حضرموت السلاطين والعلماء في المحيط الهندي بحرالعرب والتجارة

[حد من الوادي]

التجار والعلماء الحضارمة في المحيط الهندي

كتب: ترجمة : محمد سالم قطن التاريخ: 25/5/2008

كتاب ( التجار والعلماء الحضارمة في المحيط الهندي فيما بين خمسينات القرن الثامن عشر وستينات القرن العشرين )

للمؤلفين - ألريك فريتاج - ووليم كلارينس سميث .
عرضه وعلق عليه بالانجليزيه السلطان : غالب عوض القعيطي

إنّ المادة الأصلية لهذا الكتاب كانت موضوعات جرى استعراضها خلال تجمع عالمي انعقد في ابريل من عام 1995 م في ندوة ضمت عدد من العلماء المشتغلين بتاريخ حضرموت والشتات الحضرمي في المهجر.احتضنتها مدرسة الدراسات الشرقية والافريقيه بجامعة لندن .

هذا الكتاب يشمل نسخ معدّلة ومراجعه لقرابة 19 ورقه علمية من أصل أل:ــ 31 ورقه التي جرى تقديمها في ندوة عام 1995 المشاراليها. أضافة إلى ثلاثة فصول جديدة قام المؤلفان باضافتها. وفي اعتقادي ان هذا الكتاب هو العمل الشامل الوحيد من نوعه الذي جرى نشره حتى هذا اليوم. ويتضمن بحثا علميا على أعلى مستويات الجهد والعناية في مختلف موضوعاته وأنظمته. ففي الفصل التقديمي من الكتاب ، وتحت عنوان : ـ حضرموت والشتات الحضرمي في العصر الاستعماري الحديث-

استطاع كلارنس سميث بمهارة فائقة ان يسحب في آن واحد المادة التاريخيه لكل تلك الأوراق العلمية معاً. وكما يشيرهو بقوله :ــ إنّ الهجرة الحضرمية كانت محدده وحصرياً نحو المحيط الهندي مما يجعلها متغايرة مع هجرات اليمنيين الآخرين الذين ذهبوا كعمال إلى أوروبا أو أمريكا الشمالية وبرغم ذلك ، فأنّ حوض المحيط الهندي يغطي مساحه عريضة جداً تمتد من مصر إلى استراليا ، ومن جنوب إفريقيا إلى الصين . ضمن هذا النطاق الجغرافي الشاسع جداً ، كان الحضارمة على وجه الخصوص ، نشطاء تجاريا وسياسياً ، ودعاة هداية إلى الإسلام السني، في بلدان اندونيسيا ، كما تدعى اليوم، وماليزيا ،وفي جنوب غرب شبه القارة الهندية وفي هضبة الدكن، وعلى كلا شاطييء البحر الأحمر وفي خليج عدن، وفي سواحل شرق إفريقيا والجزر المجاورة لها هبوطاً إلى جزر القمر جنوباً. الأمر الذي جعل كلارنس سميث يخرج باستنتاج أن تاريخ حضرموت خلال القرنين الماضيين لا يمكن فهمه إلا عبر فهم واستيعاب محيطه في الشتات الحضرمي واسع الانتشار .

ويعود ذلك الى شبكة المهاجرين الحضارمة الناجحة التي أهلتهم لأن يلعبوا دوراً كبيرا في المجتمعات المضيفة لهم في بلاد المهجر بما يفوق بمرات مايمكن توقعه تناسباً مع ضآلة حجم وسكان وطنهم الأصلي . هؤلاء الحضارمة المهاجرون أبدوا قابلية رائعة في الاندماج مع المشهد المحلي مع احتفاظهم بهويتهم المميزة. نوّه كلارينس سميث بعدد من الدراسات التي عنيت بالمهاجرين الحضارمة . منها دراسة فان دين بيرج 1886ودراسة انجرا مز 1937. لكن نستغرب أنه لم يعطي أية أشارة لمساهمة صلاح البكري الهامة ،

على الرغم من وجود اشارات مرجعية لأعمال البكري في ورقة الكسندر كنيش حول الإصلاح الديني في حضرموت . البكري ارتبط مع غيره من المثقفين هناك مثل علي أحمد باكثير بنشاطات ثقافيه وسياسيه وأدبيه كان لها عميق الأثر في الشتات الحضرمي

ورقة فريد العطاس العلمية المعنونة ب:ــ" حضرموت والشتات الحضرمي" ارتبطت في أغلبها بقضايا تاريخية . فهو يعتقد بأنّ مفهوم ابن خلدون عن العصبية وثيق الصلة بفهمنا لدور ~" الحوطة" ، مدن أو قرى تعد بمثابة حرم ديني، ولدى استعراض فريد العطاس للتراتبيه الاجتماعية (السلّم الاجتماعي) في المجتمعات الحضرمية خلال الأزمنه الماضية نراه يخفق في التمييز بين رجال القبائل وبين والرجال المعتوقين من العبودية، وهي الجماعة التي كان حضورها كبيرا في الهند بتوفير المجندين الجدد لقوة حرس الفرسان الإفريقية التابعة لنظام

حيدرأباد. "رسالا الحبوش" ولعله قد تعمد إلحاق الفئة الأولى بالمشائخ والثانية بالمساكين. إضافة لذلك فأن " الحوطات " ليست محصورة على السادة فقط ، فبعضها على قلته كان مرتبطا بمشائخ .

