام وتقديم تفسيرهم الخاص به باعتباره الإسلام الحقيقي كمقدس وملزم للكل بما يتوافق ومصالح الأسرة الحاكمة في السعودية وهنا تقوم الاركان المكتملة لسلطة الكهنوت بقضها وقضيضها التي ينكرونها عن انفسهم ويتهمون الأزهر بها لأنه اصلا يخالفهم في فتاويه. الأخطر من هذا هو أن جذور التعصب تنبع من الاعتقاد بالفهم الصحيح والكامل للنص يدفع بأصحاب ذلك الاعتقاد الى ممارسة الإرهاب الفكري والمعنوي والجسدي ضد كل من يخالفهم او يحاول ان يفكر ويستخدم عقله في التعاطي مع سيول الفتاوي مما يؤدي للجمود الفكري وبالتالي الانحدار الحضاري الكامل. هؤلاء هم سليلين تيار النقل الذي فرض على أمة الإسلام التقوقع والجمود بعد تغلّب تيار أنصار النص على تيار أنصار العقل حتى صار المسلمين كغثاء السيل. تروي لنا السير تعرض تيار المعتزلة من قبل الكثير من الحكام المسلمين للقمع والملاحقات وكان الجعد بن درهم اول الضحايا الذي ذبح لرأيه عند قوله بان القرآن مخلوق في أقدم خلاف فكري في الاسلام والمعروف بمحنة خلق القرآن. كان المعتزل الجعد بن درهم يعيش في دمشق في القرن الأول الهجري في عهد آخر خليفة اموي وهرب من دمشق الى الكوفة ينشر تعاليمه وفي عهد الخليفة عبدالملك ابن مروان الذي عين خالد القسري واليا على الكوفة اعتقل الجعد واحضره يوم العيد الى المسجد وخطب بالناس خطبة العيد قائلا: "أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما .. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر." البداية والنهاية للإمام الحافظ ابن كثير .المجلد 9 ـ ص : 379 " هنا يجب ان نتلفت إلى ان سيادة الأفكار وهيمنتها تم ومازال يتم بأدوات القهر والقمع السلطوي، وكما حاول المأمون فرض فكرة المعتزلة حاول خلفاؤه قتل فكرة المعتزلة وفرض فكرة خصومهم، وفي سياق الانهيار الحضاري والتخلف الفكري الذي اصاب العالم الإسلامي بفعل عوامل التفتت الداخلي والهجوم الخارجي – والمستمر حتى هذه اللحظة – استقرت الفكرة، ولخصت وشوهت واكتسبت قداستها عند العامة والخاصة، بل وعند المتخصصين" نصر حامد ابو زيد "النص والسلطة الحقيقية" إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة. الطبعة الرابعة 2000 المركز الثقافي الدار البيضاء. بعد أن كثرت الفرق وزاد الخلاف بين اوساط المسلمين يعتبر ما قام به الداعية محمد ابن عبد الوهاب من ادعاء بالعودة الى الاصول وسيرة السلف انه قد أسس لفتنة تعد الأخطر في تاريخ الإسلام والأمة العربية كلها. بدلا من ان يساهم في تقريب وجهات النظر وتوضيح الخلاف المقبول والمعقول الذي يعد مصدر للإلهام ووسيلة لتطوير المعرفة للوصول الى الحقيقة النسبية وبدلا من ان يفهم الاختلاف على انه مصدر للثراء وسببا يدفعنا للبحث والتعلم والاستدلال تأسيا بحديث المصطفى " اختلاف امتي رحمة" الذي يكذبه بعض الفقهاء. ليس المهم ان يكون الحديث صحيحا او منحولا بل ماهو مؤكد هو أن الاختلاف بين المسلمين حقيقة موضوعية منذ لحظة وفاة الرسول حين كاد المسلمين ان يقتتلوا في اول خلاف برز بين الانصار والمهاجرين في السقيفة حول خلافة ابي بكر التي فرضها عمر بالسيف. كان الخلاف حول السلطة المدنية او الإمارة وهو أمر بالغ الدلالة على أن امر السلطة شان دنيوي لم يسكت عنه الرسول عبثا ولم يشر له القرآن وإلا لكانت المحاجّة بين الأنصار والمهاجرين تنصب حول تفسير النص إما من القران او من السنة ما يدعم به حجة كل طرف في احقيته بالخلافة. لقد خلى الخلاف من أي جدل حول النصوص وهو تأكيد على أن أمر السلطة ليس من الدين بل هو متروك لـلامة وما نقصده هنا حول من له الحق في إمارة المسلمين وليس عن الطريقة التي يجب ان يحكم بها التي لا شك في ان على الحاكم ان يستلهم روح الدين الإسلامي ومقاصده في العدالة عند رسم سياسته وإدارة سلطته. يبدو ان الداعية ابن عبدالوهاب الذين يصفه اتباعه بالمجدد قد ضاق ذرعا من الخلافات وكثرة المذاهب والفرق بل والخزعبلات التي علقت بوعي المسلمين نتيجة الجهل والتخلف وخاصة في البيئة البدوية التي عاش فيها قاده كل ذلك إلى تجنب قراءة وفهم ذلك التنوع الفقهي والفكري واللجوء لأقرب السبل عبر تكفير الكل والادعاء بالعودة للنص الأصلي وسيرة السلف الذي حصره في فقه احمد ابن حنبل ولا أحد غيره. وبهذا يكون الشيخ محمد إين عبدالوهاب قد اسس تيارا جديدا يرى بخطأ كل من يختلف معه ويصبح ما كان مختلفا حوله بين المذاهب والفرق امرا جائزا ومقبول فإنه عند ابن عبدالوهاب كفر وخروج عن الدين يجب مجاهدته. وهو بتأسيسه لهذا المنهج الجديد والمختلف في فهم وقراءه الإسلام ونصوص القرآن يكون قد اسس لمرحلة تكفير ومنهج لحسم الاختلافات عبر العنف والقوة ظنا منه انه يستطيع الغاء هذه الاختلافات بين الفرق والمذاهب دون ان يدرك علاقة تلك الاختلافات باختلاف البيئات الاجتماعية والسياسية والتاريخية للمسلمين. يقول الدكتور الجابري في هذا الصدد: " بدأ "فقه السنة" كجميع فروع الفقه الأخرى بالحديث النبوي. ففي عصر الراشدين والعصر الأموي كان الحكم الشرعي يلتمس من القرآن و " الأثر" عموما: ما يرى من حديث وأخبار عن الرسول والصحابة. وبما أن القرآن لم يتعرض لمسائل الحكم والسياسية ولا لشكل الدولة، وبما ان الصحابة كانوا قد اختلفوا منذ وفاة النبي في هذه المسائل بالذات واستفحل الخلاف زمن الفتنة استفحالا هدد كيان المجتمع الإسلامي، فإن المرجعية الوحيدة التي كانت تلتمس منها الشرعية الدينية لقضايا السياسة هي " الحديث". كل فرقة وكل حزب وكل حاكم يروي من الحديث ما يضفي به الشرعية على موقفه السياسي. وهكذا راجت أحاديث ظاهرة الوضع تمدح او تذم هذا الشخص او ذاك، هذه الفرقة او تلك" محمد عابد الجابري."نقد العقل ..العقل السياسي العربي " الجزء الثالث. مركز دراسات الوحدة العربية بيروت لبنان 1992م لن اناقش ما قاله أحد الشيوخ بان الازهر في تصديه لإصدار الفتاوي يعتبره كهانه يجب تحريمها على اعتبار ان هناك علماء بلغوا مراتب اعلى وأسمى من اولئك الذين في الازهر لكنهم يعتبرون فتاويهم بمثابة مرجعية. هذا الشيخ الذي أطلق الخطبة العصماء يبدو انه أحد شيوخ الوهابية. التيار الديني الذين يعتبرون ان تفسيرهم للإسلام هو الصحيح وماعداه كفر يجب إزالته. هكذا نجد أنفسنا امام اناس يحتكرون الحقيقة في تفسيرهم للدين الإسلامي يعتبرون من يخالفهم ويمارس شعائره بما يخالف طقوسهم خارج عن الدين والجهاد ضده واجب ديني مقدس. بالمقابل يقول شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب في مقابلة متلفزه عن حقيقة الوهابية "إن الادعاء بان مذهب الوهابية هو مذهب السلف جهل وخطأ وخطر وانه تزييف وتظليل". هكذا نشاهد انتحاريين شباب يهتفون الله أكبر ويفجرون أنفسهم في اماكن عامة تعج بالمسلمين اطفالا وشيوخ ونساء. هي الفتوى المقدسة والاعتقاد بامتلاك الحقيقة. اذن هي الكهانة بعينها تلك الممارسة الاعتقادية والسلوكية التي نعاني منها في مجتمعاتنا الإسلامية ممن نسميهم بالمتطرفين من الجهاديين، أنصار الشريعة، السلفيين جميعهم اسماء متعددة لوظيفة واحدة. ويقدم لنا النموذج الإسلامي الطالباني مثلا على ارتباط التعصب للرأي بالعنف والادعاء بامتلاك التفسير الحقيقي والفهم الصحيح للإسلام دون غيرهم. التعصب الذي دائما ما يرتد إلى نحر صاحبه التي تؤكد هذه الحقيقة الوقائع المختلفة والتجارب المتطرفة اكانت دينية ام يسارية او قومية او شيوعية او فاشية ولنأخذ افغانستان نموذجا. بعد ان تم تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفيتي عام 1989م انفجر الصراع بين اقطاب المجاهدين آخذا بعدا اثنيا يلتحف رداء الإسلام. وعندما تمكنت حركة طالبان الأكثر تطرفا من الوصول الى كابول اقدمت على شنق الرئيس الشيوعي السابق الدكتور نجيب الله1996 م الذي كان قد طلب اللجوء في مقر الأمم المتحدة في كابول فاقتحمت طالبان المقر وقبضت على نجيب الله ثم شنقته على عمود الكهرباء وظل معلقا في الشارع بشكل اثار استهجان المسلمين في كل العالم. ثم تمت تصفية رموز الجهاد الإسلامي في افغانستان كأحمد شاه مسعود وبرهان الدين رباني من قبل طالبان نفسها وقدموا نموذج جديد للإسلام أصروا على صحته وملاحقة مخالفيهم واقاموا محاكم التفتيش الجديدة التي انكرت الحياة على المرآة بما في ذلك حقها في التعليم وقدموا خدمات كبيرة لأعداء الإسلام عبر تشويهه. كانت حادثة الطفلة مالالا يوسفزاي في وادي سوات في شمال باكستان في اواخر عام 2012هي الأبلغ على جهل المتطرفين الطالبانيين حيث تحولت قضية الطفلة البالغة اربعة عشر عاما الى قضية رأي عام عالمي .. هزمت مالالا الطفلة الفكر الطالباني بكل مجتهدية عبر مدونتها التي دافعت فيها عن حق الفتاة في التعليم الذي يرفضه الطالبانييون فخاف من مدونتها كل من يسمون أنفسهم بالعلماء ولجأوا لمحاولة قتلها عبر جهادي ملتحي غطى وجهه باللثام وأطلق الرصاص على مالالا وهي تقل حافلة المدرسة بين زميلاتها .. "من مكن هي مالالا؟ تكلمن وإلا أطلقت النار عليكن جميعا" قالها الطالباني وهو يهم بقتلها ولم يكن يعرف انه يوجه الرصاص نحو مبادئ الإسلام الحضارية السمحة وليس نحو رأس مالالا في حادثة اساءت للإسلام ايما إساءه. تمكنت الشعوب الأوربية من التخلص من ظلم وبطش الكهان ومحاكم التفتيش سيئة الصيت عبر فصل الدين عن الدولة لكننا في مجتمعاتنا العربية بالذات مازلنا نعاني ممن نصبوا انفسهم ممثلين لله على الأرض وممن يرون انهم يجب ان يتدخلوا في كل شاردة وواردة في شئون الناس من شكل البنطال ووضعية غطاء الراس الى نظام البنوك وغيرها. قال القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر علي بلحاج اثناء الانتخابات البرلمانية وهم يتقدمون على غيرهم في ديسمبر 1991م "سننظر في كل شيء من وضعية الحجاب إلى شكل السلطة". هناك إشكال حقيقي وتحدي يواجهنا اليوم، لا يكمن ذلك فيما إذا كان الإسلام دين ودولة ام ان شئون الدينا أمر متروك للأمه بل ان الإشكال هو في إرهاب التيارات الإسلامية التي ترى بانها تحتكر الحقيقة ضد خصومهم ليس من غير المسلمين او المرتدين او الفاسقين بل من مسلمين يخالفونهم الرأي في فهمهم وتفسيرهم للإسلام نفسه. فلا مجال هنا لحصر العلماء الذين افتي بتكفيرهم وطارت رؤوسهم في مصر وغيرها كالشيخ الذهبي وفرج فوده وكفّر نصر حامد ابو زيد وذهب كهنة اليمن الى الإفتاء حول ما تسمى بالوحدة التي تخالف إرادة شعب الجنوب ويراها شر مستطير و شيء ليس له علاقة بالوحدة وانما مجرد شعار ووسيلة لسلبهم ثرواتهم وكرامتهم وحقوق المواطنة وهويتهم وتاريخهم, افتى هؤلاء بانها مقدسة وجزء من الدين ومن عارضها فقد عارض الدين نفسه وعلى ضوء فتاوي طالبان اليمن من الخوارج الجدد تطير الرؤوس الجنوبية صباحا ومساءا في مسلسل دموي لن ينته , ينفذه مريدي واتباع الكهنة الباحثون عن الجنة وحور العين ظنا منهم انهم يقاتلون اعداء الله وهم في الحقيقة اعداء الإسلام اتباع الكهنة من شياطين الإصلاح اللصوص والفاسدون, من الذين يرأسون إمبراطورية تدير تجارة السلاح والاثار المهربة وتجارة الأطفال والدعارة والخمور والمخدرات وكل ما لا يخطر