المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > سياسة وإقتصاد وقضايا المجتمع > سقيفة الأخبار السياسيه
سقيفة الأخبار السياسيه جميع الآراء والأفكار المطروحه والأخبار المنقوله هنا لاتُمثّل السقيفه ومالكيها وإدارييها بل تقع مسؤوليتها القانونيه والأخلاقيه على كاتبيها ومصادرها !!
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


صنعاء" الصراع بين سلطة المال و قوة السلطة

سقيفة الأخبار السياسيه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-12-2010, 02:01 AM   #1
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

صنعاء" الصراع بين سلطة المال و قوة السلطة


الصراع بين سلطة المال و قوة السلطة
رجال المال: متسلطون في الأنظمة الديمقراطية، ضحايا في الأنظمة المتسلطة..!


المصدر أونلاين - خاص - عبد الحكيم هلال

في الأنظمة الديمقراطية – الليبرالية، يتمنى الجميع، وعلى رأسهم المسئولون لو أنهم يتحولون إلى رجال أعمال، وأصحاب ثروة. بينما –وعلى النقيض تماما– في الأنظمة اللا ديمقراطية (أو الديمقراطيات الهجينة: بجسد ديمقراطي ورأس ديكتاتوري) فغالباً ما يتمنى رجال الأعمال والمال لو تحولوا إلى مسئولين..!

السبب بسيط جداً: ففي الحالة الأولى، إلى جانب حياة النعيم والفخامة، يتمتع أصحاب المال والثروة بالهيلمان والنفوذ القوي في مجتمعاتهم، وذلك عطفاً على ما يجب أن تعكسه سلطة المال، سوى على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول.

بينما في الأخرى، تقتصر الحالة السابقة على المسئولين فقط..! وهذا يمكن إدراكه من خلال صورتين واضحتين. الأولى: أنهم بحكم نفوذهم المستمد من السلطة، يمكنهم أن يصبحوا رجال مال وأعمال بشكل سهل وسلس. وذلك عطفاً على ما تعكسه سطوة ونفوذ السلطة في الغالب. أما الصورة الأخرى: فإنهم حتى وإن لم يصبحوا رجال أعمال بشركات وتجارة واضحة، فيكفي كونهم مسئولين أن يتمتعوا بحياة لا تقل فخامة عن حياة رجال المال والأعمال..!

تلك كانت مقدمة بسيطة، تلخص بطريقة سهلة تفاصيل الموضوع الذي أنوي إقحامكم فيه عبر هذه السطور. ولكن، قبل أن أشرع فيه، فضلت أولاً إطلاعكم على خلفيته. الفكرة مستوحاة من مقابلتي السابقة مع رجل الأعمال توفيق الخامري (نشرت في عدد الصحيفة الماضي). وبشكل أكثر تحديداً، حين وجدت الرجل يقتحم محرمات الحديث عن الفساد، ومهاجمة المسئولين الفاسدين في الدولة. أو بالأحرى ما تعارف عليه التجار – ربما بعقلية مبرمجة – أنه كذلك، توخياً الحفاظ على مصالحهم.

إن هذا السياق الضمني لتلك العقلية يستمد خلفيته بطريقة برجماتية لا شعورية من واقع ما فرضه النظام من تعاملات مع هؤلاء، حتى بات الأمر -بحكم الواقع- وكأنه أمر حتمي، أو أصل من أصول النظام وإدارة شئون البلاد بحيث لا يمكن تجاوزه أو السير في اتجاه غيره. وهذا ما يمكن فهمه من إجابة رجل الأعمال "الخامري" في المقابلة، حين أكد أنه دفع الثمن غالياً بسبب انتقاداته لبعض السياسات الخاطئة والفساد المستشري في البلاد. أما مربط الفرس فما ذهب إليه من أن هناك رجال مال وأعمال يعانون صعوبات وعراقيل وخسارة في تجاراتهم، لكنهم لا يستطيعون البوح، خوفاً من دفع الثمن..!

