![]() |
#1 | |||||||
حال نشيط
![]()
![]() |
![]()
مع مرور الايام يلتئم جرح اميركا وتخف آلامها. وفي الوقت نفسه تخف شعبية الرئيس جورج بوش عما كانت يوم أصدر امره بتحريك الاساطيل الجوية والبحرية والجيوش نحو افغانستان لتدمير قواعد "طالبان" وقتل بن لادن.
لقد انجزت عملية التدمير وتعتبر ناجحة رغم الاخطاء الفظيعة التي رافقتها بقتل اضحايا ابرياء من اطفال ونساء ورجال جياع. اما المنازل والممتلكات فلا حساب لها لانها بلا قيمة. لكن النصر لم يتحقق كاملاً بعد. فما لم يظهر رأس بن لادن معلقاً على حراب "المارينز" لن يستحق بوش ان يتوج بطلاً، وهو يكرر كل يوم ان بن لادن لن يفلت وسينال منه، وقد جعله الهدف الاساس للحرب، ومن دون رؤيته قتيلاً او اسيراً لن يطمئن الاميركيون كما اطمأن الحلفاء عندما رأوا صورة جثة هتلر في نهاية الحرب العالمية الثانية. في ذلك التاريخ تعانق القادة المنتصرون من ديموقراطيات الغرب مع الدب الروسي من الشرق على انقاض الرايخ الثالث رمز الشر والرعب وبدأ عصر كوني جديد. والآن ينتظر زعماء الشرق والغرب تلك الصورة لرأس بن لادن للاحتفاء ببدء عصر الامان في مطلع الالف الثالث. لكن بن لادن لا يزال هدفاً مجهولاً وسراً غامضاً. ولكن كل تلك الاهوال لم تضع نهاية لمأساة البشرية في النصف الثاني من القرن العشرين. فقد استمرت روح هتلر تتلبس كل حركة عنف وتمثل الشر الذي راح القادة المنتصرون يولدونه ويتقاسمون انتشاره في العالم. انه الظلم والاستبداد والقهر وسلب الحرية والكرامة والحق في الرزق والعمل والعلم والصحة والتقدم. اميركا كانت الشريك الاكبر المضارب في تعميم ذلك الشر. وهي اذ عملت وتعلمت وانتجت وتطورت وصنعت معجزات العلم مدى سبعة عقود وانفقت ترليونان المليارات في صنع ترسانات الاحتياط من الشر الذي ساهمت في القضاء عليه ثم عادت لتساهم في خلقه وبعثه بألف شكل واسلوب، فإنها وجدت نفسها ما بين طرفة عين والتفاتتها تتغير من حال الى حال ويتغير معها العالم، ويبقى الشر ناشراً ظله ونافخاً انفاسه، ولا من دولة او قوة في هذا العالم توحي بأنها ملاذ لطلب الامان والحماية. الآن تكتشف اميركا ان الاتحاد السوفياتي والشيوعية العالمية ما كانا خطراً يقاس بالخطر الذي دهمها يوم 11 ايلول التاريخي. فتوازن الرعب بين محوري الغرب والشرق والرغبة المشتركة في البقاء مع السعي الى التفوق والسيطرة، كل ذلك كان يشكل رادعاً لاي صاروخ يمكن ان ينطلق من شرق او من غرب، ولكن فكرة جهنمية في عقل فرد او مجموعة صغيرة استطاعت ان تسخّف معادلة كونية وتؤسس لبناء ستراتيجية جديدة لالف ثالث من سيرة البشرية بعد الميلاد. هل في اميركا، او في عالم الغرب والشرق، زعيم او قائد، الآن، قادر على ان يطمئن الشعوب بأنها سوف تجد ملاذاً للامان؟ الواقع ان اميركا هي التي تتقدم لهذه المهمة. وللأسف انها ليست لها، وللأسف انه ليست هناك دولة اخرى اقوى. والمشكلة ان العرب، حتى الآن، هم المتهمون بأنهم السبب وانهم الهدف. فمنذ سقوط البرجين في نيويورك سقطت صورة كبيرة للعرب في الولايات المتحدة الاميركية. وفي المقابل سقطت صورة كبيرة لأميركا في بلاد العرب. هناك ضاعت الفروقات بين عربي حليف وعربي من صنف آخر. الجميع صاروا عربا من صنف واحد. ومن جديد فتحت سجلات الهجرة والجنسية، فلم يعد كافيا ان يكون العربي اميركيا منذ عشرات السنين لابعاد الشبهة عنه. لقد وضعته الاحداث تحت المراقبة وقيد الدرس. ولم تعد الديموقراطية الاميركية ذلك النموذج - المثال للعربي المحاضر عن العدالة والحرية وسائر حقوق الانسان. لقد شوهت الاخبار والروايات سمعة "الشريف" الاميركي الذي يعتمر قبعة "الكاوبوي" ويضع على صدره شارة السلطة والذي عندما يحضر يحضر القانون وتحل الثقة والطمأنينة. والروايات عن النظرة الجديدة الى العرب الاميركيين تثير الشكوك في صحتها، على ما فيها من مضايقات واهانات للبعض، ولكن عندما يضطر رئيس الولايات المتحدة الى الاعتذار لحارسه الشخصي العربي الاصل، بعدما احتجزه جهاز أمني ومنعه من الصعود الى طائرة للالتحاق بالرئيس في مهمة حمايته رغم التأكد من هويته ومن المهمة المنتدب لها، تكون نسبة الخطأ والمبالغة في الروايات المنقولة ضئيلة جدا. هكذا بدأ عصر اميركي جديد ينافي الثقافة التي ينوه بها العرب الذين نشأوا في اميركا والآخرون الذين تعلموا في جامعاتها وعادوا منها. وفي الوقت نفسه بدأ عصر عربي جديد همه ان يعرف كيف يستعيد اعتباره امام اميركا التي، بدورها، تتحمل قسطها الكبير من مسؤولية سقوط الابراج وسقوط الصور الجميلة التي كانت متبادلة بينها وبين معظم الانظمة العربية. ربما كانت اميركا قد اكتشفت، متأخرة، اخطاءها في التعامل مع الانظمة على قاعدة ارضاء الحكام واحتوائهم من دون الاهتمام بحقوق الشعوب ومصالحها ومن دون الاكتراث بوعي النخب المتعلمة والمثقفة والمسلحة بنزعة التطلع والسعي الى الحرية والديموقراطية والعدالة. الآن تعلن اميركا خوفها من جيل الشباب في العالم العربي. فهي ترى في هذا الجيل طلائع ثورة ضد ما تسميه العالم الجديد، ولا ترى من اسباب تلك الثورة سوى الحسد والحقد مع القليل من العلم والكثير من التعصب والتطرف. ولا تنكر أميركا الاسباب الاخرى التي يعلنها العرب وأولها الانحياز المطلق مع الدعم لاسرائيل لكنها ترد بحجة ان اسرائيل دولة ديموقراطية ينتخب حكامها الشعب. هل صحيح ان اميركا مع اسرائيل فقط لان اسرائيل ديموقراطية؟ اذا كان هذا صحيحا فلماذا تحالفت اميركا مع الانظمة غير الديموقراطية في البلاد العربية؟ ليس ثمة شهادة لاميركا على انها أيدت هيئة وطنية اختارت، بشجاعة، الحرية والديموقراطية في المنطقة العربية. بالعكس، كانت اميركا حليفة التخلف والقمع والفقر والفساد في أي بلد من العالم العربي فيما هي تعلن عداءها لكل هذه العلل التي لم تدرك مدى خطرها الا بعد سقوط البرجين وانفجار البنتاغون. ترتفع أصوات اميركية عالية تتهم المجتمعات العربية "المنغلقة" بأنها تولد أجيالا تنساق الى ممانعة التغيير والتطور ثم تنتهي الى الانخراط في تيار التطرف والارهاب. واذ تعمم اميركا هذه النظرية فان دليلها هو العداء الذي يصدر عن تلك المجتمعات ضد الولايات المتحدة، لكن أميركا لا تعترف بمسؤوليتها عن توفير معظم الاسباب لذلك العداء ولا تقر بدعمها للقوى التي تحافظ على الانغلاق واقامة السدود والموانع في طريق التطور نحو الحرية والديموقراطية. ربما كانت اميركا اليوم أكثر ادراكا لنتائج سياستها "العربية" مدى نصف قرن على الاقل. فمحاولة تجميد العالم العربي تحت نمط حكم معين، من جهة، واستثماره واستغلال امكاناته وسلطاته لحماية المصالح الاميركية، من جهة اخرى، لم تنتج سوى الكوارث للفريقين. وها هي اميركا، بعد 11 ايلول، تتعرب. فهي تجمد قوانينها وتعدل عدالتها الدستورية والقضائية بما يقربها من الانظمة التي حالفتها. أما العرب فانهم يتأمركون. اذ انهم يدركون اليوم، اكثر من اي وقت مضى، ان الانخراط في تيار الحرية والديموقراطية والعلم والقانون والعدالة يوفر لهم ملاذا للأمان والحماية مما يخافون. أليست مفارقة مذهلة؟ ----------------------------- تحياتي للجميع ,,,,,,,,,,,,,, |
|||||||
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
|