![]() |
#1 |
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
![]() الجنرال في المتاهة* مروان الغفوري [email protected] ( 1 ) المنطلق الفلسفي للنظام الحاكم في اليمن يقوم، في الأساس، على فكرة السيطرة والتحكم "احتواء المجتمع من خلال مفاتيحه التقليدية". وهي فكرة قبلية صرفة، إذ تعني أن هذا النظام فضلاً عن أنه يحول دون التحوّل إلى الدولة فهو أيضاً يخوض حرباً باردة طويلة المدى مع مواطنيه. في هذه الحرب المتخيّلة، بالنسبة للذهنية القبلية لهذا النظام، سيعتمد على أدواته التي من المتوقع أن تؤكّد له النصر على نحو متكرّر،كما لن يبدي أي تفهّم بشأن الحديث حول تفكيك هذه الأدوات. سيجري توصيفها قانوناً - عندما يضطر النظام لتقديم تفسيرٍ ما - بحسبانها "موروثات شعبية". سيكون المنهزم هُنا هي الجماهير، حيثُ ستوصف وفقاً لتعبيرات الحرب الباردة، بالثعابين. ببساطة، فإن مهمة النظام لن تكون في إنجاز الدولة – النقيض الجذري لأدوات ومفاهيم النظام الراهِن- بل في الرقص على رؤوس الثعابين. وإن لزم الأمر: تهشيم هذه الرؤوس. ثمّة أمثلة شديدة التكثيف: دفع النظام بجماعة فوضوية للتظاهر أمام مجلس الوزراء تحت لافتة " المساس بالشيخ محمد أحمد منصور مساسٌ بالثوابت الوطنية". هذه ما يؤكّده النظام، عبر أساساته التي يقوم/ يرتكز عليها. إذ تبدو هذه الأساسات شديدة الفاعلية وذات مدى من الحرية والحركة غير محدود. بمعنى آخر: تتحرك كبُـنى موازية للدولة ومجاوزة لها. في السياق ذاته يمكننا مواجهة هذه الواقعية اليمنيّة: 41% من أعضاء البرلمان اليمني من "المشائخ". الشيخ، بالنسبة للنظام اليمني، هو أداة سيطرة تخدم النظام بإخلاص عجيب انطلاقاً من المرجعية الذهنية للنظام نفسه: المواطن كمين. نزولاً في تتبع أدوات السيطرة التي يعتمد عليها النظام، خلافاً للمشروعية الأخلاقية والدستورية، فإن كل أداة سيطرة وتحكّمٍ تمتلك أدواتها الخاصة بها، في هيئة شلال كبير يهبط من الأعلى ويصب في المتاهة. وفي حقل الأدوات الكبير، السيرك الوطني المسمى الدولة اليمنية، تعمل أجهزة العدالة بخلفية مافوية جريئة: توزيع المكاسب بين أعضاء هذا النظام بالعدل والقسطاط. في ذات السياق تصبح سجون المنصور والفاشق والباشا و إلخ موروثات شعبية. العدالة تقتضي توزيع المكسب بالقسطاط، وعليه لا تجوز التفرقة بين الفاشق والمنصور، على سبيل المثال. هذا ما قاله المنصور بوضوح لصحيفة حديث المدينة، أن تجرّد الدولة جميع أصحاب النفوذ من أدواتِهم إذا فكّرت أن تفعل الشيء ذاته معه. على النقيض، تصبح سجون الفضلي – إن وجدت- أو الحوثي خروجاً عن القانون وانتهاكاً لشرف الدولة المركزية. يعلل الفاشق هذا القانون المافوي : لو خدمتُ "اللهَ" كما خدمتُ الرئيس لضمنتُ الجنّة. يبدو الفضلي أكثر صراحة حين يذكّر النظام بتسامحه العادل مع تجاوزاته "وإرهابه" في زمنٍ كانت هذه التجاوزات والإرهابات