في نهاية الأمر، يجب التأكيد على أن تلك الحقيقة تكون أكثر وضوحاً حينما يتعلق الأمر بالنظم الديكتاتورية في المقام الأول. أو ما بات التعامل معها على أنها حقيقة، بالنسبة لما يحدث في النظم الهجينة، التي غالباً ما يحدث معها الشيء نفسه .

وحتى يتضح الأمر بشكل تفصيلي أكثر، علينا هنا أن نعقد هذه المقارنة البسيطة..

رجال المال في الدولة الديمقراطية- الليبرالية
في الدول ذات النظم الديمقراطية- الليبرالية، المتقدمة، يتمتع رجال المال والأعمال بنفوذ وسلطة تطغى أحياناً على سلطة ونفوذ رئيس الدولة المنتخب وحكومته. بالطبع ليس الأمر إجراءاً، أو قانوناً تسطره الدساتير (كون الدساتير في مثل هذه النظم من شأنها أن تمنح السلطة العليا دائماً للشعب، عبر مجلس النواب التشريعي، بحيث يعتبر الرئيس وحكومته موظفين لدى الشعوب من أجل تحقيق مصالحهم الجمعية، وإلا لتحول الأمر إلى إقطاعية كبيرة، الأمر الذي يتعارض مع ما جاءت الديمقراطية والرأسمالية الحديثة للقضاء عليه). لكن السلطة ونفوذ المال هنا هي سلطة ضمنية/تعارفية، يفرضها الواقع المستمد من تأثير رجال المال والأعمال على الساحة في مختلف الجوانب، وإن كانت تحكمها القوانيين والأعراف الأخلاقية ومصلحة البلد.

إن هؤلاء الرأسماليين، يمتلكون الإمكانات والأموال التي تحرك الاقتصاد وتبعث فيه الحياة وتحافظ على تجدده واستمراره، الأمر الذي ينعكس بدوره على قوة الدولة بشكل عام (فالدول ذات الاقتصاديات القوية تفرض نفوذها وسيطرتها على غيرها).

على أن الأمر الأكثر أهمية الذي يمنحهم القوة والنفوذ في بلدانهم هو كونهم المحركين الفعليين للسياسات الداخلية، عبر دعم الأحزاب وإيصالها إلى سدة الحكم، مقابل تبنيها سياسات من شأنها غالباً أن تتوخى مصالحهم التجارية. وقد يتم لهم ذلك بشكل أكثر وضوحاً من خلال التحكم بتوجيه التصويت (أو عدم التصويت) على فوانيين معينة يمكن أن تؤثر على تلك المصالح. في الولايات المتحدة مثلاً: اللوبيات المدعومة من جماعات فكرية، أو عقدية، أو حقوقية، وغالباً من أصحاب الثروة.. الخ والمنتشرة بكثافة (تتجاوز 4000 لوبي) تؤثر على النواب، وفق آلية مصالحية واضحة.

هذه الأمور معروفة سلفاً للجميع، ويتم التعامل معها ضمنياً، باعتبارها واقعاً حتمياً -لا يمكن تجاوزه- لقوة تأثير المال. يضاف إلى ذلك، أن جزءاً كبيراً من هذا النفوذ والقوة يستمده هؤلاء من خلال المشاريع التنموية التي ينفذونها في مناطقهم، ويكسبون بها سمعة جيدة بين المواطنين. وعلى النسق ذاته، تأتي المنح المالية، والدعم الخيري الذي يقدمونه للجمعيات الاجتماعية، وغيرها، التي تتبنى وتخدم الآلاف، أو عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف، من المواطنين. ومثلها تلك الأموال الممنوحة لمراكز الأبحاث والدراسات والمعاهد الاستراتيجية والسياسية..الخ. كل ذلك، وغيره، يعمل على تعزيز تلك القوة وذلك النفوذ.
وعلى هذا المنوال، وبفعل مثل تلك الدينميكية المنعكسة من الواقع، يتحول رجال المال والأعمال -وبشكل طبيعي- إلى صانعي سياسات، ومؤثرين في مختلف مناحي الحياة العامة.


