حضرموت"استعراض جيش الدولة القعيطية في عيد الفطر المبارك 1965م

[حد من الوادي]

شاهد على العصر (2-3) «المكلا».. ماض جميل وحاضر بئيس ومستقبل غامض

7/26/2011 المكلا اليوم / كتب: د. أحمد بافرط

سوف أبدأ بالمكلا وكما أسلفت سابقا إن عشقي وحبي للمكلا يذكرني بقول الأصمعي وقد سأله الرشيد عن حقيقة العشق: "إنه شيء يُذهل القلب عن مساوئ المحبوب فيجد رائحة البصل من المحبوب أعظم من المسك والعنبر !".


المكلا ذلك العبير العابق بذلك الخليط من رائحة السمك الصادر من سوق الخصار وبائعين الكراش ورائحة الموز العطرة الصادرة من دكان باسنان وأسراب الذباب التي تحاصرك من كل جانب حتى تستلم لها وتتصالح معها.. كنا نشعر انه أعظم من رائحة المسك والعنبر والذباب ليس إلا فراشات بألوانها السوداء الجميلة تحلّق وتحط على أي شي به حياه أو جماد.. والديوك لها قصة أخرى بالمكلا فهي مختلفة لا تنام لتصحو مع الفجر مثل باقي الديوك فهي تستعرض صياحها ليل نهار وقد تكون متأثرة بالحالة العامة من المسيرات والمظاهرات في تلك الفترة.. من أجمل ما في المكلا ولا تجده بأي مدينة بالعالم الجوابي في المساجد حيث تجد في كل المساجد غرف كثيرة في كل غرفة بركه مليئة بالمياه وغالبا من بئر خاص بالمسجد وتتجدد بشكل دائم وبالرغم من وجود المياه بمنزلنا إلا إنني كنت أجد متعة بالاستحمام فيها وخاصة في الجو الحار وقبل صلاة الظهر أو بعد السباحة بالبحر الذي يقع خلف دكان الوالد يرحمه الله "بجانب دار باصريح".

ليس هنالك أروع من أن تبكر في الخروج من المنزل في المكلا مع احد الأصدقاء واذكر الصديق غازي باصالح وكان أيضا زميلا لي في الغربة بدمشق وأن تصطحب معك ترمس من الشاهي بالحليب والهيل وتذهب إلى الساحل بالشرج وتجلس على الكثبان الرملية اللامعة وتشاهد طيور البحر بأنواعها الكثيرة وتستمتع بالسباحة في ذلك البحر اللازوردي وتغادر بعد ذلك إلى سدة المكلا لتشاهد باعة البيدان والمانجو والخضار وكنت احرص على شراء ثمرة البيدان اللذيذة.. كانت أيام لا تنسى.




الفرقة الموسيقية لجيش السلطنة القعيطية تعزف الألحان الموسيقية احتفالا بعيد الفطر المبارك 1965م

ما أجمل العيد بالمكلا تلك الأيام وخاصة الموكب السلطاني إلى مسجد عمر لصلاة العيد وتحية السلطان للجماهير التي تقف على ضفتي الشارع وبساطة الناس وحبهم لسلطانهم.

والموسيقى السلطانية التي تعزف أجمل الألحان, ذلك السلطان الذي لا يخرج في موكب من الحرس ونشر للاستخبارات في كل مكان خوفا من القتل بل كان يصلي مع الناس صلاة العيد ويسلم عليهم دون خوف.


استعراض جيش الدولة القعيطية في عيد الفطر المبارك 1965م

لم يعكر تلك الأيام الجميلة إلا نشوء التنظيمات الثورية المتطرفة والتي كانت تدار من قبل المخابرات المصرية.. وكما أسلفت قمت وبعض الزملاء بإنشاء رابطة طلاب الجنوب العربي وكنا نطالب بخروج المستعمر كمطلب ديني ووطني وكانت هنالك أحزاب ومنظمات موجودة تابعة للجبهة القومية وجبهة التحرير مثل حزب الشعب على ما اذكر.. وكان من قياداته فيصل العطاس "النعيري" حتى تأسس حزب رابطة الجنوب العربي فرع حضرموت وكان ذلك في هذه الفترة بين 64-66 وبدأت قواعد الرابطة تلقى قبولا لدى الحضارم لطرحها العقلاني ورفض مقولة أن الجنوب يمني.. وإيمانها بالكفاح السياسي أكثر من الكفاح المسلح حيث قام السيد المحامي شيخان الحبشي بعرض قضية الجنوب في الأمم المتحدة واستخلص القرار ألأممي بحق تقرير المصير في 3 مايو سنة 63 م ونتيجة لهذا القرار ألأممي قررت بريطانيا الرحيل قبل نشوء المنظمات المتطرفة مثل الجبهة القومية وجبهة التحرير.