تصب أخيراً في خانة حراسة النظام. هذه الصورة من التعالقات بين النظام وأدواته تقف، على نحو مهينٍ، ضد أن تنجز الجماعة البشرية الكبيرة مشروعها الكبير: الدولة. بهذه المعادلات يستمر النظام في حربه الباردة، توجّسه المرعِب، ضد الجميع. ضد عدو وشيك يربضُ في كمينٍ مؤكّدٍ غير معروف. هذا الهاجس العظيم يوقع النظام في جملة نقائض دستورية عظيمة لكنّه لا يفتأ يغطي على هذه النقائض بمطالبة خصومه المحليين – من المطالبين بضرورة التحوّل للدولة – باحترام الدستور والنظام الجمهوري بالرغم من أن النظام الجمهوري يتناقض بصورة مؤّكدة مع سيادة العائلة. السيادة التي حوّلت اليمن من "جمهورية وليدة" إلى "جمهورية سلاليّة"، أو هكذا تحاول أن تفعل. يمكن فهم، وربما تبرير، ما يقوم به الحوثيون، على سبيل المثال، بالعودة إلى قضية جوهرية: تقاطع المنطلقات الذهنية للطرفين. ذلك أنهم أعطوا لأنفسهم ما أعطاه النظام لنفسه: تحويل الجغرافيا والبشر إلى ممتلكات، والتعامل مع عناصر هذه الممتلكات بحسبانها كمائن ممكنة تقتضي إخضاعها بتفعيل أدوات الإخضاع التقليدية والحديثة. أعني: مفاتيح السيطرة والتحكم. يُقال أن الخصمين اللذين يخوضان حروباً عديدة وتنمو عداوتهما مع الزمن لا يفعلان ذلك إلا لأنهما متشابهان إلى حد كبير. التشابه الذي، في الغالب، يؤدي إلى نتيجة تصبح فيها مصالح الطرف الأول هي مقلوب مصالح الثاني تماماً. وهكذا يغذي هذا التشابه، أو التطابق، هذه الحرب ويمدها بأسباب بقاء لسنوات طويلة: ست سنوات، على سبيل المثال. لا يشترط النظام في أدواته سوى القدرة على السيطرة وحسب، إذ إن مفاهيم عصرية على شاكلة الكفاءة والنزاهة والقانونية ليست ذات موضوع هُنا. أو: إن حالة الحرب الباردة، وهي ظرف استثنائي بالنسبة لهذه الذهنية، التي يخوضها النظام من جانب واحدٍ منذ عقود ضد مواطنيه تسمح بتجميد مشروع الدولة عن طريق إلغائه بصورة نهائية. وإذا كانت الدولة تعرف بحسبانها مجموعات وظيفية تدور في إطار من القوانين واللوائح "المشروعية" التي تحدد حقول عملها وشروط كفاءتها وكفائيتها، فإن النظام يقع على النقيض تماماً من هذا التعريف الإجرائي. فهو، أي النظام، يعتمد على مجموعات وظيفية طغيانية ( الطغيان: الفعل خارج النظام القانوني والأخلاقي). ( 2 ) وقّع رئيس الوزراء اليمني على خمسة التزامات عميقة أمام السادة أولي الأمر، في لحظة فارقة بدا فيها "الجنرال في المتاهة"، طبقاً لتوصيف جارثيا ماركيز. سبق أن التزم الجنرالات أمام الله، الناس، التاريخ، الوسطاء الخارجيين، بإصلاحات كثيرة وانتهى الالتزام ذاته إلى المتاهة. في اليوم التالي لمؤتمر لندن وصفت الصحف الرسمية معارضيها بالفاسدين والطراطير. لقد عادت للتو من حفلة التزامات يقع غالبها في حقل مناوءة الفساد وتفكيكه. يظنّ كثيرون أن الفاسدين المحليين، المراد إيقافهم، سيشكلون هيئات جديدة لمكافحة الفساد كما يفعلون