المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > الدين والحياه > سقيفة الحوار الإسلامي
سقيفة الحوار الإسلامي حيث الحوار الهادئ والهادف ، لا للخلاف نعم للإختلاف في وجهات النظر المثري للحوار !!


جاء المولد 000 !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

سقيفة الحوار الإسلامي


إضافة رد
قديم 02-24-2010, 09:57 PM   #11
سرحةالجامع
حال نشيط

افتراضي

أحمد الله العلى العظيم حمدا طيبا مباركا , وأصلي وأسلم على مولانا رسول الله وهو منة الله علينا ,

فقد أخرجنا الله على يديه من الظلمات إلى النور , وجعله الأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم

الآخر وذكر الله كثيرا , فجزاه الله عنا خير ما يجزي به نبينا عن قومه ورسوله عن أمته ,

وصلى الله على آله الكرام البررة وصحابته الصفوة الأطهار ومن والاهم بإحسان على مر الأزمان ,

ورضي الله عز وجل عن شيوخنا الأجلاء الصالحين الذين أخذوا بأيدينا قي سلوكنا إلى الله تعالى على منهج

الشرع الشريف في همة لا تعرف الكلل وعزم لا يعتريه الملل 0


ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

" إن الله تعالى يقول أين المتحابون بجلالي , اليوم أظلهم بظلي يوم لا ظل إلا ظلي " 0

كما روى الإمام أبو داود بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

" إن من عباد الله أناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم

من الله تعالى , قالوا يا رسول الله أتخبرنا من هم ؟

قال : هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فو الله إن وجوههم لنور

وإنهم لعلى نور لايخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس , وقرأ هذه الآية :

( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) 0


الأخوة والاخوات بهذا المنتدى الطيب المبارك :
____________________________

يقول الله تعالى :

( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) 0

قال ابن عباس رضي الله عنهما : إلا ليعبدون معناها : إلا ليعرفون 00

فمعرفة الله تعالى إذن هي علة وجودنا في هذه الدنيا 0

ومن فضل الله علينا أنه بين لنا علة الوجود , وزادنا من فضله فحذرنا من أن نفتتن بمظاهر الدنيا

الخادعة التي يتقلب فيها أهل الإلحاد والكفر والإشراك ,

قال تعالى :

( فذرهم في غمرتهم حتى حين * أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) 0

وقال تعالى :

( وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى * أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم

من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك آيات لأولي النهى *

ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى * فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع

الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى *

ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى *

وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) 0

وقال تعالى :

( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد * لكن الذين اتقوا

ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار ) 0

أيها الأبرار :
_____

ذكرتكم ببعض الآيات لا بالكل , فارجعوا على الدوام لكتاب الله واعتصموا به فقد نزّل الله فيه ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين 0

وهو عصمتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن 0

وقد روى الترمذي بسنده عن إمامنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال :

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

" ألا إنها ستكون فتنة , فقلت ما المخرج منها يا رسول الله ؟

قال : كتاب الله تعالى فيه نبأ ما قبلكم , وخبر ما بعدكم , وحكم ما بينكم , هو الفصل ليس بالهزل ,

من تركه من جبار قصمه الله تعالى , ومن أبتغى الهدى في غيره أضله الله تعالى ,

وهو حبل الله المتين , وهو الذكر الحكيم , وهو الصراط المستقيم , وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ,

ولا تلتبس به الألسنة , ولا يشبع منه العلماء , ولا يخلق على كثرة الرد , ولا تنقضي عجائبه ,


وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا :

( إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ) 0

مَن قال به صدق , ومن عمل به أُجِر , ومن حكم به عدل , ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم " 0

أيها المؤمنون :
______

إننا في فرحنا هذا بذكرى الميلاد النبوي الشريف ننافس ونحن على بساط الأرض ملائكة السماء

الذين بيّن الله لنا وظائفهم ومن بينها وظيفة عظيمة الشأن تتصل بصاحب الميلاد وهو مولانا رسول

الله صلى الله عليه وآله وسلم وتلك الوظيفة هي دوام الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وآله وسلم ,

ويشهد بها قول الله تعالى :

( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) 0


وهي جملة أسمية تفيد دوام الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم من ربه ومن الملائكة ,

وبعد أن أخبرنا الله بصلاته تعالى عليه هو وملائكته أمرنا بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم 0

وقد قالوا أن صلاة الملائكة على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من سجودهم لآدم ,

لأن سجودهم لسيدنا آدم كان مرة واحدة بينما صلاتهم على صاحب الذكرى دائمة ,

كما أن سجودهم لسيدنا آدم كان للتأديب بينما صلاتهم على نبينا للتقريب 0

وصلاة الله على رسوله الكريم معناها غمره برحمته تعالى وتكريمه بإعلاء قدره ورفع ذكره وإظهار دينه

وإبقاء شريعته وتفضيل أمته على سائر الأمم وتخصيصه بالمقام المحمود ودوام ترقيته في درجات القرب

والمعارف والأسرار الربانية مصداقا لقوله تعالى :


( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) 0

وصلاة الملائكة معناها أنهم يدعون ربهم بمعنى " اعطف يا ربنا على سيدنا محمد

عطفك الذي يليق بك منك إليه كما هو أهله , وكما شئت له " 0

وصلاة المؤمنين كذلك دعاء له صلى الله عليه وآله وسلم بأن يجزيه الله عن أمته العاجزة عن مكافأته

لقاء ما جاهد في حفظ الدين ونشره , وينوي المؤمن بالصلاة عليه محبة فيه وشوقا إليه والعجز عن شكره ومكافأته ,

وورد في السنة المطهرة أن صلاة المؤمن عليه صلى الله عليه وآله وسلم تعود بالخير الوفير على المؤمن ,

فهي تكفر السيئات وترفع الدرجات وتقوي رابطته الروحيه به صلى الله عليه وآله وسلم ,

فيصفّوا القلب من أدرانه وينشرح الصدر للطاعات وينفر من المعاصي 0


وقد أخرج النسائي بسنده عن أنس رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

" من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر مرات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات " 0

ويقول السادة الصوفبة أن أقل عدد في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم وهو ثلثمائة في اليوم ,

وأهل الهمة لا يقفون عند هذا الحد الأدنى بل يتجاوزونه بكثير , واني أعرف من تبلغ صلاته اليومية على

مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة آلاف , وحِدث عن أهل العزم ولا حرج 0

اللهم وفقنا لكثرة الصلاة والتسليم عليه كما تحب وترضى يارب العالمين 0
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
قديم 02-24-2010, 09:59 PM   #12
سرحةالجامع
حال نشيط

افتراضي

أيها الأخوة المؤمنون :
_____________

إنكم تستطيعون أن تتصوروا كم أفاض ويفيض الله على أحب أحبابه من عطائه بدوام صلاته عليه

وهو شرف ما بعده شرف , فضلا عن صلاة الملائكة والمؤمنين من عرب وعجم على مر الأوقات واختلاف الأجيال ,

فلا تعجبوا بعد ذلك أن تكون رسالته الكبرى رحمة للعالمين من الانس والجن والملائكة وكل خلق الله تعالى 0

والفيض الذي يغمر الله به روح حبيبه الاول صلى الله عليه وآله وسلم ليس متقيدا بقيد الحياة الجسدية ,

فقد عقد الله له الزعامة على الأنبياء والمرسلين قبل أن يظهر برسالته على هذه الأرض :

فقال تعالى :

( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه

قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) 0


وهذا يفسر لنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " آدم وما دونه تحت لوائي ولا فخر " 0

وقوله : " لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي " 0

كما يفسر لنا لماذا حشر الله له ليلة الإسراء الأنبياء والمرسلين فصّلوا وراءه في بيت المقدس

مؤتمين به صلى الله عليه وآله وسلم ,

وفي ذلك يقول أمير الشعراء شوقي رحمه الله :

أسرى بك الله ليلا إذ ملائكة
والرسل في المسجد الأقصى على قدم

لما خطرت به التفوا بسيدهم
كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم

صلى وراءك منهم كل ذي خطر
ومن يفز بحبيب الله يأتمم

ونسأل الله في هذا الشهر المبارك أن يرد الينا القدس والمسجد الأقصى

وأن يدمر أعداءنا ويحرر سائر بلاد المسلمين من رجسهم إنه سميع مجيب 0


أيها الأعزاء :
______

إن مؤدى هذا الميثاق الذي أخذه الله على سادتنا الأنبياء والمرسلين وأخبرنا به رب العالمين أن

الإمامة العامة هي لمولانا رسول الله صاحب الذكرى حتى على أصحاب الشرائع التي سبقت

في زمانها ظهور رسالته , ومعنى الميثاق أن الله تعالى قال لأنبيائه ورسله الكرام : أردت أن تكونوا

أصحاب شرائع تدعون الناس بها إلى ربهم وإلى العمل بأحكامه 00

لكن سبقت مشيئتي أن يكون لكم كبير أختم بشريعته السماوية وهي شريعة تصدق شرائعكم وتزيد عليها ,