ويحدث أن يؤثر هؤلاء أو ثرواتهم على السياسيين، والمسئولين الكبار، بما فيهم رؤساء الدول والحكومات. هذا التأثير قد يكون ذا طبيعة أو نتائج إيجابية، أو ربما العكس. كما قد يكون بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد تمتزج التأثيرات مع بعضها البعض. فمثلاً قد يأتي التأثير الإيجابي هنا، عبر دعم شخص ما، بإيصاله لمجلس النواب، أو لرئاسة الدولة، بشكل مباشر عبر التبرعات وعبر التأثير على الناخبين بفعل كارزمية ونفوذ صاحب الثروة المستمد من قوته ومكانته وصنائعة الفضلى.

بينما قد يتأتى التأثير السلبي عبر صرف الأموال من أجل إسقاط شخص ما من الرئاسة أو البرلمان أو غير ذلك. على أن التأثير السلبي قد يأتي أحياناً بطريقة غير مباشرة، تؤدي إلى إسقاط رئيس ما – لدولة أو حكومة، أو حزب، الخ - بسبب تلقي أموال غير قانونية من أصحاب المال، أثناء الحملة الانتخابية أو ربما بعدها. وهنا ترتبط النتيجة وتتشكل انعكاساً على ما تمليه القوانين الناظمة في كل بلد ديمقراطي.

ولعل أحداث وقصص كثيرة ترددت حول فضائح من هذا القبيل، لرؤساء ومسئولين كبار تلقوا دعماً، من تجار أثناء حملاتهم الانتخابية، أو تلقوا أموالاً من أجل تمرير قانون معين، أو تبرعات ورشاً أخرى. ويحضرني في هذا المقام، ما حدث للمستشار الألماني: هلموت كول (موحد الألمانيتين) باعتباره أحد أولئك الضحايا، حين أجبرته الصحافة على الاعتراف بخطئه، في فضيحة التبرعات غير المشروعة. وهي الفضيحة التي ألحقت الضرر بسمعته وأجبرته على التنحي من رئاسة حزبه "الاتحاد المسيحي الديمقراطي"، الذي ظل على رأسه سنوات طويلة.

ولقد مثل كول أمام لجنة تحقيق برلمانية شكلها رئيس البرلمان في ذلك الحين، لتنتهي القضية بتغريم حزبه مبالغ طائلة. وإثر ذلك، خسر كول وحزبه الانتخابات العامة في سبتمبر/ أيلول العام 2002، بعد أن ظل مستشاراً لألمانيا على مدى 16 عاما (انتخب في 1 أكتوبر 1982، وبقي محتفظاً بهذا المنصب إلى 1998.( وهو رقم قياسي يعتقد أنه من الصعب تحطيمه.

لكن، ومع ذلك، فإن كول –ومن جهة أخلاقية- لم يكشف عن أسماء التجار الذين تلقى منهم تلك الأموال. ومع ما قدمه الرجل لبلاده من وحدة تاريخية، واعتباره سياسياً محنكاً، إلا أنه أعفي من منصبه، وفرض عليه حصاراً اجتماعيا بسبب تلطخ سمعته، حتى توفيت زوجته (يقال أنها انتحرت) بعد إصابتها بمرض خطير، يعتقد الكثيرون أنه نتيجة لما عانته بسبب تلك الفضيحة.

إن تأثير المال على السياسة، هناك في تلك الدول، يعد أمراً طبيعياً. بل إن قوة نفوذ أصحابه أدت في حالة "كول" أن يسقط واحد من دهات السياسة على مستوى العالم، في الوقت الذي بقيت فيه أسماء الداعمين غير معروفة..!
خلاصة الأمر أن رجال المال والأعمال في الدول الديمقراطية الليبرالية، يتمتعون بسلطة ونفوذ، تجعلهم قادرين من التأثير على مجريات السياسة بفعل القوة والإمكانية التي تمنحها لهم ثرواتهم. وهو أمر طبيعي قد لا يمكن الخلاص منه، إلا أن القوانين تحكمهم حتى لا يتحول النفوذ إلى سلطة طاغية، قد تطغى على سلطة الشعب الحقيقية وتهدر مصالحه في نهاية الأمر.


