المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > سياسة وإقتصاد وقضايا المجتمع > سقيفة الحوار السياسي
سقيفة الحوار السياسي جميع الآراء والأفكار المطروحه هنا لاتُمثّل السقيفه ومالكيها وإدارييها بل تقع مسؤوليتها القانونيه والأخلاقيه على كاتبيها !!
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


الربيع العربي.. عام من الحياة الخطرة

سقيفة الحوار السياسي


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-17-2012, 01:15 AM   #1
وادي عمر
مشرف سقيفة الحوار السياسي
 
الصورة الرمزية وادي عمر

الربيع العربي.. عام من الحياة الخطرة

الربيع العربي.. عام من الحياة الخطرة
الثلاثاء 17 أبريل 2012 12:49 صباحاً

معمر القذافي.. نهاية مأساوية المجلة
طوال عام 2012، ترددت أصداء هتاف الشعوب عبر الأراضي العربية: «الشعب يريد إسقاط النظام». مرّ الهتاف عبر الحدود بسهولة، وحملته الصحف والمجلات وانتشر عبر «تويتر» و«فيس بوك»، وبثته قنوات مثل «الجزيرة» و«العربية».

انتهت القومية العربية من قبل، ولكن هنا بدت وكأنها صحوة عربية أكيدة بكامل قوتها. فقد نهض الشباب الباحثون عن الحرية السياسية والفرص الاقتصادية، بعد أن أضناهم ملل الحياة اليومية، ليثوروا ضد حكامهم متصلبي الرأي.

كانت مفاجأة. طوال فترة جيلين تقريبا، اجتاحت أمواج الديمقراطية مناطق أخرى في العالم، من جنوب أوروبا وشرقها إلى أميركا اللاتينية، ومن شرق آسيا إلى أفريقيا. ولكنها لم تصل إلى الشرق الأوسط، الذي أحكم طغاته غلق عالمه السياسي وأصبحوا مالكين لبلدانهم. كانت منطقة منعزلة، حكام مستبدون وشعوب متجهمة ومجموعة مهمشة من الإرهابيين الذين اندفعوا في إحباط نحو نظام يفتقد إلى الشرعية. بدأ العرب يشعرون وكأن اللعنة أصابتهم وأنه قدر لهم العيش في ظل الاستبداد. ولم تتوقف حالة المنطقة عند كونها كارثة إنسانية بل تحولت إلى خزي أخلاقي.

غضت القوى الخارجية الطرف عن هذا الواقع، معتقدة في صمت أن هذا هو أفضل ما في وسع العرب. ولكن في دفعة مفاجأة لمبدأ ويلسون بتأييد الديمقراطية في العراق، وضعت الولايات المتحدة قوتها خلف دعم الحرية. طرد صدام حسين من بين العنكبوت، وأخرجت الكتائب السورية التي كانت تمارس الإرهاب والابتزاز من لبنان، وبدا أن نظام حسني مبارك الاستبدادي، الذي طالما ظل عمادا لما يسمى بـ«السلام الأميركي»، يخسر بعضا من نفوذه. ولكن حمل العراق في مرحلة ما بعد صدام رسائل مختلطة: كانت هناك ديمقراطية، ولكن تسيل الدماء في الشوارع وتشتعل الفتنة الطائفية. مكثت الأنظمة المستبدة في مواقعها وبذلت أقصى ما في وسعها لإجهاض المشروع العراقي الجديد. واشتعل الوضع في العراق، وأخذ الحكام العرب في الإشارة إليه كتحذير من مغبة الإطاحة بأسوأ الحكام الطغاة. علاوة على ذلك، تحمل العراق عبئا مزدوجا من الإهانة لأهل السنة من العرب: حيث إن حامل شعلة التحرير هي الولايات المتحدة، كما أن الحرب منحت سلطات واسعة للشيعة. وكانت النتيجة هي حدوث مواجهة: لا يمكن أن يتجاهل العرب الحرية، وكذلك لم يحقق النموذج العراقي الأمل الذي توقعه مؤيدوه.



