حضرموت الرؤيا والتاريخ / كتب: محمد بن ماضي

[حد من الوادي]

الرؤيا والتاريخ 6/18/2011 المكلا اليوم / كتب: محمد بن ماضي


بعد تلقي النبأ السار جدا باجتماع الحضارم وخروجهم برؤية موحدة ومشتركة.. انتابتني لحظة استرخاء وراحة نفسية أدت إلى استرخاء في عضلات قلبي المتوتر دائما.. بعدها شردت في خيال من النشوة الغامرة بهذا النصر التاريخي فأبحرت مع الأماني لأتخيل وطني الحضرمي في قمة ازدهاره الاقتصادي والعلمي والنظامي والاجتماعي.

ومدى النقلة المؤثرة التي ستحل بأرضنا إن هي الآمال رست على ميناء بندر عمر.. لم اصح من نشوتي تلك إلا وأنا اقلب في صفحات مكتبتي المبعثرة والتي تعكس حالة الفوضوية الثقافية وعدم الاستقرار الفكري التي نعانيها في الغربة.. باحثا عن آخر أمر عظيم صنعه وتوحد عليه الحضارم في المائتين سنة الماضية.. كنت ابحث عن شيء يضاهي ما خرجنا به في من ارتياح في يوم "اثنين الفخر الحضرمي" بتاريخ 2011/6/13م الموافق للحادي عشر من شهر رجب الحرام.. جراء صدور "وثيقة حضرموت" وميثاقها الباذخ بروح الوفاء والحب الذي عكس في مرآته حالة من إخلاص افتقدناها منذ زمن.. والتفاف منقطع النظير حول رؤيتنا التي ستحسدنا عليها الأمم في قابل الأيام.

عدت بالصفحات لسنوات خلت فلم أجد سوى فراغ وجمود وسقم سياسي تام حل بالأمة الحضرمية منذ آخر منجزاتهم في مؤتمر سنغافوره 1928م التي سبق أن تطرقت إليها في مقالنا السابق بموقع الضمير الحضرمي "المكلا اليوم" تحت عنوان "رسالة مخضبه بدموع حضرمي في الغربة".

فقد كانت مخرجات مؤتمر سنغافورا 1928م هي آخر ورقة نتفق عليها.. ولم تقر أعيننا بمثيل لها لغاية يوم "اثنين الفخر الحضرمي" الذي جسد فيه مثقفونا ونخبتنا حالة من نبذ الذات والأنا فسمو بأمنا الصابرة وامتنا المرهقة.. فحلقوا بنا في أعلى المستويات فخلت حينها أنني فوق السحاب وصدقت نفسي حينها أننا خير الأمم.. كيف لا ؟ وقد اتفقنا.. نعم اتفقنا.

لا أبالغ أيها السادة إن قلت لكم إنني ولغاية الآن على جزم وثقة بأننا خير الأمم.. لأننا اتفقنا.. وهل تقاس الأمم إلا باتفاقها وتوحدها ؟

بل أن الأمر سيتعدى هذا.. ففي حال نجاحنا في فرض رؤيانا وتطبيقها فعندها سنقول أن ما خرجنا به في "اثنين الفخر الحضرمي" هو أعظم منجز سياسي حضرمي منذ حركة طالب الحق الحضرمي 129هـ الذي سطر بمعية أجدادنا الأوائل آخر ملاحم البطولة والشجاعة الحضرمية والذي عملت مختلف القوى السياسية حينها وبعدها إلى تلطيخ سمعته وإلصاق التهم الدينية له كما هي عادة المنتصر عندما يكتب التاريخ ويشوه سمعة خصومة السياسيين بتهم دينية لا أساس لها من الصحة.. فلم نعرف بعدها سوى الخنوع والذل ولبس السواد.

بل إنني سأزيد على ذلك وأقول أن وثيقة حضرموت تعتبر نجاح قد يضاهى بأعظم منجزات الحضارم في المجال الدعوي ومآثرهم في الشرق الآسيوي "مع مراعاة الفارق في المجالين السياسي والدعوي".

هذا كله سيتحقق إن شاء الله.. إن نحن بقينا ملتزمين بميثاقنا.. معتبرين جيدا.. وبدقة بالغ.. قي ضمائرنا.. وحساباتنا.. أن كل ما نفعله.. وما فعلناه..وما سنفعله في فعالياتنا السياسية سابقا وفي "اثنين الفخر الحضرمي".. وما سنتفق عليه لاحقا إلى ما شاء الله.. ليس مجرد انتصار للذات أو استئثار بالثروات أو عبث أو هوى أو مكايدة أو انانية أو لمجرد أن نقول أن لدينا دولة.. بل يجب أن نتذكر أن كل هذا العمل إنما فعلناه لأجل "الإنسان" والقتال من أجل حياة كريمة للإنسان الحضرمي والارتقاء بالخدمات الاجتماعية للفرد والمجتمع والبلاد على حد سواء.. سواء حضرموت أو ما جاورها من أقاليم عزيزة وغالية على قلوبنا.. وأنا أثق أن الغالبية من جيراننا سينظرون لنا برؤيتنا للمسار الموقع عليها.. بشيء من الانبهار والإعجاب وسيجدون فيها نموذج مخلص لجميع المحافظات من أتون الصراعات وعدم الاستقرار فبلدانهم عامرة بالخيرات التي لم تكتشف بعد مثلما هي حضرموت.. وأمامنا وأمامهم جميعا مستقبل رائع إن تمكنا من تحقيق الاستقرار الذي تنهج إليه إدارتنا في مجلس حضرموت الأهلي الموقر.. وان ظهرت بعض أصوات النشاز من هنا وهناك إلا أنها ستبقى أصوات نشاز لن تعيق مسيرتنا برؤيتنا إن شاء الله.. وفي الأخير سيفهمون وسيلمسون النتائج وبعدها سيدركون إنما نحن نعمل لمصلحة الجميع وليس لمصلحة حضرموت فقط.

الحد الأدنى..

قال لي احدهم أن الرؤية طالما بدأت بالحد الأدنى فهي متواضعة.. ! فأجبته قائلا.. كلا بل هي عظيمة فجملة "الحد الأدنى" إنما وظفت في صيغة الوثيقة بصورة ذكية ورائعة تعكس مدى دهاء وحنكة من صاغوها فجملة "الحد الأدنى" في وثيقتنا كتبت في سطر يشير إلى السماء.. وليعلم الجميع أن فيدراليتنا التي ننشدها هي أقل ما يمكن أن نطالب به ولا يوجد ما هو أدنى منها.. فالعقل الحضرمي قد أدار ظهره لأنصاف الحلول.. وهو قادر على أن ينال مراده "وإن على السقف".. وفي هذا التواضع المقرون بشيء من المنعه والصلابة حالة من الوعي السياسي التي لا تعد ضعفا ولا هبوط في أسقفنا ففي الجملة تلك تم استخدام صفة "العرض والتذكير" في صياغة لغوية لا تخرج إلا من سياسي محنك وأستاذ في اللغة العربية.. وأنا متفق تماما مع هذا التوظيف في المصطلحات والواقعية السياسية التي صبغت الوثيقة وتنم عن حس سياسي صادر من نهج عقلاني غير مبالغ ولا "زناط".

ومن الحكمة أن نتعلم من الشعوب الأخرى ممن سبقونا في مجالات عديدة كيف أن دولا جارهً قطعت أشواطاً متقدمة في مجالات تحقيق النجاحات السياسية والتنمية الشاملة والإنتاج والتطوير على أكثر من صعيد.. ويجب أن نعي أن هذا نتاج طبيعي لحالة من "التواضع السياسي" الذي تحلوا به.. ونأو بأنفسهم عن العنتريات والمبالغات التي اجتثها الربيع العربي لاحقا ولم يترك منها سوى الذكريات الأليمة.. وكم نحن بحاجة إلى سلوك نفس منهج "التواضع السياسي" سواء على صعيد ممثلينا وقادتنا في مجلس حضرموت الأهلي أو في هيكل النظام اليمني أو على الصعيد الشعبي ومناضلينا في تنظيمات الحراك السلمي وعلى رأسهم المناضل أحمد بامعلم الذي يعتبر حاليا ابرز النشطاء الحراكيين بلا منازع في وقت خفتت فيه نجوم جميع قادة الحراك في المحافظات الأخرى واختفت امام بريقه..علما أن "التواضع السياسي" ليس ضعف أو وهن بل هو حالة تقدمية راقية من الذكاء والوعي التام بتقلبات اتجاهات الرياح في ميادين السياسة.. وهي حالة يحتاج لها أي فريق إداري في أي مجتمع يسعى للارتقاء بمستوى العلاقات الإدارية بين أطياف ومجاميع الفرق العاملة في مجال تحصيل حقوق مجتمعنا الضائعة بين نهب وإهمال.

عدم التخوين..

مما يسر القلب أن هذه الوثيقة "حضرموت.. الرؤيا والمسار" لم تترك باب لدخول الأهواء بين مكوناتنا السياسية وفتح أبواب التخوين.. ولله الحمد لم نرصد لغاية اليوم أي اتهام او تخوين صدر من أي من الجهات السياسية أو الأقلام الوطنية الشريفة.. وان صدر ما صدر من "الرابضة" إلا إننا لم نعد نعدها صوت حضرمي أو أي "شيء" ذا وزن.

مخيمات المبايعة..

إن الرؤية لغاية الآن لم تلقى حقها من الانتشار ولم يطلع الشعب الحضرمي بمختلف فئاته عليها علما أن الجميع يتوق ويتمنى أن يتشرف بوضع توقيعه على الوثيقة وان يبصم على الميثاق بأصابعه العشر.

فإنني أدعو مجلسنا الحضرمي الأهلي أن يعمل على إنشاء مخيم متنقل مع كوكبة منتقاة من المتحدثين باسم المجلس.. حيث يقوم هذا المخيم بالتنقل بين الوديان والصحاري لعرض الوثيقة التي شرفتنا وسترفع رأس كل حضرمي.. وأخذ المبايعات عليها.. وكلي ثقة تامة إنكم في المجلس الأهلي ستنبهرون بمدى القبول والاستحسان الذي ستواجهونه.
ولست في صدد شرح فوائد مثل هذه الخطوة على الصعيد السياسي والاجتماعي فأنتم أهل فهم ودراية, وأملي من رجال الأعمال والأثرياء أن يعملوا على تمويل مثل هذه النشاطات.

دعوة للاتفاق والتوحد..

أيها السادة.. أعيان حضرموت.
أيها السادة.. أبناء حضرموت في السلك السياسي للجمهورية اليمنية.
أيها السادة.. أبناء حضرموت في البرلمان اليمني.
أيها السادة.. أبناء حضرموت في التنظيمات السياسية المعارضة.
أيها السادة.. أبناء حضرموت في الحراك السلمي.
أيها السادة.. أبناء حضرموت في المهجر العربي.
أيها السادة.. أبناء حضرموت في المهجر الأسيوي.
أيها السادة.. أبناء حضرموت في المهجر الإفريقي.
أيها السادة.. أبناء حضرموت في المنفى.

كلي ثقة أن عقولنا ستجتمع على وثيقة حضرموت الرؤيا والمسار ولنكن جميعا متأكدون بان هذا الاتفاق الحضرمي يعطي قلبه واهتمامه في صميم الوثيقة للمضمون والنتائج.. قاصدا من كل هذا.. الارتقاء بالنواحي الإنسانية للفرد والمجتمع تحت مضلة وثيقة "حضرموت.. الرؤيا والمستقبل" فالحلم الحضرمي هو باعتقادي تحقيق رفاهية الإنسان الحضرمي الاقتصادية والأمنية معا.. الحياة الكريمة لأهلنا في حضرموت بدء من الصحة والعلاج مرورا بالغذاء وانتهاء بالعمل والسوق الاقتصادي الكافي والواسع لكافة أبناء المحافظة من اجل الارتقاء بمستوياتهم وتكوين أنفسهم من الصفر في أي مدينة أو جزء من حضرموت بدون الحاجة للغربة والهجر.