في النظم الهجينة
في الجهة المقابلة، إذا ما انتقلنا -وعلى المنوال ذاته– إلى النظم الأخرى: الديكتاتورية، أو الهجينة(جلد ديمقراطي، وعقل ديكتاتوري)، فسنجد أن الواضح أن الأمر يختلف كلياً، وإن كان هناك بعض الاستثناءات. هنا قد نجد أن غالبية رجال المال والأعمال الكبار، يمتلكون تأثيراً ما على مجتمعاتهم، أو بشكل أكثر تحديداً على شعوبهم، إلا أنهم – وبشكل يكاد يكون قطعياً -لا يمتلكون حتى جزءاً بسيطاً أو نفوذاً مؤثراً على السياسات العامة للنظام. وذلك مقارنة بسلطة ونفوذ -ليس الرئيس أو الملك أو السلطان أو الزعيم- بل حتى أحد أفراد العائلة الحاكمة. وهنا يحدث التمايز الواضح لمن يريد أن يفرق بين كون هذا النظام ديمقراطي– ليبرالي، أم ديمقراطي - هجين..!

لنترك النظم الديكتاتورية، جانباً (باعتبارها ذات سلطة واحدة يفرضها الحاكم على شعبه بالقوة، وبالتالي يصوغ القوانين التي يشاء كيفما يشاء، الأمر الذي يجعله الرجل الأقوى في البلاد، لا ينازعه عليها أحد إلا يكون مصيره الموت أو السجن أو الفرار..الخ). و لنركز فقط على ما يحدث في النظم الديمقراطية الناشئة، التي غالباً ما تبدأ طريقها بشكل هجين يتم الخلط فيها بين النهج الديمقراطي، ولكن وفق آليات ديكتاتورية. هذه النظم تحاول أن تستمر على تلك الحالة لأطول فترة ممكنة قد يصل معها الشعب إلى مرحلة اليأس من إمكانية التغيير، الأمر الذي يجعل منه تابعاً متأثراً لا مؤثراً على حياته. إن إحدى سمات هذه النظم هي السيطرة على رجال المال والأعمال. هذه العملية تشبه إلى حد ما عملية "نزع الفتيل".

هنا يتم تشكل رجال المال وفق إرادة الحاكم نفسه. بل أحياناً –وهو الأكثر سوء ربما– وفق إرادة الأسرة الحاكمة من أبناء وأقارب، حتى تبلغ المقربين، بل ليصل الأمر إلى إرادة ذوي النفوذ من أصحاب الحظوة والمسئولين في الدولة.

لا يستطيع التاجر أو صاحب الثروة إلا أن يبتلع لسانه، ويتفرغ لتجارته وجني الأموال وتوقيع الشيكات، فقط. فقد توجب عليه مسبقاً أن يرسخ اعتقاده بأن النعمة التي هو فيها إنما هي بسبب إتاحة الفرصة له من قبل الرئيس أو أحد أفراد العائلة أو المقربين أو النافذين في النظام. ولذلك فهو –عرفاً لا قانوناً- ممنوع من الخوض في الأمور السياسية أو المحرمة، والتذمر من سياسات النظام. وبين الحين والآخر، يقدم النظام ضحايا كنماذج لمن يفكر بإطلاق لسانه. كما من السهل على مثل هذه الأنظمة أن تفرض أو تخلق تجار جدد "طفيليين" بدعم ومساندة منها، لمنافسة وتحطيم كل من بدأ يشعر بأنه يمتلك "ريش" للطيران، وبالتالي:قوة للمواجهة، أو التحرر من قيود السلطة، والتحدث بما يشاء.

