المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي



الدكتور: عبد القادر باعيسى

عذب القوافي للشعر الفصيح


إضافة رد
قديم 02-22-2013, 11:05 AM   #1
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي الدكتور: عبد القادر باعيسى

الدكتور: عبد القادر باعيسى
شعر صالح سالم عمير من خلال ديوانه (باقة ورد)

ـــ 1 ـــ

منذ النصف الأخير من القرن العشرين حدثت كثير من تغييرات متلاحقة في مناحي المجتمع الحضرمي الثقافية والسياسية والاجتماعية، بما في ذلك ظهور عدد من الإجراءات الجديدة في الكتابة وطرق التفكير لم تكن معروفة من قبل بصورة واضحة، وغدا كثير من أبناء المجتمع فاعلين بشكل أو بآخر في مناح مختلفة من الحياة السياسية والثقافية والعلمية، وتطلع الناس نحو تحسين قدراتهم الثقافية فأسهم ذلك في ظهور مساقات جديدة للكتابة أخذت تختط طريقها بأولية وصعوبة بالغة وتعمل جهدها وبإمكاناتها الفنية المتواضعة على رسم خطوط التحول الأدبي في كتابة الشعر والقصة والمقالة، فارتفع بذلك إحساس الناس بقدراتهم الذاتية وإمكاناتهم في الكتابة والتميز.

وكان على هذا الخط أن يمد طريقه إلى الشعر العامي الأكثر التزاما بنمطية القول التراثية وارتباطه بسياقات تاريخية جماعية من الإرسال والتلقي يستسيغها الشعب عامة، ويعد الخروج عن مساقها غير مقبول وفي أحسن الأحوال غير مستساغ، إلا أن الاهتمام المتزايد بالخصوصية في الكتابة والوقوع تحت تأثيرات مختلفة من جهات عربية في كتابة الشعر العامي وصلت عبر الراديوهات والصحف والزيارات، ومن ثم في مرحلة لاحقة عبر التلفاز والقنوات الفضائية والانترنت، وتوالي أجيال جديدة تختلف ثقافتها بشكل أو بآخر عن ثقافة الأجيال السابقة أسهم بصورة أكبر في مد خط الجرأة واستشعار إمكانية الكتابة بصورة مختلفة بغض النظر عن نجاح تلك الصورة أو إخفاقها، وبغض النظر عن التوافق أو الاختلاف معها حتى صار التنويع معلما من معالم الكتابة الأدبية في مختلف المجالات بما فيها الشعر العامي الذي شهد على يد كبار شعرائه كحسين المحضار وعبدالقادر الكاف لاسيما في مجال شعر الأغنية ازدهارا واضحا، وإن ظلت الفردية محدودة بالقياس إلى الصياغات العامة المعروفة والسائدة في قول الشعر العامي.

وأخذت تلك الطريقة تنتشر بين القراء لاسيما الشباب والمتعلمين انطلاقا من تلك المقاربة للكتابة التي تعتمد على الإبداع الفردي غير المعتمد على النمطية التراثية بكامل حضورها لاسيما أن الشعر العامي لم يخل من توجهات فردية في أنماطه التقليدية كما حدث عند حداد بن حسن الكاف مما قدم بلاغة بدأت تنزع نحو التحرر من النمطية القديمة في قول الشعر العامي على جلال قدره وقوة حضوره وضخامة انتشاره في الصدور والذواكر وتشكيله وتوجيهه لكثير من معطيات الحياة المحلية إلى لحظتنا هذه.

