فيدراليون بلا رؤية سليمة

[نجيب قحطان الشعبي]

فيدراليون بلا رؤية سليمة

نجيب قحطان الشعبي

الحوار الذي أجرته معي صحيفة "الميثاق" ثم امتنعت عن نشره ونشرته "أخبار عدن" مشكورة في 24اكتوبر2009، أثار جدلاً وتناقلته بعض الصحف اليمنية وكثير من المواقع الالكترونية, والحقيقة أنني لم أتوقع ذلك، فأنا لم أعبر مثلاً عن سياسة جديدة للسلطة أو المعارضة، وإنما بينت بعض آرائي كشخص مستقل، مع تقديمي عدداً من المعلومات السياسية والتاريخية لإفادة القارئ.

وقد اكتشفت من خلال بعض ردود الأفعال عبر المواقع الالكترونية وعبر من تواصل معي شخصياً، أن بعض من قرأوا الحوار لم يتعمقوا فيه، وهذا ليس ذنبي، فقد عاتبني البعض لأنني هاجمت الانفصاليين مع أنني لم أهاجمهم - وحديثي منشور ويمكن العودة إليه- بل على العكس اعترفت بحقهم في أن يكونوا انفصاليين، وقلت بالنص ما يلي "أقول للإخوة الانفصاليين ممن يرفعون شعار الجنوب العربي، كونوا انفصاليين فلا أحد يستطيع أن يمنعكم أن تكونوا انفصاليين، لكن احتفظوا بهويتكم اليمنية" إنني قد أختلف مع البعض في موقفه السياسي لكنني أعترف بحقه في إتخاذ ما يراه من مواقف سياسية وحتى محمد علي لقمان صاحب الدعوة إلى قيام "دولة عدنية" أنا ضده تماماً في هذا لكنني لا أنكر حقه في إتخاذ ذلك النهج.

وعاتبني بعض آخر هم من أنصار الفيدرالية لأنني هاجمت الفيدرالية! مع أنني لم أهاجمها بل على العكس أشدت بها وقلت بالحرف الواحد "والواقع أن لهذا النظام مزايا عدة أهمها أنه يتيح لشعب كل ولاية أن يحكم نفسه بحرية مطلقة في عدد كبير من الجوانب كشؤون الصحة والتعليم والشرطة، ومن مزاياه أيضا أنه يؤدي إلى التنافس بين ولايات الاتحاد بما يؤدي بالتالي إلى تطورها في ظل اتحاد ورئيس واحد للدولة وسلطات مركزية وأخرى محلية". وإذا كنت قلت بأن الأخذ بها الآن سيؤدي لاحقاً للانفصال فلماذا يستاء الانفصاليون سواء الواضحون أو المحجّبون بالفيدرالية؟ أليس الانفصال هو مطلبهم؟ لكن البعض يريد أن يكون انفصالياً ثم يغضب ممن يصفه بالانفصالية.. شيء غريب والله!
إنني والحمد لله أجيد التحدث والكتابة، ويبقى على غيري أن يجيد الإصغاء لما قلته ويجيد قراءة ما أكتبه.

وإذا كنت حذرت بأن تقسيم اليمن إلى 4 أو 5 ولايات سيؤدي مستقبلاً إلى تفكك اليمن إلى 4 أو 5 دول، فهذا ليس هجوماً على الفيدرالية نفسها، ولكنني أبصرت ما لم يبصره الانفصاليون والفيدراليون, ومادام البعض لا يجيد قراءة ما بين السطور فإنني وبصراحة أبصرت أنه لو أخذت الجمهورية اليمنية بالفيدرالية، فإن الدولة لن تنقسم إلى ولايتين شمال وجنوب بما يتيح انفصال الجنوب لاحقاً مثلما يتوهم المفدرلون، ولكن ستنقسم الدولة إلى 4 أو5 ولايات مرتبطة فيدرالياً مثلما يطالب البعض في قيادة أحزاب اللقاء المشترك وخارجها، وهنا سيذوب الجنوب وينتهي كيانه الواحد، فلحج وعدن مثلاً ستضمان إلى تعز، وستضم شبوة إلى مأرب والجوف، وعلى الأرجح ستضم حضرموت إلى صنعاء (للاستفادة من موارد حضرموت التي هي أرض الخير باليمن)، وليست هناك أية مشكلة عندما تفصل ولاية أو ولايتين بين أراضي صنعاء وحضرموت، فكم من دولة فيدرالية أو موحدة لا تتصل أجزاؤها برياً, بل إن هناك دولاً تتكون من مئات الجزر أي يفصل بين أراضي الدولة مئات المساحات المائية، وهذا لم يمنع اتحادها أو توحدها. وبعد سنوات من تقسيم اليمن إلى 4 أو 5 ولايات مرتبطة فيدرالياً ستأتي مرحلة الإنفصال فتتحول الولايات إلى دول مستقلة!

فهل يريد الانفصاليون الواضحون أو المحجّبون بالفيدرالية أن يكون للجنوب ذلك المصير بالتفكك والضم إلى كيانات أخرى في ظل الفيدرالية ومابعدها؟ وما ذنب الشعب في الجنوب؟ اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد.

وقبل أن يطلع لي البعض ممن لا يجيد القراءة ليتهمني بأنني هاجمت الفيدرالية في مقالي هذا أيضاً، فإنني أقول له لا يهمني إن كنت لا تفهم ما تقرأ، فهذا شأنك أنت، ولكنني سأساعدك فقط بتوضيح هام، فقد أبصرت ما لم تبصره أنت, وما أبصرته أنا هو أنه لا يوجد من الجنوبيين ممثل "حقيقي" للجنوب في السلطة أو خارجها, وبالطبع لن يفهم السطحيون (من بين دعاة الفيدرالية والجنوب العربي.. وعدن للعدنيين الذين انقرض الديناصور وهم لم ينقرضوا بعد) مغزى كلامي هذا، ولذلك سأوضح أكثر فأقول: إنه لا يوجد من الجنوبيين ممثل "حقيقي" للجنوب في السلطة أو خارجها حتى يدافع عن الجنوب كوحدة سياسية في ظل الفيدرالية. لقد شرحت الأمر أكثر من اللازم، لكن البعض يحتاج أن نعيد الشرح كمان مرة بل مرات، ولست فاضياً لهم ولا لمن يكتبون ردوداً تافهة في بعض المواقع الألكترونية ليشتموني فقط دون أن يردوا على شيئ مما كتبته فعلا!

فمثلا "مأرب برس" نقلت بالكامل حواري الذي حجبته "الميثاق" وفتحت لقراء الموقع باب التعليقات فوجدت أن من يشتمونني أحدهم يشير إلى أنني جالس في صنعاء وبالتالي لاأعرف مايدور في الجنوب! مع أنني مستقر في عدن منذ نحو7 سنوات, وآخر يدّعي بأنه يعرفني جيداً منذ36سنة عندما كنت "حملاً وديعا"ً أثناء دراستنا الثانوية في مدرسة "سكندري سكول" بخور مكسر بعدن...إلخ! مع أنني لم أدرس في تلك المدرسة مطلقاً والمرحلة الثانوية درستها بالكامل في مصر(بمدرسة "السعيدية" أفضل وأكبر مدارس القاهرة وكنا حينئذ أكثر من 2500طالب وكان معي زملاء من اليمن بنفس الصف ومنهم الأخ محفوظ ابن الشيخ علي محمد سعيد أنعم وهما في غنى عن التعريف), وآخر يدعي بأنني مسكين الله لا أعرف أكتب وما جاء في حديثي بالحوار كتبته لي السلطة!

ولم يفسر لنا ذلك الذكي ما جاء في حديثي من إنتقادات للسلطة ورفضي لشعار"واحدية الثورة", كما لم يقل لنا "الذكي" كيف تكون السلطة هي التي كتبت حديثي في الحوار ثم ترفض صحيفة التنظيم الحاكم(الميثاق) نشر الحوار؟!!! شيئ عجيب فعلاً بل مقرف, أما موقع"عدن برس"الذي معظم أخباره كاذبة فنشر لأحدهم مقالاًً كتبه باسم مستعار يجرحني فيه لأنني عارضت أن تسمي الدولة شارعاً وقاعة في جامعة عدن باسم محمد علي لقمان( وأنا أجزم بأنه هو ذلك الكاتب اللقماني الذي معظم ما ينشره من معلومات في مقالاته غلط) وكان مقاله طويلاً ومملاً للغاية(أقسم بالله أنني لم أطق قراءته فتوقفت دون أن أقرأ معظمه) والطريف هو أن كاتبه لم يذكر اسمه الحقيقي بل إنتحل اسم شقيقي "ناصر قحطان"! فياعيني على شجاعة من "بايحرروا عدن"!

وموضوع تمثيل الجنوب سأتناوله قريباً بإذن الله، فهو هام بالنسبة للقراء المهتمين والجادين ممن لا يتباكون على جنوب عربي، أو يحنون لفكرة عدن للعدنيين التي ذهبت مع الريح وهؤلاء لن نجد بينهم عدنياً أصيلا، فهذا صومالي وذاك من تعز، والثالث من حضرموت، والرابع من بلاد تركب الأفيال، والخامس من بلاد ما وراء النهرين... وهلم جرا. وعندما أرسى البريطاني القبطان "ستافورد هينز" سفنه على شواطئ قرية عدن ليحتلها كان تعداد سكانها نحو 500 نسمة أغلبهم صيادو أسماك من لحج، وقليل من الأوروبيين والهنود الذين كانوا يعملون في الوكالات التجارية والملاحية، وبضعة حضارم, وكان نحو ثلث سكانها يهوداً.. وأريقت دماء المئات من أبناء لحج (من قبائل العبدلي والعزيبي والصبيحي وغيرهم) في صباح 19 يناير 1839 لتختلط بتربة عدن ومياه شواطئها دفاعاً عن جزء عزيز من أرض لحج هي عدن وضد احتلالها من قبل الإنجليز. وهذا لتذكير "البعض" بجزء من حقائق تاريخنا الوطني!