على بال المغفلين الانتحاريين الضحايا في الدنيا والآخرة. اما إذا ذهبنا إلى ابعد من الخلاف مع العلماء وأشرنا الى المذاهب والفرق فالوهابيين يطلقون النار على الجميع مسلمين وغيرهم يكفرن الشيعة والمعتدلين في التدين الذي يطلق عليهم بالمتصوفين ولا أدري هل نحن اليوم أمام حديث الرسول الله (ص) : "تنقسم أمتى الى بضعة وسبعون شعبة كلها في النار الا شعبة واحدة فقط قال الصحابة ومن هم هذه الشعبة يا رسول الله. قال الرسول صلى الله عليه وسلم من كانوا مثل ما انا وأصحابي نفعل." تلك الشعبة هي ما اصطلح على تسميتها في التراث الإسلامي بالناجون من النار.. وقد وجدت بالفعل جماعة متطرفة في مصر اطلقت على نفسها هذا الاسم , ويطلق الوهابيين على انفسهم باهل السنة والجماعة اي الفرقة الناجية. وبتسليط الضوء على الكثير من حركات التطرف الديني من الذين يدعوا ان تفسيرهم للإسلام هو الدين الصحيح نرى ان الكثير من قياداتهم وجماعاتهم لهم سلوك يتعارض مع ابسط القيم الدينية والإنسانية على حد سواء والأخطر من هذه ارتباطات الجماعات المتطرفة بشكل او بآخر بالدوائر الاستخباراتية الغربية فمن تابع مسلسل سوزان لينداور – ضابط ارتباط لدى الـ CIA سابقا – على قناة روسيا اليوم في برنامج "رحلة في الذاكرة" بعد ان لجأت مؤخرا الى موسكو وكشفت عن مخطط أحداث 11 سبتمبر 2001 م ان الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك كان مدبرا من قبل إسرائيل وان المخابرات الأمريكية كانت على إطلاع مسبق به. إن ذلك أمر يثير التساؤل عن علاقة المشاركين من اعضاء تنظيم القاعدة في العملية بتلك الدوائر الاستخبارية الأمريكية والإسرائيلية. اسئلة لا تحتاج الى تكهن في الإجابة. وقد سربت المخابرات البريطانية ال م آي سيكس (MI6) قبل عدة سنوات تقريرا يؤكد ان المخابرات الإسرائيلية "الموساد" قد اخترقت تنظيم القاعدة وكانت تدير تحرك شباب عناصر القاعدة المشاركين في تلك الأحداث اثناء مرحلتي الحضير والتنفيذ، واكد هذه المسألة بالتفصيل الكاتب الفرنسي تييري ميسان في كتابه " الخدعة الرهيبة “الذي اصدره قبل عدة سنوات. وفي عام 2010 م أصدر الصحافي البريطاني الشهير مارك كورتيس كتابه «شؤون سرية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي». فضح فيه تواطؤ وعلاقة بريطانيا مع المتطرفين الإسلاميين استند في كتابة الى الوثائق الرسمية للخارجية والمخابرات البريطانيتين أكد فيه ضلوع واشراف أمريكا وبريطانيا على تأسيس معظم الحركات السلامية المتطرفة التي ترفع شعار العداء للغرب وأستعرض الدور التآمري لبريطانيا مع الاسلاميين وتحويلهم إلى خدم طائعين لأمريكا ويؤكد الكاتب علاقة بريطانيا بجماعة الإخوان المسلمين في وقت مبكر من القرن الماضي اثناء استعمار بريطانيا لمصر واكد هذه الحقيقة عدد من الكتاب العرب في كتب منشورة وموثقة .اطلق كورتيس مصطلح لندنستان تأكيدا منه ان لندن صارت المأوى الاولى والمفضل الإسلاميين الراديكاليين ويؤكد ان السعودية وبريطانيا هما الممولان الاساسيان للجماعات الإسلامية المتطرفة على مدى ثلاثة عقود .. ويشير الكاتب الى ان وثيقة تتبع وزارة الخارجية البريطانية وجدها ضمن مجموعة هائلة من الوثائق الأخرى تؤكد تقديم الدعم المالي من بريطانيا للإخوان واميرهم حسن البناء بالتنسيق مع القصر في مصر بغرض السيطرة على الجماعة.ـــ مارك كورتيس : شئون سرية .. تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي. باللغة الإنكليزية صادر 2010م. ولدينا شهادة أخرى وثقها القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين ثروة الخرباوي تقول: "الثامن والعشرون من شهر آذار. . العام: 2008 الشخص: كين لفنجستون. الوظيفة: عمدة لندن وأحد أقطاب حزب العمال البريطاني وأحد الأسماء البارزة في سماء اليسار الأوروبي الداعم لعديد من القضايا العربية والإسلامية. المشهد: خرج كين لفنجستون من مكتبه ليقف أمام عشرات من الصحفيين، وبعد أن تحدث معهم عن بعض الشؤون الخاصة بالعاصمة لندن سأله أحد الصحفيين عن خطر الجماعات الإسلامية الأصولية، فقال لهم مطمئنا: "جماعة الإخوان كبرى هذه الحركات تربطنا بها علاقة جيدة، وقد كانت تتلقى تمويلا ماليا من الخارجية البريطانية منذ بداية نشأتها، فهي ليست بعيدة عنا إذن، وقد استخدمنا هذه الجماعة لسنوات طويلة وكانت مخلصة لنا، فقد كان نظام عبد الناصر خطرا علينا، وعلى الجانب الآخر مثلت هذه الجماعة خطرا كبيرا على عبد الناصر ونظامه". أئمة الشر. ثروت الخرباوي. الحلقة الخامسة. الحياة الجديدة الثلاثاء 11 يونيو 2013. ويؤكد كورتيس على أن الدعوة الوهابية لصاحبها محمد أبن عبدالوهاب التي انتشرت اولا في نجد والحجاز ليست بعيده عن ايادي بريطانيا. وهنا أحب التنويه الى شيء مهم وهو ان الإشارات التي قدمها الكثيرون عن العلاقة بين الراديكاليين الإسلامين وبريطانيا او الولايات المتحدة لا تعني أن هذين الدولتين تلتقيان مع اهداف الحركات المتطرفة المعلنة وأفكارها بل ان الغرض هو الاحتواء والسيطرة عليها ثم استخدامها كبؤر عنف داخل المجتمعات الإسلامية تخلق الدمار وتعيق التنمية على الطريقة التي يجند بها العملاء ويتم استخدامهم ثم التخلص منهم بعد أن يؤدوا دورهم. وفي هذا الصدد اشير الى كتابين حديثين ومهمين للمحامي والمفكر القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين ثروة الخرباوي كتابي "قلب الإخوان" و"سر المعبد" ويعكف على استكمال كتابه الجديد ائمة الشر الذي قد نشر الكثير من اجزاءه في حلقات في عدد من الصحف الى تأكيد العلاقة والاتصال والتعاون والتنسيق بين المخابرات الغربية وجماعة الإخوان المسلمين في مصر ومع اجهزة النظام السابق أثناء حكم مبارك بل ومع المخابرات الأمريكية ووجود اتفاقات وتنازلات تمس الثوابت الأساسية لجماعة الإخوان ناهيك عن الكثير من التفاصيل التي تفضح الممارسات المشينة للجماعة من داخلها. والأخطر من هذا يتحدث عن وجود علاقة جماعة الإخوان بالتنظيم الدولي للماسونية حيث يقول: "انكببت في فترة من حياتي على القراءة عن الماسون والماسونيين، وكان مما قرأته أن الأفراد العاديين للماسون لا يعرفون الاسرار العظمى لتنظيمهم العالمي , تلك الأسرار تكون مخفية إلا على الذين يؤتمنون على الحفاظ على سربتها، وتكون هي الهيكل الذي يحفظ كيان الماسونية، وعند بحثي في الماسونية أستلفت نظري ان التنظيم الماسوني يشبه من حيث البناء التنظيمي جماعة الإخوان، وحتى درجات الانتماء للجماعة واحدة في التنظيمين. !! وعندما كنت طالبا في السنة النهائية بكلية الحقوق وقع تحت يدي طبعة قديمة لاحد كتب الشيخ محمد الغزالي وإذا جرت عيني على سطور الكتاب وجدته يتحدث عن ان المرشد الثاني حسن الهضيبي كان ماسونيا! "سر المعبد. الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين" الطبعة الأولي نوفمبر 2012م. ثروت الخرباوي. ويضيف في نفس الكتاب بقوله ايضا: " وقتها وقعت تحت يدي مجموعة من المقالات كان قد كتبها الاستاذ سيد قطب في جريدة "التاج المصري" واثناء بحثي عرفت ان هذه الجريدة كانت لسان حال المحفل الماسوني المصري!! وكانت لا تسمح لاحد ان يكتب فيها من خارج جمعية الماسون" ان المتابع لخطاب جماعة الإخوان المسلمين قبل توليهم السلطة في مصر حيث كانوا يوجهوا انتقادات حادة للنظام السابق عن علاقاته بأمريكا وعن معاهدة كامب يفيد وعن تزويد مصر لإسرائيل بالغاز بأسعار زهيدة وكانت هي حججهم في تحريض الشارع المصري ضد السلطة واتهامها بالخيانة والعمالة واليوم وبعد أن وصلت الجماعة الى السلطة وصارت تحكم بشكل مطلق عبر الأغلبية البرلمانية وعبر الرئيس المنتخب فإن مجالات التعاون مع امريكا ومع إسرائيل زادت وتحسنت اكثر بكثير ومازالت الجماعة تبذل جاهدة لتطويرها, كما ان قطر وهي الداعم الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وغيرها تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية بشكل او بآخر بما في ذلك استثمارات وتعاون عالي المستوى مع دولة اسرائيل مما يؤكد عدم مصداقية خطاب الجماعة وحقيقة تعاونهم وعلاقتهم مع الدوائر الاستخبارية الغربية والماسونية. حقيقة علاقة بريطانيا والولايات المتحدة بتأسيس ودعم الحركات الإسلامية المتطرفة ليست خافية فقد اكدتها الكثير من الوثائق التي نشرت ومن بعض الكتاب والقيادات من داخل تلك الحركات نفسها وآخرها وليس آخر هي كتب القيادي الإخواني السابق المحامي المصري ثروت الخرباوي. المسالة هنا لا تخضع لنظرية المؤامرة فقد خرجت الكثير من الأسرار إلى العلن وهو الأمر الذي تؤكده حقيقة اهتمام الدوائر الاستخبارية الغربية بالتحكم بمصائر الشعوب عبر دراسة تاريخها واختراق انظمتها وإحكام السيطرة عليها وزرع العملاء حكاما وأحزاب. كما انها ليست صدفة فليس جديدا ان يظهر بشكل جلي وجود علاقة وصلات بين التيارات السياسية المتطرفة الإسلامية منها والماركسية على حد سواء والدوائر الاستعمارية والغربية لان الإسلام نفسه منذ عصوره الأولى تعرض لمثل هذا فأدخلت أحاديث غير صحيحة عرفت في التراث الإسلامي باسم الإسرائيليات وجميعنا يعرف دور اليمني اليهودي عبدالله بن سبأ في هذا الشأن. ليس غريبا ان نتعرض لكل انواع المؤامرات واخطرها هي المؤامرات الفكرية التي تؤسس للفرقة والاقتتال بين المسلمين فالغرب يعطي جل اهتمامه لأحوال المسلمين وقد أبدع المستشرقون في كتاباتهم عن تاريخنا أكثر منا ويسبقونا إلى ذلك في دراسة الكثير من الظواهر وهو دليل على تأكيد قدرة المؤسسات الاستعمارية والمخابراتية الغربية على فهم ومعرفة اوضاعنا ودراستها بطرق علمية مما يمكنهم من رسم سياسات متقنة تستطيع التحكم بعقولنا الغارقة في التخلف والبداوة. ويمثل المستشرق والمفكر البريطاني اليهودي العملاق والمعاصر برنارد لويس ضابط المخابرات البريطاني السابق واستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة برنستون في امريكا حاليا والمنظر الأول للسياسية الخارجية الأمريكية والذي أكمل عامه الثامن والتسعون أحد أبرز النماذج الحية على ذلك فهو صاحبة نظرية تفتيت الشرق الاوسط التي تنفذ بحذافيرها حاليا والتي تتضمن إعادة رسم خارطته التي نشرت على الموقع الرسمي للخارجية الأمريكية. لقد كتب برنارد لويس بتفوق عالي عن اقرانه من الباحثين العرب عدد من المؤلفات حول الإسلام وتاريخ الإسلام واهتم بشكل خاص بتاريخ الحركات السرية في الإسلام حيث الّف كتاب خاص بالحشاشين، الفرقة الإسماعلية التي عاصرت الدولة العباسية ومارست العنف بأبشع صوره تشبه ممارسات القاعدة والوهابيين اليوم واستفحل امرها ولم يتمكن من القضاء عليهم سوى المغول على يد هولاكو الذي ابادهم واستأصل شوكتهم. لم يعد خافيا ذلك الدور الذي تقوم به المؤسسات الاستخبارية الاستعمارية في السيطرة على الحكام والأحزاب وقد خرجت الكثير من المعلومات المتواجدة في خزائن المخابرات البريطانية الإمبراطورية وخارجيتها التي لها اليد الطولي في الشرق الأوسط على مدى ثلاثة قرون على الأقل حتى وصل بجواسيس وضباط المخابرات البريطانية ان يصبحوا مستشارين يقودون حكام