أما النقطة التي تستحق التأكيد فهي أن المقصود بالعرب الذين نشروا الإسلام في الشرق الأقصى هم أساساً عرب الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربيه .

في ورقته المعنونة ب:ــ " التوسع وتأسيس الدولة والإصلاح :ــ الصراع من أجل السلطة في حضرموت خلال القرن التاسع عشر" قدّم "فردهيلم هارتويج" محاولة جريئة لإدخال مياه البحر إلى جرة صغيرة. وهو، مثله مثل "فريتاج"و" بوكسبيرجر " و" خالدي" و آخرون نجحوا إلى حد كبير.

لقد استفاد " هارتويج" من صف مؤثر من المصادر العربيه ،بما فيها كتاب محمد بن حميد الكندي "تاريخ حضرموت" (1991 ). لقد تفحص التساؤل عن رغبة جموع" اليافعيين" في الالتحاق ببدر بن محمد المرد وف (السلطان الكثيري عام 1705 م) إلى حضرموت. السبب ليس هو الذهب أو الأرض ،اللذان لايملكهما المردوف حتى يمنحهم إياها. لكن الضغوط الزيديه المحلية وايضاً حقيقة أن منصب "عينات" السني حثّهم لدعم بدر. خاصةًً وأن عائلة المنصب كانت قد اكتسبت تأثيراً روحيا قوياً على يافع منذ زمن "علي هرهره" ذلك الواعظ اليافعي المحبوب الذي تلقى تعليمه الديني في "عينات

بالمناسبة، فأن مؤرخي حضرموت ينظرون لحالة غياب سيادة القانون في المنطقة بمعزل عن إدراك حقيقة انّ أي حاكم ،مهما بلغ من الاهتمام و حسن النية ، أن يأمل في كبح جماح تلك القبائل المولعة بالحروب وضبطها بدون اعتمادات ماليه كافيه. وعلى الرغم من أن ورقة هارتويج العلمية كانت فائقة النوعية ،إلا أن ذلك لم يحصّنها من الوقوع في أخطاء شاذة عن الحقيقة فمثلاً :ــ أن آل عبد الله (الكثيريون) لم يشتروا مدينة الغرفة من القبائل اليافعية وإنما اشتروها من عشيرة تميميه تدعى القرامصه. كما أنه من الخطأ استنتاج أنّ السلالة القعيطية التي حكمت حضرموت قد أسست كيانها بالاعتماد على القوى البريطانية. بالعكس، فأنهم قد فعلوا ذلك على الرغم من المعارضة البريطانية لهم. لقد كان إصرارهم على خوض الصراع طويل المدى بالرغم من أنه لم يكن ضروريا مع النقيب الكسادي بالغ التكلفة.حيث كان موقف البريطانيين ينبع من اعتقادهم بأن الحكم القعيطي يعني امتداداً لتأثير نظام حيدرأباد لما وراء الهند.

وفي الواقع يوجد دليل قوي من "سجلات رئاسة بومباي) بأنّ المساعده الوحيدة التي وافق البريطانيون على تقديمها للقعيطيين ،خلال الجهود الأخيرة لاسترداد الشحر من الكثيريين عام 1866م ، وكانت ،أي تلك المساعده ، محدده ببيع بعض المواد لهم كالحبال ومعدن الرصاص وبودرة البارود!! وقد كان ذلك مقابل الدعم الذي تلقته الهند البريطانية من القعيطي ونظام حيدرأباد خلال الأزمة التي اضطرت رئاسة بومباي إلى إرسال البرقية الشهيرة التي تقول:ــ كل شيء سيفقد إذا زال نظام حيدرأباد

وعندما تصارع القعيطيون مع الكساديين فيما بعد، كانت إدارة المقيم البريطاني بعدن تدعم في البداية، الكساديين
لقد كانت القدرة المالية للأسرة القعيطية وكذلك مقدرتها المثبتة على ضبط المنطقه، والانتصار الذي تحقق في النهاية،هي العوامل التي أدت الى المصادقة والقبول البريطاني. على الرغم من بقاء البريطانيين على تخوفهم السابق من روابط القعيطي مع حيدرأباد .

هناك اعتقاد خاطئ آخر، وهو انه بسبب ممتلكات القعيطيين في ساحل حضرموت ، أعتبرت وكأنها الأسرة الحاكمة للساحل أساساً. بينما واقع الأمر يشير الى ان المربض التاريخي لقوتهم ـــ أي القعيطيين ـــ في داخل حضرموت. فقد كان أول انخراط لهم في الشئون الحضرمية في وادي حضرموت ،إذ تدخلوا داعمين حركة استعادة مدن تريم وسيئون وشبام لصالح اليافعيين المحليين المستقرين فيها، والذين فقدوها بعد ان وقعت بأيدي الكثيريين .