دائماً. دعونا لا ننسى الأسس المكوّنة للنظام اليمني، وهي أسس غير وطنية كما تحدثنا سابقاً، تتحرك ضمن مرجعية عُليا: توفير الأمن للنظام وحراسة ممتلكات رجالاته. هنالك مثالٌ عامرٌ بالكوميديا السوداء: تحدث السيد الرئيس لوسائل الإعلام عن فساد كبير في المناقصات والمزايدات. وكخطوة وهمية لإيقاف هذا الفساد الذي وصفه الرئيس بالكبير والمخيف فقد تشكلت الأجهزة التالية: الهيئة العليا للمناقصات، الهيئة العليا للرقابة على المناقصات، هيئة للمناقصات ضمن هيئة مكافحة الفساد، هيئة مناقصات في كل وزارة، هيئة مناقصات تابعة للجهاز المركزي للرقابة ... إلخ. لقد مر وقت كافٍ على اكتمال هذه الأجهزة وممارسة صلاحياتها، الاكتمال الذي ترافق تماماً مع اكتمال الصورة المرعبة لفساد المناقصات والمزايدات. هذه المرّة حصلنا على ألف فاسد خلافاً لعشرين فاسد سابق، إذ توّلت المجالس المحلية توزيع عملية السطو على شركاء جدد. صورة بشعة: لقد حدثَ أمرٌ جلل، تبدّد دمُ الفساد على كتائب النظام. يدرك النظام هذه المعادلات الجديدة لكنها لا تثير حساسيته. فما يحدثُ يقعُ تماماً في جوهر فلسفة النظام: منح ركائز بقائه حريّة التصرّف وممكنات الرفاه، بالمقابل المعروف: الإخلاص، والسيطرة. ثمّة سبب إضافي، يؤدي إلى السبب الأول، المتمثّل في فلسفة نظام الحكم. فالقيادة السياسية تفتقر بصورة جادة إلى الرؤية الاستراتيجية أكثر من افتقارها إلى الحس الوطني. فعلى سبيل المثال: يتحدث رئيس الجمهورية، ورسميّون أدنى منه رتبة، عن الفساد بحماس منقطع النظير. لكن لا السيد الرئيس، ولا أيّ من أولئك الذين يرتبطون به عبر خيوط العنكبوت الكبير، يمتلكون تعريفاً واضحاً للفساد. التعريف الذي يتمتع بالشمولية والإجرائيّة، ويمكن تشغيله إجرائيّاً حتى يتحوّل إلى معنى شديد الإلهام، ناصع المعياريّة. ومع غياب الاستراتيجيا، الغياب المحاط بتفكير أمني آلي يتموضّع حول هاجس "الحرب الباردة مع الجماهير" تحضر فكرة "المشاريع الصغيرة" في خطاب السلطة. يعتقد النظام أن المشاريع الصغيرة هي تلك المبادرات المحلية التي تبدو من صياغتها، وفلسفتها البنيوية، وطنيّة وحداثية. ينطلقُ في مواجهة أصحاب المشاريع الصغيرة بحماسٍ لا حدّ له، بالرغم من أنّ أولئك المعنيين بخطاب السيد الرئيس يقولون إن عملية توريث السلطة وما يترتب عليها من تأجيل المستقبل اليمني واعتساف الماضي والراهن لأجل هذه العملية هو "مشروع صغير" بحسبانه يجري في ساقية غير وطنية. في سكّة الندامة هذه لا تبدو الحقيقة القائلة: يوجد في اليمن 14 ألف مدرسة يديرها 14 ألف مؤتمري مرتبط بـ 14 ألف رجل أمن، ذات معنى فاسد وغير وطني بالنسبة للقيادة السياسيّة. كما أن هذه الشمولية، التي تتسامح في قضايا فساد ذات رمزية مفجعة، على شاكلة: اختفاء 3 مليارات ريال من حساب جامعة تعز، و3 مليارات من جامعة صنعاء، هي أكثر الشموليات جهلاً بحقيقتها. يقفُ الضحك عند باب المتاهة: لطالما قفز المسّاحون في الظلَم ليقولوا الكثير من الكلام فارع الطول في هجاء الشمولية الماركسية في الجنوب. وهم يقصدون تلك الشمولية الجنوبية التي يكمن اختلافها الجوهري عن الشمولية الشماليّة - التي أصبحت شمولية "شاملة"- في كون الأولى شمولية متنوّرة، يمكن اعتبارها إفرازاً تاريخيّاً لفلسفة المستبد العادل. (3) قال مجوّر العولقي، رئيس الوزراء، إن مشكلة اليمن تنحصر بدرجة أساسية في "قلة الموارد". بالمقدورِ التعامل مع هذا التعويم: نعم، في قلة الموارِد الفاعلة والعاقلة، في الجبهة الأمامية التي يناطُ بها قيادة المجتمع اليمني. فالشمولية العسكرتارية، بحس شديد الدهاء، قامت بعملية تخريب منهجية للجامعة كمؤسسة منذ التأسيس، شأنها شأن بقيّة المؤسسات التي خرّبتها اليد الشرسة، لمصلحة تمكين أدوات السيطرة والتحكم في حرب النظام الباردة ضد الجماهير. إنها ذات اليد التي، رغم هذه البركة الهائلة من الفوضى، يُزعَمُ أنها صنعت مجداً عظيماً موازياً للتاريخ، ومجاوزاً له. في الواجهة تربضُ صورة جائعة: الجامعات اليمنية خذلت المجتمع اليمني بقسوة، حتى سمعنا كلنا صراخ وزير التعليم العالي وهو يتساءل عن سبب غياب الرؤى والأفكار والمقترحات التي يفترض أن تخرج من أروقة الجامعة لترفد المجتمع والحياة اليمنية بمقترحات لتفكيك الأزمة والمشكل الوطني على المدى القصير والمتوسّط. لم يقف سقوط الجامعة اليمنية، وهذا مجرّد مثال، عند حد تحوّلها إلى مغارات يختبئ فيها الطلبة لسنوات قبل أن تطردهم على شكل خرّيجين قليلي الحيلة. حالياً، شهدنا ثلاث فضائح جامعية تكفي واحدة منها لاستقالة الحكومة ثلاث مرّات! جامعة الحديدة تغرقُ نصف دفعة دراسية في البحر، بعد أن سرق معلومون الاعتمادات المالية لكليتهم .. جامعة تعِز تسقط في فخ الفساد المهول بحسب الجهاز المركزي للرقابة: 3 مليارات ريال تذهبُ مع غودو إلى العدم! أما في جامعة صنعاء، حيثُ تبدو الأسرار الضخمة أكبر من قدرة الأذكياء على الكتمان، فقد كشف أكاديميون ضد الفساد عن فضيحة مدويّة: 14 مليون دولار! إنهم يفضّون شرف الجامعة إلى الأبد. حتى في ذلك الزمن الحتمي القادم، حين سنتذكر هذه المتاهة كتاريخٍ ملعون، فإننا سننكسر بعمق لأن شرف أمّنا المضيئة (الجامعة) طمثَه جماعة من الإنس تحت إشراف رجالٍ يمنيّين افترضنا أن مهمتهم حماية هذا الشرف! كتب أمبرتو إيكو، الإيطالي المعروف عالميّاً: في عام 1932 اجتمع موسوليني ب1200 أستاذ جامعي وأمرهم بالعمل لصالح الأجهزة الأمنية في مؤسساتهم. يقول إيكو: لم يرفض هذا الأمر سوى 12 أستاذاً خسروا، نتيجةً لموقفهم ذلك، مواقعهم. لكننا نحملُ الآن لهم حبّاً واحتراماً عميقين لأنهم كانوا القلة التي حفظت شرف الجامعات الإيطالية إلى الأبد. * عنوان رواية للكاتب العالمي غابرييل جارسيا ماركيز. |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
|