الدول العربية ويصنعون الحكام كيفما يشاؤوا. فقد حدثتنا الأخبار عن جون فيلبي الذي اعتنق الإسلام وأسمى نفسه عبدالله هو ضابط المخابرات البريطاني الذي كان يلقي خطب الجمعة في الحرم المكي لعب دورا محوريا في سياسة عدد من الدول ومنها السعودية والعراق والأردن وفلسطين. تزوج من نجدية وأنجب منها ولد صار فيما أحد أبرز جواسيس بريطانيا في المنطقة حتى تولى رئاسة المخابرات البريطانية نفسها. ولورانس الذي أطلقوا عليه لورانس العرب كان هو القائد الفعلي للثورة العربية الكبرى في اوائل القرن الماضي التي وقف فيها العرب الى جانب دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولي ضد تركيا الحقوا فيها هزيمة تاريخية لدولة الخلافة العثمانية التي تم القضاء عليها بتعاون العرب وفي مقدمتهم أنصار الدعوة الوهابية وحلفائهم من الحكام في الجزيرة العربية الذي وعدتهم بريطانيا بالاستقلال وتشكيل دولة عربية موحدة فيما عرفنا في التاريخ بمراسلات الشريف حسين وهنري مكماهون. مثلما وعدتنا بريطانيا بالأمس بالاستقلال والوحدة العربية تعدنا امريكا اليوم بالديمقراطية وكان من نتائج ذلك الحلف الأول ووعد بريطانيا تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم المنطقة العربية الى دويلات وقطع الطريق امام مشروع دولة الوحدة العربية والخلافة العربية أما اليوم فالنتيجة ستكون تقسيم تلك الدويلات المقسمة الى شيع وطوائف وفقا لتحالف جماعة الإخوان مع امريكا و"زملاءها". ستمزق المنطقة مرة اخرى بأيدي عربية وللأسف هم جماعة الإخوان المسلمين. هناك نماذج كثيرة لكن الجاسوس البريطاني همفر هو الأكثر اثارة لارتباطه بمؤسس الدعوة الوهابية الشيح محمد عبد الوهاب مباشرة حين التقى به بالبصرة واقام معه علاقات وطيدة حتى لازمه كظله بين العراق ونجد طوال مرحلة الدعوة في شبه الجزيرة العربية. كان همفر جاسوسا مخضرما عاش في الهند وإسطنبول والعراق عمل وتعلم اللغات العربية والتركية والفارسية ودرس الشريعة الإسلامية بتعمق وأعلن اسلامه وكان ضمن فريق تجسسي يضم تسعة افراد صنعوا المعجزات أحدهم وصل الى صنعاء لكن بريطانيا العظمي فشلت في اقتفاء اخباره، يبدو انها ايضا اخطأت في حساباتها ولم تستفد من الدرس التركي في اليمن ولم تكن تدرك أن " الداخل إلى اليمن مفقودا والخارج منها مولودا". أخبار الجاسوس همفر لم تكن معروفة حتى قريبا ولذا لم اقتف أثر لمذكراته على اهميتها القصوى ضمن تلك التي بحوزة المستشرق الروسي فاسيلييف وهو الذي جمع من المراجع ما لا يمكن تصوره، وفي اعتقادي لأن فاسيليف ألف كتابه في اوائل تسعينيات القرن الماضي بيمنا تسربت مذكرات همفر بعد ذلك بحوالي 13 عاما تقريبا. لم اكن ميالا للأخذ بمذكرات همفر لكن اطلاعي المستمر ومتابعاتي على مدى ربع قرن لتاريخ الإسلام السياسي وقراءاتي لقصص المستشرقين الأوروبيين والروس وحجم الكم الهائل من المعلومات الاستخباراتية التي تسربت حول الدور البريطاني والأمريكي في الشرق الأوسط وتشابه ما حصل للثورة في الجنوب العربي ( اليمن الديمقراطية) من اختراقات وسيطرة خارجية عليها وتدميرها عبر التيار المتطرف يجعلني اميل لتصديق مذكرات همفر واجزم بأن هناك اطمئنان تام من قبل الدوائر التي سربت المذكرات بعدم حدوث أي ردود سلبية او صحوة عربية يمكن ان تثيرها مثل هذه المعلومات الخطيرة بعد أن تأكدت هذه الدوائر بأنها قد احكمت السيطرة الكاملة على المنطقة والدليل على ذلك هي حادثتي لوكربي و11 سبتمبر التي تكشفت الآن انها صنيعة استخباراتية إسرائيلية غربية لم يجرؤ احد من الذين اتهموا بالوقوف وراء تلك الحادثتين على رفع دعاوي ضد من اتهموهم وتم على ضوئها تدمير افغانستان والعراق وليبيا ومازالت دول عربية كثيرة تنتظر نفس السيناريو. قبل ان اترككم مع مقتطفات من مذكرات همفر اود ان اشير الى أن الحركات المتطرفة الإسلامية والشيوعية الماركسية تتشابه في تجاربها إلى حد كبير. شعارات متطرفة وضجيج إعلامي ودمار اقتصادي وقتل ونهاية سيئة ولنا في الجنوب العربي نصيب وافر من هذا وهذا ما حاولت التعرض له في الحلقة الاخيرة التي كرست للنموذج الكهنوتي الشيوعي بشكل عام وتجرية الكهنوت الماركسي في اليمن الديمقراطي بشكل خاص. تمكن همفر من تجنيد الداعية محمد ابن عبدالوهاب لصالح وزارة المستعمرات البريطانية وسيطر عليه عبر الفتيات والخمر ثم تغلغل في اعماقه فدرس نفسيته البدوية وتمكن عبر فريق متخصص في وزارة المستعمرات البريطانية من توجيهه في دعوته الوجهة التي تريدها بريطانيا. ورسموا له كيف يقوم بحملات التدمير لكل ماله علاقة بالتاريخ الإسلامي تحت دعاوي محاربة الوثنية بلغ ذلك حد اقناعه بهدم الكعبة المشرفة وفقا للمبدأ الوهابي الراسخ الذي يقضي بضرورة هدم الأضرحة والقباب والعتبات المقدسة وهو ما فعلوه في مناطق شبه الجزيرة العربية وسواحل الخليج وعمان والعراق واليمن. وتولت الحكومة البريطانية برعاية وتأسيس الدولة السعودية التي كانت قد دمرتها القوات المصرية وحملة محمد علي باشا فأحيتها بريطانيا ورعتها وجعلت من مؤسس الدولة السعودية شريك وحليف للدعوة الوهابية فسخرت الدولة السعودية في المقابل الأموال الضخمة لنشر الدعوة وتمكينها وتثبيت أركانها بالمقابل الوهابية ساهمت بقوة في ارساء دعائم الدولة السعودية بالفتاوي وفقا للحاجة والضرورة. في نفس الوقت تلك الدعوة قدمت خدمة جليله في تمكين التغلغل البريطاني الأمريكي في المنطقة والقيام بالدور المطلوب منها في قمع وتدمير الحركات الوطنية في المنطقة العربية نيابة عن بريطانيا وأمريكا تغنيهما عن استخدام الجيوش وصرف الأموال. المذكرات موجودة باللغتين العربية والإنكليزية وسأنقل للقارئ مقتطفات منها كما هي دون تعليق. "تقرير همفر الأول حول مواطن ضعف السلطنة العثمانية "كنت قد نجحت نجاحا باهرا في تعلم التركية والعربية والقرآن والشريعة، لكني لم أحرز نجاحا في تقديم تقرير يدل الوزارة على مواقع الضعف في الدولة العثمانية. وبعدما انفضت الجلسة التي دامت ستة ساعات، لفت نظري السكرتير إلى نقطة الضعف، قلت له أن مهمتي تعلم اللغة والشريعة والقرآن، ولذا لم أبذل وقتا كافيا لغير ذلك، وسوف أكون عند حسن ظنكم في السفرة القادمة أن أوليتم ثقتكم بي. - همفر يتلقى تفاصيل مهمته الثانية قال السكرتير: لا شك أنك ناجح لكني آمل منك أن تحرز قصب السبق في هذه الحلبة، أن مهمتك يا همفر في السفرة القادمة أمران هي : أولا - أن تجد نقطة الضعف عند المسلمين والتي نتمكن بها من أن ندخل في جسمهم ونبدد أوصالهم ، فإن أساس النجاح على العدو هو هذا. ثانيا - أن تكون أنت المباشر لهذا الأمر إذا ما وجدت نقطة الضعف، فإن قدرت على المهمة فسوف أطمئن بأنك أنجح العملاء وستستحق وسام الوزارة. بقيت في لندن مدة ستة أشهر... وإذا بالأوامر الصارمة تصدر من الوزارة في أن أتوجه إلى إقليم العراق، البلد العربي الذي استعمرته الخلافة منذ زمن طويل. 7- وصول همفر إلى العراق بعد ستة أشهر وجدت نفسي في (البصرة) بالعراق... ذات مرة ذكرت لبعض رؤسائي في الوزارة اختلاف السنة والشيعة وقلت لهم أنهم لو كانوا يفهمون الحياة لتركوا النزاع ووحدوا كلمتهم. فنهرني الرئيس قائلا الواجب عليك أن تزيد الشقة لا أن تحاول جمع كلمة المسلمين. اجتماع همفر بابن عبد الوهاب بعد ان تعرف عليه في البصرة ووطد علاقته يصفه قائلا: " كان الشاب الطموح (محمد) يقلد نفسه في فهم القرآن والسنة، ويضرب بآراء المشايخ. ليس مشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب، بل بآراء أبي بكر وعمر أيضا بعرض الحائط. إذا هو فهم من الكتاب على خلاف ما فهموه الآخرين، وكان يقول أن الرسول قال أني مخلف فيكم الكتاب والسنة، ولم يقل أني مخلف فيكم الكتاب والسنة والصحابة والمذاهب، ولذا فالواجب الكتاب والسنة مهما كانت أراء المذاهب والصحابة والمشايخ مخالفة لذلك". "ووجدت في (محمد عبد الوهاب) ضالتي المنشودة، فإن تحرره وطموحه من مشايخ عصره، ورأيه المستقل الذي لا يهتم حتى بالخلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من القرآن و السنة، كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكن أن أتسلل منها إلى نفسه" "لقد عقدت بيني وبين محمد أقوى الصلات والروابط، وكنت أنفخ فيه باستمرار وأبين له أنه أكثر موهبة من (علي وعمر) وأن الرسول لو كان حاضرا لأختارك خليفة له دونهما. وكنت أقول له دائما آمل في تجديد الإسلام على يديك فإنك المنقذ الوحيد الذي يرجى به انتشال الإسلام من هذه المسقطة." أدار همفر نقاشات فقهية مع ابن عبدالوهاب حول الخمر والنساء والصلاة وتمكن من إقناعه من شرب الخمر والتمتع بالنساء والتساهل عن الصلاة حيث قال: " أخذ يسمعني محمد بكل قلبه، ثم تنهد وقال: بل تثبت في بعض الأخبار أن عمر يكسر الخمر في الماء و يشربها، ويقول إن سكرها حرام، لا إن لم تكن تسكر. ثم أردف محمد قائلا: وكان عمر صحيح الفهم في ذلك لأن القرآن يقول (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة)، فإذا لم تُسكر الخمر لم تفعل هذه الأمور التي ذكرت في الآية وعليه فلا نهى عن الخمر، إذا لم تكن مسكرة." وكان قد عرفه على مسيحية اسماها صفية وهي من الجواسيس الذين يعيشون في العراق. "أخبرت (صفية) بما جرى، وأكدت عليها أن تسقي محمد في هذه المرة الخمرة مغلفة ففعلت وأخبرتني أن الشيخ شرب حتى الثمالة وعربد وجامعها عدة مرات في تلك الليلة، وقد رأيت أنا آثار الضعف والنحول عليه غداة تلك الليلة. وهكذا استوليت أنا وصفية على الشيخ محمد استيلاء كاملا. ويا لها من روعة تلك الكلمة الذهبية، قالها لي وزير المستعمرات حين ودعته (إنا استرجعنا أسبانيا من الكفار (يقصد المسلمين) بالخمر والبغاء، فلنحاول أن نسترجع سائر بلادنا بهاتين القوتين العظيمتين " وفي حوار أخر بين الجاسوس والداعية يقول همفر " هل صحيح أن النبي آخى بين الصحابة؟ قال: نعم. قلت : هل أحكام الإسلام وقتية أم دائمة؟ قال محمد : بل دائمة لأن الرسول يقول (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة). قلت: إذا فلنواخي أنا وأنت. ومنذ ذلك الحين كنت أتبعه في كل سفر وحضر، وكنت أهتم لأن تأتي الشجرة التي غرستها ثمارها التي صرفت لأجلها أثمن أوقات شبابي. وكنت أكتب بالنتائج إلى وزارة المستعمرات كل شهر مرة" وبعد عودة همفر الى لندن استقبل استقبال الأبطال من قبل الوزارة ثم كلف بالعودة الى العرق لمواصلة المهمة حيث قال:" بقيت في لندن مدة شهر آخر حتى أتتنا أوامر الوزارة بالتوجه إلى العراق مرة أخرى، لتكميل الشوط مع (محمد عبد الوهاب) وقد أمرني السكرتير بأن لا أفرط في حقه مقدار ذرة حيث قال أنه حصل من مختلف التقارير الواردة إليه من العملاء أن الشيخ أفضل شخص يمكن الاعتماد عليه ليكون مطية لمآرب الوزارة. ثم قال السكرتير: تكلم مع الشيخ بصراحة. وقال أن عميلنا في أصفهان، تكلم معه بصراحة، وقبل الشيخ العرض على أن نحفظه من الحكومات والعلماء الذين لابد وأن يهاجموه بكافة السبل حينما يبدي آرائه وأفكاره، وأن يزوده بالمال الكافي والسلاح إذا اقتضى الأمر ذلك، وأن نجعل له إمارة ولو صغيرة في أطراف بلاده (نجد) وقد قبلت الوزارة كل ذلك ." ثم قال :" لقد كدتُ أخرج عن جلدي من شدة الفرح بهذا النبأ، قلت للسكرتير : إذن فما هو العمل الآن؟ وبماذا أكلّف الشيخ، ومن أين أبدأ؟ قال السكرتير : لقد وضعت الوزارة خطة دقيقة لأن ينفذها الشيخ وهي : 1-) تكفير كل المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم في أسواق النخاسة، رجالهم جعلهم عبيدا ونسائهم جواري . 2-) وهدم الكعبة باسم أنها آثار وثنية إن أمكن ومنع الناس عن الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم . 3-) والسعي لخلع طاعة الخليفة، والإغراء لمحاربته وتجهيز الجيوش لذلك، ومن اللازم أيضا محاربة (أشراف الحجاز) بكل الوسائل الممكنة، والتقليل من نفوذهم .4-) وهدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها باسم أنها وثنية وشرك والاستهانة بشخصية النبي (محمد) وخلفائه ورجال الإسلام بما يتيسّر . 5-) ونشر الفوضى والإرهاب في البلاد حسب ما يمكنه . 6-) ونشر قرآن فيه التعديل الذي ثبت في الأحاديث من زيادة ونقيصة . واضاف: " قال السكرتير لي بعدما بيّن البرنامج المذكور: لا يهولنّك هذا البرنامج الضخم فإن الواجب علينا أن نبذر البذرة وستأتي الأجيال الآتية ليكملوا المسيرة، وقد اعتادت حكومة بريطانيا العظمى على النفس الطويل، والسير خطوة خطوة، وهل محمد النبي إلا رجل واحد تمكن من ذلك الانقلاب المذهل؟ فليكن (محمد عبد الوهاب) مثل نبيّه (محمد) ليتمكن من هذا الانقلاب المنشود." وبعد استطراد مشاركة همفر في رسم خطط الكر والفر ومهاجمة وإبادة العرب من القبائل في الجزيرة يقول ايضا:" لقد وعدني (الشيخ) بتنفيذ كل الخطة السداسية إلا أنه قال : أنه لا يتمكن في الحال الحاضر إلا على الإجهار ببعضها وهكذا كان، وقد استبعد الشيخ أن يقدر على (هدم الكعبة) عند الاستيلاء عليها، كما لم يبح عند الناس بأنها وثنية وكذلك استبعد قدرته على صياغة قرآن جديد وكان أشد خوفه من السلطة في (مكة) وفي (الآستانة) وكان يقول : إذا أظهرنا هذين الأمرين لا بد وأن يجهز إلينا جيوش لا قبل لنا بها، وقبلت منه العذر لأن الأجواء لم تكن مهيأة كما قال الشيخ" . اكتفي بهذه المقتطفات لكن محتويات المذكرات فيها اشياء تدعو للتأمل وخاصة ذلك الحوار الفقهي والفكري بين الجاسوس والداعية عن اركان الإسلام ولي ان اسجل اعجابي الشديد بهذا الولاء الوطني للجواسيس الانجليز الذين نذروا حياتهم من اجل وطنهم امام ما نراه من عمالة لحكام وفقهاء عرب يتربعون على عروش اوطانهم التي اعطتهم كل المجد والثراء والرفعة وخانوا الأمانة من اجل استرضاء اسيادهم الذين يدعمون بقائهم على العروش ولا يعرفون ان مصير العملاء دائما مزابل التاريخ مهما قدموا من خدمات وقد راينا كيف كان مصيرهم في ثورة الربيع العربي وكيف تخلوا عنهم اسيادهم بل ودكوهم. لاشك ان الكثيرين منا ستأخذهم الصدمة من هول ما نرى اليوم من حكام ورجال دين كيف يخونون اوطانهم وهو بكل اسف امر ممكن الحدوث في زمن الانحدار والانهيار الحضاري لأي أمة لكن الأخطر من هؤلاء العملاء هو وجود مدارس متخصصة تعمل دون هوادة على ضرب الإيمان والولاء الوطني لدى الجماعات والشعوب فما حصل في الجنوب العربي هو درس بليغ حيث نعاني اليوم من ثقافة وفلول الحزب الاشتراكي الذين يجاهدون من اجل العودة للسلطة على جثث ابناء وطنهم ولم تحرك المجازر والجرائم البشعة التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال اليمني ضد اهلهم وذويهم ووطنهم وتاريخه ضمائرهم بل انهم ماضون في تحالفهم مع قوى الشر المعادية لشعب الجنوب وحريته ومستقبله من قوى الإرهاب في حزب الإصلاح المتأسلم ومن قوى الفساد من قبائل وعسكر الذي عاثوا في الجنوب فسادا. ان نرى جواسيس وعملاء كأفراد فإنه شيء متوقع وأمرا ممكن الحدوث لكن ان نرى حزب يربي اعضاءه على نزع الولاء الوطني من القلوب والضمائر والوقوف كالآلة ضد شعبهم بتجرد من أي مشاعر إنسانية فإن ذلك يدعونا لان نضع سؤالا كبيرا أمام وطنية هذا الحزب وكم يشبه ما يفعلوه اليوم بالجنوب بما فعلته الدعوة الوهابية بالعرب في نجد والحجاز من حروب ابادة ودمار وقهر لا يمكن وصفه وهو السؤال الذي يمكننا ان نضعه أمام الدعوة الوهابية والحزب الاشتراكي اليمني مجتمعين !! هل تعون نتائج ما تفعلون!!؟ ليست العبرة فيما تقولون بل العبرة بما تفعلون ونتائح افعالكم هي مانحكم بها عليكم. وهاهي نتائج افعالكم شديدة الوضوح وخاصة في الجنوب العربي. مع المدرسة الماركسية وماركسيي الجنوب العربي في الحلقة التالية بإذن الله. |
![]() |
![]() |
#4 | ||
شخصيات هامه
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
![]()
عزيزي وادي عمر أهلا بك وبعودتك وأنا في انتظار كذا عودة الأخ الفاضل/حد من الوادي فقد أشتقت له ولك للكثير من الأخوان وياهلا بكم بخصوص مانقلت عن الكاتب عبده النقيب.. الكهنوت الشيوعي ..=..الكهنوت الوهابي أقول وعلى الله الأتكال أن ألاثنين الأحمر والأخضر يحملان نفس الصفة ولدى كل منهم اهدافه السياسيه وعليك أن تنسى كل ما يدعوه عن الدين فأنهم أستخدمو الدين وسيله للوصول للغايه ألتي أريد لهم أن يقدموها للسيد البيه الكبير وهذا ينسحب على الطرفين لأن هدفهم المشترك هو القتل والهدم والتدمير أرضاء للسيد. الكلام يطول والدليل بيّن؛؛؛؛؛ |
||
![]() |
![]() |
#5 | ||
مشرف سقيفة الحوار السياسي
![]() ![]()
|
![]()
شكرا اخي الخليفي الهلالي على مرورك الطيب ونحن موجودين انا واخي حد من الوادي لكن لكل واحد ظروفة ونشكرك على السؤال وهذو من شيمكم اما بخصوص الاحمر والاخضر وبرضة الازرق لكل منهم اجنداتة ونحن اصبحنا حقل تجارب نسأل اللة القوة والثبات والنصر على متربص بهذا الشعب الكريم ولك مني جزيل الشكر والتقدير |
||
![]() |
![]() |
#6 |
مشرف سقيفة الحوار السياسي
![]() ![]()
|
![]() الكهنوت الشيوعي والوهابي وما بينهما (4) الاثنين 01 يوليو 2013 11:56 صباحاً المدرسة الماركسية واتباعها في الجنوب العربي كنت قد تعرضت في الحلقات الثلاث الماضية الى لفكرة التطرف أسبابها ومنابعها ومآلاتها وكان لابد على ان استعرض بعض الأمثلة الحية لأتمكن من توصيل الفكرة بشكل واضح بدلا عن الحديث المجرد وفي نفس الوقت تسهيل استيعاب الفكرة من قبل القارئ وهو الذي لمسته بالفعل ان البعض لم يستوعب موضوع البحث من اساسه فأنصب النقاش حول القضايا الفقهية وموقف الوهابية من الدين وهو الأمر الذي لم ابحث فيه. تركز بحثي المتواضع على محاولة الوصول الى ما أراه وحاولت إثباته هو التشابه بين المسالك والدروب التي يتخذونها والمبررات والمألات المأساوية لأفعالهم والانفصام الواضح والكبير بين ما يقولون وما يفعلون .. بين الشعارات الإنسانية والقيم الأخلاقية التي يتغنون بها وبين الجرائم البشعة التي يرتكبونها تحت مبررات السعي لتحقيق تلك الأهداف الإنسانية والأخلاقية. لست بصدد البحث في فتاوي الشيخ محمد ابن عبدالوهاب واتباعه من التكفيريين وموقف الدين الإسلامي منها التي تبدو واضحة للعيان بشكل لا يحتاج الى تبحّر في الفقه انها تتقاطع مع الروح الإنسانية والأخلاقية للدين الإسلامي وسيرة المصطفى والسلف الصالح ومع مقتضيات العصر وحقوق الإنسان وأساءت للإسلام أيما إساءة. في نفس الوقت أيضا لست في هذا الجزء الرابع من البحث بصدد تقيم ونقد الشيوعية والماركسية كفلسفة وكفكر بل أني اتعرض لنتائج ممارسات البعض ممن ينعتون بالمتطرفين .. بين ممارساتهم المتناقضة مع ما يدّعون به ومايسعون إليه في خططهم وافكارهم المعلنة. في هذا الحلقة سأتعرض للمدرسة الشيوعية بإجمال وبشكل مقتضب عبر التعرض لبعض جوانب التجربة الروسية باعتبارها اول تجربة شيوعية تمكنت من إقامة نموذج للدولة التي دعت لها الماركسية وحتى لا يصبح الحديث نظري وغير ملموس بعيد عن اهتماماتنا فإني بدأت في تناول التجربة الماركسية في الجنوب العربي وسأستملكه في الحلقة التالية. النموذج الماركسي في الجنوب العربي من حيث تشابهه مع التنظيمات الدينية المتطرفة في أسلوب العمل والنتائج العكسية لهذه التجربة والانفصام بين النظرية والممارسة الذي اعترى هذا النظام وكيف ولماذا انتصر التيارات اللاعقلاني داخل الجبهة القومية على التيار العقلاني وهو يبدو شيء مألوف يتكرر في أكثر من نموذج في تاريخنا وتاريخ البشرية جمعاء. هو يشبه إلى حد كبير ما جرى في الإسلام حيث سادت منذ نهاية عصر المأمون ثقافة وهيمنة تيار النص الذي يرفض العقل ويتعامل مع النص كقالب جامد .. اسلام أبو حامد الغزالي لا إسلام ابن رشد وإسلام المودودي لا إسلام الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ثم اسلام محمد ابن عبدالوهاب وسيد قطب والزنداني لا إسلام راشد الغنوشي والجابري وخليل عبدالكريم ونصر حامد أبو زيد وعلي عزت بيجوفيتش. مثلما انتصرت في الجنوب شلة الجهل والخراب من رفاق باجمال ومحسن الشرجبي وعبدالله غانم وقتل فيصل عبداللطيف ونفي المكاوي وشيخان الحبشي والشيخ البيحاني .. هذه هي المعادلة بكل اسف التي قادت في النهاية الى قيام تحالف وثيق الصلة بين عصابات المتأسلمين وعصابة المتمركسين في حلف غير مقدس اسمه اللقاء المشترك وهو ما دفعني الى محاولة فك سر الطلسم فلست مقتنع ان ما حصل هو محض صدفة او تكتيك او كما يسميه البعض بمعجزة جارالله عمر. الشيوعية ليست دين سماوي بل هي عقيدة ارضية متكاملة في الفكر والسياسية والاقتصاد والثقافة تؤمن فقط بكل ما هو مادي ملموس وهي فكر إنساني اعتنقته الكثير من الشعوب وبرزت فيها تيارات متعصبة ممن تؤمن باحتكار الحقيقة واتخاذ العنف وسيلة لمناهضة المخالفين اينما كانوا على وجه المعمورة بمن فيهم المتدينين. الشيوعية عقيدة انتشرت كالنار في الهشيم وتمكنت من عقول الملايين تلك الملايين التي امتلكت الروح الثورية القتالية تماما مثلها مثل التيارات الدينية الإسلامية التي تحوي في اطارها أطياف مختلفة بل وبعضها معادي لبعضه وذاته قبل ان يكون معادي لغيره. عرفنا التيارات الدينية المتطرفة في مختلف الديانات السماوية وحتى غير السماوية مثل الهندوسية وهي تتشابه الى حد كبير مع اولئك المتطرفين من معتنقي الفكر الشيوعي والنازي والقومي ولافرق بين المجاميع الوهابية التي افرزت تنظيم القاعدة المعادي لكل شيء بما في ذلك الحياة نفسها وبين الماركسيين الشيوعين المتطرفين فهم اخطر بكثير فإذا كانت الوهابية مثلا تعلن الجهاد في البلاد الإسلامية وتنهج الدعوة في دار الأعداء او الكفار كما يطلق عليهم الجهاديين الوهابيين فإن ذلك يقابله العنف الثوري عند ماركس و لينين ضد الطبقات الغنية و المخالفين للماركسية اينما كانوا على مستوى المعمورة مما يعني ان كل من لا يؤمن بالفكر الشيوعي يعتبر معادي وخطر يستوجب النضال ضده بلا هوادة بمختلف الوسائل الأيديولوجية والإعلامية والمسلحة. قالا كارل ماركس وفريدريك إنجلس في بيانهما الشيوعي: "إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية. حر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع وبكلمة ظالمون ومظلومون، في تعارض دائم، خاضوا حربا