يقول العرب أنفسهم إن جورج بوش الابن أطلق العنان لتسونامي اجتاح المنطقة، وهذا حقيقي، ولكن العرب بارعون في تحمل العواصف، وكان الأميركيون قبل فترة طويلة فقدوا حماسهم وتخلوا عن سعيهم. أسفرت الانتخابات التي أجريت عام 2006 في الأراضي الفلسطينية عن فوز حماس، وفوجئت إدارة بوش بخيبة أمل جديدة في تطبيق الديمقراطية.



من جانب آخر، أنقذ قرار «تعزيز القوات الأميركية» في العراق الحرب الأميركية في الوقت المناسب، بيد أن الولايات المتحدة تخلت عن الرؤية الطموحة بإصلاح العالم العربي. ونجت الأنظمة العربية المستبدة من اللحظة القصيرة التي شهدت الإصرار الأميركي. وسريعا ما جاء حامل جديد لمعايير القوة الأميركية، باراك أوباما، برسالة طمأنة: تخلت الولايات المتحدة عن فكرة التغيير، وستتصالح مع الوضع الراهن، وتجدد شراكاتها مع الأنظمة المستبدة الصديقة، بل وستتحاور مع الأنظمة العدائية في دمشق وطهران. وكانت الولايات المتحدة ستركز لفترة أطول على ورطتها في كابل، وستتخلى عن مشروع الشرق الأوسط الكبير.

عندما اندلعت المظاهرات في إيران ضد الحكام الدينيين في أول صيف من فترته الرئاسية، فوجئ أوباما بالاضطرابات. فبعد أن اعتزم التصالح مع الحكام، لم يجد لغة يخاطب بها المعارضين. في الوقت ذاته، حرص النظام السوري، الذي كان قد تخلى عن نفوذه في لبنان تحت الضغوط، على استعادة سلطته. وأنهت حملة سرية من العمليات الإرهابية والاغتيالات، ونفوذ حزب الله على الأرض، ودعم إيران «ثورة الأرز» التي كانت مساعي إدارة بوش الدبلوماسية تفخر بها.



كان من ذكاء المراقبين المتابعين لميزان القوى في المنطقة في نهاية عام 2010 أن توقعوا استمرار الأنظمة المستبدة في الحكم. ومع استمرار بشار الأسد في دمشق، سلموا بأن مصيرا مشابها ينتظر ليبيا وتونس واليمن ومصر، تلك الدولة الكبيرة التي كانت دائما رائدة في الحياة السياسية والثقافية العربية. ولكن تحت الاستقرار الظاهر على السطح كانت هناك معاناة وعقم سياسي. لم يكن العرب في حاجة إلى «تقرير تنمية بشرية» ليحدثهم عن مأساتهم. اختفت ملامح القبول من الحياة العامة، وأصبح الرباط الوحيد بين الحاكم والمحكوم هو الريبة والخوف. لم يكن هناك مشروع شعبي يتم توريثه إلى جيل قادم، علما بأن الشعوب الحالية هي الأكبر عددا والأصغر أعمارا حتى الآن.


مبارك وبن علي.. بهما بدأ كل شيء
وبعد كل ذلك، حدث ما حدث. ففي ديسمبر (كانون الأول)، لجأ محمد البوعزيزي بائع فاكهة تونسي يائس إلى وسيلة يحتج بها على الظلم القائم، فأشعل النار في جسده. وسريعا ما اتبع ملايين ممن يشبهونه طريقة أخرى حيث خرجوا إلى الشوارع في احتجاجات. وفجأة اتخذ الطغاة، الذين بدوا آمنين في سلطانهم وكانوا يعتبرون أنفسهم كالآلهة، طريق الهروب. ومن جانبها هرعت الولايات المتحدة لتلحق بالأحداث. حيث خرجت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في قطر في منتصف يناير (كانون الثاني) عام 2011، في الوقت الذي اندلعت فيه الأحداث، قائلة: «في كثير من الأماكن، وبطرق مختلفة، تغرق قوائم المنطقة في الرمال». وأكدت الساحة العربية صحة تعليقها، ولكنها أغفلت الإشارة إلى أن أجيالا من الدبلوماسية الأميركية ستدفن مع تلك القوائم أيضا.