الورقه العلمية التي قدمتها ليندا بوكسبيرجر تحت عنوان " السياسة الحضرمية 1888 ـــ 1967 " تمثل محاولة رائعة للوصول الى فهم لهذا الموضوع الشائك. وبما أنها ذكرت المرتب الذي كانت يدفعه القعيطيون للرئيس الأعلى للحموم كمكافأة له على السلوك الحسن . هذه الكاتبة لم تقاوم لفت النظر الى انّ مرتب المذكور سلفاً كانت أكثر بنسبة الثلث ( 20 تالر) عن المرتب الذي كان يدفعه البريطانيون البخلاء للسلطان القعيطي!. وفيما يتعلق باتفاقية عام 1918 بين السلطانين القعيطي والكثيري لجعل حضرموت مملكة واحده . فأن الذي عارض ذلك ،ليس هو السلطان الكثيري ،

بل هم رجال عشيرته الأثرياء في الشرق الأقصى:ــ( مثل بن عبدات) الذين كانت لهم طموحاتهم الشخصية الخاصة. ومما يستحق الإشارة إليه هو انّ مهمة حفظ الأمن في سيئون وتريم لفترة طويلة من الزمن ، كان يضطلع بها جنود قعيطيون، الى ان قرر السلطان عمر بن عوض القعيطي ترتيب النفقات فقام بسحبهم وبدون ان أرغب في انتقاص دور هارولد انجرامز كصانع سلام في أواخر ثلاثينات القرن العشرين .أشيرالى الرحلة التي قام بها السلطان عمر بن عوض الى حضرموت الداخل عام 1934 ،باعتبارها العامل المساعد الذي هيأ لعقد سلسلة من الهدنات، مكنت فيما بعد انجرامز من تمديدها أو البناء عليها. انني اهنىء السّيده (بوكسبيرجر) لكونها أول من قدم وصفاً دقيقاً للشغب الذي جرى في المكلا ضد تعيين الشيخ القدال وزير خلال الفترة التي كان فيها الكولونيل ( بوستيد) مستشارا مقيما ووكيلا بريطانياً .

الورقة العلمية التي قدمها ( انج سنج هو) وهو انثروبولوجي شاب من اصول ملاويه صينية ، كانت تحت عنوان :ــ" حضارمة خارج حضرموت ؛ المولدين " تناقش التوترات التي عادة ماتحدث بين الحضارمة الأصلاء في الوطن الأم وإخوانهم الحضارمة الهجناء مختلطي السلالة ( المولدين) في المهاجر ماوراء البحار . الذين ينظر اليهم بعض القادة المحافظين بحضرموت كمنحلين ومصدرا للتلوث السلوكي. وأنه لشيء يستحق الإشارة إليه أن مصطلح " مولّد" كان يطلق في الاصل على أولئك المولودين خارج وادي حضرموت. يطلق أهل الساحل على مناطق الداخل اسم حضرموت ويشير أهل الداخل إلى أخوانهم في مناطق الساحل بأهل الساحل،

على الرغم من أنه كان يطلق في الازمنه الماضية على كل الساحل اسم الشحر وليس من الضروري ان يتضمن مصطلح المولدين أولئك الذين ولدوا خارج حضرموت فعلى سبيل المثال نجد السيد حامد المحضار في الكتاب الذي كتبه عن سيرة حياة جده السيد حسين بن حامد المحضار( المنشور عام 1983 يشير إلى أنه حتى أولئك المولودين في مناطق ساحل حضرموت يعتبرون (مولدين) بينما المولودين في الداخل يعتبرون أنفسهم (ولايتي) .لهذا وبصوره عامة فأن مصطلح " مولدين" هو وصف للمولودين خارج نطاق الوادي وخارج القطر الحضرمي . لذا فالشخص الهجين خليط الدم المولود بحضرموت لايعد مولداً .

الفصل الختامي الذي عنونته فريتاج تحت:ــ الشتات الحضرمي مابعد عصر الاستقلال .يناقش التغيرات في نمط الهجرة الحضرمية في فترة مابعد الحرب ومابعد المرحلة الاستعمارية. مشيرا الى تغيرها من هجرة طويلة المدى للاستيطان والاستقرار في مهاجر أغلبها غير عربيه الى هجرة قصيرة المدى للعمل فقط في بلدان الخليج . كما انها ايضاً، أولت اهتماما بمسألة التأثير السلبي للحكم الماركسي السابق في جنوب اليمن على العلاقات بين الوطن الأم وبين الشتات الحضرمي في المهاجر. وعلى الضغوط الملحة التي تعرض لها اولئك الحضارمة المقيمين بعيدا عن العالم العربي للتكيف والذوبان في مجتمعات غريبه ، وان كل ذلك قد تم على حساب موروثهم وهويتهم الثقافيه واللغويه .

ان هذا الكتاب يقدم الكثير لقرائه سواء كانوا قراء عاديين او مختصين. لكن سعره يجعله بعيدا عن متناول أغلب الجيوب الشخصيه.إننا نأمل من ناشريه ان يجعلوه في القريب العاجل في متناول القاعده العريضه من القراء من خلال اعداد طبعه خاصة منه ورقية الغلاف .