بل يمكن –وهي طريقة أكثر نجاعة مع مثل هؤلاء المتحررين أو المعتقدين أنهم كذلك– أن تفرض قيود وإجراءات معقدة أمام من يضع النظام تحت اسمه أو شركته خطاً أحمر. فلا يستطيع أن يربح مناقصة، أو يحصل على الامتيازات القانونية المتاحة لغيره، أو حتى يحاول أن يطور ويوسع من أنشطته التجارية. في الوقت الذي تمنح فيه تلك الامتيازات، وتقدم التسهيلات لمنافسيه. أولئك الذين صنعهم أو أحتضنهم النظام. بل ليس من الصعب أن يحدث ذلك كله باسم القانون. وإن تطلب الأمر بالتحايل عليه، وعند الضرورة: بتجاوزه. فالقانون هنا يتماهى مع رغبة المسيطرين على النظام، وتتحول كل المؤسسات الحكومية، والقضائية، والقانونية، وغيرها، للعمل بجهد ومثابرة في سبيل تحقيق تلك الرغبة. وقد لا يتطلب الأمر كله أكثر من مجرد اتصال تلفوني واحد..!

وهناك طرق أخرى يتم بواسطتها فرض السيطرة على مجموعة أخرى من التجار. كالتغاضي عن تطبيق القانون الضريبي أو الجمركي، أو غيرها من الجبايات أو المتعلقات المالية المفترضة عليهم، مقابل إبقائهم تحت السيطرة والتبعية. إن الأمر على هذه الشاكلة يبدو مخيفاً جداً بالنسبة لأصحاب المال. ولذلك أصبح مبرراً وبشكل واضح، أن تجد معظم أصحاب الثروة يتبعون الأحزاب الحاكمة في مثل هذه الأنظمة الهجينة.

هذه التعاملات في هكذا أنظمة تتجاوز مجرد تبادل المصلحة بينها وأصحاب المال بالسكوت والتغاضي، مقابل الرضوخ والاستكانة. بل -ولمواصلة استمرارية جني المكاسب بسلاسة تحت عين ورعاية النظام- تتجاوز ذلك إلى فرض مقابل آخر: تقديم أو التبرع بمبالغ كبيرة أثناء الانتخابات أو الأنشطة الحزبية والحملات التوعوية الأخرى. غالباً ما تلقى على عواتقهم عملية مساندة ودعم الحملة الانتخابية للرئيس، ومرشحي الحزب للبرلمان، والمجالس المحلية وعمل الدعاية الانتخابية (طباعة الصور، وتمويل الأعمال والأنشطة الحزبية على مستوى دوائرهم، أو على مستوى البلد، بما في ذلك التبرعات المالية المجزية التي بواسطتها تعمل الأحزاب الحاكمة على شراء أصوات المواطنين المعسرين. إنه الأمر الذي من شأنه أن يطيل من أمد بقاء تلك النظم، ويمنع سقوطها بسهولة).

على أن ما يزيد من مشكلة عدم بلوغ التغيير المنشود، هو حصر تلك التبرعات وقصرها على الحزب الحاكم، ونظامه القائم، حيث لا يستطيع أي تاجر أن يقدم تبرعاته أو يدعم أحزاب المعارضة. هذا الأمر يتعلق –وإن بطريقة غير مباشرة لكنها مدركة- بأسلوب التعامل المسرود آنفاً، المؤسس على الرقابة المالية، والتخويف من المستقبل.

النتيجة
عُرف المال اتصافه بـ"الجبن" كما يقال. على أن هذه المقولة الواضح أنها لا تنطبق على أموال رجال الأعمال في الأنظمة الديمقراطية – الليبرالية، الحقيقية، إلا من زاوية واحدة، وهي: الخوف من المجازفة باستثماره، أثناء الأزمات أو الاضطرابات، أو في أماكن غير مستقرة.ودون ذلك، فالمال هناك يتسم بالقوة والنفوذ، مما قد يجعل من صاحبه إمبراطور.

