مشرف قسم تاريخ وتراث
|
اقتباس :
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخليفي الهلالي
[ مشاهدة المشاركة ]
|
قصه:للكاتب التركى عزيز نيسين
|
|
|
|
"]
الرجل محب الخير والعدل, بعد أن استفزه الظلم الذي يعم العالم, وقف وحيدا في الصحراء, وأمامه الرمال والكثبان والجبال الراسيات, وقال بصوت قوي فيه تضرع وابتهال أريد أن أحقق العدل للناس.. أريد أن أصنع الخير لكل الناس..
ربت علي كتفه شيخ مسن بوجه صبوح, تبسم في وجهه وأشار بإصبعه تجاه الصحراء المترامية وهو يقول له اسع في أرض الله الواسعة.. فستجد مبتغاك وكما ظهر اختفي الشيخ فجأة, فهام صاحبنا علي وجهه مخترقا الصحراء, أيام كثيرة مرت ومسافات طويلة قطعها حتي وجد مدينة كأنها تسبح علي حقول خضراء, دخلها فوجدها في هرج ومرج, الرجال يتسابقون تجاه مكان ما, النساء يزغردن في حبور وهن سائرات خلفهم, سار في إثرهم حتي لحق بهم عند الساحة الكبيرة للمدينة, كانت تتلبسهم حالة من الوجد الصوفي وهم يشكلون دوائر كبيرة, تتراقص أجسادهم وهم في مكانهم ينظرون تجاه السماء, اندس بينهم متحيرا, سأل أقربهم إليه عما يحدث, كان الجار منشغلا تماما عنه فلم يجبه, سأل الذي بجواره من الجهة الأخري, ترفق به الرجل عندما علم أنه غريب, أخبره بصوت خفيض أن هذا يوم تنصيب السلطان الجديد الذي سيحقق العدل والخير للناس, وأن علامة تنصيبه أن يتبرز الغراب علي رأسه ثلاث مرات, أحس صاحبنا أنه دخل في مدينة للمجانين لكنه لم يتورط بالتعليق, وفجأة ارتفع صوت الناس عندما شاهدوا أسراب الغربان تحوم فوقهم, انطلقت الرجاءات والتوسلات.. من فضلك يا غراب اقترب وتبرز علي رأسي.. أنا أحب الخير للناس.... لا تخذلني أيها الغراب الجميل كالمرات السابقة ها هو رأسي تحت امرتك فتبرز عليه حتي أقيم العدل بين الناس..كاد صاحبنا يضحك من توسلاتهم المذلة لولا انه احس بشيء رطب يفترش رأسه, والناس يصفقون ويهللون, بعضهم يقبله وبعضهم يقولون له: أنت الآن ثلث سلطان...اثبت في مكانك عل الغربان تكمل عليك بركتها, ويبدو أن الغراب أعجب برأسه المستديرلانه عاد وتبرز عليه مرة ثانية فأصبح ثلثي سلطان, لكن تأخر عنه الغراب في المرة الثالثة مما جعله يناشده بجنون أن يتبرز علي رأسه ليصبح سلطانا كاملا, وقد كان ومنحه الغراب ما يتمناه, وتم تتويجه في حفل أسطوري كبير, ثم حملوه إلي قصر السلطان ليقيم العدل بينهم.
تنعم صاحبنا بالجاه والسلطان وحرص في بداية حكمه علي تحقيق العدل ودرء الظلم عن المواطنين, وعندما مر نصف العام تنبه إلي موعد التتويج التالي فربي مجموعة كبيرة من الغربان فوق سطح القصر, واهتم بها اهتماما كبيرا لدرجة أنه كان يطعمها ويسقيها بنفسه, ولما حل يوم التتويج ردت له الغربان جميله وتبرزت علي رأسه فاحتفظ بتاج السلطنة, وهنا أصبح شغله الشاغل أن يملأ قصره والحدائق الملحقة به بالغربان, وصار يطعمها أفضل الأطعمة ويسقيها من أفضل الأنهار, كما خصص لها بعض الحدائق لتكون ملاعبها الخاصة, وحذر الناس من مطاردتها أو إيذائها, ونعمت الغربان بالخير وبالغ الناس في وصفها وقالوا إن الواحد منها أصبح في حجم الديك الرومي..