إن تلك الإجراءات في كتابة الشعر العامي ستظل من حيث المفهوم مندرجة في إطار الشعر العامي مادامت تتخذ اللهجة المحلية أسلوبا لكتابتها وإن انحرفت عن كثير من تركيباتها إلى حد المباينة الواضحة في مرات كثيرة، من غير أن يكون بإمكانها التخلص مطلقا من هيمنة الشعر العامي ولا من سطوته التاريخية لسبب بسيط جدا هو أنه لا يمكن للمحاولات الجديدة أن تبدأ منبتة الصلة عن أية جذور وبمعزل عن أية خلفية تلقي عليها بظلالها وتسوغها في بنية المجتمع المحلي، فإمكانات الشعر العامي ومزاياه الفنية التاريخية أوسع وأرسخ من أية إمكانات فردية بدأت تظهر، إلى درجة أن هذه المحاولات حين بدأت لم يحس بوجودها أحد، أو عدت من الأشياء العابرة في مسيرة الحياة الفنية عامة غير أنها أخذت تتسرب إلى أوساط الناس بإمكاناتها التعبيرية الخاصة وتلح بهدوء على شروط بقائها وإبراز مزاياها الفنية في ظل تقبل المجتمع لها وانفتاحه عليها لاسيما في دلالتها على انفعالات وهموم مختلفة أخذت تتخلق في نفوس الأجيال الجديدة فرضها الواقع المعيش ومستجدات العصر لم تكن معروفة عند شعراء الأجيال السابقة.

ولعل تلك الفردية أخذت تتسع بمرور الأيام لاسيما مع زيادة إصدار الدواوين الجديدة، وأخذ الوسط الثقافي يدرك أهمية خصوصية الكتابة الفردية في إثراء الشعر العامي لاسيما في صدورها عن شعراء موهوبين، وفي تفاعل هذه النصوص فيما بينها على الرغم من غياب المكتوب النقدي عنها، الأمر الذي أنجز دينامية مختلفة بصورة تضعف أو تتضح مع صدور كل ديوان من حيث تناول الموضوعات واستخدام الوزن والإيقاع وتشكيل الصورة.

في ظل هذه الأجواء التي امتدت لأكثر من نصف قرن صدر ديوان (باقة ورد) للشاعر صالح سالم عمير في طبعته الأولى عن مكتبة تريم الحديثة سنة2012م فدل بطريقته الخاصة على مرحلة التحول هذه ببساطتها واضطرابها وتميزها، ومن هنا تأتي خصوصية قراءته كأحد المؤشرات على هذه المرحلة التي تدل عليها أيضا دواوين شبابية أخرى بصيغ مختلفة تزيد الصورة وضوحا وثراء.

لقد امتلأ شعر صالح سالم عمير بموضوعات حياته الاجتماعية وامتزجت تلك الموضوعات برقة أحاسيسه فانسابت لغته تلقائية سلسة بعيدة عن متانة اللغة وأصالتها التراثية وأقرب إلى لغة الوجدان اليومي في أثناء تبادل التحاور الحميم بين الأهل والأصدقاء مما أثر على درجة إعمال الخيال فيها إلا أنها مشمولة بالحب وصدق التفاعل، ومضى بتلك الروح الإنسانية في صوغ مشاعره وتقديم انفعاله وتفاعله مع هموم الناس وأفراحهم:


صباح الخير يا أغلى صبية ثغرها كوثر

صباح الخير يا غادة شهية قلبها أخضر

علامات الأسى تكسو محياك المليح الزين

بلاش الهم والأحزان، يا عسلية العينين!

.... .... ....


سبب حزني، سبب همي

حبيب القلب يا عمي!

لأنه لا يجيد إلا الكلام الحالي المعسول

ويخلف كلما أوعد كأنه إنقلب مسؤول!

لأنه كلما قرر يناسب يعلن التأجيل

كأن الحب أصبح للأسف تمثيل في تمثيل

.... .... ....


متى نستقبل المأذون؟

ونسمع وشوشات العود والقانون؟

ونرسم نقشة الحنا؟

وينفح عطر في يوم المنى.. ودخون؟ (الديوان ص15-16)
التوقيع :
  رد مع اقتباس
قديم 02-22-2013, 11:12 AM   #2
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 2 ـــ

بهذه الطريقة تغدو كثير من جزئيات المجتمع الصغيرة عند الشاعر صالح عمير قصائد حتى احتوى ديوانه على ستين قصيدة أو ستين ثيمة اجتماعية مما يعيد تفعيل الروح في حياة الناس من خلال الإشادة أو الانتقاد لكثير من مواطنها السلبية إذ يمتزج في شعر عمير المجتمع والذات والفن كما سوف نأتي إلى إيضاحه:


شعبان في فرحة يطبل في بلاده في عبط

لكل صاحب جاه أو سلطان أو صاحب زلط

أهم شي عنده ملا بطنه ملا كيسه فقط

ولا يهم الصح عنده بعد ذلك والغلط!