متواصلة، تارة معلنة وطورا مستترة، حربا كانت تنتهي في كل مرة إما بتحول ثوري للمجتمع كله، إما بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين. " اخذ المتطرفين من اتباع الماركسية هذا الفكر كقالب جامد واعتبروا كل ما قالته الماركسية حقيقة مطلقة لا يقبل الجدل ليس هذا فحسب بل ان قراءات مختلفة للفكر الماركسي ادخل الماركسيين أنفسهم في جدل وتصنيفات فهذا تحريفي وهذا تر وتسكي وذاك فوضي وهو امر يتشابه مع القراءات المختلفة للدين الإسلامي والتكفير للمخالفين لقراءة البعض. لم يكن كثيرون يضعوا الفكر الماركسي كفكر قابل للجدل والخطأ في بعضه فكانت الداروينية ونظرية النشوء والارتقاء عمود الماركسية النظري لفترة زمنية ظلت تدرس على انها حقيقة مطلقة قبل ان يتطور العلم والمعرفة وتبدأ عملية طرح الاسئلة حولها، ومثلها ظلت نظرية أنجلس في "دور العمل في تحول القرد إلى إنسان" على انها حقيقة. ظهرت في القرن الماضي مجاميع ماركسية متطرفة ترفع شعار العنف المسلح للتغيير دون وضع الاعتبار لظروف نضوج وشروط الثورة بطريقة اختلف معها الكثيرين من المعاصرين الماركسيين وابرزها بعض المجاميع اليسارية في فرنسا والألوية الحمراء بإيطاليا وجماعة الجيش الأحمر بألمانيا إلى جانب الجيش الأحمر الياباني وكذلك ما عرف بنموذج تشيه جيفارا وجميعها لم تحقق أي انجاز في خدمة الفئات التي تناضل من اجلها سوى إراقة الدماء. وتشهد التجارب الثورية الماركسية والنازية والفاشية والقومية المتطرفة والتي آمنت بالفكر الشمولي والعنف انها ارتدت الى داخلها ودمرت ذاتها واضرت بمجتمعاتها رغم كل الشعارات والأهداف التي تبدو نبيلة والتي تبنتها. هاهي الحركة الطالبانية المتشددة في الدين تتحدث باسم الدين الإسلامي الذي جاء لتحرير الإنسان من العبودية، الدين الذي رفع شعار "الناس سواسية كأسنان المشط" تسلك طريق العنف وتحارب العلم والمرأة والنور والحياة وقدمت الإسلام بصورة قاتمة ومنفرة ليس لغير المسلمين بل وللمسلمين أنفسهم وكان نظام بولبوت الذي يدعي الماركسية قد رتب لمجازر رهيبة في كمبوديا بلغ أكثر من مليون ضحية باسم النضال من اجل الكادحين لم تفعلها النازية في حربها ضد من تراهم اجناس رديئة يجب محوهم. وبالمثل كان النظام الشمولي في الجنوب العربي (اليمن الديمقراطي) شرد أكثر من ثلث السكان معظمهم الكوادر القادرين على العمل وكان في حالة عداء مع كل من حوله وفي حالة حرب مع العرب اجمعين بل انها كانت تعتبر من قبل الكثيرين وكرا للإرهاب والعنف تصدر الفتن والعنف. قطعا الدين الإسلامي ليس هو الذي تقدمه حركة طالبان ولا الاشتراكية التي عرفناها في اليمن الديمقراطية. كيف نفهم الماركسية التي تعتبر العامل الاقتصادي هو الأول والأخير في كل شيء في عملية التطور بل وفي تشكيل الفكر والثقافة والسلوك الإنساني وما العوامل الأخرى الا نتاج للعامل الاقتصادي وهو امر تناقض معه الحزب الاشتراكي في الجنوب الذي جاء على أنقاض الجبهة القومية وليس كما يقال امتدادا لها. إن حديثي هذا لا يعني أنى اميل للنظام الرأسمالي او انفي عنه استغلاله للشعوب في البلدان المتخلفة في اسيا وأفريقيا بل وشعوب البلدان الرأسمالية نفسها. أدرك ان المعركة هي بين الفقراء وبين الأغنياء الذين لا يتورعون في استخدام شتى السبل لتكوين ثرواتهم وأنمائها من عرق الكادحين وبدون سبل مشروعة وهذا امر يحرمه الإسلام ولكن ليس كل نشاط مالي حرام واستغلال فهذا التفكير متطرف وهو ما فهمته الكثير من الأحزاب التي اسقطها تفكيرها. إذا كانت المعركة هي بين الأنظمة الرأسمالية الاحتكارية وبين الأنظمة الاشتراكية التي تبني سلطات الكادحين وتدافع عن مصالحهم فهل من الحكمة ان تجعل هذه الأنظمة الدين عدوها الأول!؟ وهل بريطانيا وفرنسا بلدي المؤمنين مثلا!؟ بالطبع لا فالمجتمعين الفرنسي والبريطاني أكثر الحادا من بلغاريا ورومانيا ومن روسيا نفسها. لكن السياسة الخاطئة للبلدان الاشتراكية جيشت ملايين المسلمين البسطاء وخاصة العرب وجعلتهم ينعتون البلدان الاشتراكية بالملحدين ولانسمعهم يقولون ذلك عن الملحدين وهم الأكثر في بريطانيا وفرنسا فتطوعوا لمحاربة محور الإلحاد فكان لهم موعد معهم في أفغانستان ومرغوا بالإمبراطورية السوفيتية في الوحل بل وكانت معركة افغانستان هي بداية النهاية للإمبراطورية السوفيتية التي ما أن وهنت حتى تساقطت الأوراق كلها كأنها نمور من ورق. هل الاشتراكية التي ترفع شعار العدالة والمساواة هي على النقيض من الدين اليس هو شعار الدين نفسه! الاشتراكية الحقة هي الأقرب الى الدين وازعم ان النظام الشمولي السابق في الجنوب العربي أقرب الى الدين من نظام صنعاء ومن السعودية نفسها. لكن لماذا كل هذه الجموع الغاضبة من جمهور المخدوعين الذين جاؤوا لتصفية الحساب وتصفية ما سموها بالشيوعية في اليمن الديمقراطي في حرب 1994م. أدرك انها حرب إعلامية وأيديولوجية وهي نفس الحرب المستعرة التي قامت بين الإمام علي ابن ابي طالب ومعاوية ابن ابي سفيان بين اغنياء بنو امية وفقراء قريش. لكننا نعزي السبب لوقوف المؤمنين هذا الموقف الخاطئ نتيجة للسياسة الخاطئة لهذه الأحزاب الماركسية التي يفترض انها لا تتجاهل العامل الديني مطلقا فوجوده شيء موضوعي ولايمكن الغاءه عبر معاداته. هو السلاح الذي تخلت عنه طواعية لتأخذه الدول الرأسمالية فجندت المخابرات الأمريكية العرب واموالهم في معركة أمريكا ضد الاتحاد السوفيتي الذي ناصر العرب وجنى العرب من سقوط القطب الاشتراكي ما نراه اليوم بعودة الاستعمار الغربي العسكري المباشر ونسوا ان هذه الدول لها تاريخ استعماري وخاصة في البلدان العربية ونكثت بريطانيا بكل وعودها للعرب وان الحقبة الاستعمارية السابقة انتهت بفضل المنظومة الاشتراكية نفسها التي شكلت عامل دعم عسكري وسياسي لكل حركات التحرر. هذا شيء إيجابي ومضيئ يجب ان نعترف به. لكن سقوط هذا النظام الدولي هكذا بغمضة عين بعد عقود البناء المضنية والتخلي عنه من قبل الجماهير نفسها هو دليلنا على الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها في سياساتها وازعم ان انتصار تيارات التطرف اليسارية ضد التيارات العقلانية هو السبب الرئيس فقد سعى ليون تروتسكي في موقفه الذي وصف بالتوفيقي الى التخلص من المتطرفين اليمنيين داخل التيار المنشفي والمتطرفين اليساريين داخل التيار البلشفي وهو السبب نفسه الذي أدى الى تخلف المسلمين بعد ان سادوا على الأرض وتقدموا على الأمم لكن وما ان تخلوا عن الموقف الوسطي للإسلام حتى سجنوا انفسهم في كهف التاريخ. اعتنقوا اسلام أبو حامد الغزالي الذي أنكر العقل ساد فأباد ودمر واغرقنا في حوارات تاريخية لن تنته حول طول اللحية وشكل السجدة ووضعية النقاب والجدل حول شراء الخيار حلال ام حرام ولن نخرج من هذه الدائرة إذا لم نواجه هؤلاء ونعيد للأمة عقلها ونقدس العلم والحرية ونحشر الكهنة في جحورهم. يا لخطورة هذا السلاح الفتاك الذي يأتي على الأخضر واليابس، السلاح الذي يستخدمه الأعداء بكل فعالية وهاهم المسلمين اليوم وبسلاح التكفير والتطرف نفسه هذا يدمرون المنطقة العربية تدميرا ولا يسلكون دروب التغيير المطلوبة والضرورية. لقد حشروا الأمة في أنفاق ليس لها نهاية فبعد ان يتم التخلص من الأنظمة الشمولية والتي يجب ان تذهب فإنهم لايقفون عند هذا الحد بل ان هؤلاء لا يكتفون بإزالة الأنظمة السياسية يزيلون الانظمة وحسب بل أنهم يدمرون مؤسسات تلك الدول وكل المنجزات الحضارية والإنسان نفسه وستأتي المرحلة التالية والأخطر وهي تدمير الإنسان من الطوائف الأخرى ثم ستتبعها الحرب على المذاهب التي تحويها كل طائفة بتوجيه امريكي وبأموال عربية. هل حقا هؤلاء يقيمون الدين وشرع الله بأفعالهم المشينة هذه!؟ هكذا تبدو جلية لنا ان هؤلاء مجرد ادعياء فالإسلام منهم براء مثلما تتبرأ الاشتراكية نفسها من تلك الأنظمة الشمولية. لنىرى عبر التعرف على نماذج محددة كيف انهم بعيدين عن الاشتراكية والعدالة التي يسعون لتحقيقها والكادحين الذين يدعون وصالهم. لنعرج قليلا على البدايات للتعرف على بعض الحقائق من تاريخ الثورة البلشفية في روسيا عند بواكيرها وما ابتليت به من ثقافة التعصب للفكر عند البعض ممن ترسخت لديهم قناعات بأنهم اهل الحق دون غيرهم وما علاقة ذلك بصفات الكهنوتية. عندما برز الخلافات داخل حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي وحصل الفرز بين تيارين عرفا بالبلاشفة (الأغلبية) والمناشفة (الأقلية) في مؤتمر 1903م اختلفا حول عدد من المسائل التنظيمية اهمها مبدأ المركزية الديمقراطية الذي تبناه لينين ورفضه المناشفة ومعهم عددا من الشيوعين البارزين الذي اتهموا من قبل مخالفيهم بالفوضويين والانتهازيين والتحريفين وفي مقدمتهم ليون تروتسكي وروزا لوكسمبرج. لكن ثورة 1905 البرجوازية غيرت الموقف عند تروتسكي الذي يعد إلى جانب لينين ابرز الماركسيين حينها دون منازع فقدم فكرة قيام الثورة الاشتراكية في روسيا بشكل واضح قبل ان يطرحها لينين الذي كان يرى بان طابع الثورة مازال برجوازيا وعليها ان لا تستعجل في القفز, لكن تروتسكي الذي بدأ منشفيا رفض الالتحاق بتيار البلاشفة و غادر تيار المناشفة ظل بين البلاشفة والمناشفة ظنا منه ان يتمكن من استقطاب الثوريين في التيار المنشفي الى جانب فكرة استراتيجية الثورة الاشتراكية وهي الرؤية التي تبناها البلاشفة على العكس المناشفة الذين تبنوا فكرة الثورة البرجوازية واكتفوا بما تقوم به البرجوازية من اصلاحات وطالبوا بتحالف العمال مع الليبرالية البرجوازية. وقف ليون تروتسكي هذا الموقف التوفيقي حتى حسم امرة أثناء ثورة أكتوبر عام 1917 م الذي كان هو من أبرز قادتها. اسس الجيش الأحمر وطور نظرية الثورة الدائمة التي صاغها اسسها كارل ماركس الذي شدد على استمرار الصراع حتى يتم إزالة المجتمع الطبقي نهائيا وهي الحقبة الخالية من الطبقات في المجتمع الشيوعي كما تخيلها. طورها تروتسكي على ان الثورة هي استمرار للعنف والصراع فإن نهاية أي مرحلة هي بداية لأخرى. " إن دكتاتورية البروليتاريا التي استولت على السلطة بوصفها القوة القائدة للثورة الديمقراطية سوف تجابه حتما وسريعا مهام ترغمها على القيام بخرقات عميقة لقانون الملكية البرجوازي. إن الثورة الديمقراطية، في أثناء تطورها، تتحول مباشرة إلى ثورة اشتراكية وتصبح بذلك ثورة دائمة. إن استيلاء البروليتاريا على السلطة لا يضع حدا للثورة بل يفتتحها فقط. ولا يمكن فهم البناء الاشتراكي إلا على أساس الصراع الطبقي على الصعيدين القومي والدولي. وهذا الصراع، نظرا للسيطرة الحاسمة للعلاقات الرأسمالية على الصعيد العالمي، سيؤدي حتما إلى انفجارات عنيفة، أي إلى حروب أهلية في الداخل وحروب ثورية في الخارج. بهذا يكمن الطابع الدائم للثورة الاشتراكية ذاتها" ليون تروتسكي كتاب الثورة الدائمة وفي نقد ستالين لليون تروتسكي حول نظرية الثورة الدائمة قال: "واذن فلينين لم يكن يحارب أنصار الثورة ((الدائمة)) حول قضية استمرار الثورة. اذ ان لينين نفسه كان يتمسك بوجهة نظر الثورة المستمرة، بل كان يحاربهم لأنهم كانوا يستصغرون