شبام حضارة وتراث.. على صدر تشرين السورية

[باشراحيل]

صدر هذا المقال من تراثنا المعماري المعطاء بجريدة تشرين السورية الصادرة هذا اليوم الأثنين 21/3/2005م .. فأحببت نقله لأخواني في السقيفة كما هو دون اي تدخل للأطلاع والفائدة .

العمارة الطينية في وادي حضرموت .. شبام مدينة ناطحات سحاب مصنوعة من الطين
دمشق
صحيفة تشرين
الاثنين 21 آذار 2005
متابعة: سهيل الذيب
في ندوة العمارة الطينية في وادي حضرموت التي أقيمت في مكتبة الأسد برعاية وزارة الثقافة والسفارة اليمنية في دمشق وحضور السفير اليمني والرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد وجمع من الوزراء وجمهور نوعي، ألقت المهندسة ريم عبد الغني محاضرتها وقالت فيها أن وادي حضرموت يتكون من 40000 قرية كلها مبنية من الطين وكل ما في اليمن منقوش على الحجر من عاد وثمود وبلقيس وهذه النقوش حطت بلغة تعبيرية ساحرة في أغنى بلاد العرب، فقد اعتبرت عدن الجنة واشتهرت بالسدود كسد مأرب والقصور الكثيرة كقصر الرمدان وكان شفافاً تزينه تماثيل الأسود، وخبرة أهل اليمن في الترحال ساعدتهم على نشر الإسلام، والعمارة اليمنية حافظت على شكلها بسبب العزلة التي فرضت عليها والبناء في حضرموت يتكون من القمرية والشاقوص والمشربيات والنوافذ الكاذبة والزخرفة الكثيفة في الواجهات وكذلك المفرج وهي أعلى غرفة البناء وتطل على المدينة وتستخدم في تخزين القات، وتقع حضرموت في الناحية الجنوبية الشرقية من اليمن وواديها عبارة عن سهول ساحلية بطول 240كم وأهم مدنه المكلا والعمارة، مازالت تستخدم الطين بالمواد نفسها والطرق نفسها وهي عمارة عربية حية وصلت درجة عالية من التقدم وهناك التصاق بين العمارة والأرض بتلاؤم مذهل مع الطبيعة، وفي حضرموت قصر عشة في ثريم والقصر الكبير في سيئون وعدد السكان نصف مليون وهاجر معظهم بدءاً من القرن الثاني عشر والقرن التاسع عشر وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية ولهذا السبب هناك بعض التأثيرات الغربية على القصور، أما لماذا الطين؟ فلأنه عازل للحرارة ورخيص الثمن مطواع ويندمج مع الطبيعة، وهذا الطين يجلب من حول أشجار النخيل بعمق خمسة وسبعين سم إلى المترين، وهو الأفضل.. يوضع في قوالب ويعرض للشمس ويوضع فيه الملح لقتل الحشرات، واليمنيون يعتقدون بطهارة الطين في بناء جوامعهم ويدهن أعلى البناء بمادة بيضاء كلسية لطرد الحشرات أما الأسقف فاعتمدت على الجسور الخشبية، ويسمى البناء الطيني المدرة ويحتاج إلى عدّة أسابيع لبنائه وتسمى عملية الطلاء بالنورة والتحزيم أضف إلى ذلك أن اليمنيين لم يستخدموا الزجاج في مدينة شبام على الاطلاق.
وشبام هذه مدينة في وادي حضرموت وأبنيتها تتجاوز العشرة طوابق وتسمى ناطحات سحاب وجميع هذه الأبنية من الطين موصولة بعضها ببعض في سطح البناء وشبام محاطة بسور لحمايتها من الأعداء وبسبب انعكاس الشمس عليها بطريقة فنية فقد صارت صفراء ذهبية والعمارة اليمنية بشكل عام عمارة شاقولية ولا يوجد فيها الصحن الداخلي ويتكون البناء من الدور الأول وهو للحبوب والثاني للنساء والثالث للرجال وعدد بيوت شبام 500 بيت وتعود إلى 400 سنة، خلت وهي مدينة أغنياء تعود لتجار وأناس ميسورين وللمدينة بوابة تسمى السكرة وتقع في الناحية الجنوبية وطريقة البناء في منتهى العبقرية والرقي لأنها مصممة ومدروسة لكيفية إدخال الهواء إليها وصناعة الرطوبة والفيء وتقليل الحرارة وفتحات البناء في شبام تتبدئ بدءاً من الطابق الثالث، وللاستدلال على العبقرية اليمنية في هذا المجال أنه كان يمكنهم بناء البيت على أرض مساحتها ستة وثلاثون متراً فقط، وهذا هو الإعجاز وبين الأبنية يوجد المعبر وهو جسر معلق يصل إلى بين الأبنية دون الاضطرار إلى النزول إلى الشارع ويقال إن المدينة موصولة بعضها ببعض، أما المدينة الثانية الهامة في الوادي فهي مدينة تريم المبنية في القرن الرابع ـ ق.م وهي مركز من مراكز العلم والبحث والشريعة فيها نحو 365 مسجداً ومئتي مفتِ في زمن واحد تشتهر بأشجارها الكثيفة وحدائقها الغناء وسميت بمدينة الصديق نسبة إلى «أبو بكر الصديق» وهي مدينة شبه مقدسة وسميت كذلك مدينة رطب القلوب وطب الأبدان بسبب جودة طبيعتها وفي المدينة قصر الرناد وكذلك مكتبة ضخمة تدعى مكتبة الأقحاف فيها ستة آلاف وخمسمئة مخطوط، وأيضاً من معالمها الهامة قصر القبة الذي أعيد ترميمه وفيها مسجد نقيع وفي المدينة سبعون مصلى للنساء. ‏
عبقرية يمنية في بناء الأوابد والمباني من الطين استطاعت أن تصمد في وجه الطبيعة لفترة طويلة جداً والأعظم هذه المدينة المسماة شبام التي كثيراً ما تشبه ناطحات السحاب ولكنها أقدم وأكثر دفئاً وإنسانية، وفي هذا المجال لا بد من التذكير أن ثلث أبنية العالم في العصر الحالي مصنوعة من الطين، ولا بد من التنويه بالعمل الجبار الذي قامت به المهندسة ريم وهو دراسة هذه المدن والمباني على أرض الواقع وستحاول بمساعدة منظمات عالمية ترميم أربعين مسجداً خوفاً عليها من انهيارها وهي بهذا العمل تحاول أن تكرس العمارة العربية كعمارة ثقافية تستند إلى حضارة عربية إنسانية. ‏
‏