المحضار..بين دموعه و اشجانه وحنينه وحقوقه .!!!!

[أبوعوض الشبامي]

لم أسمع ولم أقرأ ولم أرى أهل مدينة حضرمية كأهل مدينة الشحر!!!
نعم إنهم يحبون ( ضبضبهم ) لأنه جبل أصم لا يشكي جاثم وراؤهم ولن يتزحزح من مكانه ..!!! ويحبون دار البياني والبياني إسم لتاجر يهودي قديم كانت تلك الدار داره ..!! واليهود ليسوا أهل عهد ووفاء!!!! ويحبون السوق لأن السوق مركزا للمصالح والمنافع...!!
أما إنهم يحبون الشحركوطن وموطن للإبداع والعطاء فذاك أمر دونه سور من الشك والريبة وحاجز بينهم وبين ذلك .. لأن ماهو مثبوت لهو دليل قاطع لسؤ حظ طالع المدينة العريقة التاريخية 0
ففي أوساط هذه البيئة الشحرية لمع في العقود الماضية ظهور نجم شاعر الأغنية الحضرمية حسين ابوبكر المحضار وأعطى ما أعطى للأغنية الحضرمية من تجديد واعطى ما أعطاه لمدينته الشحر - سعاد - من حب وشهرة ومكانة خلدت في الأغنية الحضرمية بالرغم ان عائلة شاعرنا المحضار هي طارئة الإستيطان في الشحر أي إنها على عهد قريب بها. ولكن المحضار جسّد الحب والمحبوبه لمسقط رأسه واصبح المحب والحبيبه هي - سعاد - الشحر والشحر هي المحبوبة ...!
عاش المحضار في كنف الضنك والحاجة يبدع و يعطي و يعيش من قيمة هذا العطاء المتفرغ له ليسد رمق العيش في مجتمع لايحسن سوى إجادة التصفيق على إيقاعات اغانيه ولا يحسن ان يعين المبدعين وكلما ( ولاّ زمن الفرح ) وألمت مصيبة بشاعرنا المحضار أبدع في تصوير حزنه وآلامه حمل عصا النوى و الترحال إما يبيع لحنا أو يبيع كلمات..!
ومن واقع هذا الحزن المحضاري سالت ( دموع العشاق ) وأكل من وراء دموعه الفتات من وراء ممن كانوا يؤدون غناء هذه الكلمات والألحان الخالدة ليلقوا له الفتات من الأجرة ويستأثرون منها بنصيب الأسد .. حتى بلغ الصبر حدّه وصرخ المحضار ( الصبر لا جاوز حدوده قتل ) فتعرضت عائلته لحادث مروري مروع الزم زوجته الفراش والإعاقه والعلاج الدائم ورحل الى الكويت يستجدي طريقا لأي دينار يعينه على تحمل نفقات العلاج الباهض وما في يد المحضار من حيلة سوى ان يبيع كل حقوق تسجيل الحانه وأغانيه على شركة ( رومكو ) في عقد احتكار طويل المدى دفعته ( الظروف القاهره ) دفعا على توقيعه .. وكان من نتائج هذا الإحتكار ما تعانيه اليوم الأغنية المحضارية من قيود وشروط الحقوق للتسجيل لحساب الشركة المذكورة والدليل على ذلك ما آل إليه حال المطرب الشعبي الشحري ( سلومه ) من جلوسه القرفصاء للإنتظار في مكاتب الشركة المذكورة منتظرا الموافقة لتسجيل شريط محضاريات عبر موافقة شركة رومكو..!!
وقائل يقول تلك شركة كويتية أحتكرت الأعمال المحضارية طمعا في البحث عن الربح والفائدة ومن حقها تحافظ على حقوقها ..!
لكن الأدهى والأمر ما تعرض له المحضار من ابناء مدينته الشحر فقد دفعت الظروف بالمحضار أن يدفع بطباعة ديوانيه ( أشجان العشاق وحنين العشاق ) الى الطيع ولكن عبر احتكار من نوع آخر إذ ألتزم بطباعته كل من ( رياض باشراحيل والدكتور محمد بن حميد والعمودي ) وكان المقابل ان يستلم المحضار مبلغ 5000 ريال سعودي ومن ثم تعود له حقوقه في الطبع بعد خمسة سنوات من الطباعة وتسويق الدواوين ..!
وأجبرت ( الظروف القاهرة ) مرة اخرى المحضار بقبول ذلك الاتفاق واستلم الدراهم ليسد نفقات العلاج ويسد التزامات نفقات عائلته في سد رمق العيش .. عاش المحضار ما تبقى من العمر وهو يحس بانه الجريح ولسان حاله يردد قوله ( اشتكي واضحك و نا راسي من اللطم معصوب 0000 الهوى والناس والدنيا عصابه ) وتوفى المحضار وهذا الجرح كان يدمي فؤاده وفي يوم وفاته أختفت مع الحزن إبتسامات العشاق من عشاق فن المحضار وتوافدت الجموع من أقارب واصدقاء المحضار من اقصى حضرموت الى دار أعتدوها مفتوحة للجود والكرم توافدوا لأداء حق تشييعه الى مثواه الأخير... ولم يكن في ذلك اليوم من الطعام ما كان يكفي لإطعام أهل بيته اسبوعا واحدا وشكى الحال ابنه محضار لصديق مقرب لوالده من - غير اهل الشحر - شكى اليه الحال فسعى الصديق بإتصالاته على مستويات ذات نفوذ في الحكومة حتى تكرم عبدالقادر باجمال في تعميد صرف مليون ريال يمني دعما سريعا لعائلة المحضار .. وكانت مراسم الدفن المهيب شاركت حضرموت كلها الشحر في تشييع الحزن المحضاري الى مثواه الأخير وهي لا تعلم عن واقع الحال وحزن ضنك العيش المحضاري..!!
أما ذلك الإستوديو ( استديو سمعون ) الذي بنا مجده من وراء الإرتزاق من ابداعات وأغاني المحضار وبيع تسجيلات أغانيه دون ان يدفع للمحضار حق من الحقوق وقد عاشوا وترعرعوا ملاك هذا الأستوديو من وراء ايرادات ابداعات المحضار دون ان يفكروا ان يدفعوا ريالا واحد له حتى ولو في محنة عائلته بعد وفاته بل بلغ الحد باستوديو سمعون في استغلال لحظات الموت والحزن في تشييع المحضار انه تم تصوير لحظات تشييعه وارفاقها مع مقابلات وجلسات للمحضار سابقة و تركيب صور ذلك الشريط عن حياة وذكريات المحضار وفي نفس الأسبوع طرح شريط الفيديو للبيع تجاريا واستغلالا لعواطف حزن الناس ..دون ان يفكروا ان يدفعوا حق للورثه يعينهم على أوضاعهم المادية في تلك ( الظروف القاهرة ) ولم تسعى قط سعاد الشحر في تخليد اسم من اعطاها الحب وصاغ لجيدها قلادة العشق والوفاء الحضرمي ..!!
بينما في غمرة ذلك الحزن أنبرى واقفا تاجر يمني شمالي هزته الأريحه والنخوة والتفاعل مع الحزن للمصاب الجلل وأعلن إستعداده بالتكفل الكامل لبناء و تجهيز مركز ثقافي يحمل اسم المحضار ويحتوي كل ابداعاته ووثائق حياته وآثاره الفنية وفعلا ثم بناء هذا المركز وتسليمه وهو بناء فريد وجميل كما وصفه لي من زاره ولكن منذ ان فتح ابوابه لم يكلف اغلبية اهالي الشحر انفسهم عناء زيارة هذا المركز ...!
وليس فيه إلا حارس أمين من عشاق فن المحضار تكفل مهمة الحراسة وللمسكين ثمانية أشهر وهو في إنتظار صرف راتب له موعود به
ومع ذلك ظلّ ملتزما كل يوم بفتح ابواب المركز جالسا على كرسيه واضع يده تحت خدّه يتأمل صور المحضار المتناثرة على جدران المركز وعينه تدمع حزنا وهو يتساءل بينه وبين نفسه يا بو محضار هل ( حان الوفاء حان ) ؟؟؟؟؟


.