![]() |
#1 |
مشرف سقيفة المناسبات
![]() ![]() ![]()
|
![]() ![]() أحمد بن عبدالعزيز الحداد كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي التاريخ: 02 يوليو 2010 مسألة إرضاع الكبير التي ظهرت فجأة لا تستدعي جدلاً فقهياً ولا استغراباً شعبياً؛ لما فيها من النصوص الواضحة التي لا تقبل الاجتهاد، إذ لا اجتهاد في مورد النص، كما أن النظر إلى مقاصد الشرع يحكمها، ولو لم يكن فيها نص قطعي، أما النصوص فكثيرة شهيرة في الكتاب والسنة؛ من أصرحها قوله سبحانه: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِم الرضَاعَةَ }. فقد حددت الآية صراحة مدةَ الرضاعة بحولين، أكدتهما بـ«كاملين»، لقطع العدد التقريبي فيهما، والمعنى أن مدة الرضاعة التي لها الأثر في النفع باللبن هي حولان، أما بعدهما فإنه يستغنى عنه بالطعام، وذلك ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «فإنما الرضاعة من المجاعة»، ولا تكون المجاعة إلا حينما يكون غذاء الطفل اللبن فقط، وفي حديث آخر: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام»، وفي رواية: «لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم»، فهذه الأدلة ظاهرة الدلالة على وقت الرضاع المحرم، وهي نصوص في الموضوع لا تحتمل التأويل، ولذلك أجمع العلماء على أنه لا رضاع بعد الحولين، كما قال ابن القطان في مسائل الإجماع 2/.15 وقال الجصاص في أحكام القرآن 1/ 411: «واتفق الجميع على نفي الرضاع المحرم للكبير». ومعلوم أن ما أجمعت عليه الأمة لا يجوز خرقه بقول شاذ، أو دليل محمول على غير وجهه، فذلك من تولي غير سبيل المؤمنين، ويتعين على العالم ألا يضرب بنصوص العلماء الواردة في الموضوع عرض الحائط، فإن من شروط الإفتاء معرفة مسائل الإجماع حتى لا يخرقه. أما قصة سالم مولى أبي حذيفة التي تشبث بها أولئك، وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة: «أرضعيه تحرمي عليه»، فإنه وإن كان صحيحاً في سنده، إلا أنه متروك العمل به ظاهراً بلا خلاف بين العلماء، لمخالفته للأدلة الأخرى، ومن قواعد الاستدلال عند أهل العلم أن العمل بالحديث لا يقتصر على النظر في سنده فقط، بل لابد من النظر في متنه، والأدلة الأخرى، للجمع بينها إن تعارضت وتكافأت في الصحة، وهذا ما فعله علماء الفقه والحديث في هذه المسألة، فإنهم قد اتفقوا على عدم العمل بظاهره، لكونه خاصاً بواقعة الحال، وهي سالم مولى أبي حذيفة، كما كانت أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن يقلن: «لعل هذه كانت رخصة لسالم خاصة»، ومن العلماء من قال إنه منسوخ، وعلى فرض عدم هذا ولا ذاك، فإن دلالة القرآن الواضحة تقدم عليه قطعاً، وعندئذ فلا تعارض قطعاً. وهذا من نقد المتون الذي هو كنقد الأسانيد في الأهمية عند العلماء، فما أوقع الظاهرية في الزلل إلا عدم اعتنائهم بنقد المتون. فهذا ما قرره علماء الإسلام من محدثين وفقهاء في هذه المسألة، وقد قال الله تعالى:{ وَلَوْ رَدوهُ إِلَى الرسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }، فلا ينبغي أن يشذ أحد برأي يقظ فيه مشاعر الناس أجمعين؛ فما هكذا تورد الأدلة وتؤخذ الأحكام! وقد كان سفيان بن عيينة يقول: الحديث مَضِلة إلا للفقهاء؛ يعني لأنهم ينظرون إلى عامه وخاصه وناسخه ومنسوخه ومطلقه ومقيده، فيأمنوا بذلك من زلل الاستدلال في غير موضعه، نسأل الله تعالى أن يجنبنا الزلل في القول والعمل. |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
|