دور جماهير الفلاحين الذين هم أكبر احتياطي للبروليتاريا)). ان وصف ((الدائمين)) الروس هذا اعتبر حتى الآونة الاخيرة، معترفاً به من الجميع. ولكن مع انه صحيح بوجه عام فلا يمكن، مع ذلك، اعتباره كافياً. فمناقشة العام 1924، من جهة، وتحليل مؤلفات لينين تحليلا دقيقاً، من جهة اخرى، اظهر ان خطاء ((الدائمين)) الروس لا يكمن في استصغارهم لدور الفلاحيين فحسب، بل وفي استصغارهم لقوى وطاقة البروليتاريا على جر الفلاحيين وراءها، وفي عدم ايمانهم بفكره زعامة البروليتاريا." جوزيف ستالين .. حول مسائل اللينينية كان ليون تروتسكي أقرب القادة الى لينين قبل وفاته 1924م لكنه بسبب التململ الذي دب داخل مؤسسات الدولة والحزب قبل وفاة لينين بعد ان سيطر تيار ستالين بشكل شبه كلي على المفاصل الرئيسة للحزب والدولة. لست بصدد الخوض في تفاصيل اكثر بقدر ما اريد ان اصل الى استنتاج اليوم وبعد سقوط الدولة الاشتراكية الاولى في التاريخ وفشل فكرة الثورة الاشتراكية في مجتمع متخلف اقتصاديا وفشل الكثير من التصورات النظرية التي دافعا عنها ليون تروتسكي وفلاديمير لينين على حد سواء هو ان التعصب للفكرة والاعتقاد بصوابها دون وضع احتمالات الخطأ فيها يجعل من الفكرة مقدسة عن صاحبها يدافع عنها ويكفر من يخالفها وهنا يكمن الاساس النظري والمبرر الأخلاقي للعنف لدي المتطرفين من الشيوعين او المتأسلمين او القوميين وغيرهم فلا فرق سوى بالأقنعة . ما يهمني ايضا في معرض هذا الأمر هو تتبع فكرة تقديس الرأي الذي يقود للعنف ونتائجها الملموسة على الأرض فنظرية العنف الثوري التي أسس من اجلها فلاديمير لينين البوليس الثوري ( التشيكا) وقمع بقسوة كل المعارضين البرجوازيين والمناوئين فكريا واعدم بوحشية القيصر وعائلته بمن فيهم الأطفال والنساء وقمع بقوة انتفاضة الإقطاع ( الكولاك) واعجب لينين بالقلب الغليظ لرفيقه جوزيف ستالين الذي اثخن الجراح بأعداء الثورة فأوصله الى منصب الأمين العام للحزب ولم يدرك لينين خطر ستالين على الحزب نفسه الا قبل وفاته وبعد فوات الأوان حين اقعده المرض الناتج عن محاولة الاغتيال التي تعرض لها. هكذا نشأت فكرة العنف والقناعة بقمع الآخر عبر الاعتقاد باحتكار الحقيقة وآلت تلك الاعتقادات الخاطئة والممارسات العنيفة الى تأسيس تيار بقيادة ستالين ارتكب الأهوال والمجازر الشنيعة التي اودت بحياة معظم قادة الثورة البلشفية ممن عارضوا سياسته وتمت تصفيتهم على يدي رئيس الحرس الثوري "بيرية" ومنهم بوخارين المنظر الماركسي الأبرز و جاغودا رئيس (التشيكا)وعدد كبير من قادة الجيش الأحمر وتمكن تروتسكي من الإفلات الى تركيا ثم استقر به المقام في المكسيك لكن رجال ستالين تمكنوا من اللحاق به واغتياله بطريقة وحشية بواسطة فاس شقوا به راس في اغسطس 1940م.. وجهت الانتقادات بقوة من قبل خليفة ستالين (خروتشوف) للإستالينية ولكن بعد سنوات عدة وبدأت تبرز للعيان فضائع ستالين واساليب القمع التي لا تضاهى ابدا .. ومن المفارقات العجيبة ان جوزيف ستالين درس في طفولته في مدرسة الرهبان ليتأهل ككاهن لكنه صار بلشفيا شيوعيا وارتكب أبشع الجرائم بحق البلاشفة والكنائس والمساجد على حد سواء بما في ذلك تدمير الآثار التاريخية. هذا العنف الذي أطل على البشرية جليا في أكثر من مكان وفي أكثر من زمان تحت غطاء النضال من اجل المبادئ والأفكار وبكل اسف تلك التي تتوق لتحقيق العدل حسب الشعار الاشتراكي الأبرز "تحرير الإنسان من اخيه الإنسان". ليست صدفة ان تتكرر الاهوال والمآسي في معظم التجارب الثورية التي تبنت الفكر الكهنوتي الشيوعي في كامبوديا واليمن الديمقراطية ورومانيا ونيكاراجوا واثيوبيا وانجولا وافغانستان وغيرها. لقد أدت فكرة احتكار الحقيقة إلى تكفير المناهضين ومن ثم ملاحقتهم وتصفيتهم. ومن المحزن ان هذه الكتلة من النار بعد ان تأتي على كل ما حولها تنحسر وترتد إلى داخلها فتقضي على نفسها وهو ما حصل بشكل جلي في الاتحاد السوفيتي واليمن الديموقراطية والكثير من البلدان التي تبنت ذلك الفكر المتعصب. في الحقيقة انا هنا لست بصدد توجيه النقد للفكر الماركسي اللينيني فهذا ليس مجال بحثي هذا بقدر ما اتناول جزئية معينه في الممارسة الثورية للماركسيين المتعلقة بالتعصب والتطرف الذي ادى الى الجمود والسقوط وهو أمر لا يحتاج الى جدل فقد سقط النموذج الاشتراكي الذي عرفناه وهوت المنظومة الاشتراكية بين عشية وضحاها. لا شك ان الماركسية هي إرث إنساني متصل بالماضي الفكري والفلسفي السحيق الممتد الى اثينا القديمة وفلاسفة اليونان وللفلاسفة المسلمين اسهاما كبير في هذا الإرث، وكان للمحاولات العديدة في اقامة انظمة تستلهم هذا الفكر لتحقيق غاية اساسية وهي العدالة الاجتماعية في مواجهة الاستغلال والظلم الفاحش للنظام الرأسمالي إنجازات إنسانية كبيرة. ولست مجافيا للحقيقة اذا قلت وهو ما اكد عليه الكثيرون بان العديد من المفكرين الماركسيين قد اطلعوا بدقه على القرآن واشادوا به وقرأوا فلسفة اخوان الصفا وابن رشد والفارابي وغيرهم واستلهموا الكثير من المبادئ والأفكار منها , فالاشتراكية تتبنى المبادئ الاقتصادية التي كان قد دعي لها الإسلام وأرسى اسسها امير المؤمنين الفاروق عمر وهو امر ملموس لدى الكثيرين من مفكري الغرب فقد قال الكاتب والفيلسوف الإيرلندي برناردشو " الإسلام دين الديموقراطية وحرية الفكر هو دين العقلاء ولكن هناك أمراً مهماً يجب ألا أغفله, وهو أن الإسلام شيء والمسلمون اليوم شيئا آخر الإسلام حسن ولكن أين المسلمون ؟!وليس فيما أعرف من الأديان نظام اجتماعي صالح كالنظام الذي يقوم على القوانين والتعاليم الإسلامي ". وكان المفكر الفرنسي البارز والماركسي المعاصر روجيه جارودي قد طرد من عضوية المكتب السياسي للحزب الشيوعي ومن الحزب بشكل نهائي بسبب نقده المستمر لسياسة الاتحاد السوفيتي وأعلن اسلامه بعد قراءة معمقة للقرآن والفكر الإسلامي ليثير ضجة كبرى على مستوى الغرب كله. هذا يقودنا الى مسلّمة هي ان الفكر الاشتراكي والماركسي شيء وتطبيقه شيئا آخر يختلف باختلاف الزمان والمكان. لا يعني ان الممارسات الفوضوية التي مارسها انصاف المتعلمين في اليمن الديمقراطية انهم كانوا يطبقون ويستلهمون الفكر الماركسي والمبادئ الاشتراكية المعروفة. وهكذا ايضا نؤكد في انتقادنا للنموذج الطالباني والوهابي والأفكار المتطرفة للجهاديين اننا لا نوجه النقد للقيم العظيمة التي جاء بها القرأن على العكس تماما لأن الدمار الذي يسببه هؤلاء يتقاطع بشكل صارح مع مبادئ الإسلام الذي يدعو للسلام وعدم الإضرار او الضرر. الم يتمعنوا في الحديث الشريف الذي يقول ![]() قال الله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما). لم يكن استثناء ما حصل للثورة في الجنوب العربي "اليمن الجنوبي" حيث تجلت بشكل واضح الخلافات بين ما سمي باليمين واليسار في المؤتمر الرابع للجبهة القومية في مارس 1968م في زنجبار. وكانت نقاط الخلاف الرئيسة التي بدت بين التيارين هي حول (الإصلاح الزراعي والتأميم وتأسيس المليشيا الشعبية على أنقاض الجيش الجنوبي المحترف) وعدد من القضايا الأخرى. ذلك الانقسام الغير واعي اسس لمرحلة من الصراع الغير واقعي والذي اتى على الثورة والبلد واوصلها الى ما هو عليه اليوم. اشك في ان ذلك الصراع كان فكريا بالمعنى الواقعي الذي يعكس الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الجنوب فقد كان مدفوعا بانقسامات حدثت في إطار مركز حركة القوميين العرب في بيروت وبالذات بين ابرز قادتها الدكتور جورج حبش ونائف حواتمة ومحسن ابراهيم والهندي والجبوري والخطيب وغيرهم وافرز ذلك الانقسام الذي أدى الى نهاية الحركة نفسها فصيلين هما الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نائف حواتمة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش التي كانت الأخيرة قد حافظت الى حد كبير على التقاليد التنظيمية والفكرية لحركة القوميين العرب لوقت لاحق بينما كانت الجبهة الديمقراطية قد نحت في السير يسارا نحو الفكر الاشتراكي العلمي الراديكالي الذي انعكس بشكل مباشر على موقف مجموعة داخل الجبهة القومية التي تعد امتداد لحركة القوميين العرب شكلوا ما سمي بالتيار اليساري للجبهة القومية بقيادة عبدالفتاح اسماعيل وعبدالله الخامري وسلطان أحمد عمر وغيرهم. "حدث أول تناقض جدي في الفريق المركزي للحركة إثر مؤتمر 1963 (نهاية آذار – أوائل نيسان)، إذ دعت "اللجنة التنفيذية" إلى مؤتمر قومي غير اعتيادي (استثنائي)، لمناقشة حركتي 8 شباط و8 آذار عام 1963 في كل من سورية والعراق، إذ كانت "الحركة" قد أصبحت يومئذ على جزمٍ بان بعثيي دمشق وبغداد يُسوّفون بمسألة الوحدة ويماطلون بها، تمهيداً لسيطرتهم على الوضع الداخلي والتحكم به. وكان هذا المؤتمر في حقيقته اجتماعاً قيادياً موسّعاً أكثر منه مؤتمراً، فهو قد ضم لأول مرة مندوبين عن قيادات الأقاليم. برز في هذا المؤتمر تياران: أحدهما يدعو إلى تبني الاشتراكية العلمية والتيار الآخر يتمسك بالمثالية ويرفض الاشتراكية هدفاً لنضاله، ويبدو أن جيل الصف الثاني قد وجد إقرار "الميثاق" (21 أيار 1962) لمصطلح "الاشتراكية العلمية" بوصفها الصيغة الملائمة لإيجاد النهج الصحيح للتقدم، سنداً مرجعياً يطرح صيغة "الاشتراكية العلمية" والالتحام بالآفاق الراديكالية الممكنة للناصرية."" حركـة القومييــن العــرب: (النشأة – التطور – المصائر) تأليف: محمد جمال باروت أيار 2007 كانت القيادة التقليدية للحركة تطرح فكرة تماهي الحركة مع التيار الناصر وتشكيل حزب اشتراكي عربي وناصري على أنقاض الأحزاب القومية والشيوعية في الأقطار العربية كلها وهو الخلاف الذي انعكس على فروع الأقاليم وخاصة فرع الجنوب العربي المحتل. بعد ان تأسس فرع الحركة في كل من الجنوب واليمن طرحت الحركة وحدة الفرع واعتبار اليمن إقليم واحد رغم انه عملية التأسيس جرت بشكل مستقل فالبداية كانت في عام 1959م في حي الشيخ عثمان على يدي فيصل عبد اللطيف الشعبي ثم ان الحركة طرحت إقليم الجنوب المحتل من عدن حتى البحرين في مسعى لتوحيد ما سمته باليمن الطبيعية التي تمتد من اقصى اليمن شمالا وحتى البحرين. تسربت الى الساحة العربية الخلافات بين الأحزاب القومية واليسارية بمن فيهم حركة القوميين العرب والناصريين وطرحت الأحزاب اليسارية الراديكالية التي تبنت الفكر الاشتراكي العلمي ان الثورات العربية لن تنجز مهامها إلا عبر بناء الأحزاب الطليعية المسترشدة بالفكر الماركسي وهو قفز على الواقع الذي يمور بمختلف التيارات الأخرى. هنا تبرز بذور التطرف لدى اليسار الماركسي الراديكالي الذي يرفض أي فكر آخر بما في ذلك الفكر اليساري المتمثل بالناصرية والبعث وحركة القوميين وبدأ في مواجهة الآخر وهو أمر يتناقض مع أسس ومبادئ الماركسية نفسها. من غير المنطقي ان ترفع شعار الثورة ضد الإمبريالية والرجعية وفي نفس الوقت لا تجد ابسط القواسم المشتركة مع التيارات اليسارية الأخرى وهو الآمر الذي يضرب فكرة الوحدة العربية في الصميم. الوحدة على طريقة الماركسيين تعني تصفية المجتمع ممثلا بتيارات