حضرموت شاهد على العصر ( 3-3 ) النكسة و النكبة ودمار الجنوب العربي

[حد من الوادي]

شاهد على العصر ( 3-3 ) النكسة و النكبة ودمار الجنوب

8/9/2011 المكلا اليوم / كتب: د. أحمد بفرط


سوف أبدا مقالي هذا بما قاله فيلسوف الهند طاغور وهو يخاطب وطنه (( إيه يا وطني، أطلب إليك الخلاص من الخوف، هذا الشبح الشيطاني الذي يرتدي أحلامك الممسوخة، الخلاص من وقر العصور، العصور التي تحني رأسك وتقصم ظهرك، وتصم أذنيك عن نداء المستقبل )) بهذه الفلسفة أخاطب شعب حضرموت من الآن وصاعدا يجب ألا نختفي خلف الأسماء المستعارة لابد من أن نرفع صوتنا عاليا لنخترق طبقة الخوف التي قتلتنا وجعلتنا حبيسين أحلامنا ونكرر دائما مقولتنا (( قع ذر وكل سكر )) .

في عام 1941 أي قبل أول صرخة لي في الحياة بثمان سنوات ظهر في حضرموت وبداية من عام 1941م حزب الرابطة الحضرمية وحزب الوحدة الحضرمية والحزب الوطني أي قبل ظهور حزب رابطة الجنوب العربي والجمعية العدنية بتسع سنوات مما يدل بان الحضارم هم أول من رفعوا أصواتهم ضد الجهل والفقر والمرض و الظلم بل وامتد حراكهم التضامني ليشمل الجنوب العربي حيث كانوا من ابرز قيادات رابطة الجنوب العربي أمثال السيد شيخان الحبشي و أحمد عمر بافقيه و السيد محمد علي الجفري ..

لا أريد هنا التقليل من أبناء الجنوب الآخرين ولكنني أدلل بأن الحضارم لهم السبق دائما في حمل راية النضال والتحرر .


في أحدى ليالي دمشق العاطرة بشذى الياسمين الذي ينبعث من حديقة قبو المنزل الذي كنت اسكن فيه ونحن نتسامر أنا وزملائي بجوار النافورة ونستمع إلى المذياع ونتنقل من إذاعة لندن إلى صوت العرب الذي كان يجلجل بصوت المذيع احمد سعيد اللي ((عمل لنا من البحر طحينة)) كما يقول إخواننا المصريين ونحن نتابع الأحداث المتسارعة من التوتر بين العرب و إسرائيل كان ذلك في شهر يونيو 1967 وفي ليلة 5 يونيو ( حزيران ) وكان الجميع متحمس للحرب التي كنا نعتقد بأنها سوف تخلصنا من إسرائيل للأبد ونمنا تلك الليلة على أحلامنا كيف لا نحلم واحمد سعيد كان يقول لنا بأن مصر تمتلك قوة ضاربة من الطيران والصواريخ القاهر والظافر والدبابات وأن اليهود ليس لهم ملاذ إلا البحر الأبيض المتوسط وتم تحالف كل من مصر وسوريا والأردن (( المتردية والنطيحة وما أكل السبع )) .

صباح يوم الاثنين الخامس من يونيو الساعة 7.45 دقيقة شنت إسرائيل ضربة استباقية على المطارات والقواعد الجوية والطيران المصري ودمرت الجانب الأكبر منه على الأرض ونحن نستمع لأحمد سعيد بصوت العرب بأن الطيران المصري يصول ويجول ويدمر الطيران الإسرائيلي والقوات الإسرائيلية على الأرض وان إسرائيل على وشك الاستسلام ..

اتفقت أنا ومجموعة من زملائي الطلبة أن نذهب لأحد معسكرات التجنيد بدمشق للانخراط في الجيش الشعبي وكان ذلك المعسكر أسفل جبل قاسيون الذي يطل على دمشق وفعلا تم تجنيدنا وأعطينا بدل عسكرية اعتقد أنها من بقايا أيام حكم الملك فيصل ابن الحسين لسوريا و بندقية آلية بلجيكية و 140 طلقة رصاص وتم إلحاقنا بمجموعة من المقاتلين على جبل قاسيون وكانت مهمتنا هي القبض على الطيارين الإسرائيليين التي يتم إسقاط طائراتهم وكنا نراقب الجو متلهفين لسقوط الطيارين ونقوم بدوريات للبحث عنهم وأحمد سعيد يصدح بصوته المرعب لقد أسقطنا 60 طائرة لقد أسقطنا 100 طائرة لقد دمرنا الطيران الإسرائيلي والإذاعة السورية في سباق مع احمد سعيد في من يكذب أكثر ..

كي أكون دقيقا فقد كنا نقوم فعلا باصطياد طيارين إسرائيليين متنكرين على هيئة كلاب ضالة وكانوا منتشرين في الجبل قبل أن تبدأ الحرب وساهمنا بتخليص دمشق من هذه الكلاب .. ولم نفق من هذا الهذيان وهذه الهلاوس إلا بإعلان جمال عبد الناصر تنحيه عن الحكم وتحمله كامل المسئولية عن الهزيمة في اليوم التاسع من يونيو 1967 و بعد أن سمعنا بان الجيش السوري ينسحب من الجبهة بالملابس الداخلية كي لا يتم اصطيادهم من قبل الجيش الإسرائيلي لقد كانت هزيمة منكرة للأنظمة المتعفنة التي كانت جاثمة على شعوبها وتحكمها بالمخابرات و تلفيق التهم على كل ناصح أمين .

لقد عرت هذه الهزيمة هذه الأنظمة كانت هزيمة الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967 حدثاً مروعاً ومدوياً في التاريخ العربي، و الصهاينة حصدوا فيها مساحات تماثل أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة الأرض التي سطوا عليها في نكبة عام 1948 ..

المهين والمخزي والمعيب هو موقف الشعوب العربية من حكامها تلك الفترة فبدلا من أن تطالب بإسقاط الأنظمة المتعفنة كما يحدث هذه الأيام خرجت المظاهرات و المسيرات الرهيبة الترليونية بعد آن تم شحنهم من قبل الإعلام المصري في جميع البلدان العربية تطالب برجوع جمال عبد الناصر عن الاستقالة التي لم تكن إلا مسرحية من إعداد النظام المصري ..

ألا تستحق هذه الشعوب الهزيمة ؟؟ .. من المواقف الطريفة المؤلمة التي حدثت تلك الأيام أن بعض زملائنا الطلبة الحضارم طالبو وبإصرار أن يتم توجيههم للجبهة أثناء الحرب وتم وضعهم في خط الدفاع الثاني وكان الطيران الإسرائيلي يجوب الأجواء دون حسيب ولا رقيب ويقصف كيفما يريد وأينما يريد وكان احد الزملاء صلعته من النوع الممتاز اللامع المتصل مابين الجبهة والرقبة ومر الطيران فوق رؤؤس الزملاء وإذا بأحدهم ومن شدة الخوف يأخذ حفنة من التراب الرطب ويدهن بها صلعة صاحبنا قائلا له موه صلعتك أي غطي صلعتك كي لا يتعرضون للقصف ..

مرت علينا تلك الأيام ونحن مكتئبين حزينين غير مصدقين أننا كنا بلهاء مضحوك علينا من قبل عبد الناصر والإعلام المصري بأننا نملك أقوى جيش سوف يحرر فلسطين ومع الأسف مازال الإعلام العربي يمارس نفس الدور حتى الآن .. إلا أن الفرق هنا أن الشعوب تغيرت وشبت عن الطوق ولم تعد تصدق ما يبثه الإعلام العربي وتبحث عن الحقيقة في أي مكان آخر ..

وكان من أهم نتائج هذه الحرب إغلاق قناة السويس وبالتالي باب المندب أصبح مضيقا متوقفا عن العمل وبالتالي مينا عدن الذي كان يستقبل يوميا 48 باخرة تتزود بالوقود ويتسابق ركابها على منطقة التواهي بعدن لشراء السلع التي كانت معفية تماما من الضرائب وكان يقدر عدد السائحين لعدن بنصف مليون سنويا وبدأت بريطانيا تفكر جديا في الخروج من مستعمرة عدن لعدم جدواها الاقتصادي

و كان بإمكانها تسليمها لاتحاد الجنوب العربي ولكن بعقلية الانجليزي الخبيث بدأ الانجليز يفكرون بحليف يستلم الجنوب دون أن تدفع فلسا واحدا كاستحقاقات ل 129 عاما من الاحتلال ووجدوا في الجبهة القومية ضالتهم ولا زلت أتذكر وصول قحطان الشعبي إلى مطار عدن و عبداللطيف الشعبي و عبدالفتاح اسماعيل وعلي سالم البيض الذي أصبح وزيرا للدفاع في أول حكومة تشكلت بقدر ما كنت احلم بذلك اليوم الذي تتحرر به بلادنا من الانجليز بقدر ما كنت حزينا بأن تتسلم مقدرات بلدنا الجبهة القومية التي تضع مصلحة الوطن في ذيل القائمة . لقد كان يوم 30 فبراير 1967 يوما مشئوما على الجنوب ولا اعلم لماذا يتم الاحتفال به كل عام ..

وقد يكون من المفيد أن نتذكر تسلسل أحداث هذا الشهر :

- 2 نوفمبر 1967م: الجبهة القومية وجبهة التحرير توافقان على الانضمام إلى المفاوضات مع بريطانيا..
- 3نوفمبر: بريطانيا تعلن عن خطتها للرحيل بنهاية الشهر لأن المصريين سيرحلون عن اليمن ، الجبهة القومية تسيطر على كل الإقليم، وجبهة التحرير لا تزال قوية في عدن.

- 5 نوفمبر: الجيش الاتحادي يستخدم النار لأول مرة في إحدى الصدامات.
- 6 نوفمبر: متظاهرون لوقف القتال، والفرق البريطانية مازالت في حالة استعداد.
- 7 نوفمبر: القتال يتواصل لليوم الرابع, مائة قتيل، و300جريح.
- 8 نوفمبر: إعلان الجيش دعم الجبهة القومية.


- 9 نوفمبر: الجبهة القومية تطلب من بريطانيا التفاهم معها ويعتبر سيف الضالعي رئيساً للدائرة السياسية.
- 10 نوفمبر: الطائرات البريطانية في عمليات ضد المتسللين من جبهة التحرير من اليمن.
- 12 نوفمبر: بريطانيا تستعد للتفاوض مع الجبهة القومية والفرق البريطانية تتناوش مع الجبهة القومية في عدن.

- 13 نوفمبر: قيادات جبهة التحرير تنسحب ومعظمهم يقتل.
- 15 نوفمبر: المفاوضات ستعقد في جنيف والاستقلال سيكون في 30نوفمبر.
- 17 نوفمبر: الناطق باسم الجبهة القومية عبدالله الخامري يصرح بأنه سيقبل كل الدعم من غير شروط والجبهة القومية تعلن قحطان الشعبي رئيساً وفيصل الشعبي رئيساً للوزراء والخامري نائباً لرئيس الوزراء.


-20 نوفمبر: وفد الجبهة القومية يغادر إلى جنيف.
- 21 نوفمبر: الوفد يتوقع مساعدات أكثر من بريطانيا.
- 26 نوفمبر: ستسمى الدولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية. والبدء بإدارة مكاتب الحكومة ومدينة الاتحاد تحول إلى مدينة الشعب والجبهة القومية تبدأ بإدارة الهجرة، العمل، والإرشاد القومي، وبريطانيا تدخل مرحلة الانتقال النهائي.
- 27 نوفمبر: المفاوضات تتوقف عند رغبة بريطانيا إبقاء بعض الفرق والإداريين والمهندسين في عدن والجبهة القومية تتقدم بطلب لدعم اقتصادي إضافي.

- 28 نوفمبر: الجبهة القومية تستعد لعضوية الأمم المتحدة.
- 29 نوفمبر: بريطانيا توضح: المفاوضون يتفقون حول قضايا اقتصادية ومستقبل مصافي الزيت البريطانية.
- 30 نوفمبر: توقيع الاتفاقية و قضايا الدعم لم تناقش الأمم المتحدة ترحب باليمن الجنوبي


- 1 ديسمبر: الشعبي يعين 13 شخصاً من أعضاء القيادة العامة للجبهة القومية في الهيئة التشريعية ويعلن عن نظام الحزب الواحد .

طبعا تم استلام دولة مفلسة تماما ليس بها أي ثروة أو مقومات للحياة وبدلا من أن تستعين بجيرانها في الجزيرة العربية والدول العربية بدأت بحرب عدائية ضد هذه الدول وقامت بدعم العناصر المخربة في عمان رافعة شعار تحرير ظفار بالرغم من أن طلبة عمان الذين كانوا معنا بدمشق واذكر منهم الكثيري كانوا يتعلمون على حساب دولتهم التي كانت تعطيهم بسخاء ..

استمر هذا النهج السياسي المدمر والغبي إلى أن تم الانقلاب على قحطان الشعبي وسارت بلادنا في نهجا أكثر تطرفا و إيلاما للشعب بالسير في طريق الاشتراكية وصولا للماركسية اللينينية وتم تامين المنازل متزامنا مع تخفيض الرواتب ومن المضحك المبكي أنهم اخرجوا الناس بمسيرات تطالب بتخفيض الرواتب .. وبدأ مسلسل الإرهاب والتجويع للشعب وسحل رجال الدين بحضرموت و منع سفر الناس وسلب جميع حقوق الناس الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية لقد كان نظاما ستالينيا بكل ما في الكلمة من معنى ..

لقد كنا في الغربة نعيش قهر أهالينا و نتألم ونبكي ..


حضرموت حتى ذلك التاريخ كانت كيانا في ثلاثة مكونات السلطنة القعيطية والسلطنة الكثيرية وسلطنة المهرة حتى ذلك اليوم المشئوم يوم 19 سبتمبر1967م ففي مساء السادس عشر من سبتمبر 1967م سرت شائعة بين سكان المكلا مفادها :

أن السلاطين عائدون بالباخرة.. قادمين من جنيف عبر السعودية عن طريق البحر و قامت قيادة الجبهة القومية بحضرموت باعتراض الباخرة التي تقل السلاطين واقتحامها والاستيلاء عليها يوم 19 سبتمبر 1967 وإيقاف السلطان غالب بن عوض القعيطي والسلطان حسين بن علي الكثيري، والسلطان بن عفرير سلطان قشن وسقطرى والمهرة ووصل مندوب القيادة المحلية للجبهة القومية سالم علي الكندي حيث تمت مفاوضات سياسية بينه وبين السلطان غالب القعيطي وكان الحوار في معظمه قد جرى باللغة الأردية التي كان يجيدها المتفاوضان الكندي - القعيطي بحكم علاقتهما الأسرية بالهند

وقدم مندوب الجبهة القومية مشروع وثيقة تنازل عن عروش السلطنات الثلاثة كي يوقعونها إلا أن السلطان القعيطي رفضها وكتب وثيقة تنازل أخرى بقلمه ثم طلب من السلاطين المغادرة والعودة من حيث جاءوا وباستثناء بعض الذين طلبوا النزول في المكلا وقد تم السماح لهم بذلك وهم الأمير عبدالعزيز بن علي القعيطي وابن سميط حيث نزلوا مع الوفد المفاوض وبعدها أعطي إنذار للباخرة بالمغادرة.

تلك الأيام كانت فصل هام في تاريخ حضرموت التي خرج منها علماء واقتصاديون كبار قدموا كل خبراتهم وأموالهم لغيرهم من الشعوب لعدم توفر الأمان والنظام القمعي المتسلط والظلم من ذوي القربى وفيه يقول الشاعر عدي ابن زيد وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً ... على المرء من وقع الحسام المهنّد وسوف أحاول في المقالات اللاحقة الحديث عن تسلسل هذه المآسي كي يعرفها الجيل الجديد ويأخذ العبرة ولا يلدغ من ذلك الجحر .