عودة جمانة نمور.. وحكومة القامات المنخفضة!

[وادي عمر]

عودة جمانة نمور.. وحكومة القامات المنخفضة!
سليم عزوز
2012-08-03




منه لله الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، فقد نكد علينا في هذه الأيام المفترجة بحكومته، حكومة القامات المنخفضة، التي ذكرتنا بحكومات أواخر عهد حسني مبارك، عندما فقد هيبته في منزله، وصارت السيدة حرمه من بيدها 'عقدة النكاح'، وكما قال ابن أبيه: 'إذا أتتك مصيبة لها الفؤاد تفتت فاعلم بأنها من النساء تأتت'، ومن مصر الى تونس ومن سوزان مبارك الى ليلى بن علي، وان كنا لا نعرف مدى تأثير زوجتي علي عبد الله صالح، ومعمر القذافي.
أما أنها أيام مفترجة فلأننا في الشهر الفضيل، الذي كلما حل وقفت على أن الشياطين قد فقدت تأثيرهم على البشرية، فمقالب البشر في البشر مستمرة مع أن الشياطين مصفدة، وأي مقلب شربناه معشر المصريين أكثر من حكومة باهتة، فاقدة للثقة والاعتبار منذ اليوم الأول.. لا بأس، فقد كانت جدتي تقول: 'ما عفريت إلا بني ادم'.
هي أيام مفترجة ليس فقط لأننا في كنف الشهر الكريم، ولكن لأنها بالإضافة الى هذا زفت لنا فيها خبراً مبهجاً تمثل في أننا سوف نشاهد خالدة الذكر جمانة نمور مرة أخري على الشاشة، بعد استقالتها من قناة الجزيرة، ضمن رهط من القوم من بينهم لونة الشبل، وقد تعقبت أثر جمانة، لكن الأثر انقطع في الصحراء الغربية، وسألت كثيراً أين ذهبت؟ ولم 'يبل' أحد ريقي بمعلومة عن مكان تواجدها، على نحو خشيت معه ان يكون قد تم تهجيرها الى الحدود الصومالية، أو أنها جري نفيها الى جزيرة سيشل، والتي كانت منفي الزعيم الوطني الكبير سعد باشا زغلول.
في لحظة فارقة من تاريخ البشرية زفت لنا 'القدس العربي' بشري عظيمة تتمثل في أن جمانة نمور ستعود للشاشة بقوة، ومن خلال قناة جديدة اسمها ' الغد'، تقرر لها ان تنافس الجزيرة رأساً، وهو أمر متوقع بطبيعة الحال بدون إعلان، فما دامت جمانة نمور ستكون على رأس طاقم المذيعين والمذيعات، فمن المؤكد ان الجزيرة، ستكون في حكم الفتاة التي هي من كثرة خطابها بارت، وهو مثل مصري شعبي يقصد جميلة المنطقة التي يتهافت عليها الخطاب، لكنها كلما نظرت في المرآة استخسرت نفسها في حشود العرسان المتوافدة الى منزلها، ومن المؤكد انه بمرور الوقت ستعاني من ندرتهم الى حد التوقف كلية عن طرق بابها!.
قيل أن القناة الجديدة التي ستبث إرسالها من مدينة الضباب ستكون برأس مالي مصري خليجي، وهي وحدة تستحقها جمانة بامتياز، وعودة تليق بها بعد سنوات الغياب، بل انها تستحق ان تعبر المحطة عن وحدة أممية، وأن يكون رأس مالها تعبيراً عن وحدة العنصر البشري!
لم يذكر الخبر موعد انطلاق بث قناة 'الغد'، وإنما اكتفى بالقول: (قريباً)، واخشى ان تكون (قريباً) على طريقة الحكومات العربية، وقد ورد في الأثر ان يوم الحكومة بسنة، لكن زميلنا كاتب الخبر طمأن فؤادنا بأن الاستوديوهات جهزت، بشكل جعل الأمل يحدونا بأن (قريباً) هنا بلغة الخواجات، وان كنت أفكر من الآن في اللحظة التي أتسمر فيها في مكاني ثم تطل علينا جمانة بابتسامتها العذبة: 'هنا قناة الغد في لندن، أو من لندن' حسبما يتراءى لأصحابها.
لدي يقين بأن أول إطلالة على شهادة 'الغد' وعندما تقول: يا هادي، تكون من تطل وتقولها هي جمانة نمور، والتي نجحت خلال فترة وجيزة من عملها في الجزيرة ان تكون نجمة، وان تكون معبودة الجماهير، ويمثل تركها للجزيرة خبراً وعودة ظهورها على الشاشة خبراً أيضاً.
منافسة الجزيرة
كان يوماً رائعاً من أيام الله، ذلك اليوم الذي دخلت فيه على بريدي الالكتروني لأجد التهاني وقد نزلت ترف علي من كل أنحاء المعمورة، ومن كل صوب وحدب، و كلها تحمل رابط خبر 'القدس العربي' الذي نشرته في وقت لاحق العديد من المواقع نقلاً عن 'القدس' دون إشارة، فصياغة الخبر واحدة تقريباً!
شعرت كأني المستهدف بكل هذه الأخبار، وان المواقع تبارت في نقل هذا الحدث التاريخي حتي تقع عليه عيناي فيطمئن فؤادي بأن جمانة عائدة الى الشاشة، وأن العودة ستكون عبر قناة معتبرة، قرر أصحابها منذ اليوم الأول منافسة الجزيرة، وقد ارتج علي للوهلة الأولى، فكل المحطات التلفزيونية التي قالت انها ستنافس الجزيرة فشلت في مهمتها، وكل الإعلاميين الذين غادروا الجزيرة، وظنوا انها ستسقط بغيابهم، ضاع معظمهم في الزحام، واستمرت الجزيرة في تفوقها.
بعد الصدمة الأولي وقفت على أن 'الغد' يمكن ان تحقق المستحيل، أولاً لأن جمانة نمور ضمن طاقم مذيعاتها، وثانيا لأن الجزيرة تمر بأسوأ مرحلة في تاريخها، فقد تحول الربيع العربي الذي مثلت فيه 'صوت الثورة' الى خريف لها، وإذا كنا في مصر نهرب الى الجزيرة من سقف الحريات المنخفض عند مناقشة الشأن المصري بالتلفزيون المصري او الفضائيات الخاصة، فان القناة القطرية لم تطور من أدائها للتعاطي مع هذه المرحلة الجديدة، حيث يبدو ان القائمين عليها فقدوا الحماس وفارقهم الإبداع، وربما 'ضربوا لخمة'، وعندما جاء التطوير كان من خلال قناة 'الجزيرة مباشر مصر' التي مثلت 'البدائية التلفزيونية' كما وردت في الكتاب، وأنا وجمانة وقد شرفنا الكرة الأرضية في شهر واحد، فإننا نفهم 'البدائية البشرية' التي اشتققت منها هذا الاصطلاح في النظر الى 'الجزيرة مباشر'، بحكم تخصصنا الدقيق في علم الانثروبولوجيا.
الجزيرة نجحت في تحقيق الألفة بينها وبين المشاهد، لدرجة انك تشعر بأنك وسط معارفك، الآن المرء يشعر فيها بالغربة لولا بعض الوجوه التي عرفناها من خلالها ومن كمال ريان الى خديجة بن قنة، ستكون ضربة معلم لـ 'الغد' ان استعانت بهؤلاء، وأعادت سامي حداد وجذبت إليها جميل عازر، عندها قد تشارك الجزيرة في أعمال مشتركة مع تلفزيون الريادة الإعلامية.
ما علينا، فقد مثل خبر عودة جمانة نمور الى الشاشة لحظة فارقة في تاريخ الأمة والأمم المجاورة، وعليه فقد اعتبرته خبراً مبهجاً، أعاننا على نوائب الدهر ومن أزمات غير مسبوقة يبدو أنها كانت تنتظر الرئيس مرسي، حيث اختناق غير مسبوق في حركة المرور، وانقطاع مستمر في الكهرباء والمياه بالتبعية لأسباب غير معلومة، والردود الجاهزة هي نفسها التي كان يرددها النظام البائد عند كل أزمات، فهناك ضغط واستهلاك متزايد، وقد كانت الزيادة السكانية هي الشماعة التي تعلق عليها العجز الحكومي عن القيام بمهام الراعي تجاه الراعية، وذات مرة قال مبارك بلغة سوقية: 'ارفعوا أرجلكم'.. كان المأسوف على شبابه يظن أحياناً انه ظريف، ولهذا كان يستظرف!
التشكيل الوزاري التحفة

سبب انخفاض منسوب السعادة عندي والتي كان مصدرها خبر عودة جمانة نمور للشاشة، هو التشكيل الوزاري التحفة، عندما جاء لنا الدكتور محمد مرسي بحكومة يبدو انه انتدبها من متحف الشمع.
تمخض الجبل فولد فأراً ميتاً، وتمطع أولو الأمر منا فجاءوا بحكومة لو نجح 'الفل' احمد شفيق لاستحى أن يأتي بمثلها، فهي حكومات القامات المنخفضة، التي ذكرتنا بمرحلة تجريف مصر للانخفاض الى مستوى قامة جمال مبارك، وأسوأ تشكيل وزاري في عهد حسني مبارك أو في عهد الثورة المضادة لم يكن على هذا المستوى من التردي.
هي حكومة موظفين، وتكنوقراط، وفنيين، جاءت بعد أمان عريضة وحديث طويل عن أسماء كبيرة تليق بمصر بعد الثورة، وبعد انتخابات رئاسية تحدث عنها العالم، فبعد كل هذا إذا بنا نفاجأ بوزير الري، الذي كان قبلها مجرد مدير مكتب الوزير، وقد صار رئيساً للحكومة، وهي ليست حكومة أساتذة الجامعات كما كان متبعاً في عهد مبارك، وان كان هناك حوالي ثمانية منها يعملون في جامعة واحدة هي جامعة الزقازيق التي كان يعمل بها الرئيس، وكأنها صارت موردة للكفاءات الخلاقة، لنتأكد بوجودهم انه تغليب لأهل الثقة على أهل الخبرة وهي السياسة التي دمرت البلد تدميراً!
محافظ كفر الشيخ الذي قال في مبارك وعهده وفكره شعراً صار وزيراً، والغريب أنه ظهر بعد الجولة الأولى من الانتخابات على شاشة التلفزيون وابدى حزنه لما حصل عليه مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي من أصوات، ونحن أمام أمرين إما انه عومل على انه من المؤلفة قلوبهم وإما أن الإخوان لا يشاهدون التلفزيون لأن مشاهدته تهوي بالمشاهد في النار سبعين خريفا.
أما محافظ القاهرة وهو رجل كثر فيه القيل والقال فقد أصبح وزيراً أيضاً وكان قد ظهر على شاشة تلفزيون 'الريادة الإعلامية' في حملة 'نظف بلدك' التي أطلقها الرئيس، وقال من عبارات التفخيم والتبجيل قبل ان ينطق باسمه بشكل خشيت معه ان يصفه بخادم الحرمين الشريفين، والبعض قال ان السبب في ترقيته راجع الى توصية خاصة من شقيق زوجة الرئيس المرؤوس للمحافظ، نقلها الى شقيقته التي نقلتها الى بعلها.. لكم أتمنى ان يوضع شرطاً ضمن شروط الترشيح للمناصب الكبري ان يكون المرشح عزباً لم يدخل دنيا، حتي لا يخضع لتأثير من يؤمن بأن 'الزن على الآذان أمر من السحر'، ويكون لدي المرشح استعداداً للدخول على الآخرة مباشرة بدون أية انعطفات في الطريق.
ليتها توقفت على عملية استيراد الوزراء من الجامعة ومن جامعة الزقازيق بالذات، فما جرى في مجمله هو عملية ترقية إدارية لكبار الموظفين الشركاء في الفشل مع الوزراء السابقين الى المناصب العليا، فصار رئيس الشركة القابضة للكهرباء هو وزير الكهرباء، ومساعد وزير السياحة هو وزير السياحة، وموظف بالري وزيرا للري والموارد المائية، ورئيس هيئة الاستثمار، الأداة في يد النظام البائد لتعطيل الحق في إصدار الصحف ووقف القنوات التلفزيونية ووقف بث القنوات السلفية في أواخر عهد المخلوع، وزيراً للاستثمار، وتم تعيين موظف بوزارة الزراعة وزيرا للزراعة، وموظف بوزارة الصحة وزيراً للصحة.
إنها حركة ترقيات وظيفية لا أكثر، وقد كان سيركبني العصبي ان تم إطلاق 'حكومة الثورة' على هذا التجمع البشري، لكن الله سلم ففي تصريحات تلفزيونية قال رئيس الحكومة أنها حكومة الشعب، ولا بأس فالشعب المصري منذ قديم الأزل هو 'حمال للأسية'، فكل الحكام الطغاة واللصوص كانوا يقولون أنهم يحكمون بإرادة الشعب حتي حسني مبارك!.
في هذه التصريحات الجبارة نفى هشام قنديل رئيس الحكومة ان يكون من بين أعضاء حكومته من كان عضواً في الحزب الوطني ( المنحل) وما أظنه وهو صاحب اللحية يكذب، فقد سئل الرسول: 'أيكون المؤمن كذاباً.. قال: لا'، غاية ما في الأمر انه رجل بلا اهتمامات سياسية فلم يكن مطلعا على الساحة أو صاحب خبرة عامة تؤهله للاختيار أو الانتقاء، فوزير الرياضة (المختار) العامري فاروق من جماعة 'الفكر الجديد' في هذا الحزب لصاحبها جمال مبارك.
أما صابر أبو عرب وزير الثقافة فهذا حدوتة لوحده، فهو واحمد مجاهد في 'غلاوة واحدة' لدي قلب فاروق حسني رجل الهانم في حكم مبارك، وأحياناً كان يرشح فاروق صابر ليحل محله وأحياناً يرشح مجاهد، وهما من مرؤوسيه، وفي حكومة الجنزوري تم تعيين أبو عرب وزيراً للثقافة، ثم استقال مؤخراً ليحصل على جائزة الدولة التقديرية لأنه الجهة التي تقررها تابعة له وظيفياً وهي المجلس الاعلى للثقافة، وها هو الآن يعود لمنصبه الوزاري، ليجمع بين الحسنيين: الجائزة والوزارة، يا له من محظوظ!
كأن الثورة قامت من اجل ترقية هؤلاء الموظفين، وهو أمر لا أظن ان مبارك كان سيمانع فيه.
فمنك لله يا مرسي فقد نكدت علي يوم فرحتي، ويوم الإعلان عن عودة جمانة نمور الى الشاشة.. نريد يوماً محدداً لبث 'الغد' لإرسالها، بدلا من الاختفاء وراء كلمة 'قريبا'.

صحافي من مصر
[email protected]