في الواقع، هذا الوصف ينطبق أساساً على المال في الأنظمة الهجينة من كلتا الزاويتين. فإلى جانب خوف التاجر من المجازفة باستثمار أمواله في مثل تلك الظروف الإست ثنائيه، نجده [التاجر] أجبن ما يكون، وأعجز من غيره في استخدام آليات الديمقراطية وحق الرفض والتعبير. شيء واحد يمكن للمال أن يقدمه لأصحابه، وهو: استخدامه في الحفاظ على تجارتهم، عبر شراء ذمم المسئولين من أجل الوصول إلى حق من حقوقهم (جني مزيد من الأموال المشروعة) كـ: كسب المناقصات أو الحصول على امتياز لمشروع ما، أو السماح له بافتتاح مشروع جديد لتوسيع الدخل وحصد المزيد من الثروة.

على أن مثل هذا النسق من التعاملات، من شأنها –في نهاية الأمر- أن تفضي على المدى المتوسط والبعيد، إلى تدهور حركة الاقتصاد. ذلك أن أسلوب بسط النفوذ على الاقتصاد، والتحكم فيه، وقصره على تجار محدودين، وإضعاف آخرين..الخ، كل ذلك من شأنه أن يقصر مجال حركته في مساحات محددة، لا تساعد على انتعاشه.

بل إن إشكالية قصر وتحديد حركة أموال القطاع الخاص، من شأنها –وبشكل آلي- أن تكبر وتتسع، لتنتقل إلى مربعات أخرى، ربما تطال مقدرات وثروات ومدخرات الدولة نفسها، كـ: ضخ واستهلاك المزيد من الاحتياطي البنكي، وكذا رفع الفائدة لجلب السيولة. كما أن ترافق ذلك، مع الإبقاء على الأخطاء القائمة بخصوص التغاضي عن عملية إهدار الأموال العامة المستحقة، كالاستمرار في منح التسهيلات والإعفاءات الجمركية والضريبية بشكل دائم للشركات والمقربين والشركاء، وأصحاب الولاء والطاعة، من شأنه - هو الآخر – أن يبقي، على تلك التشوهات الاقتصادية القائمة من خلال الاستمرار في الضغط على الثروة الطبيعية بهدف تعويض الفاقد في إيرادات الموازنة العامة السنوية للدولة وتراكماتها. الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تسريع نضوب تلك الثروة التي تعتبر ثروة الأجيال القادمة..!

وبشكل طبيعي سيكون الانهيار الاقتصادي هو النتيجة الحتمية. هذا الانهيار غالباً ما تسبقه اختلالات وتشوهات في الميزان الاقتصادي، تطال البنية الاقتصادية الكلية، فيتسبب ذلك باضطرابات من شأنها أن تزيد من التأثير السلبي على حركة أموال القطاع الخاص ونموها في السوق. فيصبح الحل الأفضل هو محاولة الحفاظ عليها، إما بخزنها، أو بإخراجها من الدولة بحثاً عن مكان آمن، فتصبح البنوك المحلية مهددة بالإفلاس والانهيار. وهي المقدمة الطبيعية لأي كساد وانهيار اقتصادي.

نماذج، استثناءات.. ولكن
إن الصين على الرغم من أنها تصنف ضمن الدول غير الديمقراطية، إلا أنها استطاعت أن تتعامل مع تلك المعادلة، وأنعشت اقتصادها من خلال تطوير آليات حركة أموال القطاع الخاص. صحيح أنها لم تعمل على تحرير النظام السياسي من قيود الديكتاتورية، لكنها بالمقابل لم تتعامل مع القطاع الخاص، بالطريقة ذاتها. بل استطاعت تحرير السوق تدريجياً، ومنحت رجال المال والأعمال حرية وفرص اقتصادية واسعة.


لم تفرض عليهم ولا على شركاتهم التبعية المطلقة للنظام. كما أحدثت تعديلات وإصلاحات قانونية اقتصادية، لم تتوخى فيها تقييد نفوذ القطاع الخاص وقسره على الطاعة والانصياع. بل جعلت رجال المال والأعمال قادرين على التوسع والحركة بحرية، بهدف إنعاش السوق والاقتصاد الكلي للبلاد. صحيح أنها ما زالت تحافظ على بقاء منهجها السياسي بقوة حديدية، لكن الصحيح أن رجال المال والأعمال هناك يفرضون سيطرة صامتة على مجريات الأحداث بحيث أنهم قادرون من الحفاظ على مصالحهم.

