من تراث المرأة الحضرمية (( جـــر الذيـــول ))...!!!

[أبوعوض الشبامي]

.

كلما قرأت كتابا في تاريخ حضرموت للمؤلفين الحضارمة وقفت متشككا حول قصة غزو القائد العباسي (( معن بن زائد الشيباني )) الذي جهزه الخليفة المنصور لقيادة جيش كبير لأخضاع اليمن وحضرموت ، وذكروا أن هذا القائد العباسي خضع حضرموت ونكل بأهلها وأصدر الأوامر ضدهم وأمرهم بأن يلبسوا السواد ، وأن تجعل نساؤهم ذيولا طويلة يجرنها خلف ثيابهن تسحب في الأرض ، ومن بعد تاريخ هذا القرار اصبحت عادة جر الذيول في ثياب نساء حضرموت إلى هذا اليوم .
وما يدفعني بالشك في مصداقية رواية (( لبس السواد وجر الذيول )) وعدم صحتها اطلاقا ، أن رجعت للمراجع العربية لمعرفة جذور واصول تصميم الثوب التقليدي الحضرمي التراثي والخاص بالنساء ، والمتميز كما نعرف جميعا ( بالمنطق والذيل )وكانت حصيلة القراءة كما هائلا من المعلومات .
أولا ما هو المنطق: المنطق بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء ، هو ما يشد به الوسط وفي رواية ( النطق ) بضم النون والطاء وهو جمع منطق قال ، وقيل المنطق النطاق وجمعه مناطق وهو أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشئ وترفع وسط ثوبها وترسل إلى الأسفل عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها وبه سميت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين لأنها كانت تطارق نطاقاً فوف نطاق ، وقيل كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الآخر الزاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار ، وقيل شقت نطاقها نصفين فاستعملت أحدهما وجعلت الآخر شدادا لزادهما . ومن هذه الرواية تؤكد لنا أن المنطق هو (( الحزام )) الذي لازال تستخدمه كثير من النساء في قرى وبادية وأودية حضرموت . تستعمل النساء (( المنطق )) أو مايعرف ب (( الحزام )) وتتفاوت مقدرة النساء على شراء هذا (( المنطق )) الحزام وفي الماضي منهن من كانت تستخد حزاما (( منطق )) مصنوعا من الحبال أو من وبر الجمال أو صوف الأغنام ، ومنهن من تستخدم حزاما من مشغولات بعض المعادن الرخيصة ، ومن هن ّ ميسورات يستخدمن الفضة ، وربما تتزين النساء الميسورات بالحزام المشغول من الذهب في أيام الأعياد والمناسبات .
أما ما يثبت معرفة نساء العرب للمنطق (( الحزام )) ما جاء في رواية إبن عباس فقد قال ابن عباس : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقاً لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء .... الخ
وقالوارواة السير : بأن ( هاجر ) أم سيدنا اسماعيل أول من أحدث في نساء العرب جر الذيول .إلا أن هذه الرواوية رواية (( جر الذيول )) والزعم بأن أم إسماعيل هي التي احدثتها مسألة تحتاج اعادة النظر فيها ...!!
فما هو جر الذيل ؟؟ نقصد بجر الذيل هو أن المرأة العربية كانت في القديم تصمم ثوبها بحيث يبدو فيه من الخلف ذيلا يسحب . وتوصف مشية المرأة التي تجر من خلفها الذيل ب ( الترفل ).
والرفل: كما جاء في اللغة هو جر الذيل، و امرأة رافلة ورفلة، أي: تترفل في مشيها.
وكما يقال بأن الشعر ديوان العرب فقد ذكر الشاعر عمر بن أبي ربيعة جر الذيول في قوله :

كتب القتل والقتال علينا .... وعلى الغانيات جر الذيول

وقال ابن مقبل يصف نساء:

يمحن بأطراف الذيول عشية ... كما وهز الوعث الهجان المزنما

أي أنه شبه مشي النساء بمشي إبل في وعث قد شق عليها. ولم يتوقف الشعر العربي من تصوير تلك الذيول التي تترفل بها المرأة العربية فقد قال الشاعر نزار قباني :

أنا بقايا البقايا
من عهد جر الذيول
أهواك مذ كنت صغرى
كصفحة الإنجيل

خلاصة هذه المعلومات التاريخية نؤكد بأن الثوب التقليدي الحضرمي بمظهره الحالي وفي وجود الذيل من خلفه ، هو من ثياب النساء العربيات منذ القدم ، وليس له علاقة بالقائد العباسي (( معن ابن زائدة )) حسبما ذكرت بعض من مصادر تاريخ حضرموت ، ولا زال شائع الاستعمال في حضرموت .

فماهو الثوب التقليدي الحضرمي ؟
غالبا ما تلجأ المرأة الحضرمية في معظم قرى ومدن وبادية حضرموت في تصمصم ثوبها التقليدي ، تقدير احتياجات استعمال الثوب ، ووضع المقدرة المالية للأسرة في الحسبان ، في حالة اختيار نوع القماش .فالبنسبة للقماش هناك نوعان من القماش :
النوع الأول : ويسمى (( المخمل )) وهو قماش سميك وغالبا ماكان تقتنيه الأسر الميسورة ، من طبقة القبائل خاصة من سكان الأودية ( ساه - عدم - دوعن - العين - عمد - رخيه ) وتهتم المرأة في تشكيل تصميمه بتصاميم زخرفية بارزة حول الصدر ومن حول أطراف الأكمام وربما غلبت الزخارف على مساحات كثيرة من الثوب ، وهي عبارة عن تطاريز بخيوط فضية أو ذهبية تطعم بأصداف البحر ، وقطع من الأقمشة الحريرية الملونة ، حتى يبدو الثوب لوحة فنية جميلة . وغالبا ما تتسخدم هذا النوع من الثياب في المناسبات الكبيرة ، كالأعراس والأعياد وغيرها .

النوع الثاني : القماش العادي سوى كان هذا القماش مصنوعا من القطن أو غيره من المنسوجات ، وربما يكون مشجرا ، أو يكون من لون واحدا (( ساده )). وهذا النوع من القماش شائع الاستعمال بين جميع الطبقات ، وهو للإستخدام اليومي ، و غالبا ما تختار المرأة الحضرمية اللون الأسود في تصمصم الثوب الخاص بالعمل خارج البيت . وكما نعلم بأنه من خاصية اللون الأسود أنه يساعد على امتصاص الحرارة .

مع ملاحظة أن الثوب التقليدي الحضرمي يتميز بذيل من الخلف وقدمة من الأمام ، والقدمة غالبا ما تكون قصيرة نوعا ماء حتى لاتتعثر المرأة ... ويحرص تصميم الثوب الحضرمي على ظهور المرأة بصورة محتشمة ، فلا يتعمد الإثارة في إظهار تقاطيع جسم المرأة ، لهذا نرى أن المرأة تحرص في تصميم ثوبها بأن يكون واسعا فضفاضا وطويلا من الخلف على هيئة (( الذيل )) وقصيرا قليلا من الامام حتى لا تتعثر المرأة في مشيتها ، فوجود حزام في الوسط تتمنطق (( تتحزم )) به بشده في وسط الخاصرة يساعد المرأة ، وغالبا ما يكون هذا الحزام من المشغولات الفضية ، وربما بالغن بعض نساء البادية في شكل وحجم الحزام الفضي كضرب من ضروب التباهي والتفاخر ، وتلجأ نساء البادية الى تزيين الحزام بخلاخيل تحدث صوتا ايقاعيا مميزا في حلبة الرقص الشعبي .

وتصميم الثوب ولونه الأسود يغني المرأة من لبس ما يعرف ب (( العباءة )) ، لذا لازلن نساء البادية في حضرموت ونساء أغلب الأودية يتمسكن بالثوب التقليدي الحضرمي بغض النظر عن ظهور الفساتين بتشكيلاتها المختلفة وظهور العباءات المختلفة .

.

.