للحقيقة والتاريخ لم أكن من المؤسسين لفرع حزب رابطة الجنوب العربي بحضرموت بل لقد تم استبعادي لأسباب لا اعلمها وقد يكون في ذلك خير.. وأتذكر سالم باجوه وعمر بكير كانوا من القيادات في تلك الفترة.. هذا لا يمنع من أنني كنت أميل كثيرا لأفكار الرابطة لعقلانيتها في فترة الطيش الثوري تلك الأيام..

وكنت في نظر الكثيرين بأنني من قيادات الرابطة لمجرد أنني كنت أدافع عن فكر الرابطة.. المهم في تلك الأيام بدأ صراع مرير بين الرابطة والأحزاب الثورية المتطرفة وكانت تعقد الاجتماعات والمؤتمرات الحزبية تحت سمع ونظر السلطنة وتحدث المشاحنات بينهم التي قد تصل أحيانا للضرب..

حتى حدث ذلك اليوم الذي تم فيه إطلاق الرصاص على مظاهرة ضد الرابطة بسيئون واتهم فيها الجابري الرابطي ولو أنني لا أتصور أن رابطي يقوم بذلك لأن العنف ليس من مبادئ الرابطة بل كان من المآخذ على الرابطة أنها لا تؤمن بالعنف حتى ضد المستعمر ومن هنا سموها من يؤمنون بالعنف الثوري "بالرابضة" لا أستطيع أن انفي التهمة عن الجابري لأنني لا املك دليل الاتهام لشخص آخر..

هذه الحادثة استفزت أبناء المكلا وخاصة أنها ضخمت من قبل الثوريين المتطرفين وشحنوا الأهالي للخروج بمظاهرة إلى مقر حزب الرابطة أمام البريد بدار بن كوير إن لم أكن مخطئا وكان الهدف منها اقتحام مقر الرابطة والله يعلم ما الذي سيحدث لو تم الاقتحام وتوالت الأحداث حسب ما نما إلى سمعي لا نني كنت حينها في عدن إلى أن تم إلقاء القنبلة المشئومة وذهب ضحيتها الشهيد بن هامل وجرح العديد ولم اصدق أن يقوم بهذا الفعل رابطي واستفسرت من الرابطة في عدن عن هذا الفعل الشنيع وكانوا يشيرون بأصابع الاتهام للجبهة القومية بأنهم قاموا بإلقاء القنبلة بأي أسلوب كان لتدمير الرابطة "

استكمالا للمخطط الذي بدأته المخابرات المصرية نتيجة لرفض الرابطة قطع علاقاتها بالمملكة العربية السعودية وارتباطها بالمخابرات المصرية كباقي الجبهات" ولم اقتنع بذلك إلى أن استلمت الجبهة القومية الحكم وبدأ أسلوبهم بتصفية رفاقهم وظهر أسلوبهم الميكيافلي الذي يعتمد على الغاية تبرر الوسيلة واكتشفت أن ما حدث بسيئون والمكلا وقبلها في عدن ما هو إلا بتدبير من الجبهة القومية للوصول للحكم بأية طريقه.


في تلك الأيام كنت خريج من متوسطة المكلا وأتذكر من الزملاء فرج بو سبعه وعمر الناخبي والفنان عبدالرحمن الحداد وكنت من الأوائل في الدفعة وغادرت بعد التخرج إلى عدن لأبحث عن منحة لآي مكان لأكمل الدراسة الثانوية والجامعية وعلمت بان الشرطة داهموا منزلنا بحي السلام للبحث عني وعن أي أدلة تثبت تورطي بهذه الحادثة وهم يعتقدون بأنني من قادة الرابطة وتم إبلاغهم بأنني في عدن.. كنت في تلك الأيام أتنقل من حزب إلى حزب ومن نقابة إلى نقابه وقابلت باسندوة في المؤتمر العمالي بعدن وملئت بعض الأوراق للحصول على منحة بالعراق بعدها بأيام وصل إلى عدن جارنا بالمنزل والصديق الأخ عبدالله الحضرمي ولا أنسى فضل هذا الرجل وعرض علي أن أغادر معه إلى دمشق وسوف يساعدني بالحصول على منحه وعلمت فيما بعد انه رئيس اتحاد الطلبة هناك وفي دمشق وفي عقر دار حزب البعث العربي الاشتراكي

لم أتخلى عن عروبة الجنوب ورفضت كلمة الجنوب اليمني وكنت استدل دائما بتاريخ حضرموت وشبوة وعدن وملوكهم وسلاطينهم إلا انه وشهادة للعصر لم أتعرض لأي أذى من قبل جميع الزملاء الطلبة بمختلف اتجاهاتهم وحتى اليمنيين ولم يكن بيننا إلا كل محبة واحترام بالرغم من نقاشاتنا الحادة والغاضبة وكنت متعاطفا مع الرابطة وتم بيني وبين رئيس الرابطة السيد محمد بن علي الجفري في بيروت عدة لقاءات في بيروت وكنا نناقش وضع الجنوب وكان حماس الشباب يطغي على رؤيتي وكان بحكمة السياسي المتمرس بعيد النظرة يمتص ذلك الحماس ويعيد صياغته بأسلوب مقنع يجعلني أعيد حساباتي ألف مره قبل أن انطق بأي فكرة.. في تلك الفترة قررت بريطانيا الرحيل بعد أن شكلت اتحاد الجنوب العربي وتم وضع دستور للاتحاد شبيه بدستور الإمارات العربية المتحدة..

ولكن بريطانيا وبشكل مفاجئ للجميع قررت تسليم الجنوب للجبهة القومية وأوعزت لقادة القوات العسكرية بالوقوف إلى جانب الجبهة القومية بعد اندلاع القتال بينها وبين جبهة التحرير في عدن ووصل عدد الضحايا في اليوم الرابع مائة قتيل و300جريح في هذا الصراع وكان للرابطة جيش تحرير الجنوب العربي وبحكمة قادة الرابطة لم يتدخل هذا الجيش في هذا الصراع.

ولعل من أهم أسباب استيلاء الجبهة القومية على الجنوب أن بريطانيا كانت تبحث عن شريك في المفاوضات يتنازل عن كل التعويضات للجنوب عن فترة الاستعمار 129 عاما وخاصة أن الرابطة رفضت هذا المبدأ ووجدت بريطانيا في الجبهة القومية هذا الشريك وقامت بدعمه في المعركة ضد جبهة التحرير إضافة إلى التعبئة الفكرية التي قامت بها الجبهة القومية والدعم الكبير الذي تلقته من الإعلام المصري ومن جمال عبد الناصر الذي لم يكن يخلو أي منزل من صورته لقد كانت التعبئة الفكرية ضد كل المصلحين والعقلانيين ورجال الدين والرابطة وكانوا يوصمون بالرجعية ومعاداة القومية العربية وعبد الناصر وحيكت الكثير من المؤامرات لتشويه هؤلاء..

على شعبنا أن يتعلم من هذه الدروس وان لا يلدغ من جحر مرتين لابد من أن نعيد حساباتنا وان نرفض هذا الواقع السيئ الذي نعيش فيه وأن يكون هنالك حراكا حقيقيا لعوده المياه في حضرموت إلى مجاريها بعيدا عن المؤتمر ومؤامراته والإصلاح وتشدقاته والاشتراكي وماضيه الأسود والمشترك وارتباطاته والحراك وسذاجته..

وقد يغضب مني الحراكييون الذين أكن لهم كل احترام ويذكرني خاصة الصغار منهم الذي يخرجون في المظاهرات بعفوية مثلما كنا ونحن بعمرهم وهم معذورين لأنهم ولدوا على هذا الحال المؤلم ووجدوا نفسهم بهوية غير هويتهم والذي يحزنني أنهم ونتيجة لحماسهم أصبحوا مطية لمن كان لهم الدور الأكبر في معاناة شعبنا وكان لي نقاش مع بعض قادة الحراك بالمكلا وأفادوا بأنهم يريدون الخلاص من هذه السيطرة ولكنهم قبلوها صاغرين لأنهم لم يجدوا من يدعمهم وخاصة أن منهم من يستشهد ومن يجرح وأقول لهم لابد من أن ينخرطوا في حراك حضرمي فعال من جميع أبناء الشعب والالتفاف حول قيادة حرة مستقلة ليس لها أي ارتباط بأي جهة حزبية شاركت في الحكم قبل أو بعد الوحدة المشئومة وتتحمل مسؤولية ما حدث وما يحدث حاليا.

قد يقول البعض أنني أحلم فهل كان طاغور شاعر الهند الذي نال جائزة نوبل في الآداب عام 1913 يحلم عندما قال "سأحطم الحجر، وأنفذ خلال الصخور وأفيض على الأرض وأملأها نغماً سأنتقل من قمة إلى قمة، ومن تل إلى تل، وأغوص في واد وواد، سأضحك بملء صدري وأجعل الزمن يسير في ركابي".

شاهد على العصر (1-3): مسيرات ومظاهرات طلابية بالمكلا في ستينات القرن الماضي تنادي بخروج الاستعمار البريطاني من حضرموت

الصور على الرابط http://www.mukallatoday.com//pages/D...&C=NewsDetails