ويعتقد بعض المتابعين أن ذلك من شأنه أن يساعد بشكل طبيعي وسلس على تحول الصين تدريجياً إلى الليبرالية انسجاماً مع الواقع الذي يقول: إن الاقتصاد لا يمكنه أن يواصل انتعاشه إلا مع ديمقراطية ليبرالية حقيقية. ولقد بدأت آثار ذلك تتضح من خلال انتشار القنوات الفضائية والصحف والإنترنت، وبدأت حرية الرأي والتعبير تتخلق بشكل متسارع. وأصبح التاجر قادراً على فرض شروطه بشكل مباشر وغير مباشر على توجهات السلطة. كل ذلك يأتي للحفاظ على مصالحه التجارية. ذلك حتى مع أن حاجته لبسط نفوذه وسلطته بشكل أكبر وأوسع لم يعد أمراً مهما كون القانون فرض لهم تسهيلات وامتيازات توخت وحافظت على تلك المصالح، وحمت استثماراتهم بل واستثمارات غيرهم من رؤوس الأموال الوافدة إلى البلد بشكل كبير.

استثناءات، لكنها تتعلق بتحرير السوق
في نهاية الأمر، سيتوجب علينا الحديث عن بعض الاستثناءات القائمة، لكن وفق الحقائق التي اعتمدت لبلوغ أهدافها في الإنعاش الاقتصادي. إن إنعاش الاقتصاد الذي يؤدي إلى إحداث تنمية حقيقية، أمكن بلوغه وفق ثلاث حالات، الأمر اللافت فيها أن التعامل مع القطاع الخاص وفق مقتضيات الواقع الذي يسمح له بالانسياب، والنمو، وامتلاك آليات القوة، كان هو العامل المشترك في جميعها..!

الحالة الأولى -وهي الغالبة– ما حدث ويحدث في النظم الرأسمالية، ذات المنهج الديمقراطي- الليبرالي الحقيقي. تلك التي فتحت السوق للجميع، وجعلت المال ينساب بشكل سلس، وينتعش دون قيود أو محاولة قسره وتوجيهه في اتجاه معين باستحداث آليات تجعله تحت تحكم السلطة.

أما الحالتين الأخريين، فمع أنهما متعلقتان بدول ذات منهج سياسي غير ديمقراطيليبرالي، إلا أنها، تعاملت مع الاقتصاد والقطاع الخاص –إلى حد ما مناسب- بمنهج تحرري ليبرالي، رأسمالي. وذلك حين جعلته ينمو بشكله الطبيعي.

النموذج الأول حدث في دول لا تمتلك ثروات طبيعية، لكنها ارتكزت على إصلاحات قانونية- اقتصادية تحفظ للتجار والمستثمرين حقوقهم، وتمنحهم تسهيلات للعمل دون قيود تجعل منهم تابعين للسلطة أو النظام، كما حدث في الصين. أما النموذج الآخر، فقد حدث في دول تمتلك ثروات طبيعية كبيرة كدول الخليج. صحيح أن ذلك تم غالباً وفق منهج سياسي صارم، وموجه، بعيداً عن الحرية والمرونة السياسية. لكن من المهم التأكيد أيضاً، أنه لم يتجاهل معادلة الإنعاش الاقتصادي بتحرير السوق ومنح رجال المال والأعمال الحرية الكاملة للعمل واستثمار أموالهم تحت حماية الدولة وفق فوانيين وإجراءات اقتصادية حديثة سايرت الانفتاح العالمي، وتوخت حفظ مصالح القطاع الخاص.

حدث ويحدث ذلك، مع أن هناك من يعتقد أن هذه النماذج لا يمكنهما الاستمرار طويلاً ما لم يترافق ذلك مع إحداث إصلاحات سياسية وديمقراطية ليبرالية حقيقية"، تتواكب وتنسجم مع المنظومة الكلية لهذه الأخيرة.
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas