لا أحد ينكر و لا أحد ينكر أن الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان أمرنا الله باجتنابه. و لعل ما يحز في النفس أن المشكلة هنا إلصاق الخمر و تعميمه بالجنوب كشعب بأكمله فيه الصالح و فيه الطالح، و كأن الشمال كشعب منزه خال منها، في أسلوب لا يخلو من بث الكراهية بيننا، و شعور بأننا شعبين رغم الوحدة. مع أن الاختلاف في أن بيع الخمر في الجنوب كان معلنا أمام الجميع في غير رياء و نفاق، و ليس السكر سلوكا ينتهجه شعب بأكمله على بغضنا الشديد و استنكارنا لهذا السلوك الرديء من النظام السابق، و كان شاربوها معروفون و منبوذون بين الناس و لا يختلطون بغير الشاربين و لا يعكسون الصورة المشرقة لابن الجنوب ذو الإيمان الراسخ بدينه و عاداته وتقاليده و مسلكه القويم، و لعل صدقنا و تمسكنا بإيماننا بالله أننا في ظل نظام دستوره حرية التدين و بطشه شديد على علماء الدين فإن مساجدنا تعج بالمصلين بل استمرت عمارة المساجد و علماءنا يصدعون بقول الحق فمنهم من أعدم و منهم من سحل و لم يثنهم الترهيب، بل مضوا في دعوتهم. و لعل ما يؤكد ذلك ليس لأن الوحدة جاءت فمنعت الخمر و استبدلت رمضاء الخمر بنار القات و باستطاعتهم صناعتها في بيوتهم لو أرادوا بل تبين أن الذي اختفى هو السكر علنا من قبل تلك الفئة القليلة، كما يمارس في الشمال هوايتهم سرا و من وراء حجاب ليس خوفا من الله، إنما من الناس رياء و نفاقا. و معروف أن من يعاني من عقدة النقص و هو مرض عضال وهو صراع لاشعوري دفين اعتمل داخل الفرد وعايشه وبرز واضحاً في التعامل مع الآخر و يحاول تعويض هذا النقص يعَرف التعويض هذا سيكيولوجيا بـ Compensation و هو دافع فردي يجبره على تأكيد ذاته و هذه العقدة تتعاظم عند البعض لأنها تكون ظاهرة أمام الآخرين وهولا يستطيع أن يخفيها و يحتاج إلى تدخل من طبيب نفساني خبير يستأصل منه هذه العقدة و هذه حالة معروفة عند علماء النفس فلا يتشدقن أحد ببراءتهم ...
لا أود أن أكتب و أجاري كلاما من هذا القبيل لا يصدر إلا ربما عن ما يشبه المزاح الثقيل و لكن غيرتي على قيمنا المشرقة أقحمتني في كلام لا أريد البوح به خشية أن يؤول بما لم أقصده و لعلها حماقة مني فلنبرز إيجابياتنا فما أكثرهاأفضل من أن ننبش في العيوب و السلبيات فلكل سلبياته.
و أرجو المعذرة إذا قسوت في التعبير أو جرحت مشاعر البعض فالله من وراء القصد و لنغلق هذا الباب الذي لا يجلب لنا إلا الكراهية لبعضنا البعض في وقت نحن أحوج فيه إلى التآلف أكرر اعتذاري