|
![]() |
#1 |
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
![]() الجنِّي في القارورة المصدر أونلاين - خالد عبدالهادي هذا العنوان هو اقتباس معدل من "جني في قارورة"، العنوان الذي وسم أغنية ذائعة الصيت للمغنية الأميركية الشهيرة كرستينا أجيليرا عام 1999 ويحكي وقائع خيالية أما اليوم فهو عنوان محلي الطابع ويبدو ملائماً لأحداث حقيقية. قبل خمسة أعوام تقريباً استحضر الزعيم القبلي الراحل عبدالله بن حسين الأحمر المثل اليمني السائر "جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه" ليصف موقفه من انتخاب علي عبدالله صالح رئيساً للبلاد في انتخابات 2006 الرئاسية. وكان يشير بالجني إلى الأخير الذي خبره جيداً. ومن اقتربوا من علي صالح ربما يعتقدون حقاً أنه جني تلبًس أرواح اليمنيين أكثر من ثلاثة عقود، لكن هذا الجني الشرير حُشر اليوم في القارورة، وبطل مفعول قواه الخفية وأوراقه التي ظل يهدد بها مواطنيه مراراً أمام ثورة شعبية حاسمة واستقامة خارجية انحازت إلى خيار الشعب إلى حد ما ورأت أن فرصتها أيضاً قد حانت للتخلص من حليفها الجشع الذي يملك براعة في استدرار المال والمساعدات العسكرية لكنه لا يفعل شيئاً حيال ما يُرجى منه في محاربة الإرهاب وتطوير الديمقراطية وصون حقوق الإنسان. فالموقف الدولي المرتكز أساساً على موقفي الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي حُسم الأسبوع الماضي تقريباً في خط معاكس لأماني النظام ومثل قوة إضافية ضاغطة عليه بعد أن كان إحدى أسلحته السياسية. جاء موقف الإدارة الأميركية واضحاً منتصف الأسبوع الماضي بدعوة رئيس النظام إلى البدء الفوري بنقل السلطة وهو الخيار الذي تلكأت الولايات المتحدة في اختياره حتى رأت أن درب صالح لم يعد سالكاً للمضي فيه. وعلى صعيد المساعدات العسكرية والمالية، أفاد ناشطون يمنيون في واشنطن أن الإدارة الأميركية جمدت مساعدات بقيمة تزيد عن 250 مليون دولار، كان من المقرر تقديمها لحكومة صالح خلال 2011 في إطار دعم مكافحة الإرهاب، وهو مبلغ كبير إذا قورن بـ 155 مليون دولار تلقتها الحكومة في العام الماضي. بل إن صحيفة وول ستريت الأميركية ذكرت أن الولايات المتحدة علقت في فبراير الماضي أكبر حزمة مساعدات مالية للحكومة اليمنية بقيمة مليار دولار كان مقرراً تسليمها خلال العام الحالي. ومعلوم أن أجهزة الأمن والاستخبارات الأكثر التصاقاً وخدمة لنظام صالح على مستوى حلقته الضيقة كانت المستفيد الوحيد من المساعدات الأميركية المخصصة لمكافحة الإرهاب بشقيها النقدي والعيني. وهذا عامل آخر يضعف قوته. حتى مع التضارب الذي حمله تصريح لوزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس بمواصلة حكومة بلاده دعم نظام صالح لمكافحة الإرهاب فإن ذلك لن يغدو ممكناً في الواقع حين تبحث الولايات المتحدة عن بنية حكم متماسكة فتجدها قد تهللت وقوات عسكرية معنية بمحاربة الإرهاب فتجدها في غير ميدانها الحقيقي وقد اُستقدمت من مواقعها إلى صنعاء لحماية قصر الرئيس أو الإحاطة بالعاصمة استعداداً لتفجير الموقف. أما موقف المحور الدولي الثاني، فقد شدد الاتحاد الأوروبي أيضاً على انتقال السلطة فورا. وجاء في بيان لكاثرين اشتون ممثلة الاتحاد العليا للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية يوم الخامس من أبريل "أشدد على دعوتي إلى انتقال سياسي منتظم يبدأ دون أي تأخير من أجل حل الأزمة الراهنة ولتمهيد الطريق للإصلاحات. هذه هي الرسالة التي أبلغتها للرئيس صالح الأسبوع الماضي. يجب أن يبدأ الانتقال الآن". والأهم من الحصار الدولي والشعبي لصالح والاقتراب من الإطاحة به، ثمة الرصيد المعنوي والإنساني الذي سيغادر به الحكم بعد الفظاعات التي اقترفها