وفي العام الرابع من حكمه احتفالا بتتويجه مرة أخري, أصدر فرمانا يلزم كل فرد من أفراد شعبه بتربية الغربان في أفضل غرفة من مسكنه, والاعتناء بها وتدليلها وتغذيتها تغذية جيدة, وأن تعلق صور السلطان علي جدران الغرف التي تعيش فيها الغربان, حتي تتذكره ولا تخذله في يوم التتويج, وكثرت الغربان جدا واحتلت سماء المدينة فحولتها إلي سماء سوداء معتمة, وخفتت كل الأصوات بالمدينة وساد صوت نعيقها الذي أصبح يحول بين سماع الزوج إلي حليلته, والأخ إلي أخته, والابن إلي أبيه, وكبرت الغربان أكثر حتي بعضها في حجم البقرة, غير قادر علي الطيران, ويسير متهاديا في الطرق من فرط بدانته, وتوحشت الغربان جدا فأفنت حقول القمح والذرة, وطاردت الحيوانات الأليفة والطيور الداجنة, ثم تمادت أكثر وهاجمت الناس في مساكنهم وأكلت من مطابخهم ونامت علي أسرتهم, وعندما ضج منها الشعب قدموا الشكاوي المتتالية إلي مقر السلطنة, ولما لم يسمع السلطان لشكاوي أفراد شعبه, ترك أغلبهم المدينة وهاجر إلي مدن أخري, وفي يوم التتويج الجديد, وقف السلطان وحيدا في الساحة الكبيرة للمدينة, وحامت فوق رأسه كل غربان المدينة القادرة علي الطيران ثم أمطرته ببرازها, فمات وسط غائطها؛؛؛؛؛
طبتم؛؛؛؛؛ |
|
|
|
|
|
كنت قد مررت على المشاركة عندما طرحت من أخينا الأستاذ القدير (الخليفي الهلالي ) بشكل سريع من قبل ، ولما أنني لم اقف بعد على مضامينها ،وماتحتويه من معان وعبر أو بعبارة أخرى الغوص في مداميكها ؛قررت أن أتريث في التعقيب حتى أعود مرة أخرى لقراءة القصة من جديد ،وهذا مسلكي في النظر في مايطرحه البعض من الأعضاء المتميزون بمواضيعم ومايختارونه للقارىء ،لأن هدفهم الكيف لا الكم من المشاركات 0
فالقصة من الفن الجميل من فنون الأدب المحبب لي ،وللأمانة فالقصة جميلة للغاية وتصلح أن تكون عملاً درامياً ضخماً يصور المغزى أو الهدف الذي أراد المؤلف أن يحيط الناس به 0
والغراب نظير شؤم عند عرب الجاهلية فكانوا يتطيرون منه ،وقد نهاهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن اسلموا ، وذهب العرب في تراثهم أن الغراب أعور لأنه مغمض أبداً أحدى عينيه مقتصر على أحداهما من قوة بصره. وقال غيره: إنما سموه أعور لحدة بصره وصفاء عينه على طريق التشاؤم، وهو كنايةعلى قوة بصره وحدته وفيه النظرة لما يمكن أن يحدث في المستقبل من الغيب ،فالشاهد أن الكاتب لعله كان يبعث برسائل سياسية هامة للبلدان التي تحاول أن تطبق الديمقراطية وإقامة العدالة الإجتماعية في بلدان النخبة فيها التي عن طريقها يتم تحقيق هذا الهدف هم (الغربان ) ولعلها كناية عن المفسدين إو استعارة مكنية لأمر أراد به الكاتب أنهم فوق الشعب ،وأن بيدهم التغيير بما في ذلك موت الملك ، وأن من سوء الحظ منادَمِة الغُراب ،و أن نهاية الغراب أنه يقع على المزبلة ( ثم أمطرته ببرازها, فمات وسط غائطها؛؛؛؛؛)
وكما قيل :
إذا كان الغراب دليل قوم ... فتناوس المجوس لهم مقيل
مرة أخرى القصة جميلة ورائعة وشكراً أخينا الغالي (الخليفي الهلالي ) |
|