فإذا ظهر في أزمانكم كبير رسلي هل تؤمنون به وتكونون جنودا تحت لوائه وتنصرون دعوته وهل توجهون

أممكم إلى اتباعه وطاعته قالوا : نعم نقر بزعامته وإمامته علينا وعلى أممنا مادمت أنت ياربنا أردت ذلك ,

قال الله تعالى لهم فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين 0

وقد يقول قائل لكن جاء في كناب الله عن أولئك الذين سبقوه :

( أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده ) 0

فكيف يتفق مع ذلك أن يكونوا هم مقتدين به ؟

ويجيب على ذلك شيخ التصوف الأكبر سيدي محيى الدين بن عربي فيقول إن الله تعالى قال له :

( فبهداهم اقتده ) 0 وهداهم هو شرعه لأنهم نابوا عنه في أممهم حتى يظهر شرعه في أمته

وهو صلى الله عليه وآله وسلم مأمور بشرعه , ولذلك لم يقل لهم : فبهم اقتده ,

بل قال : ( فبهداهم اقتده ) 0 وكلام سيدي محيى الدين بن عربي يدفع بقوة وهم الإشكال

الذي قد يبدو لبعض الأفهام القاصرة 0

فأي شرف هذا لمولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , حيث ظهر أخيرا فتقدم على الرسل الكرام

الأولين صلوات الله عليهم أجمعين 000 فكان كالعنوان يكتب آخر ويقرأ أولا , ذلك الفضل من الله وكفى به عليما ,

ولهذا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

" بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أنك كنت آخر النبيين بعثا وقُدِمت عليهم في القرآن " 0
فقال تعالى :

( وإذ أخذ الله من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا )0
أيها الأخوة المؤمنون :
___________

لقد أبرز كتاب الله الكريم فضائل سادتنا المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم وقص علينا من أنبائهم ما ملأنا

إكبارا لهم وإعجابا بهم ونحن إن تحدثنا في فضل مولانا رسول الله عليهم , إنما نثبت لهم الفضل مع بيان فضله عليهم ,

وحاشا أن نقصد الإساءة إليهم أو الانتقاص من أقدارهم التي شاء الله أن تكون مرفوعة على الدوام ,

وإنما نتحدث بنعمة الله علينا وعليهم في إكرام الله تعالى لسيدنا صاحب الذكرى ,

وكيف نسئ إليهم وقد نهانا هو صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك حيث قال :

" لا تفضلوني على يونس بن متى " 0

وإنما خص أخاه يونس بالتحديد حيث نوه القرآن عنه بقول الله الكريم :

( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم * لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء

وهو مذموم * فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ) 0

وقد يشوه بعض الجهال بسوء فهم قصته الرائعة , فقد غضب لله واستنجد في بطن الحوت بالله ,

وقبل الله تسبيحه حين قال :

( فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) 0

وما كان أروع تسبيحه عليه السلام وقد بلّغه الله إلينا :

( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك

إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه وكذلك ننجي المؤمنين ) 0
  رد مع اقتباس
قديم 02-24-2010, 10:00 PM   #13
سرحةالجامع
حال نشيط

افتراضي

الأخوة الأعزاء :
______

إذن فلا مانع من التحدث بنعمة الله عن مولانا رسول الله صاحب الذكرى من بطون القرآن الكريم ,

مادمنا نحافظ على حرمة اخوانه النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم ونبين ما يجليه لنا

كتاب الله الكريم في مقارنته صلى الله عليه وآله وسلم بهم ابرازاً لفضله على فضائلهم وإن علت

وإظهارا لقدره على أقدارهم وإن جلت , خاصة وان المتكلم بفضله هو رب العالمين جل جلاله وعز شأنه

وهو القائل في سورة البقرة :

( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ) 0

قال العلماء إن الذي رفعه الله درجات هو نبينا صلى الله عليه وآله وسلم 0

ونذكّر في هذا المقام ببعض ما جاء في القرآن الكريم عن سادتنا المرسلين أولي العزم وهم خمسة

وعلى رأسهم رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ويجمعهم قول القائل :

محمد ابراهيم موسى كليمه
فعيسى فنوح هم أولو العزم فاعلم

ومعنى أولو العزم أنهم أكثر الرسل تحملا للشدائد التي قابلتهم في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل

فصبروا عليها محبة في الله تعالى 0

يحكي الله تعالى في سورة الشعراء أن مما دعاه به سيدنا ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام :

( ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم ) 0

بينما يقول تبارك وتعالى في سورة التحريم في حق نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى آله :

( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات

تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم

وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير ) 0

فانظروا في المقامين نجد أن سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام دعا ربه ألا يخزيه يوم القيامة

وهو دعاء مستجاب بإذن الله , بينما تفضل الله تعالى على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه النجاة

من الخزي دون سؤال , وامتد فضل الله على الأمة المحمدية فشملها ذلك الفضل الكبير 0


ولقد دعا سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام فقال فيما حكى الله عنه في سورة ابراهيم :

( وإذ قال ابراهيم رب أجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) 0

قارنوا بين هذا الدعاء الكريم وبين تفضل المولى عز وجل على ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

في قوله تعالى من غير سؤال :

( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) 0

وقد استعارت الآية الرجس للكفر والمعاصي واستعارت الطهارة للإيمان والطاعات

ومن ذلك ندرك أن السادة آل البيت متقون بالفطرة الطاهرة التي فطرهم الله عليها عناية وإختصاصا والله ذو الفضل العظيم 0

وقد حكى الله في سورة طه عن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام أنه قال :

( رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري ) 0

وقد استجاب الله دعوته حيث جاء في تلك السورة أيضا :

( قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ) 0

ويخاطب الحق سبحانه رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم بما مَنّ عليه من غير سؤال فيقول

في هذا المقام في سورة الشرح :

( ألم نشرح لك صدرك ) 0

كما يقول له :

( إن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا ) 0

فأعطاه سبحانه فضلا منه شرح الصدر وتيسير الأمر من غير طلب 0

ويحكي الله تعالى في سورة مريم تعجبها عليها السلام فتقول عندما بشرها سيدنا جبريل

بغلامها الذكي سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام :

( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله

آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ) 0

قارنوا بين قوله تعالى في حق سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام : ( ورحمة منا ) 0

وبين قوله تعالى في حق صاحب الذكرى صلى الله عليه وآله وسلم في سورة الأنبياء :

( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) 0

يتضح لنا من المقارنة أن رحمة الله التي كانت على يد سيدنا عيسى كانت للمؤمنين

بينما رحمته التي كانت على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت أعم وأشمل ودخل في

هذه الرحمة حتى الكافرين فلم يُمسخوا أو يُخسفوا كما فعل الله بكفار الأمم الأخرى ,

ويوضح هذا المعنى قوله تعالى في سورة الأنفال :

( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم *

وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) 0

وقد عرض الله على رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن آذاه أهل الطائف أن يطبق عليهم

الأخشبين ( وهما جبلان بمكة ) فقال : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون "

فاعتذر عنهم وعندها قال سيدنا جبريل : صدق من أسماك الرءوف الرحيم 0

ودعوة الرسل الكرام على أممهم يستجيبها الله تأييدا لهم وإنتقاما من أعدائهم ولتكون عبرة لمن بعدهم ,

فلقد حكى الله ما كان من سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام حين قال كما جاء في سورة نوح :

( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) 0

ويحكي إستجابة دعائه في سورة القمر فيقول تعالى :

( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء

على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر , تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر *

ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر ) 0

وما أروع ما يقوله الله بعد ذلك : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) 0

ولقد كرر سبحانه هذه الآية في ذات السورة أربع مرات , وكان يكررها بعد أن يبين ما حاق بكل أمة من

أمم سادتنا المرسلين نوح وهود وصالح ولوط عليهم الصلاة والسلام ,

وهو بذلك يكشف لنا عن فضله على الأمة المحمدية فقد جنّبها أنواع العذاب التي أخذ بها غيرها من الأمم

ومَنّ علينا بأن أبقى فينا معجزة القرآن الخالدة تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ,

وقد قال تعالى :

( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول

فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ) 0
  رد مع اقتباس
قديم 02-24-2010, 10:03 PM   #14
سرحةالجامع
حال نشيط

افتراضي

أيها الأخوة الأعزاء :
__________

إن المحافل التي تقام كل عام في ذكرى الميلاد النبوي لا تزيد مولانا رسول الله مجدا ,

إنما المؤمنون هم الذين يزدادون بها شرفا وسعادة ,

أما مجده صلى الله عليه وآله وسلم فقد كتبه الله في الأزل قبل أن يعرفه أهل الأرض ,

بل قبل أن يخلق الله البشر , فقد سُئِل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

" يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : وآدم منجدل في طينته " 0 أي قبل أن تحل الروح في آدم أبي البشر 0

وأننا بهذه المحافل السنوية نجدد بيعتنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإيمان بالله واليوم الآخر

وبكل ما آمن به رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه 0

وقد قال تعالى منوها بشرف البيعة والمبايعين في سورة الفتح :

( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه

ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) 0

ويقول العارفون أن هذه الآية هي أمدح آية في القرآن الكريم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

حيث صارت يده الشريفة ممثلة لربه جل وعلا فمن بايعه فقد بايع الله 0


ولا يقولن أحدكم أن البيعة التي تشير اليها الآية كانت يدا بيد وهي بيعة الرضوان ولا سبيل

إلى بيعتنا يدا بيد لإنتقاله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى , فإن الصحابي الجليل

جندب بن ضمرة رضي الله عنه , قد حملوه بنوه على سريره مريضا يريد الهجرة إلى المدينة ليلحق

برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فلما بلغ التنعيم على بضع كيلو مترات من مكة أشرف على الموت ,

فصفق بيمينه على شماله وقال :

اللهم هذه لك وهذه لرسولك , أبايعك على ما بايعه عليك رسولك صلى الله عليه وآله وسلم ,

ثم مات فنزل في شأنه قوله تعالى في سورة النساء :

( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا

إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ) 0

وفي تجديد بيعتنا في كل عام تجديد لإيماننا وتقوية لعقيدتنا , فإننا بالبيعة نربط على قلوبنا

لنكون من المؤمنين , والإيمان في قلوبنا هو رأس مالنا فإن أبقينا عليه حرصنا على التجارة التي لن تبور ,

وقد كان أصحاب رسول الله يجلسون فيحمدون الله على ما هداهم للإيمان ,

وكان الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة يقول لبعض الصحابة قوموا بنا نؤمن ساعة ,

أي نقوي إيماننا بالتذاكر والتعاون على التقوى , فإن فقدنا الإيمان لا قدر الله ,

فقدنا مالا يعوض بأي عوض من متاع الدنيا الذي يفنى ولا يبقى ,

وكنا في الآخرة من الخاسرين , ونعوذ بالله من ذلك الخسران المبين 0

وما أرق ما يقوله فيلسوف المسلمين السيد / محمد إقبال رحمه الله فيما ترجمه عنه الشيخ / الصاوي شعلان :

كل شعب يروم عز حماه
فبنور التوحيد لا بسواه

ليس يحمي أوطانه غير حر
سيفه لا إله إلا الله

وبقول بعض صوفية الفرس فيا ترجمه الشيخ الصاوي أيضا :

إذا الورود دخلت من طيب نفحتها
فلا تزاحم بها في الأرض بستانا

إذا الوجوه خلت من نور سجدتها
لم تستحق غداة الموت أكفانا

إذا القلوب خلت من ذكر خالقها
فهي الصخور التي تحتل أبدانا

إذا خلا المرء من فهم ومعرفة
ظلمت نفسك لو تدعوه إنسانا


ثم إننا في هذه المحافل نتذكر حقوق صاحب الذكرى علينا , وهي حقوق لله تعالى ,

فقد قال جل جلاله :

( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) 0

كما جعله أسوتنا في سلوكنا إلى الله تعالى :

( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) 0

فنحن مطالبون بأن نتمسك بأقواله وأفعاله وأحواله , وفي تعرضنا للأقوال والأفعال والأحوال ننفخ في

أرواحنا من نفحاته , ونوثق عرى بنوتنا الروحية التي تشرفنا بها ,

ونعلم ناشئنا مما علمنا الله من ذلك , فنؤدي بذلك لأنفسنا حقها , كما نؤدي حق الخلف على السلف 0

ولا يجوز ان تقتصر المحافل على مظاهر الأفراح من رفع الأعلام وإضاءة الأنوار والتغني بالتواشيح ,

فذلك قشور ذاهبة بذهاب أيام الفرح المعدودات ,

ولكن تزكية القلوب والأرواح بأنوار الإيمان والتقوى هي اللب الأهم ,

وتلك التغذية هي الغذاء الذي يبقى أثره العلمي والعملي في المجتمع الإسلامي :

( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) 0

ولقد كان من عادة شيخنا الغوث الجليل سيدي الحاج / محمد أبي خليل رضي الله عنه

أن يسير في شوارع الزقازيق بموكب صوفي يهللون ويكبرون ويصلون على سيدنا رسول الله صلى

الله عليه وآله وسلم , فيوقظ أهل الغفلة من غفلتهم , ويزيد أهل الشوق شوقا , وأهل الهمة همة ,

وقد حدث ان تخلف مرة عن الخروج بنفسه في الموكب ,

فرأى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا يعاتبه ويقول له لماذا لم تخرج في موكبنا !!

فحرص ألا يتخلف بعد ذلك عن الموكب حتى بعد أن كبرت سنه وازدادت شيخوخته 0

وكان بعد مسيرة الموكب يعود بالمريدين إلى سرادق كبير يقيم فيه ندواته الدينية أياما ,

ويذكّر الناس فيها من أمور الدين ما علموا ويعلّمهم ما جهلوا 0

أيها الأخوة الأتقياء :
_________


من حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا كذلك أن نؤدي له أجره الذي فرضه علينا بقوله

تعالى في سورة الشورى :

( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ) 0

واقتراف الحسنة هو مودة آل البيت عليهم الرضا والرضوان وتلك المودة هي سبيل مغفرة الله ورضوانه 0

وقد عّرف العلماء المودة فقالوا هي دوام المحبة , فعلينا إذن أن نحب على الدوام

سادتنا وسيداتنا آل البيت تأدية لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,

وقد روى الترمذي يسنده عن الإمام علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد

حسن وحسين فقال : " من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة " 0

وكذلك روى الترمذي بسنده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

" أحبوا الله لما يغذوكم من نعمة وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي " 0

ويقول سيدي الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربي مشيرا إلى الآية الكريمة السابقة :

أرى حب أهل البيت عندي فريضة
على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما أختار خير الخلق منا جزاءه
على هديه إلا المودة في القربى

ومما نقلناه عن سيدي الشيخ / علي عقل طيب الله ثراه والتي كان ينطق بها

إلهاما لوقته دون إعمال فكر وذلك من عطاء الله سبحانه لأوليائه وأصفيائه :

ومهما أُلام على حبهم
فلست الفتى خائف اللائمة

فروحي على بابهم ترتمي
ونفسي بأعتابهم خادمة

إذا مس نفسي فتور المعاصي
بذكرهمو أصبحت هائمة

فيا عاذري ثم يا عاذلي
سواء رضاك أو اللائمة

فقل ما تشاء وكن ما تشاء
فإني أحب بني فاطمة

ومن روائعه التي نقلناها عنه أيضا :

لقد غرسوني من زهور رياضهم
فطابت حياتي من مكارمهم زهرا

إذا قيل لي تهواهموا قلت ملكهم
ووقف يمين لا يباع ولا يشرى

إذا (عشيت )عيني فطي جوانحي *** ( كان ضريرا )
عيون تريني سر أنوارهم جهرا

فإذا كان ذنبي أن قلبي يحبهم
فإن ذنوبي لن تسلم بها حصرا

على بابهم أسمو سمو أولي النهى
فإن هم رضوا نفسي فقد عظمت قدرا

ولا تنسوا أيها الكرام أن السادة آل البيت هم أكثر الأمة تضحية في سبيل الله ,

فقد حموا عقيدتنا بأرواحهم , والبيت المحمدي هو أعظم البيوت إستشهادا في الجهاد ,

كما أنه اعظم البيوت إمامة في الدين , فكم فقّه أهله الأمة في الدين على مر العصور ,

وكم هدوا إلى الرشد , وكم عصموا من الفتن , وكم تحملوا في الحفاظ على حقوق المسلمين الشدائد

وقاسوا الأهوال , وتوضيح الواضحات من المشاكل كما يقولون ,

فلنعرف لهم فضلهم ولنؤدي حق الله ورسوله في مودتهم والتأسي بهم في الإستمساك بالحق

والدعوة إلى الله , والغيرة على حقوق الأمة , رضي الله عن الأولين منهم والأخرين 0

وقد عرف لهم الصحابة حقهم فأجلوهم وحافظوا على مودتهم ,

وقد روى بن عساكر في التاريخ الكبير أن ابن عباس أخذ يوما بركاب الحسن والحسين فعوتب في ذلك ,

وقيل له أنت أسن منهما فقال : إن هذين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفليس من سعادتي أن آخذ بركابهما 0

كما روى ابن عساكر أيضا أن الإمام الحسين كان في جنازة فجلس في الطريق يستريح ,

فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن نعليه بطرف ثوبه 00 فقال : يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا ؟

فقال له : دعني فو الله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على الرقاب ,

وغير ذلك كثير لا يتسع المقال لسرده وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه 0

ايها الأعزاء :
______

نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو حظنا من الأنبياء وما أعظمه من حظ ,

ولهذا شرّفنا الله ببركته على سائر الأمم إذ يقول تعالى في سورة آل عمران :

( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) 0

فانظروا كيف علّل هذه الخيرية حيث كانت الأمة آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر ومؤمنة بالله تعالى 0

وقد أخذت الأمة علمها وعملها عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,

فله صلى الله عليه وآله وسلم ثواب ذلك الهدى ,

لذلك قالوا إنه صلى الله عليه وآله وسلم يعود عليه ثواب نصف أهل الجنة أو ثلثهم , وذلك هو الفضل الكبير 0

قارنوا بين الآية الكريمة السابقة وبين وصف الله لبني اسرائيل حيث يقول تعالى في سورة المائدة :

( لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون *

كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) 0

فأي فضل علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وفي الائتمار بالمعروف والإنتهاء عن المنكر 0
  رد مع اقتباس
قديم 02-24-2010, 10:04 PM   #15
سرحةالجامع
حال نشيط

افتراضي

أيها الأخوة الأعزاء :
__________

إن المحافل التي تقام كل عام في ذكرى الميلاد النبوي لا تزيد مولانا رسول الله مجدا ,

إنما المؤمنون هم الذين يزدادون بها شرفا وسعادة ,

أما مجده صلى الله عليه وآله وسلم فقد كتبه الله في الأزل قبل أن يعرفه أهل الأرض ,

بل قبل أن يخلق الله البشر , فقد سُئِل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

" يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : وآدم منجدل في طينته " 0 أي قبل أن تحل الروح في آدم أبي البشر 0

وأننا بهذه المحافل السنوية نجدد بيعتنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإيمان بالله واليوم الآخر

وبكل ما آمن به رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه 0

وقد قال تعالى منوها بشرف البيعة والمبايعين في سورة الفتح :

( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه

ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) 0

ويقول العارفون أن هذه الآية هي أمدح آية في القرآن الكريم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

حيث صارت يده الشريفة ممثلة لربه جل وعلا فمن بايعه فقد بايع الله 0


ولا يقولن أحدكم أن البيعة التي تشير اليها الآية كانت يدا بيد وهي بيعة الرضوان ولا سبيل

إلى بيعتنا يدا بيد لإنتقاله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى , فإن الصحابي الجليل

جندب بن ضمرة رضي الله عنه , قد حملوه بنوه على سريره مريضا يريد الهجرة إلى المدينة ليلحق

برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فلما بلغ التنعيم على بضع كيلو مترات من مكة أشرف على الموت ,

فصفق بيمينه على شماله وقال :

اللهم هذه لك وهذه لرسولك , أبايعك على ما بايعه عليك رسولك صلى الله عليه وآله وسلم ,

ثم مات فنزل في شأنه قوله تعالى في سورة النساء :

( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا

إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ) 0

وفي تجديد بيعتنا في كل عام تجديد لإيماننا وتقوية لعقيدتنا , فإننا بالبيعة نربط على قلوبنا

لنكون من المؤمنين , والإيمان في قلوبنا هو رأس مالنا فإن أبقينا عليه حرصنا على التجارة التي لن تبور ,

وقد كان أصحاب رسول الله يجلسون فيحمدون الله على ما هداهم للإيمان ,

وكان الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة يقول لبعض الصحابة قوموا بنا نؤمن ساعة ,

أي نقوي إيماننا بالتذاكر والتعاون على التقوى , فإن فقدنا الإيمان لا قدر الله ,

فقدنا مالا يعوض بأي عوض من متاع الدنيا الذي يفنى ولا يبقى ,

وكنا في الآخرة من الخاسرين , ونعوذ بالله من ذلك الخسران المبين 0

وما أرق ما يقوله فيلسوف المسلمين السيد / محمد إقبال رحمه الله فيما ترجمه عنه الشيخ / الصاوي شعلان :

كل شعب يروم عز حماه
فبنور التوحيد لا بسواه

ليس يحمي أوطانه غير حر
سيفه لا إله إلا الله

وبقول بعض صوفية الفرس فيا ترجمه الشيخ الصاوي أيضا :

إذا الورود دخلت من طيب نفحتها
فلا تزاحم بها في الأرض بستانا

إذا الوجوه خلت من نور سجدتها
لم تستحق غداة الموت أكفانا

إذا القلوب خلت من ذكر خالقها
فهي الصخور التي تحتل أبدانا

إذا خلا المرء من فهم ومعرفة
ظلمت نفسك لو تدعوه إنسانا


ثم إننا في هذه المحافل نتذكر حقوق صاحب الذكرى علينا , وهي حقوق لله تعالى ,

فقد قال جل جلاله :

( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) 0

كما جعله أسوتنا في سلوكنا إلى الله تعالى :

( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) 0

فنحن مطالبون بأن نتمسك بأقواله وأفعاله وأحواله , وفي تعرضنا للأقوال والأفعال والأحوال ننفخ في

أرواحنا من نفحاته , ونوثق عرى بنوتنا الروحية التي تشرفنا بها ,

ونعلم ناشئنا مما علمنا الله من ذلك , فنؤدي بذلك لأنفسنا حقها , كما نؤدي حق الخلف على السلف 0

ولا يجوز ان تقتصر المحافل على مظاهر الأفراح من رفع الأعلام وإضاءة الأنوار والتغني بالتواشيح ,

فذلك قشور ذاهبة بذهاب أيام الفرح المعدودات ,

ولكن تزكية القلوب والأرواح بأنوار الإيمان والتقوى هي اللب الأهم ,

وتلك التغذية هي الغذاء الذي يبقى أثره العلمي والعملي في المجتمع الإسلامي :

( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) 0

ولقد كان من عادة شيخنا الغوث الجليل سيدي الحاج / محمد أبي خليل رضي الله عنه

أن يسير في شوارع الزقازيق بموكب صوفي يهللون ويكبرون ويصلون على سيدنا رسول الله صلى

الله عليه وآله وسلم , فيوقظ أهل الغفلة من غفلتهم , ويزيد أهل الشوق شوقا , وأهل الهمة همة ,

وقد حدث ان تخلف مرة عن الخروج بنفسه في الموكب ,

فرأى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا يعاتبه ويقول له لماذا لم تخرج في موكبنا !!

فحرص ألا يتخلف بعد ذلك عن الموكب حتى بعد أن كبرت سنه وازدادت شيخوخته 0

وكان بعد مسيرة الموكب يعود بالمريدين إلى سرادق كبير يقيم فيه ندواته الدينية أياما ,

ويذكّر الناس فيها من أمور الدين ما علموا ويعلّمهم ما جهلوا 0

أيها الأخوة الأتقياء :
_________


من حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا كذلك أن نؤدي له أجره الذي فرضه علينا بقوله

تعالى في سورة الشورى :

( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ) 0

واقتراف الحسنة هو مودة آل البيت عليهم الرضا والرضوان وتلك المودة هي سبيل مغفرة الله ورضوانه 0

وقد عّرف العلماء المودة فقالوا هي دوام المحبة , فعلينا إذن أن نحب على الدوام

سادتنا وسيداتنا آل البيت تأدية لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,

وقد روى الترمذي يسنده عن الإمام علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد

حسن وحسين فقال : " من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة " 0

وكذلك روى الترمذي بسنده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

" أحبوا الله لما يغذوكم من نعمة وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي " 0

ويقول سيدي الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربي مشيرا إلى الآية الكريمة السابقة :

أرى حب أهل البيت عندي فريضة
على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما أختار خير الخلق منا جزاءه
على هديه إلا المودة في القربى

ومما نقلناه عن سيدي الشيخ / علي عقل طيب الله ثراه والتي كان ينطق بها

إلهاما لوقته دون إعمال فكر وذلك من عطاء الله سبحانه لأوليائه وأصفيائه :

ومهما أُلام على حبهم
فلست الفتى خائف اللائمة

فروحي على بابهم ترتمي
ونفسي بأعتابهم خادمة

إذا مس نفسي فتور المعاصي
بذكرهمو أصبحت هائمة

فيا عاذري ثم يا عاذلي
سواء رضاك أو اللائمة

فقل ما تشاء وكن ما تشاء
فإني أحب بني فاطمة

ومن روائعه التي نقلناها عنه أيضا :

لقد غرسوني من زهور رياضهم
فطابت حياتي من مكارمهم زهرا

إذا قيل لي تهواهموا قلت ملكهم
ووقف يمين لا يباع ولا يشرى

إذا (عشيت )عيني فطي جوانحي *** ( كان ضريرا )
عيون تريني سر أنوارهم جهرا

فإذا كان ذنبي أن قلبي يحبهم
فإن ذنوبي لن تسلم بها حصرا

على بابهم أسمو سمو أولي النهى
فإن هم رضوا نفسي فقد عظمت قدرا

ولا تنسوا أيها الكرام أن السادة آل البيت هم أكثر الأمة تضحية في سبيل الله ,

فقد حموا عقيدتنا بأرواحهم , والبيت المحمدي هو أعظم البيوت إستشهادا في الجهاد ,

كما أنه اعظم البيوت إمامة في الدين , فكم فقّه أهله الأمة في الدين على مر العصور ,

وكم هدوا إلى الرشد , وكم عصموا من الفتن , وكم تحملوا في الحفاظ على حقوق المسلمين الشدائد

