الفقر من اهم اسباب الارهاب

[ابوعبدالله]

يخيل اليك وانت تتابع «الميديا» الامريكية انه بحلول مناخ الارهاب الفكري والسياسي والاعلامي في الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر لم يعد هناك معلق يملك الجرأة للجهر برأي انتقادي صريح. لذا استوقفتني مقالة في مجلة «تايم» لكاتب صحفي يدعى مايكل اليوت يمكن ان تعتبر محاولة شجاعة للوقوف ضد التيار المكارثي السائد.


ففي الوقت الذي يتبارى مئات المعلقين الامريكيين من نواب برلمانيين وجنرالات متقاعدين واساتذة جامعات وخبراء تنتظم تخصصاتهم كل شيء واي شيء من العلاقات الدولية الى شئون التدبير المنزلي في تبرير الحرب الامريكية في افغانستان يقفز مايكل اليوت الى المقدمة ليصرخ في وجه جورج بوش وادارته: لا.. هذا خطأ.


اليوت يقول ان القوة العسكرية وحدها لن تقدم حلا لمشكلة ما يعتبره بوش ومن حوله جنرالات البنتاجون «ظاهرة ارهابية عالمية». وإذ يقرر اليوت ان للقوة العسكرية حدودها فانه يقترح على بوش ان يطوي صفحة العمليات القتالية في افغانستان ومطاردة قادة طالبان وتنظيم «القاعدة» لتشن الولايات المتحدة حربا من طراز اخر: الحرب ضد الفقر في العالم الثالث.


الارهاب نتيجة.. والفقر سبب. ولذا فان الحملة التي تشنها الولايات المتحدة «لمكافحة الارهاب» هي حرب في الجبهة الخطأ.. وبالتالي لن تقدم حلا على المدى البعيد.


واذ يطرح اليوت هذه الرؤية الثاقبة فانه يذكرنا ويذكر جورج بوش ودونالد رامسفيلد وجنرالات البنتاجون وكل من يدعمهم ويتحمس لهم داخل الولايات المتحدة وخارجها خوفا او طمعا او جهلا بحقيقة رقمية بسيطة لكنها تلخص اعظم جريمة عرفها تاريخ البشر: ان هناك في العالم الثالث 1200 مليون انسان يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم للفرد.


وبالطبع فان استخدام عبارة «يعيشون» في هذا السياق لابد ان يكون من قبيل المجاز لأنهم في الحقيقة «يموتون» بالتدرج البطيء مع مغرب كل يوم.


الفقر ينتج الارهاب.. او بالأحرى الاحساس بالظلم الفادح الذي فرض الفقر المذل على شعوب بأكملها. وعندما يبلغ هذا الاحساس نقطة معينة فانه يتحول الى حقد عام قابل للانفجار. سمه ارهابا او سمه ما شئت. لكن الحقيقة تبقى: لن تزول ظاهرة الارهاب من العالم طالما بقي الفقر المدقع.


هل يقتنع جورج بوش بأن تبتدر الولايات المتحدة بشن حرب على الفقر في العالم الثالث على نحو ما يقترح الكاتب الصحفي الامريكي مايكل اليوت؟ اليوت لا يفرط في التفاؤل. لكنه مع ذلك يلتقط سابقة من صفحات التاريخ القريب. فقد شنت امريكا حربا ناجحة ضد الفقر في اوروبا الغربية عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. ولولا «مشروع مارشال» «نسبة الى جورج مارشال وزير الخارجية الامريكية آنذاك» لتحولت دول اوروبا الخارجة لتوها من الحرب وقد افلست تماما الى بؤرة مبكرة للارهاب.


غير ان هذا المثال لا يتطابق مع السياسة الدولية الراهنة للولايات المتحدة وثوابتها تجاه بلدان العالم الفقيرة. فهي سياسة تنطلق من رؤية عسكرية امنية لا من رؤية تنموية نهضوية. امريكا تقرض الدول الفقيرة لتشتري من السوق الامريكية بنادق ومدافع وطائرات ورشاشات من اجل الهاب فتن قتالية داخلية بين مجموعات متنافرة عرقيا او طوائف متخاصمة دينيا لكنها اي الولايات المتحدة لا تقدم مساعدات من اجل اقامة سدود وانظمة للري ومشروعات طاقة ومصانع او مدارس ومستشفيات ومشاريع لامداد المياه النقية.


يكسب زعيم سياسي امريكي الانتخابات الرئاسية ويشكل ادارة جديدة. ولمدى اربع سنوات هي عمر الادارة لا يخرج نشاط الوزراء عن اطار الشئون الأمنية والعسكرية بما في ذلك شن حروب او تدبير مؤامرات استخباراتية او فرض عقوبات اقتصادية او توسيع قائمة الدول والمنظمات التي «ترعى الارهاب».. الخ.


ولا يبدو ان الطبقة الحاكمة في امريكا اتعظت من أحداث سبتمبر. فباسم «مكافحة الارهاب» في الخارج دخل المجتمع الامريكي عهدا جديدا تتولى فيه السلطة نفسها ممارسة الارهاب البوليسي ضد شعبها.

بقلم احمد عمرابي