تقليدية وقومية يسارية وناصرية وغيرها بكل ما تحمله من إرث ووزن اجتماعي واقتصادي بغية سيادة الفكر الراديكالي للحزب الماركسي. هل يريدوا ان يتوحدوا مع أنفسهم. هذا ما يبدو من سلوكهم!! لكن هذا حتى في الفكر الماركسي يعتبر خطأ وهو ما يدعوه في الأدبيات الماركسية بسياسية حرق المراحل. يعني تجاهل الواقع ورفع شعارات لم تنضح الظروف بعد لتحقيقها وبالتالي دخول في حالة صدام مع الآخر ثم مع الذات بعد الفشل. كان الجنوب العربي مرة أخرى نموذج لهذا التطرف والتصادم مع الواقع والسقوط العمودي. الجنوب العربي هو البلد الوحيد الذي تمكنت حرمة القوميين العرب من الوصول الى السلطة فيه وإقامة دولة لكنها سرعان ما انتهت عبر تصفية التيار التقليدي للحركة ممثلا بقحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف وسيف الضالعي وغيرهم وانتصار التيار الذي أعلن القطيعة مع الحركة الأم بقيادة عبدالفتاح إسماعيل ونحا يسارا باتجاه الماركسية وهذا ما حصل في المؤتمر الرابع للجبهة القومية في مارس 1968م. تمكن نائف حواتمة من لعب دور المنظر لهذا التيار الذي يضم عدد من الشباب الصغير في السن ذوي المستوى التعليمي المتدني ولم تثبت الايام ان أحد منهم كانت له اسهامات نظرية تذكر تؤكد انخراطهم عن وعي في اتون مثل هذا الصراع. كان هناك على الطرف الآخر ممن سموا باليمن بقيادة قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف عدد لا بأس به من الكوادر الجامعية المؤهلة التي تبوأت وظائف واكتسبت خبرات عملية وعلمية كبيرة ويبرز بينهم جميعا فيصل عبداللطيف الذي يجمع الكثيرين على تميز قدراته ونبوغه. على العكس مما هو في بيروت من وضع لقادة الحركة المثقفين خريجي الجامعة الأمريكية كالدكتور حبش والدكتور وديع حداد وحواتمة والخطيب والهندي والجبوري وغيرهم التي احتضنت مرحلة نشوء وتأسيس حركة القوميين العرب كان التيار اليساري الراديكالي في الجنوب أغلبهم من ذوي التعليم المتدني او المنعدم فرغم كل ما قيل عن زعيم التيار عبدالفتاح إسماعيل من امتلاكه لثقافة عميقة فإن خلفيته التعليمية متدنية جدا فهو كان قد طرد من المدرسة الابتدائية لتعثره فيها والتحق للعمل في مصافي الزيت ولم يبتعث للدراسة في أي مكان وتؤكد الشواهد عدم وجود أي اسهامات نظرية تذكر غير تلك التي تمثلت بوثائق التيار والتي اكدت مجموعة بيروت انها وراء اعدادها وهو أمر يثير الريبة. ومن المخجل ان تتحول بلدنا الى حقل تجارب لعدد من القادة في حركة القوميين العرب والشيوعيين العرب فيما بعد الذي كانوا يديروا كل شيء وبالذات في اعداد الوثائق والأوراق النظرية وهنا اقتبس للقارئ الكريم جزءا مما قاله نائف حواتمة مؤخرا في مقابلة له على قناة روسيا اليوم التي تم بثها في مايو 2011م: "انشغلتُ بالقضايا الخاصة باليمن بين عامي 1963 و1968، وفي اليمن كان الصراع محتداً قبل تحرير وتوحيد جنوب اليمن (21 سلطنة وإمارة إضافة إلى عدن)، وبعد إنجاز الاستقلال بين الفريق اليساري وبين الفريق الوطني اليميني، فالفريق الوطني القومي اليساري برئاسة عبد الفتاح إسماعيل والفريق الآخر برئاسة قحطان الشعبي؛ الذي أصبح أول رئيس جمهورية، والصراع كان يدور أثناء حرب التحرير على دور واستقلال الجبهة القومية لتحرير الجنوب ورفض انقلاب يناير 1966 وقضايا الصراع بين الجبهة القومية وجبهة مكاوي ـ الأصنج. وبعد الاستقلال كان يدور الصراع على قانون الإصلاح الزراعي ويدور على قوانين لها علاقة بالملكية العقارية خاصة في عدن، حيث كان هناك قطاعات برجوازية ناشئة في عدن تعتبر هي الأقوى مادياً ومالياً في عموم الجنوب اليمني، وكان شعارها "عدن للعدنيين" ورئيس وزراء عدن أيام الاستعمار لعدن كان من هذه المجموعة عبد القوي مكاوي، وأيضاً كان متحالفاً مع الحزب الاشتراكي الذي كان يرأسه عبد الله الأصنج ومحمد سالم باسندوه، وكان هذا الحزب على صلة بحزب العمال البريطاني (أقترح العودة إلى كتابي "أزمة الثورة في الجنوب اليمني" 1968). ويواصل قوله: "عشيةً وبعد استقلال جنوب اليمن كنت على علاقة حميمة مع الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن ومع الحزب الديمقراطي الثوري شمال اليمن. ساهمت في إنجاز البرنامج اليساري الاقتصادي والاجتماعي والتنظيمي والسياسي والديمقراطي للجبهة القومية في المؤتمر الرابع في زنجبار آذار/ مارس 1968 وكنت شريكاً، كتبتُ مسودات برنامج "المؤتمر الرابع للجبهة القومية" الذي انعقد في محافظة أبين في زنجبار، كنت ومحسن إبراهيم معاً في عدن، غادر محسن إبراهيم إلى بيروت عشية المؤتمر، انعقد المؤتمر؛ وغادرت عشية انعقاده إلى شمال اليمن وكان معي في شمال اليمن المناضل القيادي في الحزب الديمقراطي الثوري (التنظيم السابق لحركة القوميين العرب في شمال اليمن) محمد سعيد الجناحي، وكان لنا عمل في شمال اليمن مع الحزب الديمقراطي الثوري ومع قوى أخرى بما فيها مع ضباط بثورة 26 أيلول/ سبتمبر الشمال، هي كانت تتويج لسلسلة من النضال على مدار سنوات في النضال المشترك في الجنوب وثورة 14 أكتوبر (أقترح العودة إلى كتابي: "أزمة الثورة في الجنوب اليمني ... تحليل ونقد"" أدى التعصب الفكري لكل ما يملى على قيادة الجناح الذي سمي باليساري الى تبني العنف وتصفية الأغلبية الساحقة من القادة والكوادر المجربة عبر الاغتيالات والدسائس فحواتمة هو صاحب مقولة " لن تأمنوا منه ولو وضعتموه في قنينه" في اشاره منه لخطورة الفكر الذي يحمله فيصل عبداللطيف حتى وهو في معتقله في سجن الفتح وهو ما دفع برئيس جهاز "الشلكا" الجنوبي جهاز أمن الثورة " محسن الشرجبي الى الذهاب الى المعتقل واغتيال فيصل عبداللطيف بنفسه وبمسدسه الشخصي حسب رواية الكثيرين. ثم توالى مسلسل الصراع بين الرفاق في الجناح اليساري في عدد من دورات العنف تلتها فواصل تصفيات ظاهرة ومبطنه حتى جاءت مأساة يناير 1986م لتقضي على عدد كبير من القادة السياسيين والكوادر العسكرية والمثقفين الذين كان يمكن ان يشكلوا قاعدة بشرية لجيل التفكير والعقل يقومون بكبح جماح التطرف وتصحيح المسار لإنقاذ البلاد من الغرق والنهاية المأساوية التي قادوها اليها فتركت تلك الأحداث ندوب عميقة في جسد المجتمع الجنوبي في جريمة تكاد ان تكون غير مسبوقة على مستوى الساحة العربية كلها. وهنا مرة اخرى أعود لاقف على الاسباب التي تؤدي الى مثل كل هذا العنف والدمار فلا اظن ان هناك شيئا آخر غير التعصب الأيديولوجي الأعمى الذي ارتد على اصحابه بالطريقة نفسها التي نراه اليوم لدى تنظيم القاعدة والسلفيين الوهابيين. التعصب الأيديولوجي والفكري واحتكار الحقيقة هي القاسم المشترك لكل التيارات الاسلاموية والشيوعية والقومية على حد سواء وهي صفة تدمغ هؤلاء بصفات عبادة الفكرة .. التعصب للأيديولوجيا انها "الكهنوتية" بعينها. كم تتشابه الصورة فيما فعلة الداعية محمد ‘بن عبدالوهاب واتباعه من قطيعة مع كل ما حوله من تعدد واطياف بالإضافة الى الموقف العدائي للتراث نفسه ليس هذا فحسب بل اعتبار كل هذا كفر وشرك وجب الجهاد ضده وتصفيته هكذا كان التيار اليساري الراديكالي في الجبهة القومية قد اعتبر كل التيارات الوطنية الجنوبية عميلة وثورة مضادة استبعد أي فكرة للتنسيق والالتقاء معها على قواسم الوطن المشتركة وجعل من الدائرة تضيق حتى قسّم الجبهة القومية الى يسار ويمين وأعلن الحرب على اليمين باعتباره خطر على الثورة يجب تصفيته. لننظر كيف كانت القطيعة بين اليسار الراديكالي وكل ما حوله. كانت كل القوى التقليدية من مشائخ وسلاطين وحزب الرابطة وجبهة التحرير والتنظيم الشعبي الناصري والبعث وحركة القوميين العرب والناصريين ورجال الدين وحزب الشعب الاشتراكي وماسمي بيمين الجبهة القومية. ايضا كان لليسار الراديكالي قطيعة كاملة مع التراث الجنوبي البلد الذي يتميز بأصاله انتماء ضاربة القدم ثقافة إسلامية عربية تقليدية عريقة تنتمي للمدرسة الشافعية الوسطية المعتدلة بمرجعيتها الحضرمية في تريم. هكذا حاول الراديكاليون اظهار ثورة الرابعة عشر من أكتوبر 1963م وكأنها ليس لها صله بالماضي صوروها في حالة قطيعة مع الإرث النضالي للقبائل والمشايخ والسلاطين الذين قادوا الانتفاضات الوطنية ضد الاستعمار البريطاني بل وضد غزوات الأئمة وتطلعاتهم وأطماعهم في الجنوب. خلت بشكل واضح المناهج التعليمية في المدارس والمواد التثقيفية للحزب والمنظمات الجماهيرية من هذا الإرث النضالي وهو امر يندرج ضمن الحالة العدائية للكل والتي تشبه ما هو عليه لدي التيار الوهابي السلفي المتطرف. لقد حاولوا الربط بشكل متعسف بين ثورة الرابع عشر من أكتوبر وانقلاب سبتمبر1962م. ذلك الانقلاب الذي لم تسبقه أي مقدمات يمكن وصفها بالظروف الموضوعية والذاتية لأي ثورة فانقلابي 1948 و1955م فشلا لهذه الأسباب فالمجتمع في اليمن مازال يغط في سبات عميق وهو ما استدعى تدخل مصر عسكريا بكل ثقلها لنجدة انقلاب سبتمبر حتى وصل عدد القوات المصرية في اليمن الى اكثر من سبعين الف مقاتل بمختلف تشكيلاتهم القتالية مدفعية واسراب الطيران ودبابات وغيرها وهو ما يؤكد صلابة القاعدة الاجتماعية والاقتصادية للقوى التقليدية في اليمن ورغم حجم التضحيات التي قدمه الجيش العربي المصري في اليمن ورغم تدفق فرق المقاتلين من الجنوب للقتال الى جانب القيادة التي اتى بها الانقلاب فقد كانت النتيجة سقوط الثورة بأيدي القوى التقليدية ومازالت تمسك بمقاليد السلطة حتى اللحظة. على العكس نجحت الثورة في الجنوب في تسديد هزيمة كبيرة للإمبراطورية دون أي تدخل خارجي فقط حصل الفدائيين على التدريب والتمويل الضروري ولم يستقبل الجنوب أي مقاتلين من اليمن فقد كانت السلطات الجديدة في اليمن تعيش أوضاع مأساوية وتحتاج للمساعدة والنجدة فكيف لليسار المتطرف في الجنوب ومن بعدهم اليوم الطامعون بالثروات الجنوبية ان يتحدثوا عن واحدية الثورة محاولين ربط ثورة أكتوبر في انقلاب سبتمبر بل وحاولوا وصف انقلاب سبتمبر بالأم وثورة اكتوبر بالابنة. هنا أستطيع استخلاص التشابه الكبير في الأسلوب والوسيلة بين ما قام به الوهابيين من دمار وهدم لكل ما اعتبروه مخالف لهم وبين ما قام به التيار اليساري المتطرف في الجبهة القومية فاستولوا على ممتلكات الناس ونكلوا برجال الدين المعتدلين وحاربوا الشيوخ الوطنيين والمثقفين ولاحقوا فئة السادة التي تحوي بداخلها الكثيرين من رجال العلم المتنورين واستخدموا كل الوسائل المحرمة رغم انهم سلطة فاغتالوا القادة في السجون واخفوا جثثهم عن اهاليهم ودبروا المكائد لمناويئيهم. ليس غريبا ان نسمع قبل عدة أيام وعلى شاشة التلفاز في مؤتمر الحوار اليمني علياء فيصل عبداللطيف تطالب بمعرفة مكان رفاة ابوها فكم هو عار ان يحصل هذا في بلدنا. لماذا صمت الجميع .. اين مذكرات اثنان من الذين توليا منصبي الأمين العام للحزب الرئيس علي ناصر والرئيس البيض. هل السكوت يعني الخوف من قول الحقيقة. إذا لم نطلع على الحقائق فإن هذا يعني اننا مازلنا نتعرض للتآمر. إخفاء المعلومات جريمة بكل المقاييس والتصالح والتسامح لن يكتمل ولن يتم دون الكشف عن الحقائق والاعتراف بالجرائم. الجريمة