وقاسوا الأهوال , وتوضيح الواضحات من المشاكل كما يقولون ,

فلنعرف لهم فضلهم ولنؤدي حق الله ورسوله في مودتهم والتأسي بهم في الإستمساك بالحق

والدعوة إلى الله , والغيرة على حقوق الأمة , رضي الله عن الأولين منهم والأخرين 0

وقد عرف لهم الصحابة حقهم فأجلوهم وحافظوا على مودتهم ,

وقد روى بن عساكر في التاريخ الكبير أن ابن عباس أخذ يوما بركاب الحسن والحسين فعوتب في ذلك ,

وقيل له أنت أسن منهما فقال : إن هذين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفليس من سعادتي أن آخذ بركابهما 0

كما روى ابن عساكر أيضا أن الإمام الحسين كان في جنازة فجلس في الطريق يستريح ,

فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن نعليه بطرف ثوبه 00 فقال : يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا ؟

فقال له : دعني فو الله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على الرقاب ,

وغير ذلك كثير لا يتسع المقال لسرده وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه 0

ايها الأعزاء :
______

نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو حظنا من الأنبياء وما أعظمه من حظ ,

ولهذا شرّفنا الله ببركته على سائر الأمم إذ يقول تعالى في سورة آل عمران :

( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) 0

فانظروا كيف علّل هذه الخيرية حيث كانت الأمة آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر ومؤمنة بالله تعالى 0

وقد أخذت الأمة علمها وعملها عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,

فله صلى الله عليه وآله وسلم ثواب ذلك الهدى ,

لذلك قالوا إنه صلى الله عليه وآله وسلم يعود عليه ثواب نصف أهل الجنة أو ثلثهم , وذلك هو الفضل الكبير 0

قارنوا بين الآية الكريمة السابقة وبين وصف الله لبني اسرائيل حيث يقول تعالى في سورة المائدة :

( لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون *

كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) 0

فأي فضل علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وفي الائتمار بالمعروف والإنتهاء عن المنكر 0
  رد مع اقتباس
قديم 02-24-2010, 10:05 PM   #16
سرحةالجامع
حال نشيط

افتراضي

أيها الأخوة الأحباب :
____________

قلت من قبل إن معرفة الله تعالى هي علة وجودنا في هذه الدنيا ,

ولا سبيل إلى معرفته تعالى معرفة مذاق إلا عن طريق الإيمان به ثم تقوية الإيمان بمتعلقاته من

صلاة وصيام وزكاة وحج ونوافل وقربات إلى الله بالعبادات الجسدية والمادية والمجاهدات النفسية 0

وقد كان صاحب الذكرى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يهتم بإيمان أصحابه حتى لقد قال

يوما لسيدنا حارثة بن مالك الأنصاري : كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله ,

قال : إن لكل قول حقيقة , فما حقيقة إيمانك ؟ قال : يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي

وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون ,

وكأني أسمع عواء أهل النار ,

فقال له مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عرفت فالزم 000

ومن هنا جاء قولهم : فلان عارف , ولم يقولوا عالم , لأن العلم غير المعرفة :

فالعلم رواية , والمعرفة دراية ,

ويقول الإمام الغزالي رضي الله عنه :

فرق أن يعلم الإنسان حد الجوع والشبع وبين أن يكون صحيحا وشبعان 0

فالمذاق الروحي غير التحصيل الفكري 0

ويقول سيدي جلال الدين الرومي :

هل قطفتم وردا من الواو والراء والدال ؟ اذهبوا فابحثوا عن حقيقة المسمى 00

وها نحن قد رأينا كيف قطع حارثة رضي الله عنه بقلبه اليقظ مفاوز الآخرة

حتى كأنه رأى الجنة والنار معاينة , فما أسعده 0

وإذا كان الله تعالى يقول :

( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) 0

فقد جعل العلم وسيلة للخشية وليس غاية في ذاته , فمن لم يصل بعلمه إلى خشية الله لا يعد

عند العارفين عالما إنما هو في نظرهم من أوعية العلم فكانوا إذا أشاروا إلى واحد من هؤلاء :

يقولون حدثنا فلان وكان من أوعية العلم , ولا يقولون : وقد كان عالما , لأنه لم يتصف بالخشية التي تصاحب العلماء0

وهذا يفسر لنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

" والله إني لأتقاكم لله واخوفكم من الله " 0

ذلك بأنه كان أعلم العلماء الذين عملوا بما علموا , فهو أخشاهم لله وأعظمهم هيبة له سبحانه ,

ولذلك قيل :

على قدر علم المرء يعظم خوفه
فلا عالم إلا من الله خائف

فآمن مكر الله بالله جاهل
وخائف مكر الله بالله عارف

أيها الأحباب :
______


لا تظنوا أن التربية الدينية يقف أثرها عند أمور الآخرة الآجلة , بل هي كذلك تتصل بحياة الأمة

الدنيوية في نواحيها المختلفة من سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية ,

ولنقرأ في هذا المقام بعض الأبيات للسيد / محمد إقبال وهو الذي نهل من علوم أوروبا في

انجلترا وألمانيا حتى حاز أعلى الشهادات ولكنه تربى في أسرته المسلمة تربية إسلامية عالية

فلم يتنكر لدينه ولا لوطنيته فيقول في عبقريته العالمية التي يعتز بها المسلمون من عرب وعجم ,

وقد ترجم شعره إلى العربية الشيخ / الصاوي شعلان :

قال خير الخلق تاج المرسلين
كل أرض مسجد للمسلمين

أي محراب يضم الساجدين
إن تركت الأرض للمستعمرين

حرر الأرض لتبني المسجدا
لا تدع غيرك فيها سيدا

وما أروعه في توجيه المؤمن إلى الناحية الروحية التي تكسبه عز الدارين حيث يقول :

ودنيا الروح سكر بالمعاني
وصحو بالرقي والمعالي

فعش للروح في دنيا وأخرى
تفز بالعالمين بلا زوال

وإن أمسيت للأموال عبدا
فقدتهما معا في كل حال

وإن أصبحت في الأكوان حرا
فأنت من كمال إلى كمال

وكسب المال للمخلوق حق
ولكن لا تبع شرفا بمال

وإن المال قد يأتي ويمضي
وأنت وما ملكت إلى ارتحال

فهل آن لشبابنا المثقفين في الداخل أو الخاج أن يفيقوا من غفلة اللهو والمجون التي غرهم بها الشيطان

حين زين لهم حب الشهوات وجعل همتهم وقفا عليها فكأنه لا موت ولا بعث ولا نشور ,

وما أبدع ما يقوله إمامنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :

عجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله , وعجبت لمن شك في الموت وهو يرى الموتى ,

وعجبت لمن شك في النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى , وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء 0

والكلام في تزكية الروح متسع , ويكفي أن نقول أن الله تعالى جعل الفلاح في تك التزكية ,

وجعل الخيبة في إهمالها فقد قال تعالى في سورة الشمس :

( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ) 0

أيها الأخوة الأعزاء :
__________

نلم بعد ذلك إلمامة يسيرة بتاريخ المولد المبارك والسيرة العاطرة تبركا بالمولد وصاحبه

والسيرة وصاحبها صلى الله عليه وآله وسلم 0

أُختِلف في يوم المولد المبارك , فمنهم من قال إنه كان في 9 من ربيع الاول , ومنهم من قال

إنه كان في 12 منه , وقد حقق المغفور له محمود باشا الفلكي الخلاف وانتهى إلى أن المولد

كان في 9 ربيع الأول من عام الفيل , وهو يوافق 20 أبريل من سنة 571 م ,

وقال أبن عباس رضي الله عنهما إن المولد كان في عام الفيل 0

وأسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة وهي تدل على شرفه ,

وأشهر تلك الأسماء محمد وقد سُمِي به في القرآن , وأحمد وقد سُمِي به في الانجيل ,

وأحيد , وقد سُمِي به في التوراة , ومعنى أحيد أنه يحيد بنا نحن المؤمنين عن النار ,

أما اسمه في السماء فمحمود , وأما كنيته فهي أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم 0

وقد سُئِل جده عبد المطلب : لماذا سميت الوليد محمدا وليس هذا شائعا في العرب ,

فقال في إلهام من الله : أرجو أن يكون محمودا في الأرض والسماء 0

وقد طاف عبد المطلب بحفيده بيت الله الحرام ودعا له وكان ينشد وهو يطوف به :

الحمد لله الذي أعطاني
هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان
أعيذه بالبيت ذي الأركان

من حاسد مضطرب العيان
حتى أراه بالغ البنيان

وكان من عادة شريفات قريش أن يدفعن بأطفالهن إلى المراضع في البادية لتصح أجسادهم

وتفصح ألسنتهم , فكان من سعادة بني سعد أن الوليد الشريف استرضع فيهم ,

حيث دفعت به أمه السيدة آمنة بنت وهب القرشية إلى السيدة حليمة السعدية 0

وقد استقبل جده عبد المطلب السيدة حليمة حين جاءت تأخذ حفيده فقال لها :