.... .... ....

موجود في كل الأماكن والمدائن والعصور

يسلي الوالي وسكان الفلل واهل القصور

فنان في قلب الحقائق والمسائل والأمور

يسمي المأتم فرح والشوك باقات الزهور

.... .... ....

من أجل رزمة مال عنده يستوي باطل وحق

يرقص على كل الحبال يلعب بألوان الورق

يمارس التلميع والترقيع في خفة بحق

يقول يكتب أي شي ..

أصله مجرد مرتزق!! .(نفسه 51-52)
  رد مع اقتباس
قديم 02-22-2013, 11:18 AM   #3
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 3 ـــ

يسعى النص هنا إلى أن يبقي الجماعة على تماسكها الخلقي من خلال هذا الانتقاد، رغم أن مثل هذا السلوك متكرر في طيات التاريخ كما قال الشاعر، وهو لا يمارس وظيفته الانتقادية لشعبان حسب، ولكنه يمنع الآخرين من السقوط عبر تفعيل عواطفهم النابذة لمثل هذا التصرف، ويمنح المجتمع تأييده التلقائي لهذه المعاني، وذلك هو سر التفاعل بين هذا الشعر والمجتمع، أو بين الكلمة والناس التي يعمل الشعراء العاميون على تأجيجها باستمرار، وهو ما يقدم بشكل أو بآخر صورة من صور الثقافة أو وعي الناس، فالشعر والمجتمع والثقافة أبعاد متداخلة هنا حيث يظل للشعر سحره، ولكن في الوقت نفسه حكمته المسموعة وتوجيهاته الاجتماعية من جراء ذلك التفاعل، الشعر هنا يمكن تعريفه بأنه وجود فني في نسغ الحياة الاجتماعية يسعد كل فرد كما يوخزه، ويتسلل إليه بمن في ذلك (شعبان الطبال) الذي رمزت القصيدة إلى اسمه مستخدمة كلمات بسيطة يمكن لأي شخص مهما دنت ثقافته أن يفهمها.

بهذا يدعو الشاعر الجميع للانشراح والسعادة على بساط كلماته بما تخبئه من حب ووجد، ونقد أيضا، بوصف ذلك طالعا من صميم حياته إذ يقدم صوته من خلال المعيوش واليومي، ومن خلال ذلك نبصر المجتمع والشاعر معا، هو شعر يتفتح على الجميع، أو باقة ورد ترسل أريجها على الجميع وقد طرق فيه الشاعر عدة موضوعات انطلاقا من الإحساس بذاته وقد اعتمرت بالمجتمع في كثير من تفاعلاته. ويأخذك كصديق في جولة متنوعة في ديوانه، لا يكاد يستقر على شيء واحد، وإنما يقدم لك باقة ورده ويمتعك كأن المجتمع وشؤون حياته تمر من خلال عتبة ديوانه أو كأن الديوان عتبة إلى الحياة، وكلما توغل في قضايا الناس اقترب إليك الشاعر بألفته، لذلك أظن الشاعر سعيدا بتلك القصائد أكثر مما هو فخور بها ، بوصف السعادة تشمل الشاعر والمجتمع الذي أحبه، أما الفخر فخاص به وحده.

وفي أثناء ذلك يمارس صالح سالم عمير حريته في تشكيل كلماته ويسعى بسماحة لامتلاك خيار صوته من بين كل البدائل التي كان بإمكانه محاكاتها وتقليدها، إذ آمن –كما يبدو- بإمكانيته في قول صوته الخاص ولو كان بسيطا، ويقف خلف ذلك لا شك معاناة ما شكلت في المحصلة الأخيرة طاقة كلماته، ولعلني على ثقة من أن تجربة صالح جزء من تجربة عامة تنوعت على يد عدد من الشعراء العاميين الشباب في حضرموت أسهمت في تلبية رغبة جيل كامل أو أجيال في سماع صوت مختلف وخاص في الشعر العامي أخذ يخرج إلى النور.

لغة صالح سالم عمير ليس لها ذلك التأثير العنيف المزلزل للنفس والخيال لكنها جارية في ضمن تفاعلات الذات والمجتمع فمحتواها ذاته هو وسيلة توصيلها، ترسل دوالها مباشرة إلى ما يمتع الذات والمجتمع العام، ويمكن تقبلها من خلال مجموعة هذه التفاعلات. الشاعر هنا يقدم خصوصيته ملتبسة بالاجتماعي من حيث كونه يتحد بأشياء المجتمع من خلال لغته التي يعمل على ترتيبها وتنسيقها بفنية عملية كما لو كانت شيئا اجتماعيا منظورا إليه بعناية بالغة، وينطلق من نص إلى نص أو من وردة إلى وردة مأخوذا بفتنة الالتقاط منفتحا في كل مرة على إحساس مختلف، ومع أن ما يلامسه موجود في إطار المجتمع لكن في انفعال الشاعر به ما يدعو للإحساس به بشكل ودي، وفي هذه الحالة لن تنجو اللغة من مس الشاعر ولن ينجو المجتمع، إنه يمنح إحساساته لأشياء تبدو في غاية الاعتيادية والألفة، فيبحث عن فنيتها من خلال تقديم نقاط منسية مغفلة من وجودها الواقعي، كأن الواقع في بعض جزئياته مثل خيالي، كما نرى في قصيدته (شجن) عن آلة العود الوترية:


يا عود أنسني وسليني وواسيني

وحاصر الحزن الذي كالجمر يشويني

يا مزهري يا أروع الأصحاب والأحباب

.... .... .... ....

يا عود وشوشني إذا ما الجو شابه غيم

خليك في حضني إذا طال الشقاء والضيم

يا صادق البوح المموسق في زمن كذاب

.... .... .... ....

الله ما أحلاه، مذهل، همس أوتارك

وما أحيلى كل أخبارك وأســرارك

صوتك ندى بين الجوانح ينسكب.. ينساب

.... .... .... ....

هيا ابتهج.. ما لك تولول، تذرف الدمعة؟

واللحن محبط، منكسر، في غاية اللوعة؟

والأفق محزون الملامح، أسود الجلباب؟

.... .... .... ....

هلا عزفنا يا صديقي أغنية أحلى

هلا تجاوزنا النشاز المكتنز هلا

هلا رحلنا صوب عالم مختلف جذاب! (ص17-18)
  رد مع اقتباس
قديم 02-22-2013, 11:21 AM   #4
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 4 ـــ

العود صامت لكن الشاعر يحاول أن ينطقه ليعبر من همومه إلى فضاءات النغم، فثمة رحلة معاناة تمتد من الحياة إلى النغم الجميل، وكلما رقت نغمات العود كشفت عن مقدار التعب في هذا العالم وفي استهلاك الحياة اليومية لجماليات الروح، وهو ما يمثل ازدواج الشاعر بين الحياة الاجتماعية وفضائها الفني أو تخارجه بين الواقع المباشر والواقع الفني للمجتمع، وكان بإمكان الشاعر أن يلامس حقائق أشياء كثيرة يومية لو أزاح الغشاوة عن سطحها قليلا، كما فعل في قصيدة شجن، إنه يتخلى وقتيا عن آلامه ليذهب إلى فضائها الفني، فلمثل هذا النص علاقته برغبة الإنسان العادي في سماع وشوشات العود حيث تسكن أطياف أحلامه وعشقه في تلك النغمات الطالعة من صميم وجدانه والتي هي جزء من الخيال الجاري في أنساغ المجتمع وذلك ما يدعو لاستمرار الحياة والإحساس بمتعتها.

إن الشاعر غير قادر على الانفصال عن عوده كما هو غير قادر على الانفصال عن مجتمعه، وهو ما يستدعي تجاوب الكلمات في شعره بين الخاص والعام، فما يقوله الشاعر عن عوده أو ما يغازله به هو ما يقوله كل فرد من أفراد المجتمع، أو كثير من أفراد المجتمع، مما يعطينا إشارة إلى أن هذه اللغة وإن بدت ذاتية فهي لغة ذاتية –جمعية ترسم لأفق مطابق فيما بين الشاعر وأفراد مجتمعه فحلمه ورغبته هو حلم كل واحد فيهم، ومن هذا المنطلق فالشعر مرحب به مادام ينفعل به شعور وجداني عام، وينتشي بأثره الجميع ويستمتعون به، فللكلمة الملاصقة لحقائق الأشياء لاسيما تلك التي يعاني منها الناس تأثير حسي وروحي معا ينتج عنه متعة خاصة عند سماعهم نغمات الموسيقى.

هذا الشعر من أي اتجاه جئته هو صوت إنساني متحالف مع شؤون الناس ومعني بجزئيات وقائعهم الاجتماعية، لذلك تبدو لغته أقرب إلى لغة النثر، وتلك مغامرة من الشاعر تجعله أمام خيار صعب: شعره أو مجتمعه، وقد اختار الثاني فأعطى مجتمعه اهتماما أكبر، وبناء على ذلك قدم شعره خاليا من كثير من اللبوس المجازية، فهل نحن بذلك أمام وعي يتبناه الشاعر يوجه صياغة شعره على تلك الشاكلة؟ ربما كان في المقاربات العامة لطريقته في الكتابة ما يرجح ذلك، إنه يهتم بالتفاصيل الصغيرة التي يأبى أن يتعاطاها كثير من الشعراء، وهذا ما يجعلنا نحترم في عمير إيمانه بمحليته واجتماعيته حتى تمتلئ كتابته باللحظة الانطباعية أكثر من الروح التأملية التي ربما كان يهرب منها عامدا، لأنه بتلك الطريقة غير الاجتماعية لو سلكها سيطوح بنفسه بعيدا خارج اهتمامات المجتمع وخارج اهتماماته على حد سواء، الشعر لديه ممارسة اجتماعية تروق له فيه الطزاجة في وصف الأحوال وتقديمها مباشرة قبل أن يجف ماؤها.

الكتابة هنا حاجة اجتماعية ضرورية بالنسبة للشاعر مادامت تستجلي هموم الناس حيث موضوعات نصوصه قادمة من المجتمع وقضاياه، لا من النصوص إلا نادرا، كما في قوله متفاعلا مع قصيدة الشاعر الكبير حسين بن أبي بكر المحضار (منذ ربع قرن) :
أين الذهب والجواهر ذي في الخن؟

يا شاعر الأغنية في أي خانة؟

هل يا ترى لم يزل يا رائد الفن

في الحفظ والصون مفتاح الخزانة؟

أو من عبر هاش ما استخفى وما عن؟

والكل ينهب ويكنز في ثبانه

يا سيد البوح والحرف الملحن

يا خالد الذكر يا عالي المكانة

الحال مايل وعاده ما تحسن

وشارع الصبر ما بانت حسانه (الديوان ص44)
  رد مع اقتباس
قديم 02-22-2013, 11:23 AM   #5
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 5 ـــ

يهتم صالح عمير بإلقاء الضوء على الشروخ المعتمة في العلاقات الإنسانية ويتوجه عامدا نحو مواطن الخلل فيها ليكشفها، إنه ينطلق من التزامه التلقائي نحو المجتمع يريد أن يحميه من نسيانه لقيمه، فيدخر شعره كثيرا من الثيمات الاجتماعية. إنه يجيد الإنصات لنبض الناس والوطن هذا الذي ما عاد كثير من الشعراء يهتمون به سوى بشؤونهم الخاصة إلى درجة أن يصير صوتهم ضئيلا في ما يتعلق بالمجتمع ولعل بعضهم من جيل الشاعر، ونحن الذين تعودنا الابتعاد عن المسعى الحياتي اليومي نفاجأ بهذا الديوان كما لو كان شيئا غريبا، بينما هو في الواقع يعرينا ويعاتبنا، صحيح أن الفن يجب أن يحضر فينا كتصور عال، ولكن يجب ألا ننسى المجتمع، الديوان صرخة احتجاج على كثير من القيم المنهارة في المجتمع التي أهمل الناس الحديث عنها وانتقادها إذ تجد فيه الفتاة الجميلة التي يسعى الجميع للتلهي بها دون أن يتزوجها أحد (قصيدة ليلى ص21-22) والنمام اللئيم الذي يمتطي صدور المجالس متحدثا عن أي أحد (قصيدة لا مفر ص23-24) والأب المتنعم بالخيرات بينما ابنه يغرق في الفقر (قصيدة معاناة ص31-32) والراقصة الفاتنة التي شاخت وغدت قبيحة غير أنها ظلت على تهتكها (قصيدة الحيزبون ص35-37) والمدعي الثقافة المتعالي بنفسه كما لو كان أستاذا كبيرا (قصيدة عبقري ص42-43) والعاهرة التي تابت إلى الله من خطاياها لكنها سرعان ما عادت إليها (قصيدة قالوا ص46) واللاهث وراء المال ناسيا صحبه وأصدقاءه (قصيدة الأ يكفيك هذا الخير ص49-50) والأمثلة على هذا كثيرة.