مستمرة لا شيء غير ذلك. التشابه بين ما تعرض له الجنوب العربي من قبل اليسار المتطرف مع جرائم محمد ابن عبدالوهاب واتباعه يجعلنا نقول ان المسالة ليست صدفة .. تعددت الصور والرسام واحد. تناقض الحزب الاشتراكي مع الفكر الماركسي في اهم جوانبه وأعلن حالة العداء للرأسمال الوطني دون ان يكون لديه القدرة للقيام بما هو ضروري في تلبية احتياجات المجتمع فارضا الحصار على نفسه واحكم القبضة على البلد حتى تجمدت فأدى ذلك الى تفجر الصراعات العنيفة وتخلي الشعب عن ما تسميه السلطات بمكتسبات الكادحين في حالة فقدان الثقة بتلك السلطة مثلما خرجت الجماهير الغفيرة في اوروبا الشرقية وروسيا وكل البلدان ذات التوجه اللارأسمالي ضد السلطات والأحزاب التي تدعي النضال من اجل الفقراء والكادحين وكان للمواجهات التاريخية التي بدأت بها حرمة التضامن (اتحاد نقابات العمال البولنديين ) والتي وصل عدد أعضائها حينها الى ما يقارب ثلت السكان 10 مليون والتي اسقطت الحجر ألأولى في مبنى المنظومة الاشتراكية في عام 1989, مواجهاتها مع الحزب الشيوعي , حزب الطبقة العاملة نفسه قدمت علامة استفهام كبيرة , كيف تنتفض نقابة العمال ضد حزب العمال ! لابد ان هذا الحزب لم يعد يمثل العمال ولا مصالحها وهي المسالة التي طرحها ليون تروتسكي في معارضته للمبدأ الرئيس في البناء التنظيمي للحزب الشيوعي "المركزية الديمقراطية " المبدأ الذي خنق الديمقراطية حيث ان ذلك المبدأ يختزل الحزب في المنظمة والمنظمة في اللجنة المركزية ثم في الأمين العام الديكتاتور. ويبرر لينين بأن وجود الديمقراطية في ظروف العمل السري أمر طوباوي وسخيف وهو أمر مبرر الى حد ما لكن ان يتم التمسك في هذا المبدأ بعد ستين عاما وفي بلدان يكون الحزب هو المسيطر والوحيد فإنها السخافة بعينها وهذا امر يدعو للغرابة ويؤكد هيمنة العقول المتجمدة. هكذا شخّص ليون تروتسكي هذا المبدأ الذي يحكم الحياة الداخلية للحزب ويقرر المستقبل السياسي للحزب وبالتالي البلد ا.. الحزب الذي لا يقبل أي قوة سياسية أخرى بالمشاركة في السلطة. في معض نقده لمبدأ المركزية الديمقراطية وهي إحدى أبرز نقاط الخلاف التي أدت إلى انشقاق حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي إلى أغلبية (بلاشفة) واقلية (مناشفة) يقول ليون تروتسكي ال\ي انضم إلى المناشفة حينها: "في السياسة الداخلية للحزب، تقود هذه الطرائق، كما سنرى لاحقا، منظمة الحزب للحلول محل الحزب، واللجنة المركزية للحلول محل منظمة الحزب، وأخيرا الديكتاتور للحلول محل اللجنة المركزية، وتقود علاوة على ذلك إلى قيام اللجان بوضع “التوجيهات” وإلغائها بينما “يظل الشعب أبكما" ليون تروتسكي. كراسة مهامنا السياسية.1904 هذه هي نقطة الخلاف المركزية بين تروتسكي ولينين بالإضافة الى نظرية الثورة الاشتراكية التي صاغها لينين حول قيامها في بلد واحد كروسيا والتي لم تنضج شروط الثورة الاشتراكية فيها بعد حسب تعبير ليون تروتسكي كم كان تروتسكي محقا في ذلك لكنه للأسف نقد فكرته هذه وتراجع عن اراءه حول هذه النقطة الهامة فيما بعد وأنظم الى لينين. لم تعد المسالة نظرية كما كان السجال حينها بين لينين وتروتسكي فقد شهدنا مأساة الأحزاب اليسارية القومية والماركسية منها التي اعتمدت هذا المبدأ أساسا لبنائها الداخلي فتحول حزب البعث العراقي والسوري وكثير من الأحزاب اليسار العربي الى صنم يعبد في شخص الديكتاتور الذي الغى الحزب وحوله الى أداة لتثيبت ديكتاتوريته وتم إلغاء النظام الجمهورية وتأهيل ابنائهما لخلافتهما، وكان الحزب الاشتراكي ا أسواها على الإطلاق فتلك الأحزاب فرّطت بالنظام الجمهوري لكن الحزب الاشتراكي فرّط بالبلد واستقلاله وهويته وهي جريمة لم يفعلها حتى الاستعمار البريطاني. مبدا المركزية الديمقراطية يعني تناقش اي مسألة داخل المنظمة الحزبية او اللجنة المعنية بشكل ديمقراطي ثم تحسم بالأغلبية وعندها يخضع 49 % ل 51 % ثم يتم مصادرة قناعة وراي الأقلية عبر مبدأ وحدة الإرادة الذي يعني منع أي تكتل داخل الحزب ولا يسمح للأقلية الترويج لقناعاتهم بغية كسب المزيد من الأصوات ويعد الخروج عن هذا المبدأ خرق للنظام الداخلي يعرض صاحبه لأعنف العقوبات. قمع الديمقراطية على هذا النحو هي السبب الرئيس للانفجارات العنيفة التي تعرض لها الحزب الاشتراكي وقبلها الجبهة القومية ثم رأينا كيف تم استخدام هذا المبدأ للالتفاف التنظيم السياسي للجبهة القومية نفسه ففي خضم الصراع بين جناحي سالم ربيع علي - علي صالح عباد مقبل مع جناح عبدالفتاح أسماعيل - محسن الشرجبي اجرى فريق عبدالفتاح )ما سمي بالحوار بين فصائل العمل الوطني الطليعة (البعث سابقا) واتحاد الشعب الشيوعية من مجاميع عبدالله باذيب وهما المجموعتين اللتان لا يمتلكان أي قاعدة شعبية وعضوية تنظيمية تذكر فقط فتمت عملية التوحيد عبر اعلان قيام التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية وهو الذي رجح الكفة داخل اللجنة المركزية لصالح جناح فتاح ومن ثم القضاء على تيار سالم ربيع علي والتخلص نهائيا من الجبهة القومية بالإعلان عن قيام الحزب الطليعي من طراز جديد ( الحزب الاشتراكي) فخلى الجو لتيار عبدالفتاح إسماعيل لإعلان الوحدة مع حزب الوحدة الشعبية مما يعني حسم مسالة القرار لصالح التيار اليمني في الحزب عبر فرض عملية التمثيل التي لا تستطع القواعد الحزبية تجاوزها فتشكلت قيادة لا تمثل إراداتها. كان الحزب محكوما بهذه الآلية الصارمة التي استخدمت كوسيلة للتآمر على الثورة والبلد. فلم يعد الحزب يمثل التوازن السياسي المعبر عن القوى الاجتماعية لشعب الجنوب بل أصبح لدينا أكثر من نصف قيادة الحزب صاحب القرار هم أصلا حزب معارض في بلد آخر وهو أمر غير مسبوق في التاريخ السياسي للأحزاب في كل البلدان. طالما وقد أصبح التوازن داخل اطار اللجنة هو الذي يتحكم في القرار السياسي للبلد ولا يهم من هي قواعد الحزب والثقل الاجتماعي التي تمثل في الساحة الجنوبية فقد ظهر هذا الخلل واضحا في هيئات الحزب العليا حيث تمت الاستفادة القصوى من العناصر التي لا تمتلك أي قواعد في الحزب او أي ثقل داخل المجتمع وكان وجودهم فقط لترجيح كفة التصويت كشخصيات دائما ما تصطف الى جانب الأمين العام فقد صار عدد المنتمين الى (الطليعة واتحاد الشعب) سابقا داخل المكتب السياسي تقريبا الثلث ولعبوا دور المنظرين والمبررين لسياسية الأمين العام الديكتاتور وكانوا الى جانب العديد من أعضاء المكتب السياسي المنتمين لحزب الوحدة الشعبية اليمني هم السبب في فشل الحلول السلمية للصراع العنيف الذي نشب داخل الحزب في ثمانينات القرن الماضي وادى الى كارثة يناير 1986م ثم ان هذا الفريق كانوا أيضا من وراء هزيمة التيار الجنوبي الى ناهض علي سالم البيض في توجهاته للذهاب للوحدة دون أي أسس او ترتيبات معقوله. هكذا كانت رؤية تروتسكي عميقة ودقيقة بما يكفي فقد اختزل شعب الجنوب بالحزب واختزل الحزب باللجنة المركزية واختزلت اللجنة المركزية بالمكتب السياسي ومن ثم بالأمين العام حين صعد علي سالم البيض وخطب خطبته الشهيرة التي تشبه خطبة الحجاج ابن يوسف حين بعث لإعادة الأمن في العراق والقضاء على الشغب والتمرد فاتخذ قراره المنفرد بمصير الوطن دون العودة للمكتب السياسي وصمت المناهضون داخل المكتب السياسي واللجنة المركزية خوفا من المصير المخيف لمعارضة الوحدة وتم تجاوز الدستور واتفاقيات الوحدة والمؤسسات الدستورية وتم تجاوز الحزب بكل مراتبة ومنظماته بقرار ديكتاتوري واحد. أعجب كيف ان الفريق الذي ينتمي إليه علي سالم البيض قبل احداث 1986م كانت كل حججه على الأمين للحزب حينها علي ناصر بانه لا يلتزم بقواعد النظام الداخلي وعندما تولى الأمانة العامة علي البيض رمى بالحزب والدولة وبكل مصالح الجنوب عرض الحائط وانفرد بالقرار الكارثي. يقولون مالا يفعلون اشتراكيون وماركسيون الأمس في عدن ينامون في صنعاء اليوم في كنف وحضانة حزب الإرهاب والتطرف حزب الإصلاح اليمني مثل الكثيرين من المتطرفين الإسلاميين الذين يحصون الأنفاس على الأمة في الفتاوي والوعظ وهم في الخفاء يعقدون الصفقات مع من يسمونهم أعداء الإسلام والأمة. لا خلاف بان علي ناصر كان يسير بالبلد غربا فرغم خطبه العصماء التي كان يختتمها دائما بعبارة "عاشت الاشتراكية العلمية والأممية البروليتارية" لكنه في الحقيقة لا يؤمن بالماركسية وربما لم يقرا عنها شيء ليس هو فقط بل اجزم ان الأغلبية من قادة الحزب في مراتبة العليا لم يمكن بمقدورهم القراءة والاستيعاب للفكر الماركسي فقد كانت مجموعة بيروت وعدد من البروفسورات العرب يتولون مهام التنظير واعداد الوثائق المطلوبة. وكان يسانده في توجهه هذا المنظرين المتمركسين كباذيب وانيس حسن يحي. قد يكون علي ناصر قد صحا بعد غفوة في مراجعة سياسة الجنوب وعلاقته بدول الجوار والتعامل مع الرأسمال الوطني إلا انه استخدم الوسيلة الخاطئة لذلك. لم يستخدم حججه المقنعة في كسب أكبر عدد ممكن ويؤخذ عليه انه لم يجيد اللعبة ولم يعر للتوازن الاجتماعي في الجنوب أي أهمية وحاول اقصاء الاغلبية بطرق شتى ومنها الاغتيالات وخلق لنفسه بنفسه معارضة طامحا بتأسيس ديكتاتورية خاصة به يحيط به عدد من الذين لا يعارضون مهما كانت الأسباب[n1] . وددت من الاستعراض لجملة المعلومات والاستنتاجات هذه ان ابين حجم التناقض بين الأقوال والأفعال التي تتجلى في سلوك الأحزاب او الجماعات السياسية التي ترفض الديمقراطية والتي تفتقر للشفافية، فلجأت إلى ممارسة الديماغوجية والتظليل وهي سمة لازمة للأحزاب اليسارية الراديكالية والجماعات الاسلاموية على حد سواء وتلك نتيجة طبيعية للصفة الكهنوتية لهذه الأحزاب والجماعات في تقديس النص وتحريم مناقشته. ولهذا فليس غريبا ان تقوم نقابات العمال في بولندا بالثورة على حزب الطبقة العاملة وإسقاطه. بكل تأكيد هناك شيئا ما بل وخلل فضيع ارتكبته تلك الأحزاب الشمولية المتطرفة عند تجاهلها لحاجة الإنسان للحرية والديمقراطية. لا يكفي ان يأكل الإنسان ويلبس بل لابد من ان يتنسم هواء الحرية فالإنسان في هذه المجتمعات تم احتقاره وإذلاله فكان الإنسان الجنوبي لا يستطيع مغادرة البلد هذا إذا سمح له بدخول الكثير من البلدان التي تعتبر كل جنوبي إرهابي، وإن غادر فإن جواز سفره محاطا بالقيود والأختام التي لا تسمح له سوى بالسفر سوى إلى الدول الاشتراكية وسوريا واثيوبيا وعند عودة الجنوبي من السفر يتم حجز جوازه ولا يسلم له الا عند المغادرة بتكليف حكومي او إذن خاص. تلك السياسية التي حبست العقل الجنوب فب القفص فتوقف العقل الجنوبي عن التفكير وفي لحظة ما تم اقتياده الى المسلخلة كالقطيع دون أي مقاومة بل انه ظل مشدوها لا يشعر بما يدور حوله من تآمر لأكثر من عقد من الزمان حتى بدأت الصحوة الجنوبية وبدا العقل الجنوبي يعود لوعيه. لم أتمكن من أنزال باقي البحث لعدد الصفحات الكثيرة لهذا سأواصل في الحلقة القادمة بالتركيز على التجربة الثورية والسلطة في الجنوب العربي. *ناشط سياسي وباحث من الجنوب العربي |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
|