عقيدة التوسل .......... !!!!

[جمال العطاس]

لابد من الإعتقاد بأن جميع الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين
_ أحياء أو موتى _ لافعل لهم ولاقدرة لهم ولاتصرف الاّ بقدرة الله تبارك وتعالى . ولو كان التوسّل شركاً كمايزعم البعض وتوجها إلى غير الله تبارك وتعالى . فينبغي أن يكون التوسل بالعمل الصالح وبطلب الدعاء من الصالحين في حال حياتهم شركاً أيضا . لذلك فالتوسّل ليس منهياعنه . ولو زعم أحد ان التوسل بالموتى منهي عنه بزعمهم خروج الموتى بحالة الموت من الكرامة التي لهم في حال حياتهم . فهذا أيضا غير صحيح !!
نعم ان كان الزائر للقبور يعتقد ان اهل القبور لهم قدرة التصرف من غير توجه إلى حضرة الحق تبارك وتعالى والإلتجاء اليه كما يعتقده ( العوام ) الغافلون الجاهلون فذلك ممايمنع ويحذّر منه .
كما ان فعل العوام لايعتبر قط ولايجب أن يكون محل بحث لموضوع كهذا . وإلى هذا التوسل أشار الإمام مالك رحمه الله تعالىللخليفة الثاني من بني العباس , وهو المنصور جد الخلفاء العباسيين وذلك لما حج المنصور وزار قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فقد سأل الخليفة المنصور الإمام مالك وهو بالمسجد النبوي قائلا له : ياأبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعوا ؟؟ أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟ فقال الإمام مالك رحمه الله للمنصور :
ولِمَ تصرف وجهك عنه صلى الله عليه وآله وسلم وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى , بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك , قال تعالى :
( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(النساء: من الآية64)
وقد ذكره القاضي عياض في ( الشفاء ) وساقه بإسنادٍ صحيح وذكره السبكي في ( شفاء السقام ) والسمهودي في ( خلاصة الوفاء ) والعلاّمة القسطلاني في ( المواهب اللدنيّه ) والعلاّمة ابن حجر في ( تحفة الزوّار والجوهر المنظم ) وذكره كثير من أصحاب المناسك في آداب زيارة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ..

وهنا نقول : انظروا إلى ماقاله الإمام مالك رحمه الله !!!
انه قول من لم يتبع الهوى .. انه قول العالم العارف وليس قول الأدعياء المتحذلقين ممن هم في أوحال المصالح والمنافع !!

ثم ان التوسل بعم النبي( العباس ) رضي الله عنه لاينفي صحة التوسل بالموتى فقد توسل الصحابة بالعباس لقرابته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد روى ابن عبد البر في( الإستيعاب ) . سبب توسل الصحابة بالعباس وهو لايتنافى مع التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في قبره . ولو كانوا يريدون التوسل بالأحياء لختاروا غير العباس
فلماذا اختاروا العباس دون سواه وهناك عمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم وارضاهم ؟؟؟

( فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) . انه التدليس والمعاندة في الحق ..

وقد أخرج ابن أبي شيبة عن مالك الدار بسند صحيح ( كما في فتح الباري ) وأخرجه البخاري في ( التاريخ ) وابن أبي خيثمة والبيهقي في( الدلائل ) : ان بلال بن الحارث المزني الصحابي , أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أيام الرمادة ( القحط ) في عهد عمر رضي الله عنهما وقال : ( يارسول الله استسق لأمتك فأنهم قد هلكوا ) ..... الخ .!!

وهو نص من فعل الصحابة في صحة التوسل بالميت ... وبما انه لم ينكر عليه أحد , فقد أخذ هذا الحديث بالتتالي قوة الإجماع .

وهذه قصة الاعرابي الذي وجد نفسه مذنبا فذهب يستمد مغفرة الله تعالى عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك فيما أخرجه ابن عساكر في ( تاريخه ) وابن الجوزي في ( مثير الغرام ) وابن النجار بأسانيدهم إلى محمد بن حرب الهلالي قال : أتيت قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فزرته وجلست بحذائه فجاء اعرابي ( وذكر ماسيأتي ) . بل لقد رواه ابو سعيد السمعاني عن علي رضي الله عنه قال قدم علينا اعرابي بعدما دفنّا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبره صلى الله عليه وآله وسلم وحثى من ترابه على رأسه وقال : يارسول الله قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله سبحانه وتعالى ووعينا عنك وكان فيما اُنزل عليك : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ ) الآية . وقد ظلمت نفسي
وجئتك تستغفر لي , فنودي من القبر أنه قد غُفِرَ لك ..

والحاصل ان مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسّل وجوازه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد مماته , وكذا بغيره من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين , كما دلت الأحاديث السابقة لأنا لانعتقد تأثيرا ولاخلقا ولا إيجادا ولا إعداما ولا نفعا ولا ضرا , إلاّ لله وحده لاشريك له لأنهم لايخلِقون و ليس لهم تأثيرا فيما ذكرنا , وانما يتبرك بهم لكونهم أحبّاء الله تعالى وأصفيائه كما يطلب الدعاء من الحي الصالح فلافرق كونهم أموات أو أحياء , فالخلق والإيجاد والتأثير لله وحده لاشريك له ( ولأنه تسري بركة المكان على الداعي ) كما قال الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه ( تحفة الذاكرين ) ..
وأما الذين يفرّقون بين الأحياء والأموات والذين جوزوا بعض التوسلات بالأحيا ولم يجوزوها للموتى , فهم القريبون للزلل , لأنهم اعتبروا إن الأحياء لهم تأثير دون الموتى , لأنه لا تأثيرا إيجاديا لغير الله تعالى على الإطلاق .. فمن هو الذي وقع في الزلل بحذلقته وجهله ؟؟
فقد قال المعترضين أن الموتى انما هم أجساد هامدة جامدة , ولا روح ولا إدراك ولا مجال للمخاطبة معهم . وهذا جهل منهم وعناد ومكابرة , ألا يعلمون ان أجساد الأنبياء والرسل وغيرهم لاتبلى وإن الله تبارك وتعالى حرم على الأرض ان تأكل لحومهم , وان أرواحهم باقية وثابتة . ولها إدراك بإذن الله تعالى بالكيفية التي يعلمها سبحانه . وهو سبحانه يعلمها ويخبرها بصلوات المصلين وتوسلات المتوسلين وحسبنا في الموضوع مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد بقولنا :
( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) الم تكن ( الكاف )
هي كاف المخاطبة ؟؟ هؤلاء الجهّال كيف يفهمون !!!

روى النسائي عن أوس بن أوس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ان الله عزوجل قد حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) . وأخرجه ابن ماجه في سننه ايضا , وروى البيهقي في كتاب ( حياة الأنبياء ) وصححه من حديث أنس رضي الله عنه انه قال صلى الله عليه وآله وسلم ( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون ) .
وكذلك رواه أبو يعلي والبزّار وابن عدي ..
وأخرج مسلم في باب فضائل موسى عليه السلام من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
( مررت على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره ) فتح الباري 2/ 260 والبيهقي في ( حياة الأنبياء ) .. والكثير من الأحاديث الصحيحة التي لامجال لذكرها ..

فإذا وقفنا وتوجهنا إلى الضريح الأنور وخاطبناه صلى الله عليه وآله وسلم , فخطابنا معه له أصل في الدين وهو الخطاب معه في تشهدنا لكل صلاة . ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ومعنى ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم له روح عالية الدرجات موهوبة منه سبحانه بفضائل لايعلمها الا هو , وأنه تعالى يخبره ويعلمه بصلاة المصلين وخطاب الحاضرين والغائبين .

وإذا توسلنا به على معنى طلب الدعاء منه صلى الله عليه وآله وسلم
فطلب الدعاء مشروع من غيره فكيف به صلى الله عليه وآله وسلم
وروحانيته المنوّره لافرق بين عالم علاقتها المادية الدنيوية وعلاقتها البرزخية , بل والأرواح في البرزخ أصفى منها في عالم الدنيا .
ولكن الذين لايرون إلا ان الموتى جثثا هامدة فهم أهل الجهل والعمى في البصائر .. وإذا توسلنا بذاته الشريفة أو بجاهه العظيم أو بحقه الجسيم , أي حق رعايته للعبودية الخالصة عند الله تعالى بمحض إحسانه وفضله أو فضل طاعته واعماله وجهاده في تبليغ الدين المبين . فكل ذلك واقع في الروايات الصحيحة كما أسلفنا في أوجه التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم .

وماتوهم البعض به من انه إشراك , فهو توهّم من تعامي عن حقيقة
معنى الإشراك , فإنه عبارة عن أن يجعل العبد احدا سوى الله تعالى شريكا له في العبودية والربوبية والخلق ..

فأين ذلك من التوسل بالأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين ؟؟

وان من يقيس المتوسلين بالأنبياء وغيرهم بعبّاد الأصنام الذين لم تدخل قلوبهم كلمة التوحيد والعمل بها . في ماحكاه الله تعالى عنهم من قولهم : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) .. ونحو ذلك ناشئ عن إغماض عن الحق وإنحراف عن الواقع . وان ذلك تسوية بين الأمة الوثنية الجاهلة الضالة العمياء , وبين الأمة المسلمة المؤمنة بالله وحده لاشريك له , الناشئة على الملّة الإسلامية الحنيفةالمهتدية التي تمرنت على الإعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى رب العالمين وخالق كل شئ ومعبود المكلفين الذي لاشريك له !!!

أليس هذا تدليس على العوام ؟؟ أليس كذب وباطل مايزعمه هؤلاء المدلّسين ؟؟ اليك أخي ماقد أسلفنا من أقوال الأئمة وأفعال الصحابة الكرام رضي الله عنهم .. من أوائل هذه الأمة وفضلائها وصلحائها
وأئمتها وعلمائها من أهل القرون الأولى . وأنظر فيما يقوله أهل الهوى والمكابرة والعناد وأهل المصالح والمنافع من متأخرين هذه الأمة ولك التمييز في ذلك كله !!!
قال تعالى : ( ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) (لنجم:30)