كانت الثورة تسوية لحسابات بين القوى القائمة والسكان الذي قرروا وضع حد للحكام الطغاة. اندلعت النار في دولة صغيرة على هامش الخبرة السياسية العربية، تتميز بأنها أرقى تعليما وأكثر رخاء واتصالا بأوروبا من بقية الدول. واتجهت الثورة شرقا، ولكنها تخطت ليبيا ووصلت إلى القاهرة في مصر «أم الدنيا». وهناك وجدت ساحة تليق بطموحات الثورة.



على الرغم من أنها أحيانا ما تعتبر نموذجا مثاليا للخضوع السياسي، شهدت مصر بالفعل ثورات عنيفة. وكان من حسن حظ مبارك أن هذه الأرض تحملته طوال ثلاثة عقود. تميز مبارك الذي تم تعيينه خلفا للسادات بتوخي الحذر، ولكن فترته الرئاسية حملت مطامع التوريث. على مدار فترة مذهلة استمرت 18 يوما في شهري يناير وفبراير (شباط)، تجمع المصريون من جميع مناحي الحياة في ميدان التحرير للمطالبة برحيله. وبعد أن أطاح به كبار قادة القوات المسلحة، انضم إلى رفيقه الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي، الذي سقط قبله بشهر.



ومن مصر، أصبحت الصحوة شأنا عربيا، انتقلت شرارتها إلى اليمن والبحرين. وكانت الأخيرة استثناء نادرا نظرا لكونها مملكة، وكانت ثورات الموسم الحالي تصيب في الأساس الجمهوريات التي يحكمها رجال أقوياء. ولكن في حين تتميز الأنظمة الملكية بالتوافق بين الحاكم والمحكوم، شهدت البحرين حالة من التمزق بسبب الخلاف السني الشيعي. لذلك كانت معرضة لاستقبال الشرارة. وفي الوقت نفسه، كانت اليمن من أكثر الدول فقرا، تهز الحركات الانفصالية أرجاء شمالها وجنوبها، وقد تمكن زعيمها، علي عبد الله صالح، الذي لا يتحلى بأي مهارات عدا فن البقاء السياسي. وكان من الصعب استيعاب النزاع اليمني، والصراع بين القبائل والجنرالات. وقد منحت تلك الثورة العربية اليمنيين الحماس للتخلص من حاكمهم والقوة لتحديه.



ثم، امتدت الثورة إلى ليبيا التي كانت مملكة الصمت، عالم المختل معمر القذافي الذي يزعم أنه «عميد الحكام العرب». فعلى مدار أربعة عقود بشعة، كان الليبيون تحت رحمة ذلك السجان، نصف طاغية ونصف مهرج. لقد سلب القذافي دولته، أغنى دولة في أفريقيا والتي لديها مع ذلك أكثر السكان فقرا.

في الفترة ما بين الحربين العالميتين، رزحت ليبيا تحت وطأة حكم استعماري وحشي في ظل الحكم الإيطالي. ثم حصلت على فترة من الهدوء في ظل الحاكم الناسك، الملك إدريس، ولكن في أواخر الستينيات وصلت إليها الحمى الثورية، حتى أصبح القول المأثور في ذلك الوقت «إبليس ولا إدريس» ثم حصلت البلاد على ما أرادته. فقد أدى البترول إلى استمرار الجنون، فقد بدأ الزعماء الأوروبيون والنخب الأميركية على حد سواء في التقرب منها. وفي الوقت الراهن، في عام 2011، نهضت بنغازي البعيدة عن العاصمة، ومنح التاريخ الشعب الليبي الفرصة.
ومن جهة أخرى، قال الحكام المصريون إن مصر ليست تونس. وقال القذافي إن بلاده ليست تونس أو مصر. وأخيرا، قال الأسد إن سوريا ليست تونس، أو مصر، أو ليبيا.



الأسد شاب وليس عجوزا، ولنظامه قدر أعلى من الشرعية لأنه كان يواجه إسرائيل بدلا من التعاون معها. ثم إنه سرعان ما تحدث إلى الناس: في أواسط مارس (آذار)، ولكنه كان دور سوريا.


لقد كانت سوريا هي المكان الذي استقر فيه الإسلام بعدما تجاوز شبه الجزيرة العربية وقبل أن يتسلل من أيدي العرب إلى أيدي الفرس والأتراك. ولكن قبل عدة عقود، منح والد بشار، الرئيس حافظ الأسد – رجل ذو دهاء وبراعة سياسية – الجيش، وحزب البعث سلطة مطلقة خالقا نظاما تقتصر فيه السلطة على الأقلية العلوية بالبلاد. وقد أسفر التزاوج بين الطغيان والطائفية عن أكثر الدول رعبا في المشرق العربي.

وعندما اندلع التمرد هناك في 2011، كانت امتداداته الجغرافية مختلفة تماما، فكما يقول العالم السياسي الفرنسي، فابريس بالانش، تمركزت الاضطرابات في المناطق والأحياء المدنية التي يعيش بها العرب السنة. فقد اندلعت في درعا، مدينة منعزلة في الجنوب، ثم انتشرت إلى حماه، وحمص، وجسر الشغور، والرستن، وإدلب، ودير الزور، متجاوزة مناطق الأكراد والدروز والقرى الجبلية والمدن الساحلية التي تعد معاقل للعلويين. وكان العنف في الانتفاضة السورية أكثر وضوحا في حمص، ثالث كبرى المدن السورية، نظرا لسخونة العامل الديموغرافي بها، حيث إن ثلثي عدد سكانها من السنة، وربعها من العلويين، وعشرها من المسيحيين.


صالح والأسد.. هل من متعظ؟
ومما لا شك فيه أن الطائفية ليست كل شيء. فقد كان لدى سوريا أحد أكبر معدلات الميلاد في المنطقة، فقد تضاعف عدد سكان سوريا أربع مرات منذ استولى حافظ على السلطة في 1970. وكانت شرايين النظام قد تصلبت، بوجود المجمع التجاري العسكري الذي يهيمن على الحياة السياسية والاقتصادية. ولم يكن هناك الكثير من الموارد المتبقية للدولة لكي تستغلها، حيث إنه تحت شعار الخصخصة في السنوات الماضية، اختفت تقريبا الدولة. وأثارت الثورة الإحساس بالحرمان الاقتصادي، بالإضافة إلى أنها أثارت غضب الأغلبية السنية العازمة على أن تخلص نفسها من حكم الجماعة الملحدة.

أين تقف الأمور
مما لا شك فيه أنه لم يكن هناك سيناريو واحد جاهزا للأنظمة العربية. فقد حسمت تونس، دولة قديمة لديها هوية وطنية واضحة، أمورها بسهولة نسبية. فقد انتخبت المجلس التأسيسي الذي حصل فيه حزب النهضة، الحزب الإسلامي، على الأغلبية. وكان زعيم حزب النهضة، راشد الغنوشي، رجلا ذكيا حيث علمته سنوات المنفى أن يتوخى الحذر، كما شكل حزبه حكومة ائتلافية تشتمل على شريكين علمانيين.


وفي ليبيا، ساعد التدخل الأجنبي المتمردين على خلع النظام. حيث عثر، في النهاية، على القذافي في أنبوبة صرف صحي وتم ضربه وقتله، كذلك أحد أبنائه. لقد كانت تلك هي الضغينة والكراهية اللتان غرسهما الحاكم نفسه، فقد حصد ما زرعت يداه. ولكن الثروة، العدد القليل من السكان، والانتباه الدولي كل ذلك يمكنه مساعدة ليبيا. فلا يمكن أن تعاني ليبيا مما هو أسوأ من سنوات حكم القذافي.



وكما هو الحال بالنسبة لليمن، فإنها نموذج للدولة المنهارة. حيث إن تأثير الحكومة ضعيف، ولا يقدم الحكام أي حلول ولكن لا يوجد إرهاب وحشي. وقد بدأت الدولة تعاني من نقص المياه الصالحة للشرب، كما وجد الجهاديون الهاربون من هندوكوش موطنا لهم، فقد أصبحت أفغانستان ولكن بشاطئ. فقد سعى الرجال والنساء الذين خرجوا إلى شوارع صنعاء في 2011 لإصلاح بلدهم، حيث سعوا إلى سياسات أكثر نجاحا من تلك التي كانوا يحصلون عليها من الممارسات الأكروباتية للقيادة السياسية التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود. ولكن هل سيتمكنون من تحقيق ما أرادوا؟ ما زال الأمر غير واضح.



وما زالت سورية في حالة من الفوضى. فقد غادرت حماس دمشق في ديسمبر (كانون الأول) نظرا لأنها خشيت أن تظل على الجانب الخاطئ من الإجماع العربي المتزايد ضد النظام السوري. «لا إيران، ولا حزب الله، بدنا حاكم يخاف الله»، ذلك هو أكثر الهتافات ذات المغزى التي كان يرددها المتظاهرون. فقد كان الحكم العلوي أمرا شاذا، كما أن النظام، عبر ردة فعله الوحشية تجاه الانتفاضة، من خلال انتهاك قوات الأمن للمسجد، وإطلاق النيران على المصلين، وأمر الأسرى بأن يرددوا: «لا إله إلا بشار» قد اختار عزلته الإقليمية. وعلى الرغم من أن حافظ كان نفسه قد ارتكب أفعالا وحشية، تمكن دائما من البقاء داخل الإطار العربي. ولكن وضع بشار مختلف – يتسم بشار باللامبالاة – حيث إنه دفع حتى الجامعة العربية التي لديها تاريخ من احتمال حماقات أعضائها، لتعليق عضوية دمشق.



ما زال القتال مستمرا، ولكن حلب ودمشق لم تخرجا إلى الشوارع، وما زال الحاكم المحاصر مقتنعا أنه يستطيع مقاومة قوانين الجاذبية. وبخلاف ليبيا، لا توجد خطة إنقاذ أجنبية في الأفق. ولكن مع كل ذلك القدر من الغموض، يمكننا قول الكثير عن الوضع هناك: فقد انتهت دولة الخوف الأمنية التي أسسها حافظ، وحزب البعث، والجنود العلويون وأباطرة الاستخبارات. فعندما تراجع الرضا والحماس الشعبيان، اعتمدت الدولة على الخوف وقد هزم الخوف. ففي سوريا، تحطمت الصلة بين الممسكين بزمام السلطة والشعب بشكل يتعذر إصلاحه.

من يأتي بعد فرعون؟
في الوقت نفسه، ربما تكون مصر قد فقدت البريق القديم، ولكننا في تلك اللحظة العربية يجب أن نحكم وفقا لما ستنتهي إليه الأمور. ففي السيناريو الكارثي، سوف تنتهي الثورة بنشأة جمهورية إسلامية: يهرب الأقباط، وتنهار عائدات السياحة، وسوف يحن المصريون للقبضة الحديدية للفرعون. ويبدو أن الأداء القوي لحركة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي الأكثر تطرفا في الانتخابات البرلمانية الماضية، بالإضافة إلى تراجع التصويت العلماني الليبرالي، يبرران المخاوف حول توجهات البلاد. وعلى الرغم من أن المصريين يفتخرون بذكرياتهم حول الفترات الليبرالية من تاريخهم، فإن ستة عقود من الحكم العسكري حرمتهم من تجربة السياسة المفتوحة ومن المستبعد أن يتخلوا عنها دون صراع.


ثورة جديدة في مصر!
لقد كانت الانتخابات شفافة وواضحة، فلم تكن القوى الليبرالية والعلمانية مستعدة للمنافسة، فيما كان الإخوان المسلمون ينتظرون مثل تلك اللحظة التاريخية لعقود وقد استغلوا الفرصة.

وبمجرد ظهور السلفيين على الساحة، أثاروا مخاوف شعبية واسعة، ومن ثم انسحبوا، على نحو ما، من مواقعهم المتطرفة. وقد أذهلت الأحداث في ميدان التحرير العالم ولكن كما قال المثقف المصري الشاب صامويل تادرس: «مصر ليست القاهرة والقاهرة ليست ميدان التحرير». وعندما يستقر الغبار، سوف تتنافس ثلاثة قوى على مستقبل مصر: الجيش، الإخوان، وتحالف واسع من الليبراليين والعلمانيين من الذين يرغبون في تأسيس حكومة مدنية، وفصل الدين عن السياسة، وتوفير حياة سياسية طبيعية.



وقد جلبت حركة الإخوان المسلمين إلى الصراع المزيج التقليدي من الخداع السياسي والالتزام الرئيسي بفرض نظام سياسي يتمحور حول الإسلام. وعلى الرغم من أن حسن البنا، مؤسس الحركة قد اغتيل في عام 1949، فإنه ما زال يؤثر على سياسة العالم الإسلامي حتى اليوم. وعلى الرغم من أن الرجل الذي كان بارعا في حياكة المؤامرات كان يتحدث حول حكم الله، فإنه في الخفاء كان يعقد صفقات مع القصر ضد الحزب السياسي المهيمن في وقته (الوفد)، فقد كان يمارس اللعبة السياسية في الوقت الذي كان يبني فيه قوة برلمانية ثابتة ساعيا لاختراق سلاح الضباط، وهو الشيء الذي كان يتوق إليه خلفاؤه منذ ذلك الوقت. مما لا شك فيه أنه كان سينظر بإعجاب للمهارات التكتيكية لخلفه، وهم يناورون الليبراليين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ويشاركون في احتجاجات ميدان التحرير ثم يتراجعون مؤكدين التزامهم بالجدية والنظام العام.



والحقيقة، إن مصر تفتقر إلى الأساليب الاقتصادية لبناء نظام إسلامي حديث ناجح، بغض النظر عما يمكن أن يعنيه ذلك. فجمهورية إيران الإسلامية تعتمد على البترول، فيما يعتمد حزب العدالة والتنمية في تركيا في هيمنته النسبية على الازدهار الذي دفعت به «الطبقة الوسطى المخلصة» في مدن التلال الأناضولية. وتقع مصر على مفترق طرق العالم، وتعتمد على السياحة، وقناة السويس، وتدفق المساعدات الأجنبية وتحويلات المصريين بالخارج.

ويجب أن تتراجع الأخلاق أمام الضرورة: ففي العام الماضي، انخفض احتياطي النقد الأجنبي مما قيمته 36 مليار دولار إلى 20 مليار دولار. ويدق التضخم على الأبواب، حيث إن سعر القمح المستورد مرتفع، ويجب سداد الفواتير. وقد جاء وذهب أربعة وزراء للمالية منذ سقوط مبارك. وتوازن حاليا الرغبة في الاستقرار حالة الرضاء التي نجمت عن الإطاحة بالطاغية.



وهناك مشكلات عديدة تواجه زعماء مصر، ويبدو تردد كل من الإخوان المسلمين والقوات المسلحة في الاستحواذ على السلطة خير دليل على ذلك. ومع ذلك، فربما يسود المنطق القوي والبراغماتية في النهاية. فربما يمنح توزيع معقول للغنائم والمسؤوليات الإخوان المسلمين مجالات الحوكمة المحببة إليهم – التعليم، الرعاية الاجتماعية، والقضاء – فيما أخذ الجيش الدفاع والاستخبارات والسلام مع إسرائيل، والعلاقات مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الحفاظ على الامتيازات الاقتصادية لسلاح الضباط. وربما يصبح هناك عدد كبير من الليبراليين العلمانيين، وربما يكون لهم رأي في إيقاع الحياة اليومية في بلد يصعب تنظيمه وإدارته والفرصة لتقديم الزعيم المحتمل في الانتخابات الرئاسية المستقبلية.



فلمدة قرنين الآن، كانت مصر غارقة في نزاع سيزيفي على الحداثة وإيجاد مكان بين الأمم التي ترنو إليها. ولم يكن أداؤها طيبا، إلا أنها استمرت في المحاولة. وفي أغسطس (آب) الماضي، كان هناك مشهد يمكن أن يعطي المصريين قدرا من الراحة. فقد وصل آخر فراعنة مصر – نأمل أن يكون كذلك – إلى المحكمة على نقالة.. «أفندم، أنا موجود» ذلك ما قاله الرئيس السابق لقاضي الجلسة. فلم يتم سحب مبارك من أنبوبة صرف صحي وذبحه، كما حدث مع القذافي، كما لم يخف عائلته ويقتل شعبه كما فعل الأسد. فقد كان المصريون دائما، بحسب كلمات إي إم فورستر، لديهم القدرة على الجمع بين التوجهات المتناقضة، وربما يستطيعون القيام بذلك مرة أخرى.

الصحوة الكبرى الثالثة
تلك الاضطرابات، تلك الصحوة هي الثالثة من نوعها في التاريخ العربي الحديث. الأولى، كانت النهضة السياسية – الثقافية التي ولدت من الرغبة في الانضمام للعالم الحديث والتي جاءت في أواخر القرن التاسع عشر. وكانت تسعى تلك الصحوة التي قادها الكتاب، والمحامون، والبرلمانيون المحتملون، والنخبة المسيحية إلى إصلاح الحياة السياسية، وفصل الدين عن السياسة، وتحرير المرأة، وتجاوز مرحلة الإمبراطورية العثمانية. ولحسن الحظ فإن تلك الحركة الكبرى، والتي تصدرتها كل من بيروت والقاهرة، وجدت من يرويها لنا وهو جورج أنطونيوس، الكاتب المسيحي لبناني المولد الذي نشأ في الإسكندرية وتعلم في كامبريدج وعمل في الإدارة البريطانية في فلسطين. لقد كان كتابه الصادر عام 1938 «الصحوة العربية» ما زال البيان الرئيسي للقومية العربية.

وجاءت الصحوة العربية الثانية في الخمسينيات واكتسبت قوة في العقد التالي. فذلك كان عصر جمال عبد الناصر في مصر، والحبيب بورقيبة في تونس، والزعماء الأوائل لحزب البعث في العراق وسوريا. ولم يكن هؤلاء الزعماء ديمقراطيين، حيث إنهم كانوا رجالا مسيسين منخرطين إلى حد بعيد في قضايا تلك الفترة. وقد جاءوا من الطبقة الوسطى أو الدنيا، وكانت لديهم أحلام بالوصول للسلطة، وإقامة بلد صناعي، وتخليص شعوبهم من الإحساس بالدونية الذي خلفته في نفوسهم الإمبراطورية العثمانية ثم الحكم الاستعماري. ولا يمكن محاسبة هؤلاء القادة ببساطة: فقد حققوا إنجازات تاريخية ولكن تنامي العوامل الديموغرافية وميولهم السلطوية ومواطن ضعفهم أساءت إلى تلك الإنجازات. وعندما سقطوا، ملأت الدول البوليسية والإسلام السياسي الفراغ.


لا سكوت بعد اليوم
لقد جاءت تلك الصحوة الثالثة في اللحظة الأخيرة، فقد أصبح العالم العربي بائسا ومخيفا. فقد كانت الشعوب تكره حكامها ورعاتهم الأجانب. وكانت فرق الجهاديين، التي دخلت السجون القاسية لتلك الأنظمة البشعة، منتشرة تقريبا في كل مكان تسعى لأن تقتل وأن تُقتل. فقد دعا محمد بوعزيزي أتباعه إلى تاريخ جديد، وقد لبى النداء الناس في جميع أنحاء المنطقة. ففي يونيو (حزيران) الماضي، كتب المؤلف الجزائري بوعلام صنصال رسالة مفتوحة لبوعزيزي.

«عزيزي الأخ،


أكتب إليك تلك السطور القليلة لكي أعلمك بأننا إجمالا نسير قدما، وإن كان الأمر يختلف من يوم لآخر: فأحيانا تغير الرياح اتجاهها.. ولكن دعنا نلقي نظرة عامة على اللحظة. هل يستطيع من كان لا يعرف إلى أين يذهب أن يجد الطريق؟ هل إبعاد الطاغية هو النهاية؟ من مكانك، محمد، على مقربة من الله، يمكنك أن تؤكد لنا أن كل الطرق لا تؤدي بالضرورة إلى روما، وأن خلع الطاغية لا يقود إلى الحرية. فالسجناء يحبون مبادلة السجن بآخر، لتغيير المشهد وعلى أمل الحصول على شيء صغير في الطريق».


لقد قال المؤرخ الروماني تاكيتوس ذات مرة «إن أفضل يوم بعد رحيل الإمبراطور السيئ هو اليوم الأول». وقد دخلت تلك الصحوة العربية الثالثة التاريخ. ففيها كل من الخطر والوعد وإمكانية السجن ولكن أيضا إمكانية الحرية.

*فؤاد عجمي
التوقيع :
[SIZE="4"]
[COLOR="DarkGreen"]
وادي عمر كنز المنى

والمسرة باطوف عاعشبة عشية وبكرة باعيش في قربة اذا سرحت ماسية

يااهل وادي الخير وادي الوفاء

طابت مراعية
[/COLOR
]
[/SIZE
]
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas