حديث الخميس الحلقة السابعة (( وفود حضرموت وكندة للإسلام )) ...!!!

[أبوعوض الشبامي]

.

نواصل مع القراء حديثنا اليوم عن المرحلة الانتقالية في تاريخ حضرموت ، وهي التي بدأت بدخول الحضارم للإسلام ، والحديث عن الوفود الحضرمية التي قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وضمن تلك الوفود التي قدمت للمدينة وفد قبلية الصدف فكانوا بضعة عشر نفراً فأسلموا وعلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة ، وقدم وفد تجيب وكانوا ثلاثة عشر رجلاً فأجازهم أكثر ما أجاز غيرهم (1).

وذكرت بعض كتب السيرة قدوم وفد حضرموت مع وفد كندة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم بنو وليعة ملوك حضرموت (( حمدة ومخوس وأبضعة )) فأسلموا ، وقيل أيضا أن أمرأة من حضرموت ثم من بني تنعة يقال لها تهنأة بنت كليب ، صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسوة ، ثم دعت ابنها كليب بن أسد بن كليب فقالت له : انطلق بهذه الكسوة إلى النبي ، فأتاه بها وأسلم فدعاء له، وقال كليب حين أتى النبي :

من وشز برهوت تهوي بي عذافره = إليك ياخير من يحفى وينتعل
تجوب بي صفصفا غبراً مناهله= تزداد عفواً إذا ما كلّت الإبل
شهرين أعملها نصاً على وجل = أرجوا بذاك ثواب الله يارجل
أنت النبي الذي كنا نخبره= وبشرتنا بك التوراة والرسل

وقد اعتبر العلامة بن عبيدالله البيت الأخير شاهدا على انتشار النحلة اليهودية بحضرموت ، وإلا فمن أين يقول (( وبشرتنا بك التوراة والرسل )) ؟ (2).

مع ظهور الاسلام وبداية انتشاره في حضرموت تتضح لنا صورة المجتمع الحضرمي قبل الاسلام من خلال قراءة تعدد تلك الوفود التي وفدت على الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أنها جاءت متزامنة مع بروز قوة الاسلام ، وبروز القوة العسكرية للمسلمين وانتصاراتهم على المشركين من قريش ومن جاورهم من قبائل الحجاز واليهود. واعلان تعبئة المسلمين للأستعداد للتوجه لغزو الروم ، وتزامنت ايضا مع وصول وفود القبائل العربية التي أهتزت لهذه الانتصارات – العربية – الاسلامية وأمتلأت صدورها إعجابا وإكبارا بمحمد صلى الله عليه وسلم.

وقد مثلت تلك الوفود التي وفدت من حضرموت شرائح قبلية من المجتمع الحضرمي ، - قبيلتي كندة وحضرموت ، وكان بين هذه القبيلتين صراع تقليدي على الزعامة والنفوذ ، وتناهى إليها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من شأنه تقديم ذوي السابقة في الاسلام على غيرهم وترئيسهم على اقوامهم وأوطانهم .

نستطيع القول أن حضرموت قبل الاسلام لم تكن تحت اطار دولة أو مملكة مركزية توحد سكانها ، ويبدو واضحا أن العشائر الحضرمية كانت تخضع للزعامات التقليدية للأعيان من أبناء بطون الملوك والأقيال ، وكانت الحالة السياسية أقرب الى نمط التنظيم السياسي المحدود النفوذ والتأثير . وربما على نمط مشيخات ضعيفة ومتشرذمة .
في السنة العاشرة الهجرية اعلنت الوفود الحضرمية اسلامها وغادرت مدينة الرسول ، بعد أن فتح الله على قلوب بعضها بإشراقات روحانية وايمانية صادقة للإسلام ، وسعت بعض الوفود لتأكيد حقها في الملكيات الزراعية ، وغيرها من الملكيات كما جاء ذلك في أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه لايجب أن نغفل أن الزعامات العشائرية الحضرمية كان ايضا لها دوافع أخرى غير دينية وبالامكان أن نلخص مهمة وطبيعة ورؤية الوفود الحضرمية للإسلام على النحو التالي :

أولا: وفد كندة : وهم فرقتين :
================
الفرقة الأولى : برئاسة الأشعث بن قيس الكندي ، ولاشك أنه قدم بهدف الاسلام ، ولكن كان ضمن رؤيته رسم استراتيجية للبحث عن حليف عسكري جديد وقوي ، تستعين به كندة في صراعها وحروبها مع قبيلتي حضرموت ومراد ، اللتان كانتا تلحقان بها الهزائم المتكررة ، وظهور الاسلام كقوة عسكرية رئيسية في بلاد العرب يعني لهم ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم كقائد قوي وربما الاستفادة منه كحليف جديد لهم.
ويدلل لنا ذلك أن قدوم وفد كندة الى الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك العدد الكبير – ستين أو ثمانين شخصا - والظهور بهيئة تمثل مظهرا من مظاهر الملك في لبس الذيباج والحرير والتكحل ومظاهر الزينة الأخرى ، وإظهار مظاهر الكرم والبذخ في نحر الجزور وإقامات الضيافات للناس ، جاءت انعكاسا لرغبة في مواجهة التنافس على الزعامة التقليدية بحضرموت من جهة ، ورغبة فطرية غريزية في الارتفاع فوق الناس والتميز عنهم من جهة أخرى.

وسلوك الأشعث بن قيس الكندي كان ردا ذاتيا دفاعيا وكانت الغاية منه تدعيم ما تداعى من كبرياء الذات الخاطئة ، إذا علمنا أن قبيلة مراد قتلت أباه وهزموا كندة شر هزيمة ، ,ان قبيلة حضرموت حجمت نفوذ الأشعث بن قيس وحصرتها في قومه ، حيث كانت حضرموت ترى بعين الرائي لكندة بأنها من القبائل النازحة الى حضرموت .

وعلى العموم لا غرابة في تصرف الأشعث بن قيس في أول لقاء له يجمعه بالرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ أنه جاء بقلب لم يفتح لأشراقات الايمان الحقيقي للدين الجديد ، ولا لسماع تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل بادر الرسول بتحية عرب الجاهلية لملوكها بقوله : (( أبيت اللعن )) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لست ملكا ، أنا محمد بن عبدالله )) .

وقيل أن الأشعث بن قيس الكندي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة ، وكانوا لا يروني إلا افضلهم ، قال : قلت يارسول الله إنا ابن عم ، إنكم منا .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا نحن النضر بن كنانة ، لانقفوا أمنا ، ولا نتقفى من أبينا )) .

فطن الرسول صلى الله عليه وسلم لإشارة الأشعث بن قيس واختراعه لعلاقة النسب الوهمي بالحاق قريش إلى قبيلة كهلان يهدف من وراء ذلك الى مآرب سياسية كانت في نفسه.
وحين فشل الأشعث بن قيس في اللجؤ إلى سياسة ادعاء النسب والقرابة ، درس أوضاع المسلمين في المدينة عن كثب ورأى العلاقة المميزة التي تربط النبي صلى الله عليه وسلم بصاحبه ابوبكر الصديق ( رضي ) ولعله فطن بذكائه السياسي أنه المرشح الأفضل لخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتقرب منه وخطب أخته أم فروة ، وهذا من التقاليد العربية المتمثلة في تعزيز الأحلاف القبلية عن طريق التزاوج بين الأعيان والعائلات المختلفة .

الفرقة الثانية :
=========
قدمت على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي نفسها بقية من بقايا الوثنية أو اليهودية وهم من وليعة – بطن مشهور من كندة - قيل انهم كانوا ملوكا بحضرموت ومنهم حمدة وقيل انه اسمه جمد ومخوس ومشرح وأبضعة . فأسلموا ، وقيل أن مخوس كان يعاني من الرتة في لسانه ، فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعي الله أن تذهب عنه ، فدعا الرسول له الرسول ، وحين عادوا إلى بلادهم بحضرموت لبوا دعوة الأسود العنسي وأرتدوا ، ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعهم الأسود غضب عليهم ولعنهم.

ثانيا : وفد حضرموت :
============

منهم وائل بن حجر الحضرمي ، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن أنه قدم وافدا وراغبا للإسلام والهجرة، إلا أن اصراره بالظهور بهيبة الملك والرغبة بالرتفل على اقيال حضرموت صفة كانت ملازمة له ، تجلت في سلوكه مع مرافقه الشخصي معاوية بن أبي سفيان الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينطلق به وينزله منزلا بالحرة . قال معاوية بن ابي سفيان : فانطلقت به وقد احرقت رجلي الرمضاء ، فقلت : أردفني ، قال : لست من ارداف الملوك ، قلت فاعطيني نعليك اتوقى بهما من الحر ، قال لا يبلغ عني أهل حضرموت أن سوقة لبس نعل ملك، ولكن إن شئت قصرت عليك ناقتي فسرت في ظلها ، قال معاوية : فأتيت النبي فأنبأته بقوله فقال النبي : (( إن فيه عُبية من عبية الجاهلية )) ( 3) . فلما أراد وائل بن حجر الانصراف من المدينة تقدم بطلباته الى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يستقطعه أرضا ويجعله على ما بين يديه من الأرضين والحصون .

أما الفرقة التي قدمت من حضرموت وكما يبدو أن قلوبها مشحونة بالايمان وحسن النوايا الصادقة للإسلام فهذه منها كليب بن أسد بن كليب البرهوتي ، الذي جاء مصدقالبشرى التوارة بمجئ النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها وفد قبلية تجيب قدم وفد هذه القبيلة وقد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرضها الله عليهم ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأكرمهم وأكرم نزلهم ، وقالوا : يارسول الله سقنا إليك حق الله في أموالنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوها فأقسموها على فقرائكم . قالوا : ماقدمنا إلا بما فضل من فقرائنا . فقال ابوبكر ( رضي ) ما وفد علينا وفد من العرب بمثل ما وفد هؤلاء الحيّ من تجيب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الهدى بيد الله عز وجل فمن اراد به خيرا شرح صدره للإسلام...

هوامش :
=====

( 1 ) البداية والنهاية لابن كثير ج5 ص 93
(2) بضائع التابوت بن عبيدالله .
(3) الطبقات الكبرى للزهري ج1 ص350



.