الشاعر بن شهاب والعقدة من المرأة !!!

[أبوعوض الشبامي]

.

((هذا ملخص من دراسة كتبتها قبل عقد من الزمن انشرها للأطلاع ))
--------------------------------------------------------------------------------

بعيدا عن الخوض في معمعة نظريات العالم النفسي ( فرويد ) دعونا نلتقط خيط البداية في حياة الشاعر ابوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب المولود سنة 1262 هـ بقرية حصن فلوقة من ضواحي تريم . حيث شب شاعرنا بن شهاب في وسط إجتماعي متزمت ومنغلق وصارم تتبنى فيه الثقافة التقليدية بمنع كل علاقة بين الفتى والفتاة قبل الزواج كذلك حب الزوجين هو الآخر لا تنظر إليه تلك الثقافة بعين الرضى على الإطلاق فالأم في ذلك الوسط تتعلق بإبنها يشدّة ولذلك فهي لا تتحمل إلا بصعوبة كبيرة شغف ولدها بزوجته ، والوسط الذكوري يسخر من الرجل الذي يذهب به الضعف الى حد الهيام بزوجته . في المقابل فالمرأة في ذلك الوسط الإجتماعي لا تقيم كبير اعتبار لزوجها في خطابها لإبنها بل إنها لا تتحدث عنه إلاّ بسخرية وبالمقابل فهي تتحدث بطريقة شبه ( صوفية ) عن أبيها الذي تحافظ على اسمه وشرفه وتصفه بإجلال كبير ممزوج بالخوف ، وتصبغ من حوله هالة روحانية وكرامات وولايات حتى وإن لم تكن فيه ؟؟
إن مسألة الشرف مسألة تهم الرجال ولكن نقطة ضعفه تقع بجانب النساء أي في مجال ( الجنس ) فالرجال يتبنون شرفهم بمدى تحكمهم بالنساء وشرف الرجل يأتي اساسًا من اعتراف جماعة الرجال برجولته ومن المكانة التي يحظى بها وسط جماعته .

من المفيد الإشارة الى علاقة الشاعر ابوبكر بن شهاب بالنساء أقدم فهنّ ( أمه واخواته وقريباته المحرمات عليه ) . ولكن الصورة لا تكتمل في الحقيقة إلا بوضع ذلك كله في سياق رؤية التحليل النفسي لشخصية ( ابوبكر بن شهاب ) التي عانت التشرد والإغتراب والصراعات الداخلية ووقوفه في وجه اقربائه نافيًا بشدّة التهم الموجهه إليه ويصر بإنها فتنة من كيد نسائهم حيكت ضدّه راجع قصيدته ص 198 .
من المعروف أن بن شهاب لم يأتي على ذكر إمه واخواته في قصائده وهو لم يرثي من أقربائه احدا سوى زوجته وام اولاده ( سيده بنت علي بن عبدالله بن شهاب ) بقصيدة في ( الديوان ص 73 ) وذلك حين بلغه نعي وفاتها سنة 1303 هـ وهو في غربته بمصر يعاني البعد والشعور بالإضطهاد من لدن أقاربه وابناء عمومته بتريم ، ولا نجهل تماما سيرته في طفولته المبكرة وشبابه ومغامراته العاطفية وماجاء عنه كان ترجمة ملخصة و يسيرة كتبها السيد محمد بن عقيل بن يحى المقيم في سنغفوره سنة 1342هـ كمقدمة للديوان . ومنها لخص السقاف في كتابه تاريخ الشعراء الحضرميين نبذة عن حياة هذا الشاعر الحضرمي
وقد روت بعض المصادر ( العلوية ) التي تناولت ( بن شهاب ) بالنقد أنه كان في فورة شبابه صاحب ميول للمغامرات العاطفية وقد بلغ به التهور بالإعتداء على أحد بنات عمومته التي تناولت أداة حادة ودافعت عن نفسها وشجت وجهه في حادثة شهيرة ذاعت في اوساط مجتمعه وهذه الحادثة تركت أثرًا سيئا على سمعته وقاطعته الناس وقابلوا عدوانيته وفتوته بالنقد الحاد وايضا تركت عقدة نفسية في أعماقه حتى جعلته يفقد الثقة بكل ( أنثى ) وانعكس ذلك في قصائده التي تحذر من كيد الإناث بالرغم ان الثقافة الحضرمية تأكد على مسألة الكيد في النساء وهذا التأكيد الذي لاشك في إرتباطه بالفتنة وهذا المصطلح يشهد عليه هذا التعنيف الذي يوجهه القرآن الكريم للنساء (( إن كيدهن لعظيم ) سورة يوسف .
مابرح شبح تلك التجربة القاسية والحادثة الشهيرة التي خاضها بن شهاب في مقتبل الشباب إلاّ أن يطارده في رحلة عمره وإن حاول جاهدا أن يضع لها مبرراته بالتهجم على النساء بصفة عامة واتهامهن بالكذب وان من يصدق النساء هو ( احمق ) أو ضمن تسعة اصناف من الحمقى ص209 من الديوان قال :


[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="burlywood" bkimage="" border="groove,2,green" type=0 line=200% align=center use=sp char="" num="0,black"]
إن كنت لا تعرف بين الورى .... حمقى وهم من صفة العاقل
فانظر الى تسعة رهط هم .... حقيقة أحمق من باقل
من صدّق المرأة في مامضى .... أو الذي تضمر للقابل
[/poet]

ولعل الشاعر ابن شهاب يجعل من المرأة شماعة لإخفاقاته وإنكساراته وإحباطه في وسط مجتمعه ويحاول أن يعلق على الشماعة ( الأنثوية ) أسباب الفتنة بينه وبين أقاربه ويرد كل اصول المصائب الى النساء ص134 قال :

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="burlywood" bkimage="" border="groove,2,green" type=0 line=200% align=center use=sp char="" num="0,black"]
إذا نشأت بين الأقارب فتنة .... بها اشتعلت نار الضغائن والحقد
وحار أولوا الالباب فيمااستفزهم ....الى نقض ميثاق الاخوة والعهد
ففتش تجد اصل البلاء نساءهم .... بما استطعن من بذر التنافر والبعد
كواذب يسلبن الفحول عقولهم .... بألسنة ممزوجة الهزل بالجد
ضعاف فلا قضب لديهن او قنا .... يصلن بها فوق المطهمة الجرد
ولكن سلاح المكر والكيد فاتك .... بمن شئنه فتك الآساود والأسد
فخذ ايها المخدوع حذرك واحتفظ .... بسرك عن ليلى وسعدى وعن دعد
[/poet]

هنا يأتي مربط الفرس ( الشهابي ) وأصل عقدة بن شهاب النفسية التي أدخلته حالة من الـتأزم الدائم مع كل ( انثى ) صرعته بمكرها وفتنتها و أوقعت ( الأسد الشهابي ) حنى انخدع ولم يحسب للعقبى حسابه وهو يبيح باسراره لهن ولما انشكف امره اشتعلت بينه وبين اقاربه نار الضغائن وانتقض العهد بين القربى ، ومهما سعى شاعرنا بن شهاب في دحض تلك الآتهمات ومحاولاته في القاء تهم الكذب والكيد والمكر على النساء ، فإننا نشير أيضا إن قدرة النساء على تدبير الكيد يأتي كنوع من انواع فرض السلطة وهذه الفكرة تدعو الى ضرورة فهم دعوتها للمساواة مع سلطة الرجل وقد جاءت دعوات المصلحين ودعاة تحرير المرأة واعطائها حقوق واسعة في مطلع القرن الماضي كإعتراف بحقوق المرأة ومعاملتها بالمساواة مع الرجل وهذه الفكرة التي رفضها إبن شهاب و عارضها من نظرة ( دونية ) وتحقيرية للمرأة ص 122 قال قصيدته ( في عرض بما يهذي به بعض كتاب العصر في شأن النساء و اطلاق الحرية ) قال في مقدمتها :

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="burlywood" bkimage="" border="groove,2,green" type=0 line=200% align=center use=sp char="" num="0,black"]
امن الفتوة ان تباح .... طرف الظريفات الملاح
قالوا نعم ان لم تكن .... فحشا فليس بهاجناح
كم في الدفاتر عن اولات الحسن يحكى والقباح
[/poet]

لعل القارئ يتفق معي ان مقدمة قصيدة بن شهاب أتسمت بطابع هجومي عام لكل مليحة ذات حسن واتهام ( عام ) بأن الدفاتر تحكي عن افعالهن القبيحة ( هنا تكمن العقدة والتأزم ) تجاه المرأة نتيجة المعاناة السابقة والحادثة الشهيرة ؟؟؟ ويمضي بن شهاب في قصيدته يعبر عن لسان المرأة قولها :

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="burlywood" bkimage="" border="groove,2,green" type=0 line=200% align=center use=sp char="" num="0,black"]
إن كان عندهم الصوافن .... والصوارم والرماح
فلنا من الكيد العظيم لقهرهم امضى سلاح
ونصال سحر لاتشاهد او تركب في قداح
نحن اللواتي سعينا بالمكر كلل بالنجاح
نسبي العقول بما نزخرفه ونسكر كل صاح
سكرًا يلذ لهم ولا سكر الغبوق والاصطباح
نبدي الحنان من اللسان كانه شهد الجباح
نبدي الوداد والانقياد في ضمايرنا الجماح
ونريهم المشي الهوينا في المجئ وفي المراح
كي لا يكون لما ندبره من العمل افتضاح
[/poet]


من هنا نستخلص أن مكونات ( العقدة الشهابية ) هي :
المكر + الكيد + الكذب + الفتنة = النساء
وأمام طفح هذه العقدة المتأصلة على سطح نفسية ابن شهاب والتي لم يستطع التخلص منها ويصر بعدم اسقاطه تهمة عن المرأة بانها جزء من ( محور الشر ) ضمن فئات أربع ( العبد والمرأة والسحّار والمتكبر ) قال ابن شهاب :

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="burlywood" bkimage="" border="groove,2,green" type=0 line=200% align=center use=sp char="" num="0,black"]
اربعة لا يتركون الشر حتى يقبروا ... العبد والمرأة والسحّار والمتكبر
[/poet]

والمتأمل لبعض قصائد ابن شهاب يقف على اصرار ه العجيب والغريب في اتهامه للمرأة بكل التهم السيئة ويأتي ( الكذب ) في مقدمة التهم وهو ينزع صفة الصدق من المرأة نزعا حتى ولو اقسمت له باغلظ الإيمان قال :



[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="burlywood" bkimage="" border="double,2,green" type=0 line=200% align=center use=sp char="" num="0,black"]
إذا أقسمت انثى وجادت بدمعة .... وابدت حنانا من فم يقطر العسل
فإياك تصديق الكذوب فربما .... تحاول نفث السم في ذلك العمل
فلا تأمن الأنثى وان خلت عندها.... وفاء واخلاصها به يضرب المثل
ولا تستشرها في الأمور فعقلها منوط بذاك العضو ان جار أوعدل
[/poet]


(( منوط بذاك العضــو ان جار أوعدل ))

تعبير جنسي مكشوف ومبتذل يفتقر لأبسط حدود اللياقة والأدب خاصة أن هذه ( الأنثى ) هي في المقام أمي وأمك وأختي واختك وإبنتي وإبنتك وزوجتي وزوجتك ..!!! ولكنها الحقيقة التي نؤكدها وهي إنها جزء من ( عقدة قريع البلغاء ومعجز الفصحاء وشاعر الزمن ومفخر اليمن العلامة ابوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب نفعنا الله بعلمه وقدس سرّه )) التي لا تحسن الظن بكل ذات حجاب لأنهن كما يصفهن ( قريع البلغاء ومعجز الفصحاء ) بأنهن يكسين الخزي و العار (ص 205 ) قال:

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="burlywood" bkimage="" border="groove,2,green" type=0 line=200% align=center use=sp char="" num="0,black"]
من احسن الظن بمحجوبة .... من غير أن يسبر احوالها
تكسوه ثوب العار مهما أتت .... ساحبة في الخزي إذيالها
فأجعل على الأنثى من الحزم أبوابا ومن عزمك أقفالها
نفائس النوام مسروقة .... ان نمت لاتأمن أمثالها
[/poet]

صورة من وجهة تظر ابن شهاب نكتشف فيها المرارة وعدم الثقة بكل انثى وان كانت محجوبة عن الأنظار وهي حالة قصوى بلغت فيه تأزم العقدة النفسية منحى خطيرا بعدم الثقة وإلقاء التهمة بأن ( نفائس النوام مسروقة ) وهذه هي الدعوة الخطيرة لهذا الشاعر العالم ينادي فيها بإنعدام الثقة الكامل في كل أم أو زوجة أو إبنةٍ؟؟
ويبدو ان هذه ( العقدة الشهابية ) التي تأصلت فيه كانت في وقت مبكر من حياته ويبدو لي أنها عقدة من الصغر نتيجة لممارسات شاهدها بأم عينه سبقت قصته الشهيرة مع تلك الفتاة التي حاول ان يفرغ شحنتة النفسية المكبوته فيه بمحاولة الاعتداء بالإنتقام ( لحادثة ما ) كانت راسخة في عقله الباطني ظانا ان كل النساء سواسية في السلوك فما كان من تلك الفتاة الا أن توقفه عند حده وتفيقه من صدمته بدفاعها عن شرفها فشجت وجهه بآلة حادة يقال ان نذوب ذلك الجرح بقيت في وجه طول حياته كما بقيت ايضا رواسب تلك العقد المتراكمة في نفسه حتى وارى جسده بالثرى في حيدر اباد عام 1341هـ .




.