لعل كل فرد في المجتمع مهيمن بطريقته الخاصة، وإن بدا أنه مهيمن عليه في بعض المواضع، وإعطاء الشاعر المرأة حيزا كبيرا من اهتمامه دل على ثيمة حديثة يطرقها الشعر العامي على يد الجيل الجديد من الشعراء، وتنتمي مجموعة هذه الأحوال إلى فضاء المدينة أكثر مما تنتمي إلى فضاء القرية وتظل شخصية الشاعر هي الشخصية المحركة لكل تلك التفاعلات والدافعة بها، وإن كان سيظل في هذا شيء من الخمول الشعري في نظر بعض النقاد مما قد يسبب للشاعر ألما ما لمحته في بعض وجهات نظره، ففعل الكتابة أناني أحيانا يريد الإخلاص له، أعني للجمالي فقط، لكن الشاعر لا يلتزم لهذا ولا يأبه له ساعيا نحو إرضاء طموح ذاته الاجتماعية لو جاز التعبير فيهيمن السياق الاجتماعي على ديوانه قصيدة بعد قصيدة إلى درجة قد يصل فيها إلى تكرار صوت المجتمع بصورة حرفية كما في قصيدة (زر من تشاء):


زر من تشأ ساعة الواجب أخي المؤمن

يا راسخ الاعتقاد يا صادق الإيمان



قبل الزيارة تواصل، اتصل، تلفن

لا تقتحم أي بيت لو كان.. مهما كان



في البيت يحيا يعيش الفرد مستأمن

في مملكة خاصة في واحة اطمئنان



لا تهتك أستار مسلم فيه مطمن

احذر تخالف شريعة خالق الأكوان



احذر تقع في خطأ فادح جلي بين

لا تجرح الأصدقاء والأهل والإخوان



في كل موقف أخي أرجوك استأذن

لا يحرك الضيف ساكن دونما استئذان



سلم على القوم لا تخفي السلام أعلن

وان قمت سلم إذا وقت انصرافك حان



أحك الكلام السوي إياك تتلسن

على بشر.. لا تقع في الإثم يا إنسان



غض البصر والنظر يا طيب المعدن

وتجنب الثرثرة والزور والبهتان



دع كل موضوع لا يغني ولا يسمن

في كل أمر اتق المولى عظيم الشأن



حافظ على هذه الآداب يا محسن

يا من تحب النقا والخير والإحسان



على النزاهة على النهج السوي برهن

تذكر آداب قد أوصى بها القرآن (ص119-121)
  رد مع اقتباس
قديم 02-22-2013, 11:26 AM   #6
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 6 ـــ
وعليه فإن اللغة في ديوان صالح سالم عمير (باقة ورد) تقوم بعملية نقل للواقعة الاجتماعية بصيغة تعميمية، فإبداعه يستثمر الخطوط العامة، وكلماته تنتظم في أنساق كلية واضحة، وكلما استطاع الشاعر –أي شاعر- أن يضفي أكبر قدر من التلوينات الأسلوبية على نصه كان ذلك أدل على حمله دلالات أكثر دقة تدعوه إلى إنجاز إمكانات أخرى من معالم كتابته الفنية مما يسهم في استجلاء خصوصية نصوصه بصورة أثرى.

يختص شعر عمير بمألوف اللغة في انزياحها عن معيارية اللغة الشعرية العامية الكلاسيكية إذ جعل عنوان مجموعته الشعرية (باقة ورد) وهو عنوان لا تألفه لغة الشعر القديم، لكنه غدا مألوفا بين الناس في تبادل بطاقات الفرح والأعياد والتهاني، وينطوي في دلالته على التنويع، فالباقة هي مجموعة ورود متنوعة. وهو عنوان لا يثير تساؤلا ولا إشكالا إذ يقدم دلالته الرقيقة من خلال تركيب مألوف مكون من مبتدأ وخبر ومفاده في المعيار النحوي (هذه باقة ورد) دافعا ديوانه بذلك نحو القلوب، إذ يأخذك العنوان ببساطة ودون ضجيج كبير إلى الديوان، ويشعرك بهدوء أن (باقة الورد) تحتفظ بمشروعية جمالية أخرى بدخولها إلى الكلمات مشكلة باقة جديدة، فهو بذلك عنوان دال على تنويعات القصائد، يغري بالوقوف عليها، وفتحها، ويدعو لاستجلاء هذه الباقة وردة بعد أخرى، فتنبني كلية الديوان من قصائد تجمع بينها علاقات دلالية واضحة في دلالة على أن باقة الورود نسقها الشاعر بعناية حتى تلح على قارئها بقراءتها، فقصائد (باقة ورد، وصباح الخير، والبلابل شدت، وحبيبة الروح، وأهل سمعون، وأمي، وتريم، وعلى شط صيرة، ووادي الخير، ورفاق السلا، وهمسة إلى زهرة الوادي، والعاشق الموعود، وغيرها) تشكل مجموعة معينة مليئة بأحاديث الورود ومتعلقاتها الدلالية:


البلابل شدت بعذب لصوات واللحون الجميلة

لي تنسنس شذا وعطر فواح

نسأل الله يديم الأنس والأفراح

وأغنيات السعادة والمسرات

نسأل الله يديم الإنس والأفراح

عشب أخضر نبت حامت فراشات في ربوع الطويلة

والفرح في المكلا بان يا صاح

نسأل الله يديم الأنس والأفراح (ص105-106)
  رد مع اقتباس
قديم 02-22-2013, 11:30 AM   #7
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 7 ـــ


تقابل تلك العناوين عناوين أخرى مختلفة تماما (لا مفر، وقدر محتوم، وحضرة الواقع، ومعاناة، والعرافة، والحيزبون، والله يعين، وقالوا، وألا يكفيك هذا الخير، وشعبان الطبال، وأنت حر، وزحام، وغيرها) فهي باقة من عناوين أخرى تختلف معها دلالة النصوص التي تشير إليها.

وعلى أية حال يصرح أغلب العناوين بدلالات النصوص ناقلة بتلك الصورة من التصريح الجو الدلالي للنص، وتراكيب العناوين لا تزيد عن كلمتين إلا نادرا، وحركتها الدلالية تكاد تصف المشهد داخل النص، وتلخص ما فيه من حيوية. وحيوية المشهد من أبرز مزايا عمير في شعره تكاد تشمل كل نصوصه تقريبا، إن لم نقل إنها المزية الرئيسة التي تتعلق بها كل التنويعات الأسلوبية، مما هو في المحصلة الأخيرة دال على حسن تمثله لمجتمعه في كل حركاته، كقوله:


الله يعين

على فصول المسرحية الهابطة الله يعين

الله يعين عبد المعين هذا الوديع المستكين

في دأب يتحذف عليه طوب الغثا المحض المبين

طوب السخافات التي تحن له في كل حين

تسقط عليه من كل صوب ولا تهادن أو تلين

من الجنوب ومن الشمال ومن اليسار ومن اليمين

والصابر الظافر حزين

حزين على مر السنين (ص38)
  رد مع اقتباس
قديم 02-22-2013, 11:32 AM   #8
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 8 ـــ


لا أظن أن القارئ سيغيب عنه هذا التمثيل الحيوي فيما يعانيه عبد المعين الذي (يتحذف) عليه الطوب في حياته من كل مكان وهو صابر على ضرباته مستسلم له.


وفي قصيدة (لا مفر) يقول:

رغم أنفي حيثما أذهب أراه

في ثنايا كل أيام الحياة

في زوايا كل موقع في البلد

.... .... ....

في المقاهي، في النوادي، في البيوت

في الميادين الحديثة، في الخبوت

في مرايا الأمس، في غيب الأبد

.... .... ....

بالكوارث يحتفل هذا الغريم

لا يطيق الخير والبهجة، لئيم

ينهمر إن قام، لؤمه، أو قعد

.... .... ....

يمتطي صدر المجالس في دلال

يعشق الحكي البذي، يهوى الجدال

والتطرف، والتهور، والزبد (ص23-24)

ويقول في قصيدة (زحام):

هذي الولية الفانية لي اسمها: بنك الفلوس

الكل يخطب ودها كأنها أحلى عروس

يا للتنافس والتناحر والصراع العاطفي

والشد والجذب الخفي

وطعنة الخل الوفي

هذا لكي يحظى بطيب الوصل وبشهد العناق

يرسم مصايب ظالمة

يرسم عمايل لا تطاق

وذا لكي يكسب رضا أم المباهج والنعم

يدعس على كل القيم

يبصق على كل الشيم

هذا يقاتل في شراسة يعلن الحرب الضروس

ويا لها من حرب لا تخلص كما حرب البسوس

وذا يمارس ما تشأ ليلاه يفعل ما يريد

يهتف يصفق ينحني

وينبطح مثل العبيد!

وذلك الشحاذ يمدح في جمال الحيزبون

في قدها المياس يتغزل وفي سود العيون

يرسم يصور في لغة تقطر تملق وابتذال

تلك العجوز الساحرة كأنها رمز الجمال

وكل واحد منشغل بربة الوجه الحسن

وكل واحد روميو

أو حضرة الشاطر حسن (ص55-56)
  رد مع اقتباس
قديم 02-22-2013, 01:50 PM   #9
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 9 ـــ

ــ 9 ـــ
ومن جراء ذلك التمثيل الحيوي الذي يبرز المشهد أمامنا عيانا وصوتا وحركة مالت لغة النصوص نحو بنية الحكاية التي تساعد على إبراز طبيعة التمثيل الحيوي للمشهد بصورة أجلى (تنظر نصوص: دنيا ص19-20 وليلى ص21-22 والعرافة ص33-34) واختتمت بعض النصوص-الحكايات بمفاجآت طريفة ( نصوص: دنيا ص19-20 و: وظيفة شاغرة ص47-48و: أول أيام نيسان ص61- 63) وكان ذلك أدعى لأن يسود الحوار في الديوان:


- يا أميرة في السباحة بارعة

يا صديقة لا تضاهى رائعة

يا شذا، ياورد أبيض، يا عبير

ساعديني ذللي ظرفي العصيب

أو صليني ذلك الشط القريب

وابشري بالخير.. بالخير الكثير

- مستعدة إنما خوفي عظيم

من أذى غدرك من الطبع اللئيم

من غثا سيفك من السم الخطير! (ص72)
  رد مع اقتباس
قديم 02-22-2013, 01:53 PM   #10
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـــ 10 ــ

وامتلأ الديوان بالألفاظ والتراكيب ذات المعاني المتقاربة التي تضفي على النص بتلاحقاتها تنويعا في الحركة الدلالية للسياق نفسه في سبيل إذكاء المشهد، وزيادة تفعيله، كما في قوله عن اليزيدي من قصيدته (لأنك غير ص40):
لاعب/ مراوغ/ رأس حربة/ محترف/ حريف

أنت الذي في أي شيء/ في كل شيء بارع

أنت الصحافي/ الألمعي/ والمطرب اللامع

وفي الأدب لك باع/ في التأليف/ والتصنيف

وقوله من قصيدة (عبقري ص42):

دنيا رهيبة/ كتاباتي/ نتاجي الغزير

أنا مفكر/ أنا ناقد/ خرافي/ خطير

خبير/ في كل ألوان الكتابة/ خطير

وقوله من قصيدة (أنت حر، ص53):

أنت حر/ صدق/ تأكد/ أنت حر

إنما أمرك/ مؤكد/ لا يسر

سر محلك/ رغم ما قد صار/ سر!
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas