شوقي ضيف..علما من اعلام الأنسانية في حضن التاريخ

[باشراحيل]

رحيل الأديب والمؤرخ والناقد والمحقق الموسوعي ..

شوقي ضيف .. علما من اعلام الأنسانية في حضن التاريخ
جدة : رياض عوض باشراحيل

رحل عن دنيانا يوم الخميس 8/3/2005م الأديب المؤرخ والناقد العالم د. شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية عن عمر يناهز الخامسة والتسعين عاما فخسرت الثقافة العربية برحيله عالما موسوعيا وبكى فيه ابناؤه وطلابه وزملاؤه ومحبوه على امتداد وطننا العربي حنان الأب ورعايته ودقة المؤرخ الحصيف ورقة الأديب الناقد ليصبح في ذمة التاريخ علما من اعلام الانسانية التي تخطت بأفعالها وثقافتها وموسوعيتها كل الحدود والحواجز الجغرافية والسياسية والاجتماعية والفكرية لتخلق عالما خاصا لهذه الشخصية البارزة في ميادين الادب والنقد والتاريخ واللغة والدين .
وشوقي ضيف احد جهابذة النقد ومذاهبه، وابرز اعلام الآداب العربية والمجدًّد الفذ في لغة الضاد، صيغاً ومصطلحات ومفاهيم واكبت العصر إذ هو ضليع في علوم اللغة العربية ومعاجمها , وصاحب أشمل موسوعة كُتبت في تاريخ الأدب العربي منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث وهي بحق ثمرة صبر وجهد ودأب على امتداد عقود، ونتيجة تراكم خبرات وتجارب وعشرات الدراسات التفصيلية كتبها في اكثر من ثلاثين عاما طبعت الى الآن اكثر من اثنين وعشرين طبعة وتدرس ضمن مناهج الجامعات العربية , تعد تلك الموسوعة من اهم اعمال هذا العالم الجليل ومن ابرزموسوعات الأمة الثقافية والأدبية التي تشكل على مر تاريخ التراث العربي والإسلامي امتدادا لعبقرية الحضارة ، بالإضافة إلى عشرات الكتب في البلاغة والنحو واللغة والتفسير القرآني والحضارة الإسلامية والشعر والنقد التطبيقي وغيرها.ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
الفن ومذاهبه في الشعر العربي 1943م , والفن ومذاهبه في النثر العربي 1946م, التطور والتجديد فيى الشعر الأموي 1952م دراسات في الشعر العربي المعاصر1953م , العصر الجاهلي 1958م, في النقد الادبي1962م , العصر الأسلامي1963م , البلاغة تطور وتاريخ1965م , العصر العباسي الأول1966م , المدارس النحوية1966م , سورة الرحمن وسور قصار(عرض ودراسة)1971م , الشعر وطوابعه الشعبية1977م , تيسير النحو التعليمي1986م ,عصر الدول والأمارات(الأندلس)1989م , الوجيز في تفسير القرآن الكريم1995م , وغيرها كثير .
لقد امضى د. شوقي ضيف حياته استاذا للأدب العربي في الجامعات المصرية وبعض الجامعات العربية وناقدا ادبيا ومؤرخا لحركة الأدب عبر العصور ومحققا للمخطوطات التراثية اسهمت دراساته وابحاثه في تنوير الأمة وابراز التراث العربي على اصالته وتطوير فنون الأدب المختلفة والنقد الأدبي وكانت كتاباته نهرا متدفقا روى شعاب الثقافة العربية ,كما كان معلما لجيل كامل من النقاد والكتاب والأساتذة وراعيا لهم فتح امامهم نوافذ الهواء النقي والعلم الصافي والرؤية الصحيحة وترك بصماته في افكارهم وهم يعدون اليوم من اعلام الدراسة الأدبية في كل الجامعات العربية ومن اهمهم :من مصر جابر عصفور ,يوسف خليف , مصطفى الشكعة , احمد كمال زكي , محمد مصطفى هداره . ومن فلسطين احسان عباس , محمد يوسف نجم .ومن سوريا شاكر الفحام , احسان النص , مازن المبارك . ومن الأردن ناصر الدين الأسد , حسين عطوان .ومن العراق احمد عبد الستار الجواري , محسن غياض . ومن السودان محمد فوزي مصطفى وغيرهم .
لقد كان د. شوقي ضيف (يرحمه الله) يرى ان الأديب يستقي تجربته من الحياة مباشرة والناقد يستمد مادته من الصورة الفنية للحياة ولكن الناقد يندفع الى النقد بسبب الأستعداد الطبيعي الذي يدفع المبدع الى رصد الحياة ويؤكد ايضا ان الفن والثقافة هما المجدافان اللذان يحركان البواعث الكامنه في الأمة ويقودانها نحو تحقيق اهدافها العليا .
ويعطي العالم الراحل شوقي ضيف برؤية اسلامية اهمية خاصه للسمو بالأخلاق والقيم في مجتمعاتنا ويرسل الى الشباب توجيهه لتربية العواطف تربية اصيلة فهاهو في كتابه (الحب العذري عند العرب) يقول .. وجدت الشباب يقبلون على قراءة قصص الحب اقبالا شديدا غير مفرقين في هذا الأقبال بين الجيد منه الذي يسمو بالأحاسيس والمشاعر والرديء الذي تطغى فيه الغرائز وتجمح الأهواء والعواطف في غير تردد ولا خجل ولا استحياء ثم يقول : ايمانا مني بحاجتهم الى مايقدم الغذاء الرفيع لهم في يسر وبساطة رأيت ان اعرض عليهم طائفه من قصص الحب العذري عند اسلافنا الذي يتحول الى ضرب من التصوف المجرد من قيود المادة والحس وهو حب حقيقي ليس فيه إثم ولاجناح ولافسوق ولاحرج ولاخيانه ولاعار ولا خطيئة ولاريبة , انما فيه الوفاء والصفاء والعفاف والطهر والنقاء وفيه كان المحبون يحتفظون بكرامتهم مهما الح عليهم الحب ومهما اصطلوا من نيرانه وفيه تحتفظ الفتاة بجلالها ووقارها مع رقة العواطف ورهافة المشاعر .. يرحمك الله يا شوقي ضيف فقد كنت اديبا ومربيا ومعلما حريصا على تربية شباب امتك على الفضيلة ومكارم الأخلاق والأهداف العليا في الحياة .
وقد كرم الفقيد شوقي ضيف في عدد من العواصم العربية ففي موطنه مصر نال جائزة الدولة التشجيعية في الدراسات الأدبية عام 1954م وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1979 وجائزة مبارك أرفع الجوائز المصرية عام 2003 كما حصل من المملكة العربية السعودية على جائزة الملك فيصل العالمية في الآدب العربي عام 1983م وجائزة التقدم العلمي من الكويت عام 1988م وغيرها ..
وسيبقى شوقي ضيف الطود الشامخ والنموذج المتميز لكل الاجيال التي تلقت العلم على يديه بشكل مباشر أو غير مباشر فكتبه مثل محاضراته خير معلم للأجيال التي لا تزال تسعى الى فهم تاريخ الأدب العربي في كل عصوره وبيئاته، والتعمق في كل مايتصل بفروع الثقافة العربية ومجالاتها القديمة على وجه الخصوص ، فشوقي ضيف من الأساتذة النادرين الذين وهبوا حياتهم بأكملها للبحث العلمي، وعكفوا على التراث الأدبي واللغوي عكوفا قل نظيره بين الأساتذة الكبار كما يقول د. جابر عصفور.
واذا كان العظماء هم الذين يكونون مجد الأمة الثقافي فان سيرتهم يجب ان تحتل مكانتها المرموقة في تاريخنا الأدبي وفي قلوبنا لتتعرف الأجيال القادمة على الجهد المضني والدور الحاسم الذي قام به هؤلاء العظماء في توجيه مسيرة هذا التاريخ .
نسأل الله تعالى ان يتقبل شوقي ضيف ويرحمه رحمة الأبرار ويتغمده بواسع عفوه وغفرانه .. انه سميع مجيب .