بحق المحتجين الشبان وشاهدها العالم كله، فضلاً عن المؤامرات التي يعتقد أنها كانت من تدبيره خلال سني حكمه وقضت على مئات من المعارضين السياسيين والزعماء القبليين الذين كان يتوجس جانبهم ويفترض أنهم بدلاء محتملون له. تكفي زيارة واحدة لأي من ساحات الثورة في المدن الكبرى لقياس الرصيد الشعبي الذي ما زال لدى صالح. سيقول أي زائر: لا رصيد له هناك. وبالمقابل يعيش خصومه الذين قضوا على يديه حياة ثانية، يحظون فيها بالتمجيد والإجلال والذكر العطر. يجتهد البسطاء ويدفعون ما بحوزتهم من نفقات شحيحة لطبع صور عيسى محمد سيف، وجار الله عمر، وسلطان أمين القرشي، وإبراهيم الحمدي... وعشرات ممن قتلوا أو أخفوا في عهد صالح فيما صوره لم تسلم من عمليات التحوير والتشويه التي لا تحيط بها سوى برامج الحواسيب الخيالية حتى اتخذها الباعة البساطون مصدراً مدراً للمال بصرف النظر عن الموقف من هذا السلوك. إذن، الرئيس الأكثر من بطة عرجاء محشور بين بنود الاتفاق الخليجي المعدل وقرارات الثورة الشعبية السلمية الرافضة للاتفاق بعد أن كان يملك خيارات عريضة حين انطلاقة الثورة غير أنه ضيقها هو على نفسه وحصرها في التراجع عن توريث الحكم لبنيه أو تأبيده لنفسه. الأحد الماضي، عدل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مضامين الوساطة الخليجية لحل الأزمة اليمنية بعد أن ثارت حفيظة صالح ورفض صيغة الاتفاق في نسخته الأولى لأنها اشتملت على بند يوصي بتنحيه عن الحكم. وجاءت مبادئ الاتفاق المعدل بصيغة ملساء لا تخدش غرور صالح الذي يقاتل من أجل مغادرة الحكم مستعيراً أقنعة مزيفة، تصوره كزعيم وطني ديمقراطي سلم السلطة وسط عناية شعبية. فالاتفاق يقضي بأن "يعلن رئيس الجمهورية نقل صلاحياته إلى نائب رئيس الجمهورية"، و"أن تلتزم كافة الأطراف بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطى لهذا الغرض". يكفي هذان البندان على الأقل ليرفض المحتجون في ساحات الثورة، الوساطة المفصلة على هوى صالح إلى حد كبير. فهي لم تحسم مسألة تنحي الرئيس ولم تحدد موقعه بعد أن ينقل صلاحياته لنائبه وهو ما يتناغم مع رغبة الرئيس الذي يريد نقل صلاحياته والبقاء رئيساً شرفياً. ووفقاً للحالة السائدة وشخصيتي صالح ونائبه عبد ربه منصور فلن يصير الأول شرفياً بل رئيساً فعلياً. هذا المآل غير مطمئن بالمجمل قياساً بما يحويه تاريخ الرجل السياسي من وقائع الغدر والنكوث بالاتفاقات إذ أن الفترة الانتقالية المقترحة كافية ليتدبر حيله وقواه وينقلب على الوضع المترتب عن الاتفاق بالكامل. والمخرج هذا شبيه بالمخرج الذي كان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك لاذ إليه بتفويض صلاحياته إلى نائبه عمر سليمان لكن المحتجين رفضوه. أما مبدأ التعهد بوقف الملاحقة والمتابعة فهو الأشد عسفاً لتضحيات المحتجين التي تربو حالياً على عشرات الشهداء وآلاف الجرحى علاوة على هدر منظم لثرواتهم في سبيل قمع الإرادة الشعبية. ويتناقض الاتفاق حين يشترط تلبية "طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح" في الوقت الذي توضح مبادئه أن ما يرسيه هو إصلاح سياسي، لا التغيير الذي خرج من أجله ملايين المواطنين وبذلوا تضحيات كبيرة. إجمالاً، يبدو إنهاء الثورة الشعبية الهائلة بوساطات من هذا النوع نسفاً لقيمة الثورة الأدبية وطابعها الشعبي المتحضر. وهي نهاية ستحرم الثائرين بالتأكيد من لذة الختام. سيبقى الإرهاق في أجسادهم حتى يفارقوا الحياة لأن الإرهاق المتولد عن أشهر من العناء لا يزول إلا برقصة في حفل الانتصار. ولقد أبلى هؤلاء الثائرون حسناً برفضهم الاتفاق في موقف يعتقد أن اللقاء المشترك يتجه نحوه. يشبه الظرف الحالي الذي أتى فيه اتفاق الرياض تلك الأجواء التي انبثقت فيها وثيقة العهد والاتفاق عام 1993 وشن صالح الحرب على شريكه في الوحدة عقب التوقيع عليها بفترة وجيزة لأنها كانت تسبق رؤيته للحكم بفارق زمني شاسع. وما يُخشى منه اليوم هو أن يشن حرباً أهلية أخرى حين يجد خصومه قد رفضوا الاتفاق. يقابل هذا الانحشار الإجباري لرئيس النظام داخل مساحة ضيقة للمناورة كقارورة بالفعل فضاء رحب وعظمة تكتسبهما الثورة اليمنية إضافة إلى خصوصية رائعة تنبع من نفسها الطويل في مواجهة استفزازات النظام التي تنوعت بين الرصاص وقنابل الغاز السامة والأسلحة البيضاء وإرجاف جيش من المرجفين في منظومة إعلامية تشتمل على قنوات تلفزيونية متعددة ومطبوعات يومية، تستهلك مبالغ باهظة وإذاعات محلية تغطي سائر المحافظات الكبيرة فضلاً عن تجييش أراذل البشر لمحاربتها. فقد سقط الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي في غضون 27 يوماً وأعقبه المصري محمد حسني مبارك في 18 يوماً في الوقت الذي تجاوزت الثورة اليمنية شهرها الثاني ولم يفت في عضد المنتفضين طول المدة أو محاولات دفعهم إلى العنف خلافاً للثورة الليبية التي تحولت إلى عمليات عسكرية شاملة ضمن حرب أهلية مدمرة وإن كان لهذا ما يبرره في ظل مواجهة مع نظام متحجر ودموي كنظام العقيد معمر القذافي. وبالمقارنة بين ما يتوافر عليه رجال القبائل من السلاح والمنعة والأنفة من جهة وإحجامهم عن الانجرار إلى العنف وهم يرون دماء أبنائهم تسيح على الإسفلت في صنعاء وحجة والجوف يظهر مؤشر على ترويض قاس لمشاعرهم ونظامهم الاجتماعي ليتوافقا مع خط الثورة السلمي. ولقد نجحوا بالفعل في الانصهار فيه حتى بدوا وكأنهم قد خضعوا لصياغة وجدانية جديدة على مدى عقود من الزمن لا ثمانية أسابيع. هذا المشهد يبشر من جهة ثانية بإمكانية نشأة المجتمع المدني الكبير الذي يغطي كامل الصعيد اليمني في حال قيام الدولة المدنية الحديثة التي توفر الأمن للجميع وتستأصل مشكلة الثأر وتجذب المواطنين من ساحات القوانين العرفية إلى ساحة القانون المدني العام. كما يتجلى عطاء اليمنيين الزاخر في خدمة الثورة زاخراً ومتفوقاً على عطاءات غيره في أي من الثورات. فاليمنيون يدفعون كل ما يملكونه تقريباً بدءاً من الأرواح والدماء والراحة والمال. فكل المنتظمين في ساحات الثورة ينفقون من دخولهم القليلة لطبع الشعارات واليافطات والأعلام الوطنية ويكادون يجددون هذه العملية يومياً وهو ما يغطي سماء الاعتصامات والمظاهرات المتحركة بأعداد هائلة من اليافطات والرايات والورود. وأكثر المنتفضين بساطة بمستواه ودخله ينتدب حماسه الثوري ليعمل ساقياً أو راشاً لرذاذ الماء من قنانيه المثقوبة على الجموع المحتشدة ليخفف عنها قيظ الظهيرة وحر الشمس. والأهم مما سبق هو احتضان الثورة اليمنية للهم القومي العربي بالرغم من ضغط الهم الوطني وتسليط مشاغله على المنتفضين فساحات الثورة هنا تكاد تكون الوحيدة بين الساحات العربية الثائرة التي ترتفع فيها الأعلام التونسية والمصرية والليبية والبحرينية والفلسطينية وهي أعلام البلدان العربية التي عبرت مخاض الثورات الديمقراطية أو مازالت في طور المخاض. إن لدينا شأناً آخر، باذخ الجلال. هو تلك المشاهد التي تغسل القلوب ويؤلفها المحتشدون في ساحات الثورة يومياً، أحدها الذي أظهر شباناً يوم الجمعة الماضي وهم يؤدون صلاة العشاء تحت وابل من الرصاص ودخان قنابل الغاز في شارع ضيق بمدينة تعز دون اكتراث البتة كما لو أنهم كانوا منغمسين في الملكوت. لا تعبير قادراً على وصف المشهد سوى أن أبطاله كانوا يبثون رسالة اليأس الأخيرة في نفس علي عبدالله صالح ومعاونيه. إذ كيف له أن يخمد أناساً يهزأون بالنار والحرب على ذلك النحو. |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
|