مَن أنتِ ؟ قالت امرأة من بني سعد قال : ما اسمك ؟ قالت حليمة ,

فتبسم وقال بخ بخ , سعد وحلم فيهما خير الدهر وعز الأبد 0

وكانت حليمة ترقصه وتقول :

يارب إذا أعطيته فأبقه
وأعله إلى العلا وأرقه
وادحض أباطيل العدا بحقه

وتحكي حليمة من بركة الوليد الرضيع فتقول :

ألقى الله محبته في القلوب حتى أن أحدهم إذا نزل به أذى في جسده أخذ كفه صلى الله عليه وآله وسلم ,

فيضعها على موضع الأذى فيبرأ بإذن الله تعالى ومَن نزل به ضر في عينيه مسح عليهما

بكفه صلى الله عليه وآله وسلم فيبرأ بإذن الله تعالى ,

وكذلك إذا أعتل لهم بعير أو شاة أو فرس فيأخذون بيده , صلى الله عليه وآله وسلم , فيمرون بها

على موضع الأذى منه أو على كله فيبرأ بإذن الله عز وجل 0

وقد كان يمس ضرع الشاة للقوم فتحلب غبوقا وصبوحا 0

وقالت أيضا : أنبت الله ببركته صلى الله عليه وآله وسلم العشب فأعشب الوادي 0

وكانت الشيماء , ويقال لها أيضا الشماء وهي أبنة حليمة تساعد أمها في حضانته ,

وكانت تقول وهي ترقصه :

هذا أخ لي لم تلده أمي
وليس من نسل أبي وعمي

فديته من مُخول مُعِم
فأنمه الله فيما تنمي

كما كانت تقول :

يا ربنا أبق أخا محمدا
حتى أراه يافعا وأمردا

ثم أراه سيدا مسودا
واكبت أعاديه معا والحدا
وأعطه عزا يدوم أبدا

وقد جال فكري مرة في شأنه عليه الصلاة والسلام وعلى آله , فربطت بين أسمائه الجميلة

الدالة على كثرة حمد الناس له , وبين أسم أبيه عبد الله , وقد قامت الرسالة المحمدية على الدعوة

إلى توحيد الله , وبين اسم أمه آمنة ورسالة ابنها قامت على السلام وتحيتها السلام ,

وإنما كان حربه لإقرار الأمن والسلام , وبين اسم مرضعته حليمة , وقبيلتها بني سعد , وابنتها الشماء,

وبين اسم جاريته أم أيمن , وأخيرا قلت لا يتأتى كل ذلك مصادفة , وإنما هي عناية الله التي أحاطت

به من كل جوانبه مصداقا لقوله تعالى :

( فإنك بأعيننا ) 0

وقد تحلى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله من حداثته بمكارم الأخلاق ,

وباين أترابه في نشأته , فلم يجنح إلى لهو الصبا ولعب الشباب ,

ولم تستهوه الشهوات , بل شب طاهرا مطهرا , تزينه الإستقامة في أتم صورها وأعلى قممها ,

فتحلى بالصدق والأمانة والحياء والسخاء والتوكل والرضا والذكر والشكر والحلم والصبر والعفو

والصفح والرأفة والسكينة والوقار والتواضع والإنكسار والشجاعة والنجدة والهيبة

والخشوع والخوف والرجاء والدعاء والبكاء والعبادة والجهاد والحق ,

ويجمع تلك الصفات على كثرتها قوله تعالى :

( وإنك لعلى خلق عظيم ) 0

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم متحدثا بنعمة ربه :

" أنا دعوة أبي ابراهيم " 0

ودعوة أبيه وردت تفصيلا في سورة البقرة حيث يحكي الله أمرها في قوله الكريم :

( وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم *

ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا

إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك

ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) 0

ويقول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله مرة اخرى :

" إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم

واصطفاني من بني هاشم , فأنا خيار من خيار من خيار " 0

أيها الأحباب :
______

لقد تحمل صاحب الذكرى صلى الله عليه وآله وسلم مشقات عظمى في سبيل الله ,

فحمى دعوة الإسلام في الأرض بنفسه وماله , وحماها معه آله الكرام وأصحابه الأعلام ,

وقد كانوا أول الأمر قلة لكنهم لم يقبلوا في دينهم الذلة فهاجروا بدينهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة ,

وصبروا وصابروا ورابطوا حتى دانت لهم الأرض في المشارق والمغارب 0

ولقد تغنى ركب المهاجرين إلى الحبشة , وهم يقطعوا الفيافي والقفار ويعبرون البحار ,

فرارا بالعقيدة التي حرصوا عليها حرصهم على أرواحهم بل أشد ,

فماذا تغنى حاديهم في ذلك الركب المؤمن , إنه كان يقول بصوته الشجي الذي هون

عليهم التضحية مع عظمها :

الأهل والأوطان *** فراقهم صعب
لكنه الإيمــــان *** فداؤه القلـــب
والروح والأبدان *** فليقبل الـــرب
فليقبل الرب

ثم أنظروا كيف صور الله الصحابة الكرام في حربهم وسلمهم في كتابه الخالد

إذ يقول تعالى في سورة الفتح :

( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا

يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) 0

أرأيتم كيف كانوا أسودا على الأعداء ورحمة على الأصدقاء وُعبّادا في جوف الليل البهيم

حتى استنارت وجوههم من إشراق القلوب 0

ويقول تعالى في سورة الأنفال منوها بفضل المهاجرين والأنصار :

( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آوو ونصروا

أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ) 0

ومن ذلك نرى أيها الأعزاء أن الإيمان ليس كلمة تقال ثم تصحبها دعة واستكانة ,

وإنما الإيمان يقظة فوارة جياشة , وتضحيات يتلو بعضها بعضا فلا غفلة ولا بخل ولا جبن ,

إنه عمل دائب لا يني ولا يفتر , وشعلة متقدة لا تنطفئ ,

ورحمة واسعة كالطوفان الذي يقهر ما يعترضه وهو يزخر ,

وحيا الله فيلسوف الاسلام / إقبال إذ يقول :

أرى التفكير أدركه خمول
ولم تبق العزائم في اشتعال

وأصبح وعظكم من غير سحر
ولا نور يطل من المقال

وعند الناس فلسفة وفكر
ولكن أين تلقين الغزالي

وجلجلة الأذان بكل أرض
ولكن أين صوت من بلال

منائركم علت في كل جو
ومسجدا من العُبّاد خالي

أيها الأعزاء :
______

إن المسلمين الأوائل إنما ميزهم عن سائر المسلمين حرصهم على إقتفاء

أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومحاكته والتأسي به , وكان زمه صلبا لايفل

ولا يقل بل يزداد على الأيام شدة وقوة , قام ليله فقاموا , وحارب الأعداء فحاربوا ,

وسالم أهل السلم فسالموا , ورحم اليتيم فرحموه , وواسى المصاب فواسوه ,

وعاد المريض فعادوه , وقال :

" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " 0

فاستمسكوا واتحدوا ولم يختلفوا ,

وما أحوج مجتمعنا اليوم لذلك وقد تفككنا فاستضعفنا الأعداء ,

وقد حذرنا منهم صاحب الذكرى حين قال بنور الله الذي آتاه :

" يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ,

قالوا ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله , قال : لا بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل " 0

ويقول الشيخ / علي عقل رضي الله عنه في إلهامه الفوري الذي نقلناه عنه :

فيا أمة الإسلام مذا أصابكم
أترضون للإسلام أن يتأخرا

تركتم حدود الله وهي سلامة
وأهملتوا آثار مَن هذب الورى

زعمتم بأن الغرب فجر حضارة
وما الغرب إلا بالمآثم قد جرى

أباح الربا جهرا وما حرم الزنا
وقد حلل الصهباء واستعمر الورى

إذ نحن قلنا ليس في الغرب حكمة
تقولون لولا الغرب لن نتحضرا

أرى الغرب لو للعدل كانت حروبه
لما جال في أفيائنا وتبخترا

وما هتفت بالحرب يوما ديارنا
ولا شهرت سيفا وحشرت قرى

وليت بني قومي أقاموا على الهدى
وكانوا كأسلاف لهم حكموا الثرى

ولم يجعلوا التقليد فخر حياتهم
ولم يرتدوا اللذات تاجا ومئزرا

وكانوا رجالا يحسنون أمورهم
ولا حقروا قومية لن تحقرا

وليس بحرٍ من يصافي عدوه
ويطلب منه العون إن طارئ طرا

فهل لنا من عودة إلى مجدنا الذي بلغه أوائلنا بفضل التأسي برسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم , فورثهم الله الارض وجعلهم خلفاء فيها مصداقا لقوله تعالى في سورة النور :

( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف

الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني

لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون *

وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) 0



اللهم ارزقنا بعونك طاعتك وطاعة رسولك حتى نلقاك تحت لوائه مع الذين قلت فيهم في سورة الحديد :

( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم

جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم )0


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0
  رد مع اقتباس
قديم 02-24-2010, 10:07 PM   #17
سرحةالجامع
حال نشيط

افتراضي

أيها الأخوة الأحباب :
____________

قلت من قبل إن معرفة الله تعالى هي علة وجودنا في هذه الدنيا ,

ولا سبيل إلى معرفته تعالى معرفة مذاق إلا عن طريق الإيمان به ثم تقوية الإيمان بمتعلقاته من

صلاة وصيام وزكاة وحج ونوافل وقربات إلى الله بالعبادات الجسدية والمادية والمجاهدات النفسية 0

وقد كان صاحب الذكرى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يهتم بإيمان أصحابه حتى لقد قال

يوما لسيدنا حارثة بن مالك الأنصاري : كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله ,

قال : إن لكل قول حقيقة , فما حقيقة إيمانك ؟ قال : يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي

وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون ,

وكأني أسمع عواء أهل النار ,

فقال له مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عرفت فالزم 000

ومن هنا جاء قولهم : فلان عارف , ولم يقولوا عالم , لأن العلم غير المعرفة :

فالعلم رواية , والمعرفة دراية ,

ويقول الإمام الغزالي رضي الله عنه :

فرق أن يعلم الإنسان حد الجوع والشبع وبين أن يكون صحيحا وشبعان 0

فالمذاق الروحي غير التحصيل الفكري 0

ويقول سيدي جلال الدين الرومي :

هل قطفتم وردا من الواو والراء والدال ؟ اذهبوا فابحثوا عن حقيقة المسمى 00

وها نحن قد رأينا كيف قطع حارثة رضي الله عنه بقلبه اليقظ مفاوز الآخرة

حتى كأنه رأى الجنة والنار معاينة , فما أسعده 0

وإذا كان الله تعالى يقول :

( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) 0

فقد جعل العلم وسيلة للخشية وليس غاية في ذاته , فمن لم يصل بعلمه إلى خشية الله لا يعد

عند العارفين عالما إنما هو في نظرهم من أوعية العلم فكانوا إذا أشاروا إلى واحد من هؤلاء :

يقولون حدثنا فلان وكان من أوعية العلم , ولا يقولون : وقد كان عالما , لأنه لم يتصف بالخشية التي تصاحب العلماء0

وهذا يفسر لنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

" والله إني لأتقاكم لله واخوفكم من الله " 0

ذلك بأنه كان أعلم العلماء الذين عملوا بما علموا , فهو أخشاهم لله وأعظمهم هيبة له سبحانه ,

ولذلك قيل :

على قدر علم المرء يعظم خوفه
فلا عالم إلا من الله خائف

فآمن مكر الله بالله جاهل
وخائف مكر الله بالله عارف

أيها الأحباب :
______


لا تظنوا أن التربية الدينية يقف أثرها عند أمور الآخرة الآجلة , بل هي كذلك تتصل بحياة الأمة

الدنيوية في نواحيها المختلفة من سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية ,

ولنقرأ في هذا المقام بعض الأبيات للسيد / محمد إقبال وهو الذي نهل من علوم أوروبا في

انجلترا وألمانيا حتى حاز أعلى الشهادات ولكنه تربى في أسرته المسلمة تربية إسلامية عالية

فلم يتنكر لدينه ولا لوطنيته فيقول في عبقريته العالمية التي يعتز بها المسلمون من عرب وعجم ,

وقد ترجم شعره إلى العربية الشيخ / الصاوي شعلان :

قال خير الخلق تاج المرسلين
كل أرض مسجد للمسلمين

أي محراب يضم الساجدين
إن تركت الأرض للمستعمرين

حرر الأرض لتبني المسجدا
لا تدع غيرك فيها سيدا

وما أروعه في توجيه المؤمن إلى الناحية الروحية التي تكسبه عز الدارين حيث يقول :

ودنيا الروح سكر بالمعاني
وصحو بالرقي والمعالي

فعش للروح في دنيا وأخرى
تفز بالعالمين بلا زوال

وإن أمسيت للأموال عبدا
فقدتهما معا في كل حال

وإن أصبحت في الأكوان حرا
فأنت من كمال إلى كمال

وكسب المال للمخلوق حق
ولكن لا تبع شرفا بمال

وإن المال قد يأتي ويمضي
وأنت وما ملكت إلى ارتحال

فهل آن لشبابنا المثقفين في الداخل أو الخاج أن يفيقوا من غفلة اللهو والمجون التي غرهم بها الشيطان

حين زين لهم حب الشهوات وجعل همتهم وقفا عليها فكأنه لا موت ولا بعث ولا نشور ,

وما أبدع ما يقوله إمامنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :

عجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله , وعجبت لمن شك في الموت وهو يرى الموتى ,

وعجبت لمن شك في النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى , وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء 0

والكلام في تزكية الروح متسع , ويكفي أن نقول أن الله تعالى جعل الفلاح في تك التزكية ,

وجعل الخيبة في إهمالها فقد قال تعالى في سورة الشمس :

( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ) 0

أيها الأخوة الأعزاء :
__________

نلم بعد ذلك إلمامة يسيرة بتاريخ المولد المبارك والسيرة العاطرة تبركا بالمولد وصاحبه

والسيرة وصاحبها صلى الله عليه وآله وسلم 0

أُختِلف في يوم المولد المبارك , فمنهم من قال إنه كان في 9 من ربيع الاول , ومنهم من قال

إنه كان في 12 منه , وقد حقق المغفور له محمود باشا الفلكي الخلاف وانتهى إلى أن المولد

كان في 9 ربيع الأول من عام الفيل , وهو يوافق 20 أبريل من سنة 571 م ,

وقال أبن عباس رضي الله عنهما إن المولد كان في عام الفيل 0

وأسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة وهي تدل على شرفه ,

وأشهر تلك الأسماء محمد وقد سُمِي به في القرآن , وأحمد وقد سُمِي به في الانجيل ,

وأحيد , وقد سُمِي به في التوراة , ومعنى أحيد أنه يحيد بنا نحن المؤمنين عن النار ,

أما اسمه في السماء فمحمود , وأما كنيته فهي أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم 0

وقد سُئِل جده عبد المطلب : لماذا سميت الوليد محمدا وليس هذا شائعا في العرب ,

فقال في إلهام من الله : أرجو أن يكون محمودا في الأرض والسماء 0

وقد طاف عبد المطلب بحفيده بيت الله الحرام ودعا له وكان ينشد وهو يطوف به :

الحمد لله الذي أعطاني
هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان
أعيذه بالبيت ذي الأركان

من حاسد مضطرب العيان
حتى أراه بالغ البنيان

وكان من عادة شريفات قريش أن يدفعن بأطفالهن إلى المراضع في البادية لتصح أجسادهم

وتفصح ألسنتهم , فكان من سعادة بني سعد أن الوليد الشريف استرضع فيهم ,

حيث دفعت به أمه السيدة آمنة بنت وهب القرشية إلى السيدة حليمة السعدية 0

وقد استقبل جده عبد المطلب السيدة حليمة حين جاءت تأخذ حفيده فقال لها :

مَن أنتِ ؟ قالت امرأة من بني سعد قال : ما اسمك ؟ قالت حليمة ,

فتبسم وقال بخ بخ , سعد وحلم فيهما خير الدهر وعز الأبد 0

وكانت حليمة ترقصه وتقول :

يارب إذا أعطيته فأبقه
وأعله إلى العلا وأرقه
وادحض أباطيل العدا بحقه

وتحكي حليمة من بركة الوليد الرضيع فتقول :

ألقى الله محبته في القلوب حتى أن أحدهم إذا نزل به أذى في جسده أخذ كفه صلى الله عليه وآله وسلم ,

فيضعها على موضع الأذى فيبرأ بإذن الله تعالى ومَن نزل به ضر في عينيه مسح عليهما

بكفه صلى الله عليه وآله وسلم فيبرأ بإذن الله تعالى ,

وكذلك إذا أعتل لهم بعير أو شاة أو فرس فيأخذون بيده , صلى الله عليه وآله وسلم , فيمرون بها

على موضع الأذى منه أو على كله فيبرأ بإذن الله عز وجل 0

وقد كان يمس ضرع الشاة للقوم فتحلب غبوقا وصبوحا 0

وقالت أيضا : أنبت الله ببركته صلى الله عليه وآله وسلم العشب فأعشب الوادي 0

وكانت الشيماء , ويقال لها أيضا الشماء وهي أبنة حليمة تساعد أمها في حضانته ,

وكانت تقول وهي ترقصه :

هذا أخ لي لم تلده أمي
وليس من نسل أبي وعمي

فديته من مُخول مُعِم
فأنمه الله فيما تنمي

كما كانت تقول :

يا ربنا أبق أخا محمدا
حتى أراه يافعا وأمردا

ثم أراه سيدا مسودا
واكبت أعاديه معا والحدا
وأعطه عزا يدوم أبدا

وقد جال فكري مرة في شأنه عليه الصلاة والسلام وعلى آله , فربطت بين أسمائه الجميلة

الدالة على كثرة حمد الناس له , وبين أسم أبيه عبد الله , وقد قامت الرسالة المحمدية على الدعوة

إلى توحيد الله , وبين اسم أمه آمنة ورسالة ابنها قامت على السلام وتحيتها السلام ,

وإنما كان حربه لإقرار الأمن والسلام , وبين اسم مرضعته حليمة , وقبيلتها بني سعد , وابنتها الشماء,

وبين اسم جاريته أم أيمن , وأخيرا قلت لا يتأتى كل ذلك مصادفة , وإنما هي عناية الله التي أحاطت

به من كل جوانبه مصداقا لقوله تعالى :

( فإنك بأعيننا ) 0

وقد تحلى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله من حداثته بمكارم الأخلاق ,

وباين أترابه في نشأته , فلم يجنح إلى لهو الصبا ولعب الشباب ,

ولم تستهوه الشهوات , بل شب طاهرا مطهرا , تزينه الإستقامة في أتم صورها وأعلى قممها ,

فتحلى بالصدق والأمانة والحياء والسخاء والتوكل والرضا والذكر والشكر والحلم والصبر والعفو

والصفح والرأفة والسكينة والوقار والتواضع والإنكسار والشجاعة والنجدة والهيبة

والخشوع والخوف والرجاء والدعاء والبكاء والعبادة والجهاد والحق ,

ويجمع تلك الصفات على كثرتها قوله تعالى :

( وإنك لعلى خلق عظيم ) 0

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم متحدثا بنعمة ربه :

" أنا دعوة أبي ابراهيم " 0

ودعوة أبيه وردت تفصيلا في سورة البقرة حيث يحكي الله أمرها في قوله الكريم :

( وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم *

ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا

إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك

ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) 0

ويقول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله مرة اخرى :

" إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم

واصطفاني من بني هاشم , فأنا خيار من خيار من خيار " 0

أيها الأحباب :
______

لقد تحمل صاحب الذكرى صلى الله عليه وآله وسلم مشقات عظمى في سبيل الله ,

فحمى دعوة الإسلام في الأرض بنفسه وماله , وحماها معه آله الكرام وأصحابه الأعلام ,

وقد كانوا أول الأمر قلة لكنهم لم يقبلوا في دينهم الذلة فهاجروا بدينهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة ,

وصبروا وصابروا ورابطوا حتى دانت لهم الأرض في المشارق والمغارب 0

ولقد تغنى ركب المهاجرين إلى الحبشة , وهم يقطعوا الفيافي والقفار ويعبرون البحار ,

فرارا بالعقيدة التي حرصوا عليها حرصهم على أرواحهم بل أشد ,

فماذا تغنى حاديهم في ذلك الركب المؤمن , إنه كان يقول بصوته الشجي الذي هون

عليهم التضحية مع عظمها :

الأهل والأوطان *** فراقهم صعب
لكنه الإيمــــان *** فداؤه القلـــب
والروح والأبدان *** فليقبل الـــرب
فليقبل الرب

ثم أنظروا كيف صور الله الصحابة الكرام في حربهم وسلمهم في كتابه الخالد

إذ يقول تعالى في سورة الفتح :

( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا

يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) 0

أرأيتم كيف كانوا أسودا على الأعداء ورحمة على الأصدقاء وُعبّادا في جوف الليل البهيم

حتى استنارت وجوههم من إشراق القلوب 0

ويقول تعالى في سورة الأنفال منوها بفضل المهاجرين والأنصار :

( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آوو ونصروا

أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ) 0

ومن ذلك نرى أيها الأعزاء أن الإيمان ليس كلمة تقال ثم تصحبها دعة واستكانة ,

وإنما الإيمان يقظة فوارة جياشة , وتضحيات يتلو بعضها بعضا فلا غفلة ولا بخل ولا جبن ,

إنه عمل دائب لا يني ولا يفتر , وشعلة متقدة لا تنطفئ ,

ورحمة واسعة كالطوفان الذي يقهر ما يعترضه وهو يزخر ,

وحيا الله فيلسوف الاسلام / إقبال إذ يقول :

أرى التفكير أدركه خمول
ولم تبق العزائم في اشتعال

وأصبح وعظكم من غير سحر
ولا نور يطل من المقال

وعند الناس فلسفة وفكر
ولكن أين تلقين الغزالي

وجلجلة الأذان بكل أرض
ولكن أين صوت من بلال

منائركم علت في كل جو
ومسجدا من العُبّاد خالي

أيها الأعزاء :
______

إن المسلمين الأوائل إنما ميزهم عن سائر المسلمين حرصهم على إقتفاء

أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومحاكته والتأسي به , وكان زمه صلبا لايفل

ولا يقل بل يزداد على الأيام شدة وقوة , قام ليله فقاموا , وحارب الأعداء فحاربوا ,

وسالم أهل السلم فسالموا , ورحم اليتيم فرحموه , وواسى المصاب فواسوه ,

وعاد المريض فعادوه , وقال :

" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " 0

فاستمسكوا واتحدوا ولم يختلفوا ,

وما أحوج مجتمعنا اليوم لذلك وقد تفككنا فاستضعفنا الأعداء ,

وقد حذرنا منهم صاحب الذكرى حين قال بنور الله الذي آتاه :

" يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ,

قالوا ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله , قال : لا بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل " 0

ويقول الشيخ / علي عقل رضي الله عنه في إلهامه الفوري الذي نقلناه عنه :

فيا أمة الإسلام مذا أصابكم
أترضون للإسلام أن يتأخرا

تركتم حدود الله وهي سلامة
وأهملتوا آثار مَن هذب الورى

زعمتم بأن الغرب فجر حضارة
وما الغرب إلا بالمآثم قد جرى

أباح الربا جهرا وما حرم الزنا
وقد حلل الصهباء واستعمر الورى

إذ نحن قلنا ليس في الغرب حكمة
تقولون لولا الغرب لن نتحضرا

أرى الغرب لو للعدل كانت حروبه
لما جال في أفيائنا وتبخترا

وما هتفت بالحرب يوما ديارنا
ولا شهرت سيفا وحشرت قرى

وليت بني قومي أقاموا على الهدى
وكانوا كأسلاف لهم حكموا الثرى

ولم يجعلوا التقليد فخر حياتهم
ولم يرتدوا اللذات تاجا ومئزرا

وكانوا رجالا يحسنون أمورهم
ولا حقروا قومية لن تحقرا

وليس بحرٍ من يصافي عدوه
ويطلب منه العون إن طارئ طرا

فهل لنا من عودة إلى مجدنا الذي بلغه أوائلنا بفضل التأسي برسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم , فورثهم الله الارض وجعلهم خلفاء فيها مصداقا لقوله تعالى في سورة النور :

( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف

الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني

لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون *

وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) 0



اللهم ارزقنا بعونك طاعتك وطاعة رسولك حتى نلقاك تحت لوائه مع الذين قلت فيهم في سورة الحديد :

( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم

جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم )0


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0
  رد مع اقتباس
قديم 02-24-2010, 10:36 PM   #18
abu iman
حال متالّق
 
الصورة الرمزية abu iman

افتراضي

بارك الله فيك على هذا المجهود جعله الله في ميزان حسناتك
و أفاض الله علينا بحب المصطفى من سابغات نعمه ...
و زادنا شرفا باحتفالنا بمولده ...صل الله وسلم عليه و على آله
  رد مع اقتباس
قديم 02-25-2010, 01:17 AM   #19
اولئك ابائي
حال نشيط
 
الصورة الرمزية اولئك ابائي

افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ...

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه أجمعين ...:

وبعد ... اخوتي في الله ....

كان الصحابة رضي الله عنهم

" يتسابقون على وضوئه صلى الله عليه وسلم للتبرك به وكانوا لايحدون النظر إليه عليه الصلاة والسلام إجلالا وتعظيما له "

ومع فرط تعظيمهم وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحدثوا احتفالا لمولده وكذلك القرون المفضلة من بعدهم ...

ولم يثبت عنهم ذلك رضي الله عنهم ...


ألا وإن أعظم صور التعظيم له صلى الله عليه وسلم:

الاقتداء به وعدم مخالفة أمره حبا وانقيادا دائما ...

وليس محدودا بوقت لايتكرر إلامرة كل عام ...!!!


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(من دعا إلى هدى ؛ كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ؛ لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة ؛ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ؛ لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )
التوقيع :



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



  رد مع اقتباس
قديم 02-25-2010, 01:31 AM   #20
ابن شمال المملكة
حال نشيط
 
الصورة الرمزية ابن شمال المملكة

افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

الهم اهدنا لم اختلف فيه الى الحق وارنا الحق ورزقنا اتباعه وارنا الباطل وارزقنا اجتنابه

لااريد ان اجادل في امر بين وواضح وضوح الشمس والاخ ابو امان يعلم ذلك جيدا ولكن السوال ؟لماذا نعرف الحق ولانتبعه ونعرف الباطل ونصر عليه ؟

ابو امان هداني الله واياك والجميع الى الصواب اسالك سوال واحد

هل تشك في محبتنا للحبيب فداه نفسي وابي وامي واولادي واموالي وادنياء كلها صلى الله عليه وسلم ؟

ام اولئك القوم انضر وحكم


التوقيع :
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas